رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أهمية عيد الغطاس من المسلم به أن عيد الغطاس، يُذكر مع عيدى القيامة والميلاد، فى مقدمة الأعياد السيدية السبعة الكبرى، وهذا إنما يدل على مكانته الرفيعة فى كنيستنا القبطية. ويُخبرنا التاريخ الكنسى أن كان لعيد الغطاس، المكانة الأولى مع عيد القيامة فى بداية المسيحية، حيث لم تكن احتفالات عيد الميلاد الرسمية فى الشرق قد ظهرت بعد. هذا وقد جاء فى تعاليم الرسل: " ليكن عندكم جليلاً عيد الثيئوفانيا، لأن فيه بدأ الرب يُظهر لاهوته فى معموديته، فى الأردن من يوحنا، وتعملونه فى اليوم السادس من الشهر العاشر الذى للعبرانيين، الذى هو الحادى عشر من الشـهر الخامس للمصريين " الحادى عشـر من شهر طوبة ". ونظراً لمنزلة عيد الغطاس، فقد رأى الأقباط أن يُعمّدوا أولادهم فى هذا اليوم المقدس، وتسمية المولود الجديد فى الغطاس باسم " غطّاس " ، مثلما سمّوا الطفل المولود فى عيدى النيروز والميلاد باسم " نيروز" أو" ميلاد ". أما احتفالات العيد فلايمكن أن تتجسد بقلم كاتب! فالحبر لا يستطيع أن يصف المناظر الخلابة، والأحداث البديعة الجذابة فى هذا العيد! فهل يكفى لإظهار مكانته السامية أن نقول: إن الغطاس فى مصر كان عيداً رسمياً فى عهد الدولتين: الأخشيدية والفاطمية؟ وفى احتفالاته كان الحاكميُشارك الأقباط احتفالاتهم..! وإلى الآن لازالت بهجة الغطاس، واحتفالاته الشـعبية قائمة، سواء فى مأكولاته المميزة، أو الاستحمام فى النيل وفروعه، أو رش المنازل بالماء.. فمن عادة المؤمنين قديماً: أن يأخذوا جزء من ماء اللقان، لكى يحتفظوا به فى بيوتهم للتبرك بعد أن تقدست المياه بالصلاة. وعن هذه المياه التى تقدست يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: إنها تبقى نقية لمدة عام وأكثر فلا يعتريها الفساد، لأنها قد تقدست. كما كانت الكنائس قديماً، تحتفظ بكمية من مياه نهر الأردن، لكى تُضاف على اللقان أثناء صلاة القداس، وإلى الآن لايزال البعض يحتفظون بماء اللقان فى بيوتهم طوال العام، للاغتسال بها عقب كل اعتراف، وذلك برشم الجبهة والحواس والقلب.. ومن يقرأ سير النساك والمتوحدين والسواح القدامى، يرى أنهم اعتادوا قبل عيدى الغطاس والميلاد ببضعة أيام أن يبرحوا مغائرهم فى البرارى، ويتوجهوا إلى أقرب كنيسة ليتناولوا القربان المقدس. ويروى لنا تاريخ البطاركة أن فى أيام ولاية الحاكم بأمر الله المسمى الأمام منصور، حدث اضطهاد للأقباط وأُغلقت كنائسهم، وطُرح بطريركهم للسباع حتى تأكله.. فكان أكثر النصارى يدخلون البرية مرتين كل سنة فى عيدى الغطاس القيامة، لتناول القربان المقدس الذى كانوا يشتهونه كما يشتهى الطفل اللبن من ثدى أُمه. ومن سيرة الأنبا بلامون وتلميذه الأنبا باخوميوس (ق4) نعلم أن عيدى القيامة والغطاس كانا اليومين الوحيدين فى السنة، اللذين فيهما يحل نساك الصعيد قانون الصيام ويفطرون، بإضافة مقدار من الزيت إلى طعامهم إكراماً للعيد، أو بأكل التين المطبوخ بدلاً من الخبز والملح والخضر أو البقول النيئة.. وذلك لأنهم كانوا يصومون فى الصيف حتى المساء، وفى الشتاء يومين يومين ويفطرون على خبز وملح! هذا وقد ذكر لنا كاتب سيرة أنبا باخوميوس إن مسيحى إسنا، كانوا فى عيد الظهور الإلهى يحتفلون احتفالاً زائداً، بولائم فاخرة، ومأكولات شهية، ومشروبات عطرة... فلما شاهد تادرس تلميذ أنبا باخوميوس هذه البهرجة قال فى نفسه: يانفسى إن أنت تمتعت بهذه الخيرات فلن تحظين بالنعم الدهرية.. ونظراً لبهجة العيد، والسرور العظيم الذى يملأ قلوب المسيحيين، من قِِِِبل عماد المسيح، منعت الكنيسة الصوم يومى الأربعاء والجمعة إذا وقع عيد الغطاس فى إحداهما كما فعلت فيما بعد لعيد الميلاد المجيد، وقد رتبت الكنيسة الاستعداد لاستقبال العيد بالصوم يوم البرمون، وهو اليوم السابق مباشرة على العيد.. وفى الكنيسة البيزنطية يستعد المؤمنون بتقدمة تستمر أربعة أيام، وفى اليوم الرابع المُسمى البرمون، تطلب منهم أن يصوموا حتى الظهر وينقطعوا عن أكل الأطعمة الحيوانية، وتضع على أفواههم نشيد البرمون، وفيه إشارة إلى عمل المعمودية وتقديس المياه، التى كانت بفعل الطوفان رمز الموت وصورته، وقد تحولت بمعمودية المسيح إلى ينبوع ماء ينبع إلى حياة الأبدية (يو14:4). وفى المخطوطة القبطية المدونة تحت رقم (24) ورقة (50) الموجودة بجامعة " ليبزيخ من أعمال ألمانيا، ذُكرعيد الإبيفانيا والقيامة والعذراء مريم، من الأيام التى يجب فيها على المؤمن الامتناع عن الجماع الزوجى.. وفى نفس المخطوطة ورقة (17) نجد رسالة رعوية، أرسلها أسقف قبطى فى (ق7)، ذكر فيها عيد الغطاس من بين الأيام المقدسة، التى يُفضل فيها التناول من الأسرار المقدسة، بشرط أن يتناول المؤمنين وهم صائمون. وجدير بالذكر أن نذكر أن القانون (16)، من القوانين المنسوبة إلى البابا أثناسيوس الرسولى يتحدث عن واجب الأسقف نحو الفقراء فيقول: " فى عيد ظهور الرب.. يجمع الأرامل والأيتام ويفرح معهم بصلوات وتراتيل، ويُعطى كل واحد ما يحتاجه لأنه يوم بركة فيه اعتمد الرب من يوحنا.." . وهنا لم يذكر البابا أثناسيوس عيد الميلاد، لأن كنيسة الإسكندرية لم تكن تحتفل به فى ذلك الوقت، فمن الثابت لدى علماء الليتورجيا، أن عيد الميلاد أخذ مكانته كعيد رسمى فى مصر حوالى سنة (430م). وكان لعيد الغطاس أهمية طقسية كبيرة للكنيسة عامة، ولمصر بنوع خاص لأن فى العيد كان قد أُلقى على عاتق بابا الإسكندرية، الإعلان عن ميعاد بدء الصوم الكبير وموعد البصخة وعيد القيامة، على أُسس فلكية دقيقة، وكانت تأخذ به كافة كنائس العالم. ويذكر التاريخ الكنسى إن ديونيسيوس بابا الإسكندرية الرابع عشر (248-265م) قد قام بهذه المهمة، وله رسائل يستخدم فيها كلمات ثناء وتبجيل عن عيد الفصح، موضحاً أنه لا يليق ممارسة الفصح إلا بعد الاعتدال الربيعى. وقد حافظ على هذا التقليد كافة الباباوات من بعده، وبالأخص القديس أثناسيوس الرسولى، الذى ارتفع بهذه المهمة الطقسية إلى المستوى الروحى، فكانت خطاباته الفصحية مليئة بالوعظ والتعليم والحكمة والحرارة الروحية أما أول رسالة فصحية له فى عيد الغطاس، فكانت سنة (329م). يقول يوحنا كاسيان: " إنها عادة قديمة فى مصر أن يقوم أسقف الإسكندرية، بمجرد انقضاء عيد الإبيفانيا، بإرسال خطابات دورية، إلى عموم الكنائس فى مصر وأديرتها، يحدد فيها بدء الصوم وعيد القيامة ". |
|