شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
صموئيل ثاني 20 - تفسير سفر صموئيل الثاني
الآيات (1، 2):- واتفق هناك رجل لئيم اسمه شبع بن بكري رجل بنياميني فضرب بالبوق وقال ليس لنا قسم في داود ولا لنا نصيب في ابن يسى كل رجل إلى خيمته يا إسرائيل. فصعد كل رجال إسرائيل من وراء داود إلى وراء شبع بن بكري وأما رجال يهوذا فلازموا ملكهم من الأردن إلى أورشليم.
ها هو السيف لا يرضى أن يفارق بيت داود تأديبًا لهُ على قتل أوريا فنجد المأساة تلو المأساة. فبسبب مشكلة يهوذا مع باقي الأسباط (19: 40-43) وردهم القاسي ولاحظ أن إسرائيل يقولون نحن أسباط= لى عشرة أسهم في الملك (43:19) وأمّا أنتم فسبط واحد. ويهوذا يردون ونحن الأقرب. لذلك نشأ الخلاف الذي أدى لهذا التمرد. وربما لهذا السبب ثار شبع بن بكرى البنيامينى ضد داود وأثار إسرائيل بسرعة فائقة ليبقى رجال يهوذا وحدهم مع داود. ولكن يبدو أن من تبع شبع عدد قليل. وقول شبع ليس لنا قسم في داود هو رد على قول يهوذا أن داود هو قريب إليَّ (42:19) لقد قالوا سابقًا لنا 10 أسهم ولكن بذور الشقاق كانت قد وضعت. وشبع بن بكرى هو بنيامينى المولد لكنه كان ساكنًا في جبل أفرايم (2صم21:20). كل رجل إلى خيمته= إلى مسكنه والمعنى رفض حكم داود على الأسباط العشرة. ولكنهم لم يذهبوا إلى بيوتهم بل تجمعوا للحرب. وقَوْلِهِ إتفق هناك= أي في الجلجال حيث حدثت الخصومة بين يهوذا وإسرائيل واضح أن ما يحدث ليس بالأمر الطبيعي فالشعب يتقلب بسرعة عجيبة فهم كانوا وراء داود وانقلبوا عليه وتبعوا إبشالوم ثم عادوا لداود ثم تبعوا شبع. فالبشر لهم ميول متقلبة وهم ليسوا بروح واحد لكن لماذا يحدث ذلك؟ هو بسماح إلهي لأجل تأديب داود وحتى الخطية التي سقط فيها مَرّةّ، تبقي في فمه مُرّةْ فلا يعود لها ثانية.
آية (3):- وجاء داود إلى بيته في أورشليم واخذ الملك النساء السراري العشر اللواتي تركهن لحفظ البيت وجعلهن تحت حجز وكان يعولهن ولكن لم يدخل إليهن بل كن محبوسات إلى يوم موتهن في عيشة العزوبة.
حبس داود السرارى لأنهن غالبًا إستسلّمن لإبشالوم ببساطة حاسبات أن داود ذهب للأبد. وعمومًا كان من غير اللائق أن يرجعن إليه بعد أن دخل عليهن إبشالوم.
آية (4):- وقال الملك لعماسا اجمع لي رجال يهوذا في ثلاثة أيام واحضر أنت هنا.
كلّف داود عماسا بجمع جيش سريعًا من يهوذا، على أن يتم هذا في غضون 3 أيام فداود كقائد محنك رأى أن هذه الفتنة إن لم تضرب سريعًا جدًا لصارت كالورم السرطانى ينتشر في الأمة كلها فتضيع الأمة كلها. والأمر خطير لا يحتمل أي تأخير. ونجد أن داود وفّى بوعده لعماسا أن يجعله قائدًا للجيش وعمومًا فخلافاته مع يوآب معروفة، بل ربما أن اختياره لعماسا قائد جيش إبشالوم يعطى صورة لداود أنه القائد المتسامح الذي عفا فتتحسن صورته أمام العشرة أسباط.
الآيات (6-10):- فقال داود لابيشاي الآن يسيء الينا شبع بن بكري أكثر من ابشالوم فخذ أنت عبيد سيدك واتبعه لئلا يجد لنفسه مدنا حصينة وينفلت من أمام أعيننا. فخرج وراءه رجال يواب الجلادون والسعاة وجميع الأبطال وخرجوا من أورشليم ليتبعوا شبع بن بكري. ولما كانوا عند الصخرة العظيمة التي في جبعون جاء عماسا قدامهم وكان يواب متنطقا على ثوبه الذي كان لابسة وفوقه منطقة سيف في غمده مشدودة على حقوي فلما خرج اندلق السيف. فقال يواب لعماسا أسالم أنت يا أخي وأمسكت يد يواب اليمنى بلحية عماسا ليقبله. وأما عماسا فلم يحترز من السيف الذي بيد يواب فضربه به في بطنه فدلق أمعاءه إلى الأرض ولم يثن عليه فمات وأما يواب وابيشاي أخوه فتبعا شبع بن بكري.
كان كل تأخير في جمع الجيش وضرب شبع بن بكرى يزيد خطورة الأمر فتزداد قوة شبع. فلماّ تأخر عماسا طلب داود من أبيشاى أن يلحق هو بشبع. فخرج أبيشاى مع يوآب ورجالهما. وفي (8) جاء عماسا قدامهم= كان عماسا قد جمع جيشًا في بنيامين بعدما كان قد جمع رجال يهوذا وكان راجعًا إلى أورشليم فإلتقى الجيشان عند الصخرة العظيمة التي في جبعون. فلما خرج إندلق السيف= دبّر يوآب هذا بوضعه السيف بطريقة تجعله ينزلق وهو متقدم لمقابلة عماسا وحين تقدم ليقبل عماسا إندلق السيف وإنحنى ليلتقطه فلم يشك عماسا في شيء فهجم عليه وقتله. فلأن داود لم يعاقبه على قتل أبنير ها هو يكرر نفس الشيء مع عماسا وبنفس الوضاعة. والعجيب أن الوقت الذي قتل فيه عماسا هو وقت غير مناسب على الإطلاق فهو وقت حرب وليس وقت إثارة فتنة قد تعرضهم للانشقاق. بل إن ما عمله فيه تحدٍ واضح للملك الذي عيّن عماسا قائدًا للجيش ولكن حسد يوآب طغى على كل شيء. وداود لا يستطيع أن يعاقب فهو قد استخدمه في قتل أوريا. وشخصية يوآب شخصية محيرة فهو مع كل دمويته وعنفه فهو أمين جدًا تجاه الملك والمملكة بل قتل إبشالوم ولم يبالي بأوامر الملك لأن قتل إبشالوم فيه فائدة للمملكة.
الآيات (11-13):- ووقف عنده واحد من غلمان يواب فقال من سر بيواب ومن هو لداود فوراء يواب. وكان عماسا يتمرغ في الدم في وسط السكة ولما رأى الرجل أن كل الشعب يقفون نقل عماسا من السكة إلى الحقل وطرح عليه ثوبا لما رأى أن كل من يصل إليه يقف. فلما نقل عن السكة عبر كل إنسان وراء يواب لاتباع شبع بن بكري. من سُرّ بيوآب ومن هو لداود فوراء يوآب= لقد وقف رجال عماسا الذين جمعهم عماسا لصفه حين وجدوه مقتولًا لا يدرون ماذا يفعلون وهنا يوآب يُظْهِرْ نفسه أنه القائد بأمر داود. وربما أوحى لهم بهذه الكلمات أنه قتل عماسا لخيانته لداود وأنه هو رجل داود الأول والأمين لهُ. وحتى لا يتعطل الرجال عن متابعة شبع بن بكرى أزاح جثة عماسا إلى الحقل حتى لا يقف أمامها رجاله. فإنضم الجيشين وذهبا وراء شبع.
الآيات (14-17):- وعبر في جميع أسباط إسرائيل إلى ابل وبيت معكة وجميع البيريين فاجتمعوا وخرجوا أيضًا وراءه. وجاءوا وحاصروه في ابل بيت معكة وأقاموا مترسة حول المدينة فأقامت في الحصار وجميع الشعب الذين مع يواب كانوا يخربون لأجل إسقاط السور. فنادت امرأة حكيمة من المدينة اسمعوا اسمعوا قولوا ليواب تقدم إلى ههنا فأكلمك. فتقدم إليها فقالت المرأة اانت يواب فقال أنا هو فقالت له اسمع كلام أمتك فقال أنا سامع.
وصل الجيش بقيادة يوآب وأبيشاى شمالًا لدينة سبط نفتالي هي آبل بيت معكة= وهي مدينة محصنة أي لها سور واشتهرت المدينة بحكمة أهلها أقاموا مترسة حول المدينة= حينما شعر الرجال الذين تابعوا شبع بن بكرى بجيش يوآب وهو يعرفون جبروته إنفضوا من حوله ولم يتبق سوى عدد قليل دخلوا وإحتموا داخل أسوار مدينة آبل بيت معكة فحاصرها يوآب. والمترسة تعني حائط أو سدًا ترابيًا يحميهم وبدأوا ينقبون في السور لهدمه.
الآيات (18، 19):- فتكلمت قائلة كانوا يتكلمون أولا قائلين سؤالا يسألون في ابل وهكذا كانوا انتهوا. أنا مسالمة أمينة في إسرائيل أنت طالب أن تميت مدينة وأما في إسرائيل لماذا تبلع نصيب الرب. سؤالًا يسألونه في أبل وهكذا كانوا إنتهوا= هذا مثل مشهور عن أبل معناه أن الناس يأتون إلى آبل ليسألوا أهلها المشورة. أي هي مدينة مشهورة بالحكمة وهكذا إستقر الناس والجميع عرفوا حكمتنا ومشورتنا الصائبة المقنعة وكأنها تقول لهُ لماذا لم تأتِ إلينا بالتفاوض والتفاهم فنحن أناس مسالمون وحكماء. وأمًّا في إسرائيل أي مدينة يخرج منها شعب ليؤسس مدنًا أخرى. أو أن آبل كانت مدينة كبرى في نفتالى ويتبعها مدن صغيرة كثيرة فهي لهم كالأم. لماذا تبلع نصيب الرب= بمعنى أنك تهاجم مدينة وهبها الله لنا كنصيب وميراث لأهلها. وها أنت تخربها. وبحسب الشريعة كان يلزمهُ أن يقدم السلام ويدخل في حوار قبل أن يهاجم (تث10:20).
الآيات (20-26):- فأجاب يواب وقال حاشاي حاشاي أن ابلع وأن اهلك. الأمر ليس كذلك لأن رجلا من جبل افرايم اسمه شبع بن بكري رفع يده على الملك داود سلموه وحده فانصرف عن المدينة فقالت المرأة ليواب هوذا رأسه يلقى إليك عن السور. فاتت المرأة إلى جميع الشعب بحكمتها فقطعوا راس شبع بن بكري والقوه إلى يواب فضرب بالبوق فانصرفوا عن المدينة كل واحد إلى خيمته وأما يواب فرجع إلى أورشليم إلى الملك. وكان يواب على جميع جيش إسرائيل وبنايا بن يهوياداع على الجلادين والسعاة. وادورام على الجزية ويهوشافاط بن اخيلود مسجلا. وشيوا كاتبا وصادوق وابياثار كاهنين. وعيرا اليائيري أيضًا كان كاهنا لداود. عيرا اليائيرى= أخذ منصب أبناء داود سابقًا (2صم18:8) إذ لم يعد داود يثق في أبنائه.
</B>