وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض
لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به
(تك 28: 15 )
ما كان أحوج يعقوب لمثل هذا الوعد! كان قد ترك بيت أبيه، وتصوّر أنه وحيد في ذلك المكان الموحش. لذلك أراد الله أن يكشف لعبده ما هو مذخر له في قلب إلهه من محبة وعطف وحنان.
«ها أنا معك» ومَنْ يستطيع أن يدرك طول أو عرض، أو ارتفاع أو عُمق هذا الوعد الثمين؟ لو كان الله أعطى يعقوب خبزاً ليأكل وماء ليشرب وثياباً ليلبس، لكان هذا فضلاً كبيراً منه. ولكن تلك العطايا لا تُقاس بالوعد «وها أنا معك». ولو كان الله أرسل ملاكاً لحراسة عبده في الطريق، لكان هذا إحساناً عظيماً. ولكن هذا الإحسان لا يُقاس بالوعد «ها أنا معك». ذلك الوعد الذي لنا فيه بركات الله التي لا تُستقصى.
وكأن بالرب يناجي عبده قائلاً: غداً يا يعقوب سترفع عينيك إلى الغرب فتقول في نفسك: لقد تركت أبي وحُرمت من حضن أمي. فتغرق عيناك بالدموع، ولكن «ها أنا معك». ربما تنظر إلى الشرق وتذكر أنك ذاهب إلى بيت خالك لابان الذي لا تعرف عنه شيئاً سوى ما سمعته عن بُخله وقسوته، ولست تعلم كيف سيقابلك أو كيف سيعاملك، فتخطر في قلبك أفكار تفزعك. لكن لا تخف لأني «ها أنا معك». إن كنت قد تركت بيت أبيك فأنا معك. وإن كنت قد حُرمت من عطف أمك، فأنا معك. وإن كنت قد انفصلت عن أصدقائك، فأنا معك، الصديق المحب الألزق من الأخ. إن كنت سائراً في طريق موحش فأنا معك. وفي بيت خالك لابان سأكون معك.
يا لها من محبة يُظهرها الله للذين يحبونه، بل بالحري للذين أحبهم! إنه يقول لكل واحد «لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك. أنت لي ... لا تخف لأني معك. لا تتلفت لأني إلهك» (إش43).