رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"فصارعه ملاكٌ حتّى طلوع الفجر" (تك32،25) المطران بولس يازجي من كتاب "السّائحان بين الأرض والسماء" الله والإنسان الجزء الثاني كلّنا نعرف قصّة يعقوب، الذي ترك بلده وارتحل، ثم كوّن حياته وتزوّج وأنجب الأولاد وجمَّع الخيرات من المواشي والعبيد. ولكنّه للحظة يتذكّر "أرضَ آبائه"، وهي الأرض التي تربط حياته بـِ "الوعد"، أي بدِينه ومبادئه ورسالته في الحياة؛ فيشتاق للعودة. ولكنَّ طريق العودة كان يعني بالوقت ذاته قراراً حاسماً، فيه تحقيق الرغبة العامرة ولكن المخاطرة الكبيرة أيضاً. كان يعقوب يعرف أنّ عودته ستعني ملاقاته مع أخيه عيسو الذي اختلف معه منذ البداية، وعليه أن يكون عرضةً رخيصةً لثأر أخيه وبطشه. لهذا يبدو أنّه لما أخذ يعقوب قراره بالعودة، من حياته اليومية التي في الغربة إلى حياته التي تحقّق له الوعد بحسب الإيمان، كان قد اتّخذ هذا القرار في حضرة الله. كانيخطو طريق العودة وقد وضع اللهَ أمامه، لا بل سار في حضرته. إذ نجده في بداية مسيرته يشاهد رؤيا "سلّم يعقوب": سلّماً منتصبةً بين الأرض والسماء وملائكةُ الله تصعد وتنـزل عليها. وهذا يعني تماماً حضرة الله في خطوات يعقوب. ولما تقدّم يعقوب واقترب من الأرض، حيث سيلتقي أخاه، وعبر الجميعُ النهر حتّى أولادُه ونساؤه، بقي هو وحدَه "يصارع ذاته" متفكّراً بما سيجري نتيجة قراره هذا! وإذ بهِ يشاهد ملاكاً يصارعه، وقد صارعه طيلة الليل. هذا المشهد هو صورةٌ للخبرة التي يمرّ بها كلّ إنسانٍ مع الله، عند تنفيذه لقراراته الجديدة، التي يحسبها قد أُخذتْ بحسب رضوان الله وبركته! لم يستطع الملاك أن يغلبَ يعقوب! وعند الفجر قبل أن يتوارى الملاك، يطلب يعقوب منه "أن يباركَه"، فيباركُه الملاك ويغيّر له اسمه ويجعله "إسرائيل" بدل يعقوب. هذه البركة كانت ليعقوب دليلَ الرضوان الإلهيّ على مدى صحّة قراره ومسيرته الجديدة الغريبة في حياته. كانت هذه البركة له أهمَّ شيءٍ على الإطلاق، أي أن يعرف أنّه بدّل وجهة حياته وكان على حقّ! هنا كانت المعجزة الرّوحية، أي انتصار يعقوب الحقيقيّ، بعد البركـة. كـان هنـاك احتمــالان بعد بركــةالملاك (الله) ليعقوب. الأوّل هو أن يشعر أنّه "يمتلك الحقّ" مادام قد "اختار الحقيقة"! أي أن يبرّر ذاتَه بالرضى الإلهيّ والبركة التي نالها، ويشعر على الفور أنّ غيرَه (أخاه) "على باطل". ومادامت بركة الله معه فمن سيكون عليه؟ لا أحد، بلغة الكتاب المقدّس! لذلك كان المنتظَر في هذا الاحتمال أن يستشهد يعقوب من أجل هذا "الحقّ" الذي معه ويمتلكه. وإذا ما خرج أخوه عيسو للقائه كان عليه أن يحاربه، والله معه لأنّ "الحقّ معه". إنّه "صحّ"وصائب في قراره، وهذا يبرّر فوراً أن يمضي حتّى الشهادة والموت من أجل هذا "الحقّ - الصّح" الذي باركه الله له. كان سهلاً جدّاً أن يشعر يعقوب أنّ مكانة أخيه عيسو صارت أسفل ومكانته هي فوق. وهذا الاحتمال هو شكل "الأصوليّة الدِّينية" تماماً. حين نموت من أجل "الصّح" (الصواب) و"الحقّ" ونقتل أهمّ ما في الحقّ: "المحبّة"! الأصوليّ هو مَن يشعر أنّ الله قد "بارك" قراراتِه وأفكارَه ومواقفه، والمنتظر منه هو أن يحافظ على هذا "الصّح" وأن يلغي كلّ آخر "باطل". هذا إذا "صحَّ" شعوره بالـ "صحِّ" أيضاً. يُحيي الأصوليُّ الحقائقَ (التي يظنّها) ويقتل المحبّة. لكنَّ يعقوب، عندما باركه الله، لم يقرّر أن يبرّرَ ذاته ما دام هو على حقّ، "تواضعَ"، فقال سأمضي "وأسجد لأخي". الحقيقة لا ترفعنا فوق الآخر، الحقيقة تعطينا القوة لنتّضع أمامه. ما هو الـ "صحّ"؟ للأصوليّ "الصّح" أو الصواب أو الصالح هو المبدأ أو الفكرة أو المذهب الذي لديه، وقد كوّن معه الشعور بالرضى الإلهيّ والبركة عليه. والـ "صحّ" للمتواضع هو "العلاقة الصّح" (الصحيحة)، أي السلام بينه وبين الناس؛ وعندما يعرف أنّه على "حقّ" والآخر على "باطل"، يعرف على الفور أنّ عليه أن يتنازل، ليس عن حقيقته ولكن عن كرامته، لكي تصير العلاقة صحيحة- سليمة بينه وبين الناس. "التواضع" مفتاح الحقّ والسلام! لكنَّ التواضع ليس سهلاً أبداً. التواضع هو موضوع الصراع الداخليّ في الإنسان بين ذاته وحقّه. المتواضع يعرف الحقيقة لكنّه لا يملكها أي لا يتبرّر بها. المتواضع يعرف الحقّ فيحرّره من حبّه وعبادته لذاته ويحرّره من أهوائه. لذلك عندما يكون الحُرُّ على حقّ يتواضع ولا يتعالى؛ ترفعه البركة الإلهيّة، ولا يرى في سواها كرامةً، لذلك لا يجد في التواضع ذلاً ما دام هو الطريق الوحيدة بَعدُ إلى المسالمة. على أحد الطرفَين المتخالفين أن يتّجه نحو الآخر. هل ننتظر من الباطل أن يعرف قيمة التواضع، أم نتوقّع من الحقّ أن يسلك هذه الطريق؟ الحقّ أو "الصّح" مرتبط بالمحبّة والسلام، فدون أن نفرِّط بالحقيقة، نبذل الكرامة الشخصيّة فديةً لمحبّة الآخر، الذي على "باطل". لقد سجد يعقوب أمام أخيه عيسو، وناداه "يا سيّدي". ويقول الآباء القدّيسون إنّ تواضع يعقوب هذا كان صليباً كبيراً استدرَّ النعمة الإلهيَّة بقوَّة، والتي بدَّلت شرَّ عيسو إلى حنانٍ أخويٍّ عارم. فرفع عيسو أخاه، واشترى التواضعُ الحقَّ لاثنَين وليس لواحد. لا يخدعنا الشعور بأنّنا على حقّ. الحقيقة هي أن نكون على وفاق. أثمن من الحقيقة هي المحبّة، وأثمن من كرامة التبرير هو السّلام، دون أن تضيع الحقيقة بل أن تصير باللّقاء والحوار للجميع بدل أن نعتبرها حكراً علينا. "الصّح" للأصولي هو "أنا". و"الصحيح" في عينَي الله هو أن يرى علاقاتنا بين الأخ والأخ صحيحةً. هذا هو جهاد المسيحيّ الذي يطهّره، وهو أن يجعل كلّ علاقاته، أو ما استطاع منها، علاقاتٍ صحيحة. حين يملك المسيحيّ الحقّ عليه أن يشتريَ بتواضعه كلّ مَن هو على باطل. ليس "الصّح" موضوعاً، بل هو العلاقة. الأصوليّ هو عكس الله، لأنّه يحبّ الحقيقة لتبرير ذاته وليدين الآخر، بينما المتواضع، بحسب الله، يحبّ الحقيقة ليربح الآخر ويبذل ذاته. |
14 - 08 - 2014, 07:27 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: فصارعه ملاكٌ حتّى طلوع الفجر
مشاركه جميله ربنا يبارك يا غاليه ماري
|
|||
14 - 08 - 2014, 11:04 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: فصارعه ملاكٌ حتّى طلوع الفجر
شكرا على المرور
|
||||
|