رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إيليا وآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى بعد أربع سنوات أو خمس من القضاء على أنبياء البعل ، عاد إيليا ليلتقى بآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى ، وكانت يزرعيل إلى الشمال من السامرة بما يقرب من العشرين ميلا ، وعاد الشر إلى جولة أخرى مع الخير ، وآخاب يزداد سوءاً ومصيره يزداد بشاعة ، وذهب آخاب إلى الكرم ليرثه ، والتقى به إيليا هناك ، ليقول له : " هل قتلت وورثت أيضاً ؟ " "1مل 21 : 19 " . ويا له من ميراث رهيب ! " ... والحقيقة المحزنة هى أن الميراث الرهيب من الجائز أن يصل إليه الإنسان فى أرض الفساد والظلم ، رغم كافة الحواجز التى يمكن تجاوزها أو تجاهلها أو تخطيها بكل قوة وعنف.. طلب آخاب كرم نابوت لكى يحوله إلى بستان بقول ، وقال له إنى مستعد أن أعطيك ثمنه أو كرماً أحسن منه ، وكان يمكن لنابوت أن يرضى لولا أن الشريعة تمنع ذلك إذ لا يجوز لإنسان أن يتصرف فى ميراث آبائه ، وأغلب الظن أنه قال للملك : " كان بودى أن أفعل ذلك ، ولكن أمر اللّه يمنعنى من التصرف فى أرض الميراث " ، وذهب آخاب إلى بيته مغموماً " وامتنع عن الطعام ، ونام محزوناً كئيباً ، وإذا بإيزابل تأتى إليه وتستفسر عن سر حزنه ، ثم تسخر منه لأنه وهو ملك لا يستطيع أن يزيل عقبة كهذه ، وأمكن للملكة عن طريق الشر أن تحصل على الكرم ، هذا هو الفصل الأول من القصة ، ... وهو فصل يتكرر كثيراً فى الحياة . . قال السيد : " لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذى يؤدى إلى الهلاك . وكثيرون هم الذين يدخلون منه " مت 7 : 13 ".. إن طريق الشر واسع ميسور فيمكن أن تحصل علي ما تريد ، ولا يحتاج الأمر إلا إلى كذبة أو غش أو خداع أو تدليس ، أو شئ يعمل فى الظلام . وقد ينجح الشر فى الجولة الأولى من المعركة ، ولكنه هيهات أن يكسب المعركة الأخيرة .. يقول المرنم : " لا تغر من الأشرار ولا تحسد ععمال الإثم ، فإنهم مثل الحشيش سريعاً يقطعون ، ومثل العشب الأخضر يذبلون !! .. "مز 37 : 1 و 2 " ومع أن الميراث الرهيب أمر ممكن وجائز فى الأرض ، إلا أنه تلحق به حقيقة أخرى ، أنه دائماً مخجل ، .... واعتقد أن آخاب أحس الكثير من الخجل وهو فى طريقه إلى الكرم لرؤياه .. لقد اكتشف فيه نفسه ، واكتشف فى هذه النفس أشياء كثيرة تنكس الرأس . لقد اكتشف طمعه ، وكذبه ، وظلمه ، .. كان آخاب ملكاً يملك أعظم القصور والبساتين ، وكانت لديه بساتين وكروم متعددة ، ولكن هذه لا تساوى شيئاً طالما هو غير مستطيع أن يحصل على كرم نابوت !! يا للنفس البشرية التى لا تشبع ، والتى تتريد أن تأخذ لنفسها كل شئ!! . إننا نقيس أمورنا لا على حساب حاجاتنا ، بل على حساب جيراننا ، إذ لا أريد أن يظهر مجد إلى جانب مجدى ، أو سلطان إلى جانب سلطانى ، أو نفوذ إلى جانب نفوذى ، وكل بساتين الدنيا أو كرومها لا تساوى البستان الصغير الذي يملكه جارى،... يا له من طمع مخجل ! .. بل يا له من ميراث قبيح ! ذاك الذي لا أستطيع الحصول عليه إلا بالكذب والخداع والغش .. نادوا بصوم ، والمناداة بالصوم لا تحدث إلا إذا حدث أمر رهيب ، والأمر الرهيب أن نابوت جدف على اللّه والملك ، فياله من مجرم ، ويا لها من خطية شنيعة ، وها اثنان يشهدان أمام الشيوخ ، وها المحاكمة كلها تتم فى جو من الكذب ، وآخاب يعلم ويطأطئ رأسه خجلا ، بل هو يعلم أنه حصل على هذا الميراث بغير حق أو عدل ، بل حصل عليه بظلم صارخ ، .. ما أكثر الذين يأخذون من الناس مواريث متعددة ، ولكنهم يدفعون فى سبيلها أثمان باهظة ، إذ يدفعون المبادئ الروحية والأدبية : يدفعون الحق والشرف والكرامة والنبل والإباء والعدالة !! ، وهل تستحق كروم الدنيا كلها - لا كرم نابوت فحسب - هل تستحق أن يدفع فيها مثل هذا الثمن ؟!! ... فإذا أضفنا إلى هذا كله ، أن الميراث كان ميراثاً مقلقاً !! .. ذهب آخاب ليستمتع بالكرم الذي ورثه ، ولعل الكرم كان جميلاً ظليلا ، وكانت عناقيده حلوة ولذيذة ، وكان موقعه بديعاً ، وآخاب يستطيع أن يملأ نظره منه ، ويفيء إليه سعة الحر والهجير ، بل يستطيع أن يأكل منه ما يشاء دون أن يمنعه أحد ، فهل استراح الملك وأكل ؟ ، لقد أضحت الظلال ظلاماً ، والعناقيد علقماً ، والكرم سجناً رهيباً ، إذ سمع صوت اللّه العادل هناك : !! هل قتلت وورثت أيضاً " !! لقد ظهر نبى اللّه فى لحظة السرور والبهجة والتمتع ، .. يقولون إنه قبل أن يذهب إلى الكرم ثار عليه ضميره ، وحاول إسكاته بالقول : لم أصنع شيئاً !! ؟ فأنا لم أحاول اغتصاب الكرم .. لقد عرضت عليه ثمناً سخياً فأبى !! .. لقد عرضت عليه كرماً آخر أحسن منه مقابله فرفض .. ولم أفعل أنا شيئاً ضده ، فلم أتدخل فى الأمر ، بل تدخل غيرى ، كما أنه يستحق الموت لأنه عصى أمر مليكه ، ولكن صوت اللّه جاءه لينسب إليه القتل كيفما كان ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة !! .. فالرضا على الظلم ، هو بعينه الظلم ، والقتل بأمر آخاب أو بأمر إيزابل أو بأمر الشيوخ ، هو الدم الذي يتحمله آخاب أولا وأخيراً !! .. لم يتمتع الرجل بالكرم كما كان يشتهى ، لأنه فى قلب الكرم سمع عن مصيره المفجع ، ومصير بيته ، ولولا أنه اتضع ومزق ثيابه وصام ، لجلب اللّه عليه العقاب سريعاً ، ولكن بقية من رحمة اللّه آتية فلم يحدث كل الشر فى حياته ، ولو أنه تاب مع إيزابل لنجيا ، ولكنها لم تتب ، فدمرت بيتها بيديها وأضحت قصتها مثلا تذكره الأجيال بالخوف والفزع والرهبة !! .. قيل إن أحد ملوك انجلترا أراد مرة أن يستولى على حديقة كنيسته ليكمل بها قصره ، فسأل رئيس الوزراء : كم تكلف هذه الحديقة .. فأجابه: إنها تكلف ثلاثة تيجان .. تاج انجلترا ، وإيرلندا ، واسكتلندا ، أى أن محاولة أخذها ستقلب العرش ، وكان هذا كافياً لإقلاع الملك عن فكرته !! .. أجل " مخيف هو الوقوع فى يدى اللّه الحى !! .. " عب 10 : 31 " .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
إيليا وآخاب عند كرم نابوت اليزرعيلى |
شخصيات كتابية نتعلم منها ( نابوت اليزرعيلي ) |
نابوت اليزرعيلي |
نابوت اليزرعيلي |
نابوت اليزرعيلي |