سارة.. حكاية الفتاة القبطية التي أحرجت الرئيس
صمت الرئيس محمد مرسي ولم يهمس "ببنت شفه" في أذن أحد مستشاريه أو مساعديه في مؤسسة الرئاسة طالباً منهم التحرك في صمت أو في صخب لاحتواء الفتنة التي توشك أن تندلع بسبب قضية اختفاء أو اختطاف أو زواج الفتاة سارة القبطية بنت الـ 14 عاماً.. ربما يري الرئيس أن القضية لا تستدعي تدخله أو أن الحدث لا يرتقي لمستوي الانزعاج، مع كل مطالب الأقباط من منظمات مدنية وحقوقية في تدويل القضية واللجوء إلي المحاكم الدولية تحت مظلة اتفاقية حماية حقوق الطفل في الأمم المتحدة التي وقعت عليها مصر، وأنشأت لذلك المجلس القومي للأمومة والطفولة، أو أنه يخشي من إغضاب التيارات الإسلامية إذا تدخل وأمر بإعادة الفتاة.. سارة إسحاق عبدالملاك نخلة فتاة قبطية تبلغ من العمر 14 عاماً، بحسب شهادة الميلاد الرسمية التي تبين أنها من مواليد 1/8/1998، طالبة بالصف الثالث الإعدادي في مدرسة الضبعة الإعدادية بنات. يعمل والدها موجّهًا للتربية المسيحية في الإدارة التعليمية في محافظة مرسي مطروح. في 30 سبتمبر الماضي اختفت سارة، وحرر والدها محضرًا باختفائها، حمل رقم 409 لسنة 2012 إداري الضبعة، ومحضر اختطاف آخر تحت رقم 582 لسنة 2012 جنح الضبعة بتاريخ 20/10/2012، قالت الأسرة إن مختطفها، يدعي محمود أبوزيد محمد عبدالجواد، وشهرته محمود سليم عبدالجواد، صاحب مكتبة في الضبعة. بعدها أعلنت الجبهة السلفية في بيان رسمي لها، أن الفتاة القبطية "سارة" ليست مخطوفة كما تدّعي الكنيسة ووالدها وبعض الناشطين الأقباط وانما تزوجت، وقالت الجبهة السلفية"هذه ليست المرة الأولي التي تترك فيه الفتاة بيت أهلها وتهرب وإنها أعلنت إسلامها، وأهلها والكنيسة يعلمون أنها أعلنت إسلامها، وأقام لها والدها عزاءً في الكنيسة، واعتبرها ميتة بعدما عرف بخبر إشهار إسلامها، ونفت الجبهة السلفية أن تكون سارة طفلة تعرّضت للاختطاف، وقالت: إن الفتاة ليست قاصرًا، ولو علمنا إنها طفلة قاصر ومخطوفة لقمنا بتسليمها إلي أهلها عن طيب خاطر.
ورد نشطاء أقباط وقساوسة بأن الفتاة قاصر وإنها ما زالت طفلة في عمر الرابعة عشرة وتم اختطافها، وعادت الجبهة السلفية لتعلن أن زواج الفتاة القاصر صحيح شرعًا وأن إسلامها صحيح شرعيًا، وأنه لا يجوز لأحد التعرّض لها.. وبين مزاعم الطرفين يرقد النار تحت الرماد دون أن يتدخل المسئولون لاحتواء هذه الفتنة قبل اشتعالها وتصاعد ألسنتها لتحرق الجميع، ويقف مستشارو الرئيس الذين اختارهم للاستعانة بهم في حل الأزمات عن حل أزمة صغيرة هي اختبار لمسمياتهم التي جاءت بهم إلي قصر الرئاسة فهذا الشيخ عماد عبدالغفور رئيس حزب النور السلفي مستشار الرئيس للتواصل المجتمعي والآخر السياسي القبطي سمير مرقص مستشار الرئيس للتحول الديمقراطي، ومع أن المشكلة طرفاها سلفيون وأقباط يمثل كل منهما شخص في مؤسسة الرئاسة ذو حيثية إلا أن الأمر لم يختلف كثيراً عن سابقه.
اختطاف أو زواج الفتاة أدانه نشطاء ومنظمات قبطية، قالت إن الفتاة ما زالت طفلة في عمر الرابعة عشرة، وقال إبرام لويس رئيس رابطة ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري المعنية بمكافحة أسلمة القاصرات، إن والد الفتاة ومجموعة من النشطاء الأقباط تقدموا ببلاغ إلي النائب العام ضد الجبهة السلفية ووزارة الداخلية، للمطالبة بإلزام وزير الداخلية بتسليم الطفلة إلي أسرتها.
واتهم لويس الأجهزة الأمنية بالتقاعس في البحث عن سارة، مشيرًا إلي أنه من المفترض أن الشرطة تعلم مكان اختفائها بعد إعلان جماعة سلفية أنها اعتنقت الإسلام وتزوجت. وطالب لويس وزير الداخلية بالتدخل وإعادة الفتاة إلي أسرتها، وأوضح أن سارة ليست بالغة، ولا تتمتع بالوعي الكامل لاتخاذ قرار اعتناق الدين الإسلامي والزواج، وقال إن ما حدث لسارة يبدو في ظاهره أول تطبيق لما نادي به السلفيون من اباحة تزويج الفتيات في سن التاسعة، وقال الناشط القبطي إن والد الفتاة نفي أن تكون هربت من منزل الأسرة من قبل، وأن احتجاز طفلة قاصرة من دون موافقة ولي أمرها يعد جريمة جنائية، فضلًا عن انتهاك حرمة جسدها الذي يُعد جريمة قانونية أخري، إضافة إلي أنها جريمة ضد الإنسانية وضد القيم الأخلاقية".وهدد لويس بالتصعيد علي المستوي الدولي وقال سنلاحق محتجزيها قانونيًا، ولو اضطرنا الأمر إلي رفع قضية الفتاة أمام الجهات الحقوقية الدولية المسئولة عن حماية حقوق الطفل".
كما هدد الناشط القبطي نجيب جبرائيل بتدويل القضية أيضًا، وقال، إنه سيتم اللجوء إلي المحاكم الدولية خلال الأيام القليلة المقبلة،لأن مصر من أولي الدول التي وقعت علي اتفاقية حماية الطفل في الأمم المتحدة، وأنشأت لذلك المجلس القومي للأمومة والطفولة.
وقال الناشط القبطي مايكل منير، رئيس حزب الحياة، إن تعرّض الطفلة سارة للاختطاف، يُخالف المواثيق الدولية كافة والأعراف والتقاليد المصرية،لأن سارة ما زالت طفلة، ولم تبلغ من السن ما يجعلها قادرة علي اتخاذ القرار الصائب.
وانتقد منير دور الجهات الأمنية وتقاعسها عن إعادة الطفلة إلي أسرتها، كما انتقد السلفيين بسبب الإصرار علي تزويج طفلة وانتهاك جسدها جنسيًا كما وصف الأمر، وشدد علي أن سنّ الرشد في دول العالم كافة هي 21 عامًا، داعيًا إلي منع كل أشكال التحوّل الديني في مصر دون هذه السن.
وقال الانبا باخوميوس إن القانون لا يسمح لطفلة عمرها 14 سنة بالزواج، وتساءل هل تم أخذ رأي أهل الفتاة قبل الزواج بحكم أنها قاصر؟ وهل أخذت الفتاة جلسات النصح والإرشاد؟.
حادث اختفاء أو زواج سارة أرقت منظمات المجتمع المدني حيث أعربت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن إدانتها الكاملة لواقعة زواج الطفلة سارة، وطالبت النائب العام بفتح تحقيق فوري وعاجل في تلك الواقعة، وعرض نتائج التحقيق علي الرأي العام احترامًا لحقوق الأطفال.
وقال حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة، إن هذه الواقعة "تعد انتهاكًا صارخاً للعديد من المعايير الدولية المعنية بحقوق الإنسان وخاصة المعنية بحقوق الطفل، ومنها المبدأ الثاني من إعلان حقوق الطفل، الذي نص علي ضرورة أن يتمتع الطفل بحماية خاصة، وأن يمنح بالتشريع وغيره من الوسائل الفرص والتسهيلات اللازمة لإتاحة نموه الجسمي والعقلي والخلقي والروحي والاجتماعي نموًا طبيعيًا سليمًا، في جو من الحرية والكرامة، وتكون مصلحته العليا محل الاعتبار الأول في سنّ القوانين لهذه الغاية".
وأضاف أبو سعدة :أن ما حدث "يخالف أيضًا المادة الأولي والسادسة والثلاثين من اتفاقية حقوق الطفل للعام 1990، وكذلك إعلان القضاء علي العنف ضد المرأة، وأحكام القانون المصري المتمثل في قانون الطفل المصري رقم 126 للعام 2008، الذي نصّ في متن مادته الأولي علي أن تكفل الدولة حماية الطفولة والأمومة، ويقصد بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون كل من لم يبلغ ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويكون إثبات سن الطفل بموجب شهادة ميلاده أو بطاقة شخصية أو أي مستند رسمي آخر".
وقدم الائتلاف المصري لحقوق الطفل بلاغًا إلي النائب العام، معتبرًا أن اختفاء سارة ينطوي علي جرائم منصوص عليها في القانون بأن الطفلة سارة تم اختطافها طبقًا للبلاغ الذي قدمه والدها رقم 904 لسنة 2012 إداري الضبعة، مرسي مطروح، وهو ما يعد جريمة جنائية، وتعد حالة من حالات الاختطاف والاختفاء القسري المجرم وفقًا للقانون، ونص المادة 35 من اتفاقية حقوق الطفل المصدق عليها من قبل مصر.
وأضاف الائتلاف في بلاغه للنائب العام، أن تزويج الطفلة القاصر "سارة" وهي في سن الرابعة عشرة يعد شكلًا من أشكال الاستغلال الجنسي لقاصر يعاقب مرتكبه وفقًا لنص المادة 291 من قانون العقوبات المضاف وفقًا لتعديلات قانون الطفل بالقانون 126 لسنة 2008 .
ولفت إلي أن حرمان الطفلة "سارة" من استكمال تعليمها الأساسي، وهي الطالبة في مدرسة الضبعة الإعدادية، يعتبر جريمة ثالثة وفقًا لنص المادة 96 فقرة 5 من قانون الطفل المصري.
وطالب الائتلاف النائب العام بضرورة إصدار قرار فوري لوزارة الداخلية بسرعة عودة الطفلة المختطفة إلي أحضان أسرتها، وحمايتها من أي أذي محتمل، وسرعة ضبط وإحضار ومعاقبة الجاني علي ارتكابه جرائم الاختطاف والزواج المبكر للطفلة واجبارها علي تغيير دينها وإشهار إسلامها وانتهاك حرمة جسد الطفلة واستغلالها جنسيًا وتعريض الطفلة للخطر لحرمانها من التعليم الأساسي. كما طالب بالتحقيق مع المسئولين كافة، بداية من محافظ مرسي مطروح، ووزير الداخلية ومدير أمن مطروح، بسبب التراخي في إعادة الطفلة إلي أهلها.
بينما طالب المجلس القومي للمرأة وزارة الداخلية والجهات المعنية بمحافظة مطروح وزارة التنمية المحلية بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة الطفلة سارة الطالبة بمدرسة الضبعة الإعدادية بنات إلي أهلها بعد اختطافها منذ 30 سبتمبر الماضي أثناء ذهابها للمدرسة، بناء علي الشكوي التي تقدم بها والد الطفلة للمجلس.
وقال بيان المجلس إنه يأمل في تدارك الأمر منذ بدايته وحتي لا تتطور الأمور وتزداد تعقيدا حيث إن جميع الأحداث الطائفية بدأت بمثل هذه الأمور البسيطة ثم تضخمت بشكل يصعب السيطرة عليه كلف البلاد الكثير. وأمام كل المطالب بعودة الفتاة سارة التي تنادي بها المنظمات القبطية والحقوقية ومجلس المرأة تؤكد الجبهة السلفية أنهم تصدوا لقضية "سارة" من منطلق إنساني وحقوقي بحت، مؤكدين أنهم لا يمكن أن يتسببوا في فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين حيث إنهم أول من تصدوا لوأد الفتن في البلاد، وقال خالد المصري عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية إنه لا يمكن لكيان كبير مثل التيار السلفي لما له من قاعدة شعبية واسعة وتوجه إسلامي ووطني خالص أن يتصدي لقضية يُخالف فيها القانون أو تعرضه للمساءلة القانونية، مشيراً إلي انهم يرفضون كل المحاولات التي تريد تحويل هذه القضية لبعد طائفي. رافضين الإشارة إلي المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل وبمكافحة الاتجار بالبشر في الدستور مؤكدين أن الشريعة الإسلامية تجيز للفتاة الزواج فور بلوغها أي بمجرد أن يأتيها الحيض.
وعلي جانب آخر تقف أسرة سارة الفتاة القبطية تتعالي صيحاتها تحيط بها جمعيات ومنظمات تعرف كيف تطوع مثل هذه القضايا الطائفية، وعلي الجانب الآخر تقف الجماعة السلفية التي تعلن عن ثبات موقفها وعدم مخالفتها للشرع في الزواج الذي تم وفقاً للشريعة، وبين الفريقين يصمت أولو الأمر في مصر من التدخل بالحل قبل حدوث ما لا تحمد عقباه.
الموجز