ﻷن الموت موت للجسد أما الروح فلا تموت فقد علمتنا كنيستنا القبطية الأرثوذكسية الصلاة من آجل الراقدين صلاة طقسية رتبها الآباء بإرشاد من الروح القدس. وعبر هذا الكتاب المعزي يجيبنا أبونا القمص بطرس بطرس : لماذا نصلي علي الراقدين ونطلب الراحة والرحمة لهم وسكني الملكوت الأبدي. أنه كتاب يشعرنا أن الرب يسوع يعزينا فنواصل بإطمئنان وصبر ورجاء رحلة العمر التي - مهما طالت - قصيرة !!
دار أنطون
كنيستنا القبطية الأرثوذكسية علمتنا أنه يجب أن نصلي من أجل الراقدين الذين إنتقلوا من هذا العالم الحاضر، فنأتي بجسد المنتل أمام هيكل الله في الكنيسة المقدسة ونصلي عليه صلاة طقسية رتبها الآباء بإرشاد الروح القدس. لقد جاء في الدسقولية في تعليم الآباء الرسل في الباب الثالث والثلاثين: (( إجتمعوا بلا كسل في البيعة التي هي الكنيسة ، وإقرأوا الكتب المقدسة ، ورتلوا علي من رقد من الشهداء والقديسين والذين كانوا قبلاً إخوتكم الذين رقدوا. ))
ولقد تعودنا من كنيستنا القبطية أن ترافقنا في أيام غربتنا حتي يواري جسدنا التراب، وترافقنا من خلال وسائط النعمة والأسرار ونحن في الجسد ، وكذلك بعد إنتقالنا فهي تصلي من أجلنا يوم إنتقالنا ، وأيضاً من خلال صلاة الترحيم في القداس الإلهي. الصلاة علي المنتقلين هي طقس من طقوس الكنيسة ولكنها ليست سراً من أسرارها ، ﻷن الأسرار لها فاعلية ولها بركات لا تُعطي إلاّ للأحياء فقط. والصلاة علي المنتقلين هي صلاة علي أجساد مباركة تم تدشينها بالمعمودية والميرون والإفخارستيا … وهكذا باقي وسائط النعمة، إذنً فليس من الغرابة أن نودع هذا الجسد المبارك بهذه الصلاة.
لذلك أود أن أجيب عن هذا السؤال الذي يسأله الكثيرون:
هل من ضرورة للصلاة علي المنتقلين؟ هل المنتقل يستفيد من هذه الصلاة؟
ربما يوجد من المسيحيين في بعض الطوائف يصلون من أجل الأسرة فقط لتعزيتهم ، وبعضهم يصلون ولكن بقصد أن ينقذهم الرب من عذاب المطهر وينقلهم إلي الفردوس.
لكن كنيستنا القبطية تصلي عليهم قائلة للرب: (( هب لهم خيرات مواعيدك ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن ، وما لم يخطر علي بال إنسان ما أعددته يارب للذين يحبونك … ﻷنه لا يكون موت لعبيدك بل هو إنتقال ، وإن كان قد لحقهم توانٍ أو تفريط كبشر ، وقد لبسوا جسداً وسكنوا في هذا العالم فأنت كصالح ومحب للبشر اللهم تفضل نفوس عبيدك المسيحيين الأرثوذكسيين …))
وقد علمنا الآباء مبدأ هام يقول: (( ما دام القاضي لم ينطق بالحكم ، فمن حق المحامي أن يترافع ))
والمقصود هو كل هذه الطلبات التي نطلبها من الرب أثناء الصلاة علي أجساد أحبائنا المنتقلين.
لماذا نصلي عليهم؟
اقتباس:
أولاً: ﻷن هذه الصلاة لها مستند كتابي
يذكر الكتاب المقدس أن معلمنا بولس الرسول صلي من أجل أنيسيفورس وقال عنه: " ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم " (2تي 1: 18) المقصود بكلمة {ذلك اليوم} هو يوم الدينونة. ﻷن معلمنا بولس الرسول قال عن نفسه: " وأخيراً قد وضع لي إكليل البر ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل ، وليس لي فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً. " (2تي 4: 8) وأيضاً قول الكتاب المقدس: " ﻷن الله يحضر كل عمل إلي الدينونة علي كل خفي إن كان خيراً أو شراً " (جا 12: 14) " وأما أنت فلماذا تدين أخاك؟ أو أنت أيضاً لماذا تزدري بأخيك؟ ﻷننا جميعاً سوف نقف أمام كرسي المسيح " (رو 14: 10) " ﻷنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع ، خيراً كان أم شراً " (2كو 5: 10) لقد تحدث السيد المسيح عن تفاصيل يوم الدينونة فقال: " ٣١ ومَتَى جاءَ ابنُ الإنسانِ في مَجدِهِ وجميعُ المَلائكَةِ القِدّيسينَ معهُ، فحينَئذٍ يَجلِسُ علَى كُرسيِّ مَجدِهِ. ٣٢ ويَجتَمِعُ أمامَهُ جميعُ الشُّعوبِ، فيُمَيِّزُ بَعضَهُمْ مِنْ بَعضٍ كما يُمَيِّزُ الرّاعي الخِرافَ مِنَ الجِداءِ، ٣٣ فيُقيمُ الخِرافَ عن يَمينِهِ والجِداءَ عن اليَسارِ. ٣٤ ثُمَّ يقولُ المَلِكُ للّذينَ عن يَمينِهِ: تعالَوْا يا مُبارَكي أبي، رِثوا الملكوتَ المُعَدَّ لكُمْ منذُ تأسيسِ العالَمِ. ٣٥ لأنّي جُعتُ فأطعَمتُموني. عَطِشتُ فسقَيتُموني. كُنتُ غَريبًا فآوَيتُموني. ٣٦ عُريانًا فكسَوْتُموني. مَريضًا فزُرتُموني. مَحبوسًا فأتَيتُمْ إلَيَّ. ٣٧ فيُجيبُهُ الأبرارُ حينَئذٍ قائلينَ: يا رَبُّ، مَتَى رأيناكَ جائعًا فأطعَمناكَ، أو عَطشانًا فسقَيناكَ؟ ٣٨ ومَتَى رأيناكَ غَريبًا فآوَيناكَ، أو عُريانًا فكسَوْناكَ؟ ٣٩ ومَتَى رأيناكَ مَريضًا أو مَحبوسًا فأتَينا إلَيكَ؟ ٤٠ فيُجيبُ المَلِكُ ويقولُ لهُمُ: الحَقَّ أقولُ لكُمْ: بما أنَّكُمْ فعَلتُموهُ بأحَدِ إخوَتي هؤُلاءِ الأصاغِرِ، فبي فعَلتُمْ. ٤١ «ثُمَّ يقولُ أيضًا للّذينَ عن اليَسارِ: اذهَبوا عَنّي يا مَلاعينُ إلَى النّارِ الأبديَّةِ المُعَدَّةِ لإبليسَ ومَلائكَتِهِ، ٤٢ لأنّي جُعتُ فلم تُطعِموني. عَطِشتُ فلم تسقوني. ٤٣ كُنتُ غَريبًا فلم تأووني. عُريانًا فلم تكسوني. مَريضًا ومَحبوسًا فلم تزوروني. ٤٤ حينَئذٍ يُجيبونَهُ هُم أيضًا قائلينَ: يا رَبُّ، مَتَى رأيناكَ جائعًا أو عَطشانًا أو غَريبًا أو عُريانًا أو مَريضًا أو مَحبوسًا ولَمْ نَخدِمكَ؟ ٤٥ فيُجيبُهُمْ قائلًا: الحَقَّ أقولُ لكُمْ: بما أنَّكُمْ لم تفعَلوهُ بأحَدِ هؤُلاءِ الأصاغِرِ، فبي لم تفعَلوا. ٤٦ فيَمضي هؤُلاءِ إلَى عَذابٍ أبديٍّ والأبرارُ إلَى حياةٍ أبديَّةٍ. " (متى ٢٥ : ٣١- ٤٦) إذن تعبير {ذلك اليوم} نقصد به أن يجد المنتقل رحمة في اليوم الذي سيحاسبه فيه الرب علي أعماله وأقواله ونياته. كما قال الكتاب المقدس: " الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله " (رو2: 6) " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " (مت16: 27) هذه الأعمال تتضمن الأقوال أيضاً التي تندر ضمن أعمال الإنسان والذي سيقدم عنها حساباً ﻷنها تعبر عن مكنونات قلبه ، وهي التي تفضح عن مقاصده وأفكاره. كما قال الكتاب المقدس: " إنَّ كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين. ﻷنك بكلامك تتبرر وبكلامك تُدان. " (مت 10: 36) وهكذا أيضاً نيات قلب الإنسان الخفية تندرج هي الأخري تحت أعمال الإنسان التي يُقدم عنها حساباً في يوم الدينونة حتي ولو كانت هذه النيات قد ظلت مجرد أفكار في طي الكتمان ولم تخرج إلي حيز الإعلان والتنفيذ. لذلك حينما تكلم الكتاب المقدس عن كلمة الله قال عنها: " ١٢ لأنَّ كلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وفَعّالَةٌ وأمضَى مِنْ كُلِّ سيفٍ ذي حَدَّينِ، وخارِقَةٌ إلَى مَفرَقِ النَّفسِ والرّوحِ والمَفاصِلِ والمِخاخِ، ومُمَيِّزَةٌ أفكارَ القَلبِ ونيّاتِهِ. ١٣ ولَيسَتْ خَليقَةٌ غَيرَ ظاهِرَةٍ قُدّامَهُ، بل كُلُّ شَيءٍ عُريانٌ ومَكشوفٌ لعَينَيْ ذلكَ الّذي معهُ أمرُنا. " ( العبرانيين ٤ : ١٢، ١٣) كذلك قال السيد المسيح عن نفسه: " أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب ، وسأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله " (رؤ2: 23) يقول معلمنا بولس الرسول: " إذاً لا تحكموا في شئ قبل الوقت حتي يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب " (1كو4: 5) وقيل أيضاً عن ذلك اليوم: " في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح " (رو2: 16). من هنا نحن نصلي أن يجد المنتقل رحمة في ذلك اليوم المخوف ، لذلك ونحن في الجسد علمتنا الكنيسة ونحن نصلي أن نقول بهذا اليوم ونفكر فيه ونقول في صلوات الأجبية: (( هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعباً من كثرة ذنوبي، ﻷن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة ، لكن توبي يا نفسي ما دمتِ في الأرض ساكنة …. )) (( تفهمي يا نفسي ذلك اليوم الرهيب ، وإستيقظي وأضيئي مصباحك بزيت البهجة …. )) (( إذا ما تفطنت في كثرة أعمالي الرديئة ، ويأتي علي قلبي فكر تلك الدينونة الرهيبة تأخذني رعدة فأهرب إليك يا الله محب البشر فلا تصرف وجهك عني … )) وهكذا هي مشاعر الإنسان في حياته بالجسد ، وفي يوم إنتقاله نصلي من إجله أن يجد رحمة في هذا اليوم المخوف.
اقتباس:
ثانياً: نحن في هذه الصلاة نطلب للمنتقل الرحمة والراحة
نطلب له الرحمة، كقول الكتاب: " ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم " ( 2تي1: 18) أي يجد المنتقل الراحة فنقول: ((يارب نيحهم)) وكلمة النياح بعني الراحة ونقصد بها أن راحة في مكانالإنتظار ﻷن يوم الدينونة لم يأت بعد. نحن نطلب أولاً قبل يوم الدينونة أن يجد راحة لنفسه في الفردوس، فنقول: (( يارب نيحهم في فردوس النعيم في الموضع الذي هرب منه الحزن والكآبة والتنهد … )) فنحن عندما نتذكر مراحم الله نشعر بالراحة. ولكن … أين تذهب روح المنتقل بعد وفاته مباشرة؟؟ يقول قداسة البابا شنودة الثالث - أطال الله عمره - أن للإنسان ثلاث حيوات {جمع حياة}:
-الحياة الأرضية:
أولها وأقصرها هي الحياة التي نحياها الآن علي الأرض ، وفي هذا الجسد المادي بكل ما له من حواس وغرائز زمشاعر وإنفعالات. هذه الحياة تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت ، وهي فترة قصيرة جداً إذا ما قيست بالأبدية التي لا نهاية لها. أهميتها القصوي إنها فترة إختبار يتوقف عليها المصير الأبدي اللإنسان ، ﻷنه في هذه الفترة يختبر فكره وقلبه وإرادتهومدي نقاوته ومدي طاعته لله، ونجاح الإنسان في فترة الإختبار القصيرة هذه يؤهله إلي إستحقاق النعيم الأبدي. الإنسان الحكيم هو الذي يُدرك هذه الحقيقة ويعمل ﻷجل أبديته ، فيستفيد من كل إنذار يأتي إليه أو كل عظة يسمعها حتي إذا أتاه الموت يجده مستعداً. الموت ليس موتاً كلياً فهو موت للجسد فقط أما الروح فلا تموت، فالجسد خلقه الله من تراب الأرض وإلي التراب يعود وأما الروح فهي ترجع إلي الله ، ومن هنا تبدأ حياته الثانية.
-الحياة في الفردوس:
تبدأ من لحظة الموت إلي يوم القيامة ، ونحن لا نعرف الكثير من أسرار هذه الفترة ، كما أننا لا نعرف كيف تخرج الروح من الجسد؟ ولا كيف يكون مسارها إلي أن تصل إلي مستقرها في الفردوس؟ يمكننا أن نعرف ما يقوله الكتاب عن الموتي: " يستريحوا من أتعابهم ، وأعمالهم تتبعهم " ( رؤ14: 13). نحن نصلي من أجل هذا الميت ونقول: (( نيح يارب نفسه )) أي نطلب راحة لنفسه حتي لا يكون قلقاً أو مضطرباً علي مستقبله الأبدي ، كذلك نصلي من أجل حياته الثانيه ﻷن يوم الدينونة والحساب لم يأت بعد. الحياة الأرضية كانت فترة إختبار وأما الحياة الثانية فهي فترة إنتظار ليوم القيامة. ويهمني أن نعرف أنه إذا كانت حياة الإنسان علي الأرض في الفترة الأولي غير صالحة وليس له أعمال مرضية أمام الله فستقضي روح المنتقل هذه الفترة الثانية أو الحياة الثانية في الجحيم ومن هنا نحن نؤكد علي أهمية هذه الفترة الأولي ﻷنه عليها يتوقف وجود روح المنتقل في الجحيم أو الفردوس.
-الحياة الأبدية:
سوف تتحد الروح بالجسد ويقف الإثنان معاً للدينونة أي الحساب الذي فيه يتقرر مصير الإنسان وتبدأ حياته الثالثة. تبدأ من يوم القيامة وتستمر إلي الأبد ولا تنتهي.
هذه الحيوات الثلاثة متتابعة تبدأ الواحدة فيها بنهاية التي تسبقها ، ولكنها مختلفة من حيث المدة ، ومن حيث علاقة الروح بالجسد ونوعه ، حيث أن: الحياة الأولي: تكون فيها الروح متحدة بالجسد المادي في حياة أرضية. الحياة الثانية: تكون بالروح فقط ، فهي منفصلة عن الجسد. الحياة الثالثة: تكون فيها الروح متحدة بالجسد ، ولكن بالجسد الممجد جسد القيامة في الحياة السمائية أو الأمجاد السمائية. الكنيسة بعد إنتهاء الحياة الأولي وإنفصال الروح عن الجسد تصلي علي الجسد من أجل الروح الحية التي ستذهب إلي الفردوس إنتظاراً ليوم القيامة لكي ينيحها الرب، أي يعطيها الراحة لكي لا تُتعب الجسد نقائص تظل عالقة في ذهنه تزعج هذه الروح، بل يريحه الرب بالغفرة ومحو خطاياه وبالثقة في الحياة الأخري ، وكذلك يريحه بعشرة باقي أرواح القديسين ، فبعد إنفصال الروح عن الجسد تذهب أرواح الأبرار إلي الفردوس لتلتقي بأرواح ن عاشوا حياتهم الأرضية حياة فاضلة مقبولة عند الله.
اقتباس:
ثالثاً: الصلاة علي المنتقلين فيها عزاء للأسرة المنتقل
معلمنا بولس الرسول لم يصلي فقط من أجل أنيسيفورس ، وإنما كان يصلي أيضاً من أجل أسرته ومن أجل أهل بيته أن يعطيهم الله رحمة. كما قال الكتاب المقدس: " ليعط الرب رحمة لبيت أُنيسيفورس، ﻷنه مراراً كثيرة أراحني ولم يخجل بسلسلتي " (2تي1: 16) هذه كلها صلوات فيها تعزية للأسرة ، ﻷن التعزية إن لم تأت من الله خلال صلواتنا فلن تجئ فهو المعزي الحقيقي. كما ذكر الكتاب المقدس: " مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح ، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا ، حتي نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزي نحن بها من الله " ( 2كو 1: 3) يقول المزمور: " عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي " (مز94: 19) كذلك كقول أشعياء النبي: " كإنسان تعزيه أُمه هكذا أُعزيكم أنا وفي أورشليم تُعزون " (أش 66: 13) بلا شك أن رحيل الأحباء وإنتقالهم يُحزننا جداً، ولكن لا يستطيع أن يعزي إلا من إنتصر علي الموت وكسر شوكته ، فهو وحده القادر علي التعزية ، كما أن سلطان الموت الذي يُحزننا هو قادر عليه. في قصة إقامة إبن أرملة نايين ذكر الكتاب أن السيد المسيح قال للمرآة: " فلَمّا رآها الرَّبُّ تحَنَّنَ علَيها، وقالَ لها: «لا تبكي». ثُمَّ تقَدَّمَ ولَمَسَ النَّعشَ، فوَقَفَ الحامِلونَ. فقالَ: «أيُّها الشّابُّ، لكَ أقولُ: قُمْ!». فجَلَسَ المَيتُ وابتَدأ يتَكلَّمُ، فدَفَعَهُ إلَى أُمِّهِ. " (لوقا ٧ : ١٣- ١٥) قال لها الرب {لا تبكي} ﻷنه إستطاع أن يعزيها ، وحول حزنها وحزن الجميع معها إلي فرح بعد أن أقام إبنها من الموت. كذلك في قصة إقامة لعازر قال السيد المسيح لمريم ومرثا: " إن آمنتِ تَرينَ مجد الله؟ " (يو 11: 40) " أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا " (يو 11: 25) وأقام لعازر وتحول الحزن إلي فرح. في يوم الصلاة علي المنتقل نصلي من أجل هذا البيت المُجرب والحزين ﻹنتقال أحد أعضاؤه ، وﻷن تعزيات الناس وإن كانت ضرورية ولكنها قاصرة وليست مثل تعزيات الرب. حينما نأتي إلي الكنيسة وأثناء الصلاة نشعر بتعزية كبيرة من خلال الصلوات التي تُعلن قيامة الرب، وتُعلن أن هذا المُسجي أمامنا روحه قد إنتقلت فنقول للرب: (( إفتح لها يارب باب الراحة .. إقبلها إليك .. لتحملها ملائكة النور إلي الحياة .. لتتكئ في أحضان أبائنا القديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب. )) بهذه الصلوات ووجودنا في بيت الرب ، وبهذا الإيمان الساكن في قلوبنا سنصمت أمام إرادة الله. ونقول مع المزمور: " صمت. لا أفتح فمي ﻷنك أنت فعلت. " ( مز 39: 9 ) سنصمت ونحن غير متزمرين سنصمت ونحن غير رافضين سنصمت ونحن غير محتجين وإنما سنكون في تعزية كاملة من عند الرب. كقول الكتاب: " شاكرين كل حين علي كل شئٍ في اسم ربنا يسوع المسيح، لله والآب. " ( أف 5: 20 ) واثقين في إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة.
اقتباس:
رابعاً: كنيستنا في الصلاة علي المنتقلين تعطيهم حِلاً
بمعني أننا نعطيه حِلاً من جميع خطاياه التي فعلها وهو في الجسد ، وكأننا نقول للرب: (( يارب هذه النفس التي خرجت من عندنا هي محاللة من جهة الكنيسة ولا نربطها في شئ، ولكن هي الآن متروكة بين يدي رحمتك فأنت فاحص القلوب والكُليّ وعارف الخفيات والأسرار. )) لذلك في هذه الصلاة نقول بنوع من الشفاعة: (( يارب أنت تعرف ضعف ونقص البشرية وإنه ليس إنسان بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً علي الأرض )). كذلك من المهم جداً في نهاية الصلاة الطقسية علي المنتقل أن يصلي الكاهن صلاة التحليل السرية ثم يختمون الصلاة بعدها ، ويأخذون الجسد ليواري التراب.
اقتباس:
خامساً: الصلاة علي المنتقلين هي مثل تأشيرة الخروج من العالم عن طريق سفارة السماء علي الأرض وهي الكنيسة
لذلك المُنتحر أو مَن مات في خطيته لا يأخذ هذه التأشيرة ، فالكنيسة لا تصلي علي الهالكين وذلك عملاً بقول معلمنا يوحنا الرسول عن الخطية التي للموت: " وإنْ كُنّا نَعلَمُ أنَّهُ مَهما طَلَبنا يَسمَعُ لنا، نَعلَمُ أنَّ لنا الطَّلَباتِ الّتي طَلَبناها مِنهُ. إنْ رأى أحَدٌ أخاهُ يُخطِئُ خَطيَّةً لَيسَتْ للموتِ، يَطلُبُ، فيُعطيَهُ حياةً للّذينَ يُخطِئونَ ليس للموتِ. توجَدُ خَطيَّةٌ للموتِ. ليس لأجلِ هذِهِ أقولُ أنْ يُطلَبَ. كُلُّ إثمٍ هو خَطيَّةٌ، وتوجَدُ خَطيَّةٌ لَيسَتْ للموتِ. " (يوحنا الأولى ٥ : ١٥- ١٧) يُقصد بعبارة {الخطية التي للموت} هي الخطية التي بلا توبة مثل: *أن يكون آخر عمل قام به الإنسان وهو في الجسد هو الخطية ومات في لحظتها ، مثل من مات مُنتحراً وهو في كامل عقله، فهذا لا نصلي عليه ولا يأخذ تأشيرة الخروج من السفارة. * إن مات إنسان أثناء إرتكاب جريمة لا نصلي عليه. * إن مات إنسان وهو في هرطقة أو بدعة أو إرتداد لا يُسمح له بالتأشيرة أو بالصلاة عليه. * إن مات في خطية ولم يتب عنها ، وهي ظاهرة ومعروفة أمام الكل هذا أيضاً لا نصلي عليه وهو لا يستحق أن يأخذ هذه التأشيرة بالخروج.
اقتباس:
سادساً: الصلاة علي المنتقلين تعطي شركة بين الذين إنتقلوا والذين علي الأرض أي بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المُنتصرة
بالإضافة إلي صلاة الجناز علي المنتقل ذاته نحن نصلي أيضاً من أجل جميع الراقدين في صلاة معروفة بأوشية الراقدين ، نقول فيها: (( تفضل يارب نيح نفوسهم جميعاً في أحضان أبائنا القديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب. عُلهم جميعاً في موضع خضرة علي ماء الراحة في فردوس النعيم ….. أقم أجسادهم في اليوم الذي رسمته كمواعيدك الحقيقية غير الكاذبة ….. اللهم تفضل عبيدك المسيحيين الأرثوذكسيين الذين في المسكونة كلها من مشارق الشمس إلي مغاربها ومن الشمال إلي الجنوب ، كل واحد بإسمه وكل واحدة بإسمها يارب نيحهم وإغفر لهم فإنه ليس أحد طاهراً من دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً علي الأرض. أما هم يارب الذين أخذت نفوسهم نيحهم وليستحقوا ملكوت السموات. )) كذلك أيضاً في القداس الإلهي بعد صلاة الترحيم نصلي: {أولئك يارب الذين أخذت نفوسهم نيحهم في فردوس النعيم في كورة الأحياء إلي الأبد في أورشليم السمائية في ذلك الموضع.} ثم يرد الشعب قائلاً: (( بركاتهم المقدسة فلتكن معنا، آمين. المجد لك يارب. يارب إرحم، يارب إرحم، يارب باركنا ، يارب نيحهم ، آمين )) نحن نصلي من أجل هؤلاء القديسين الذين إنتقلوا حيث توجد شركة مقدسة بين الكنيستين المُجاهدة والمُنتصرة، كما أن إيمان كنيستنا القبطية الأرثوذكسية أن هؤلاء الذين إنتقلوا ما زالوا أحياء. قد شرح الرب ذلك بقوله للصديقيين: " وأمّا مِنْ جِهَةِ قيامَةِ الأمواتِ، أفَما قَرأتُمْ ما قيلَ لكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ القائلِ: أنا إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ؟ ليس اللهُ إلهَ أمواتٍ بل إلهُ أحياءٍ. " (متى ٢٢ : ٣١، ٣٢) نحن لا نعتبرهم موتي وإنما نحن نصلي من أجلهم ونطلب صلواتهم وشفاعتهم عنا أيضاً ، فأرواح هؤلاء القديسين لم تمت إنما هي في الفردوس تري أكثر مما نري نحن وتشعر بنا وبإحتياجاتنا، بل ونؤمن أنه أصبح لهم إمكانيات واسعة جداً بعد خروجهم من الجسد ولهم طاقاتهم الروحية الأكثر قدرة. صلواتنا علي المنتقلين تحمل معني الإيمان بالحياة الأخري وأن الذين إنتقلوا هم أحياء ولهم عمل ولنا معهم صلة دائمة، فنحن نصلي من أجلهم وهم يصلون من أجلهم في حياة شركة مقدسة وواقع نعيش فيه وتأريخ حي عبر الأجيال نري فيه هذه الصلة الحية بين الكنيستين. نحن نؤمن أن من إنتقل من أحبائنا لا نفقده أو نخسره ، وإنما بالإيمان نشعر أنه يعمل من أجلنا كما كان في الجسد وربما أكثر. كما أن هذه الصلوات تُعلن عن شركة الحب بين أعضاء الجسد الواحد ، فالكنيسة جسد واحد رأسه هو المسيح وكلنا أعضاء سواء في الأرض أو السماء. في كل مرة نحضر إلي الكنيسة نجد الأيقونات أمامنا للذين سبقونا علي حامل الأيقونات ، ولذلك ليس من غريباً أن نضع صورة المنتقل إلي جوارهم في تذكار الأربعين ، لنعلن هذه الشركة المقدسة بيننا وبينهم. السيد المسيح وقف أمام جثمان لعازر المُسجي في قبره ونطق بصلاة جميلة دونها له إنجيل معلمنا يوحنا: " فرَفَعوا الحَجَرَ حَيثُ كانَ المَيتُ مَوْضوعًا، ورَفَعَ يَسوعُ عَينَيهِ إلَى فوقُ، وقالَ: «أيُّها الآبُ، أشكُرُكَ لأنَّكَ سمِعتَ لي، وأنا عَلِمتُ أنَّكَ في كُلِّ حينٍ تسمَعُ لي. ولكن لأجلِ هذا الجَمعِ الواقِفِ قُلتُ، ليؤمِنوا أنَّكَ أرسَلتَني». ولَمّا قالَ هذا صَرَخَ بصوتٍ عظيمٍ: «لعازَرُ، هَلُمَّ خارِجًا!». فخرجَ المَيتُ ويَداهُ ورِجلاهُ مَربوطاتٌ بأقمِطَةٍ، ووجهُهُ مَلفوفٌ بمِنديلٍ. فقالَ لهُمْ يَسوعُ: «حُلّوهُ ودَعوهُ يَذهَبْ».(يوحنا ١١ : ٤١- ٤٤) فكأن السيد المسيح يضع أمام الكنيسة عبر كل الأجيال الصلاة أمام الميت ، فإن كان السيد المسيح قد فعل هذا … فهل يصعُب علي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أن تصلي من أجل الراقدين فوق أجسادهم وأن تُقيم لهم القداسات وترفع القرابين من أجل نياحتهم وﻷجل أوراحهم !!!
<< خاصة إن الكنيسة القبطية كنيسة رسولية بشهادة العهد القديم ولنا الفخر ومباركة السيد المسيح بل كانت ملجأ إلي شعب الله والأنبياء قديماً {{عظمة علي عظمة هي كنيستنا القبطية الرسولية النبوية}} >>
اقتباس:
سابعاً: نحن حينما نصلي علي الراقدين نصلي أيضاً من أجل الباقين أحياء
نصلي في آخر أوشية الراقدين قائلين: (( أما نحن فهب لنا كمالاً مسيحياً يرضيك أمامك، إعطهم وإيانا نصيباً وميراثاً مع كافة قديسيك. )) نحن نصلي أيضاً من أجل أسرة المنتقل قائلين: (( إنزع وجع القلب عنهم، إنزع الدموع من عيونهم ﻷنك أنت أبو اليتامي وقاضي الأرامل ، إعطهم صبراً وعزاءً كما يرضيك لأنك أنت حامل خطايا العالم بإبنك الوحيد يسوع المسيح ربنا ))
أيها القارئ العزيز … إن من واجب الكنيسة أن تصلي علي المنتقلين وليس من الغرابة أن تُودع هذا الجسد المبارك بهذه الصلوات الطقسية المُعزية ، ولكن من حق الله أن يتقبل هذه الصلوات أو يرفضها ولكننا نعمل ما يجب عمله. ونكون مقصرين نحو هذه النفوس لو لم نطلب عنهم ومن أجلهم ، وأيضاً لو لم نتقدم تعزية ﻷهل المنتقل بهذه الصلوات المُعزية. في النهاية نقول أن الصلاة علي المنتقلين إن لم تفدهم فعلي الأقل كل الإستفادة ستكون لمن يحضر هذه الصلوات سواء للتعزية أو الصبر أو الدرس الروحي أو لسماع كلمة الله.
الرب قادر أن يعطينا جميعاً أن نتعزي بكلمة الله وبصلوات كنيستنا من أجلنا. الرب يعطينا جميعاً الآخرة الصالحة