رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سنقف أمام حوادث يبدو فيها سلطان الله غامضًا، ولكن إن أمعنت النظر تجد الله السلطان فوق المشهد، ليس فقط متابعًا بل ومُسيطرًا أيضًا، حتى وإن صمتت حكمته واستترت قدرته في قصة يوسف في دوثان (تكوين٣٧)، حسب وصية أبيه جاء ينظر سلامة إخوته، فقرروا قتله، ثم خففوا العقوبة لرميه في البئر، وأخيرًا قرروا بيعه في غياب أخيهم رأوبين، وإلى مصر «بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا» (مزمور١٠٥: ١٧). فأين سلطانه هنا؟ لعلك تسأل ولماذا صمتت قدرته في إنقاذ يوسف؟ لك الحق في سؤالك عن القدرة في الإنقاذ، ولكني أراها مستترة وليست صامته؛ فمن جعل قلب رأوبين يحن ويقترح أن لا يقتلوه هل هو؟ قطعًا لا فإن عرفت تقرير يعقوب أبوه عنه (تكوين٤٩: ٣-٤)، والذي بسببه لم يتفضل في المكانة عن إخوته، فهو كالماء الفائر غير منضب، فكيف له أن يضبط إخوته؛ أليست هي أصبع الله! ثم هل صدفة أن تكون «الْبِئْرُ فَارِغَةً» (تكوين٣٧: ٢٤)؟ مع الأخذ في الاعتبار أنهم يرعون الغنم هناك، أي لا بد من وجود ماء؛ فمن ضبط إيقاع إفراغ البئر، هل تستبعد أن تكون أصبع الله؟! ثم كيف لغابة الحيوانات هذه - أقصد إخوة يوسف حسب تقرير أبيهم في تكوين٤٩ - أن ترق وتسمع ليهوذا ببيعه بــ٢٠ من الفضة لقافلة الإسماعيليين النازلة إلى مصر؟ ولماذا لم يَرِقّ الذين في القافلة، وهم نسل إسماعيل عم يعقوب أبو يوسف، ويرجعوا الولد لأبيه أو حتى يخبروا بمكانه فهو ابن عمومتهم؟ ثم مَن حدد خط سيرهم من جلعاد لمصر؟! عزيزي هل فكرت من قبل في هذا النوع من قدرة الله المستترة؟ مع العلم أن في دوثان، فيما بعد بمئات السنين، كانت القدرة غير مستترة عن عيني غلام أليشع، فرأى خيلاً ومركبات نار حول أليشع (٢ملوك٦: ١٧)، وهي جيش من الملائكة، واحدًا منهم كان كفيلاً أن يُنقذ يوسف من إخوته ويردّه سالمًا لحضن أبيه. عزيزي.. لحن سلطان الله لا يُضبط بالقدرة فقط بل بالحكمة أيضًا، فالله له السلطان على كل الأزمنة كوصف نَبُوخَذْنَصَّرُ «الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ، وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ (من جيل لجيل)» (دانيال٤: ٣٤)، فكان يرى المجاعة قادمة فقرر أن يجهز الحل قبل ما تبدأ بــ٢٠ عامًا، فهكذا قال يوسف لإخوته: «لأَنَّهُ لاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ» (تكوين٤٥: ٥). حتمًا يوسف قبل العرش لم يكن يفهم سلطان الله هكذا، ولكنه فهم فيما بعد، وكُتبت قصته لتعليمنا في مشهد الضباب والوباء هذا أنه يفعل ليس كل شيء بل فوق كل شيء فهو «َالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ» (أفسس٣: ٢٠). |
|