شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
العدد 35 - تفسير سفر العدد
مدن اللاويين ومدن الملجأ
فى الإصحاح السابق شرح حدود الأرض وانها أرض خصبة وما حولها خراب. وفي هذا الإصحاح نرى أن الله ساكن في هذه الأرض وأن بها مدن ملجأ تحمى من الموت. والمعنى أننا في ثباتنا في المسيح لنا بركة ونجاة من الموت أي حياة أبدية (أع 12:4) وهذا الإصحاح هو تنفيذ لوعد الرب (خر 12:21-14).
وفى الإصحاح السابق حدد الأرض المقدسة ومن يقسمها. وهنا يُعلن الله اهتمامه بخدامه الذين لا يرثون أرضًا لكنهم يسكنون في مدن معينة خصص بعضها كملجأ للذين يقتلون إنسانًا سهوًا. والمدن تشتمل على مسارح للبهائم فالله لا يريد لأولاده حياة العدم. وكانت نبوة يعقوب عن لاوى " أقسمه في يعقوب.." ونرى أن النبوة قد تمت ولكن الله حوَل النبوة إلى بركة. فما قاله يعقوب نراه هنا فمدن اللاويين مقسمة على كل الأسباط. وبركة هذا أن اللاويين يقومون بتعليم الشعب (تث10:33). وهم قضاة وسط الشعب كما أن وجود القاتل وسط اللاويين وهم يسبحون ويرتلون ويشرحون الشريعة ويعلمون هو معزى جدًا له.
نظرة الله للخطية من خلال هذا الإصحاح
1-الله لا يعفى القاتل عمدًا... وأجرة الخطية موت (رو23:6).
2-الله يقدر موقف الخاطئ فإن كان عمدًا يُقتل وإن كان سهوًا فالله يُعِد له ملجأ.
3-حتى القاتل سهوًا يعاقب بنفيه عن أسرته وبيته (فلنحذر حتى من السهو).
4-لا تقبل فدية بالمال. فنفس الإنسان غالية جدًا ولا يفديها رشوة بالمال. بل لا يفديها سوى دم المسيح. ولماذا سمح الله بقتل القاتل؟ هذا حتى لا يكون الانتقام من عشيرة أو عائلة القاتل كلها فتثور الحروب بينهم.
5-كما أن هناك قتل يُعاقب عليه بالموت وقتل لهُ رجاء في مدن الملجأ، هكذا هناك خطايا للموت وخطايا ليست للموت (1يو16:5)
6-الله لا يحمى القاتل عمدًا = الله لا يحمى الخاطئ المتعمد.
7-من يقتل سهوًا ويذهب ويعترف = من يخطىء عن ضعف ويتوب ويعترف فيقبله الله.؟
آية 2:- اوص بني إسرائيل ان يعطوا اللاويين من نصيب ملكهم مدنا للسكن ومسارح للمدن حواليها تعطون اللاويين.
إن كان الله يطلب من خدامه أن تكون أفكارهم منطلقة نحو السماويات فهو لا ينسي احتياجاتهم الزمنية " أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 33:6) فالله لم يعطهم ميراثًا أرضيًا لكنه لم يتركهم بلا مدن يسكنون فيها (أع 4:6) ومسارح للمدن = هي ساحات حول المدن أو ضواحى هذه المدن وهذه تكون لبهائمهم آية3:- فتكون المدن لهم للسكن ومسارحها تكون لبهائمهم واموالهم ولسائر حيواناتهم. لبهائمهم = كالبقر وأموالهم = تشمل العبيد ومخازن الغلال والغنم والماعز لسائر حيواناتهم = حيوانات الحمل كالحمير والبغال والجمال الآيات 5،4:- و مسارح المدن التي تعطون اللاويين تكون من سور المدينة إلى جهة الخارج الف ذراع حواليها. فتقيسون من خارج المدينة جانب الشرق الفي ذراع وجانب الجنوب الفي ذراع وجانب الغرب الفي ذراع وجانب الشمال الفي ذراع وتكون المدينة في الوسط هذه تكون لهم مسارح المدن.
هذه المسارح أبعادها 1000 ذراع، 2000 ذراع ورقم 1000 يشير للسماويات فكل ما يخص خدام الله يجب أن يتسم بالطابع السماوي. والألف ذراع تخصص كمساكن للعبيد وحظائر للمواشى والأغنام والحيوانات ومخازن للغلال والثمار وربما زرعوا بها بساتين وكروم. والألفى ذراع تستخدم كمراعي للماشية والأغنام ولزراعة نباتات لأكل الحيوانات وغالبًا هي حقول المسارح (لا34:25)
واللاويين لا يزرعون بأنفسهم فهم مهتمون بالخدمة لكن عبيدهم يزرعون لهم.
الآيات 7،6:- و المدن التي تعطون اللاويين تكون ست منها مدنا للملجا تعطونها لكي يهرب اليها القاتل وفوقها تعطون اثنتين واربعين مدينة. جميع المدن التي تعطون اللاويين ثماني واربعون مدينة مع مسارحها. 42 مدينة للاويين ، مرة أخرى تشير للـ42 جيلًا من إبراهيم للمسيح. وكأن مدن اللاويين تشير إلى أن خدمة اللاويين هي مجرد محطات مؤقتة تدخل بالنفس البشرية من مجد إلى مجد ومن قوة إلى قوة حتى تدفعها إلى أورشليم العليا في حضن الآب السماوي. وهذا هو عمل الخدام أن يدخلوا بكل نفس بشرية إلى حياة الشركة مع الله في ابنه بالروح القدس. 48 مدينة = 12×4. تشير لأن المسيح في كل مكان نجده كملجأ لنا (الكنيسة ورقمها 12 هي جسد المسيح) 6 مدن للملجأ = كان القاتل يهرب لمدن الملجأ أي ينفى من وطنه وهكذا نحن نفينا من أحضان الآب السماوي (حتى مات عنا رئيس كهنتنا). ونلاحظ أن الهرب كان لمدن اللاويين فقط ومدن اللاويين هي نصيب الرب، والرب خصص هذه المدن فالله ملجأنا. وكان اللاويين يحمون القاتل بحسب الشريعة وهو يعيش وسطهم. ولذلك كان قتل إنسان يحتمى بمدن الملجأ هو إهانة لله (الله أمين وعادل إن اعترفنا بخطايانا يغفرها لنا). ولا يوجد أي سلاح يحمى القاتل داخل الملجأ سوى كلمة الله ووعده وهذا يشير إلى أن وعد الله وكلمته فيها حماية كافية لنا إن اعترفنا بخطايانا (عب 18:6 + فى9:3). ويسوع هو ملجأنا والله أرسل لنا كهنته يرشدوننا لطريق الخلاص، وإقامة الدعوى أمام الشيوخ يشبه الاعتراف أمام الرب في حضور الكهنة.(مز 17،16،9:59 + 3:61 + 7:71) ورقم 6 يشير لأيام العمل الكاملة للإنسان، وكأن الإنسان معرض في عمله أن يخطئ لهذا يجد كل أيام غربته في الله ملجأ لهُ. أذرع الله مفتوحة لهُ كل أيامه، لا يغلقهما أبدًا. آية12:- فتكون لكم المدن ملجا من الولي لكيلا يموت القاتل حتى يقف امام الجماعة للقضاء. الولى = هو أقرب إنسان للشخص ولهُ أن يطالب بدمه إذا قُتل ويفديه إذا بيع أو أُسِرَ، أى يفكه، ويفدى أملاكه المباعة أو المرهونة إذا عجز عن فكها والولى للمؤمنين هو الرب يسوع وهو ولى حى كفؤ (أى 25:19 + أم 24،10:18 + زك 12:9) فالله هو الملجأ. آية 14:- ثلاثا من المدن تعطون في عبر الاردن وثلاثا من المدن تعطون في ارض كنعان مدن ملجا تكون. 3 مدن شرق الأردن، 3 مدن غرب الأردن . (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فبغض النظر عن أن جاد ورأوبين أخطأوا إذ اختاروا لأنفسهم فإن الله أعد لهم ملجأ. والمدن موزعة في كل مكان لأن يسوع ملجأنا في كل مكان. كل إنسان يستطيع أن يهرب إليه.
وكون مدن الملجأ من نصيب مدن رجال الكهنوت. كأن الله أراد أن يعرف الشعب أن غاية الكهنة هو إرشادهم إلى السيد المسيح الملجأ الحقيقي، فيه يختفى المؤمنون من الشر. آية15:- لبني إسرائيل وللغريب وللمستوطن في وسطهم تكون هذه الست المدن للملجا لكي يهرب اليها كل من قتل نفسا سهوا. للغريب وللمستوطن = هذا إشارة لعمومية الخلاص تأمل روحي في مدن الملجأ:
إذا وُجِدَ القاتل سهوًا خارج مدن الملجأ يكون عرضة لأن يقتله ولى الدم، إذًا هو في خطر طالما هو خارج الملجأ، ونحن في خطر طالما نحن لسنا في المسيح ثابتين. وتقصير الشخص في أن يصل لمدن الملجأ كان يسبب لهُ القتل، فكان على القاتل سهوًا أن يلجأ بسرعة إلى أقرب مدينة ملجأ، إذ إشترط في (تث 3:19) أن تكون الطرق المؤدية إلى مدن الملجأ صالحة، ويقال أن عرضها كان يبلغ حوالي 20 ذراعًا، وإذا كانت هناك مياه تعترضها تقام عليها الجسور. كما توضع لافتات مكتوب عليها " ملجأ... ملجأ " وكانت المدن موزعة في كل الأرض حتى يسهل على كل من يرغب في اللجوء أن يهرب إليها، وهذه الطرق تشير إلى أن طريق اللجوء للمسيح بالتوبة مفتوح وعلاماته واضحة ولنا سؤال! هل يمكن للقاتل سهوًا أن يقول إن كان الله يريد أن يخلصنى فليخلصنى دون أن يجرى ويهرب ويحتمى بالملجأ؟ هذا غير صحيح. فكان عليه أن يجرى طالما الطريق مُعَد ونحن علينا أن نجاهد وحتى الدم حتى نظل في حماية دم المسيح.
الآيات 16-21:- ان ضربه باداة حديد فمات فهو قاتل ان القاتل يقتل. وان ضربه بحجر يد مما يقتل به فمات فهو قاتل ان القاتل يقتل. أو ضربه باداة يد من خشب مما يقتل به فهو قاتل ان القاتل يقتل. ولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه يقتله. وان دفعه ببغضة او القى عليه شيئا بتعمد فمات. أو ضربه بيده بعداوة فمات فانه يقتل الضارب لانه قاتل ولي الدم يقتل القاتل حين يصادفه.
هنا القتل بتعمد، وفي هذه الحالة لا تنقذه مدن الملجأ. الايات 23،22:- و لكن ان دفعه بغتة بلا عداوة أو القى عليه اداة ما بلا تعمد. أو حجرا ما مما يقتل به بلا رؤية اسقطه عليه فمات وهو ليس عدوا له ولا طالبا اذيته.
هنا القتل بدون تعمد. ونجد في تفسير لهذا في (خر13:21). أن القاتل لم يقصد هذا بل الله هو الذي أراد " بل أوقع الله في يده"
وفى (خر14:21) " ومن عند مذبحى تأخذه للموت " فيبدو أن قرون المذبح استخدمت لنفس الغرض قبل تحديد مدن الملجأ. والمعنى أن لا قرون المذبح ولا مدن الملجأ تحمى القاتل بتعمد. الآيات 25،24:- تقضي الجماعة بين القاتل وبين ولي الدم حسب هذه الاحكام. وتنقذ الجماعة القاتل من يد ولي الدم وترده الجماعة إلى مدينة ملجئه التي هرب اليها فيقيم هناك إلى موت الكاهن العظيم الذي مسح بالدهن المقدس.
كان القاتل يحاكم أمام الجماعة. بل في آية 30 نجد أنه يجب أن يكون هناك شاهدين على الأقل أمام القضاء، لذلك أعتقد أنه ما كان لولى الدم أن يقتل القاتل إن لم يكن هناك شهود وأن يكون قد تم الحكم عليه من قبل الجماعة فليس كل من يريد أن يقتل فليقتل دون حكم صادر من الجماعة أي من القضاء
وكان الشخص القاتل يلجأ للمدينة ثم يعود ويعرض دعواه أمام شيوخ المدينة فيضمونه إليهم إن رأوه قد اعترف أنه قتل وتحققوا أن القتل قد تم سهوًا، وليس عن عمد.
ويبقونه في مدينة الملجأ في حمايتهم، داخل أسوار المدينة يُقيم ولا يحق للولى أن ينتقم لدم القتيل. يبقى هكذا حتى يموت رئيس الكهنة فيحق له الخروج من المدينة. قد يقول البعض أنه سجين ولكنه سجين على رجاء
ولكن لماذا ينتظر حتى موت رئيس الكهنة؟
1-كان القاتل سهوًا يتمتع بكفارة وحماية رئيس الكهنة الذي يقدم كفارة عن الشعب كله وفي هذا يشير للمسيح الذي يشفع فينا بدالة دمه.
2-مدن الملجأ كلها تتبع اللاويين ورئيسهم هو رئيس الكهنة وكأن القاتل سجين رئيس الكهنة وحين يموت يصبح من حقه الخروج
3-لسمو مركز رئيس الكهنة فإنه حين يموت فالحزن عليه يبتلع أي حزن آخر فيترك الولى القاتل إذا خرج من مدينة الملجأ.
4-موت رئيس الكهنة يشير لموت رئيس الكهنة الحقيقي وهو المسيح الذي بموته عتقنا بالعتق من أجرة الخطية ووهبنا الحرية الكاملة وكان القاتل يعود لأحضان عائلته ونحن بموت المسيح رجعنا إلى حضن الآب السماوي.
التشديد:
لئلا يظن أحد أن شريعة مدن الملجأ تعنى التهاون مع جريمة القتل فالله يوضح خطورتها
1-لا تثبت سوى بشهادة شهود أكثر من واحد فعقوبتها الإعدام. وهذا يشير لأن عقوبة الخطية موت.
2-لا يمكن قبول فدية عن نفس القاتل المذنب للموت، حتى لا يظن الغنى أنه بأمواله قادر أن يقتل ويدفع فدية... إنما من قتل يُقتل. فالنفس غالية جدًا لا تفدى بمال.
3-التهاون في عقاب القاتل يُعتبر تدنيسًا للأرض التي يقيمون فيها، والرب نفسه ساكن في وسطها.
وإذا كانت هذه الشروط تعنى عدم الإستهتار بحياة الآخرين، فإن الخلاص بدم المسيح لا يعنى التهاون مع الخطية واستخفافنا بإرتكابها فأجرة الخطية موت. آية25:- و تنقذ الجماعة القاتل من يد ولي الدم وترده الجماعة إلى مدينة ملجئه التي هرب اليها فيقيم هناك إلى موت الكاهن العظيم الذي مسح بالدهن المقدس.
تشير إلى أن القاتل سهوًا لو لجأ للقضاء خارج مدينة الملجأ وحكموا إنه برىء يعيدونه لمدينة الملجأ يحتمى بها. آية31:- و لا تاخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل انه يقتل. القاتل المذنب للموت = أي الذي أذنب وذنبه أنه قتل ولابد أن يموت.