إعلان الآب في الابن هو إعلان المسيح المُنتَظَر
كلمة "مسيح" في اللغة العبرية هي "ماشيح – Mashiah" من الفعل العبرى "مشح" أي "مسح" وتنطق بالآرامية "ماشيحا" ويقابلها في اللغة العربية "مسيح" ومعناها، في العهد القديم، الممسوح "بالدهن المقدس" the annoited، ونقلت كلمة "ماشيح" إلى اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية "ميسياس – Messias" وعن اليونانية نقلت إلى اللغات الأوربية "ماسيا – Massiah" كما ترجمت الكلمة إلى اليونانية، أيضًا ترجمة فعلية "خريستوس – christos" أي المسيح أو الممسوح annointed، من الفعل اليوناني "خريو – chriw" أي يمسح والذي يقابل الفعل العبرى "مشح" والعربي "مسح"، وفى اللاتينية جاءت "كريستوس – christos" وعنها في اللغات الأوربية "christ".
وكانت عملية المسح تتم في العهد القديم "بالدهن المقدس" الذي كان يصنع من أفخر الأطياب وأفخر أصناف العطارة وزيت الزيتون النقي:
"وكلم الرب موسى قائلًا: وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب. مرًا قاطرًا… وقرفة عطرة… وقصب الزريرة… وسليخة… ومن زيت الزيتون… وتصنعه دهنًا للمسحة. عطر عطارة صنعه العطار دهنًا مقدسًا للمسحة… يكون… يكون هذا لي دهنًا مقدسًا في أجيالكم" (100).
وكان الشخص أو الشيء إلى يدهن بهذا الدهن المقدس يصير مقدسًا، مكرسًا ومخصصًا للرب، وكل ما يمسه يصير مقدسًا:
"وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشاهدة والمائدة كل آنيتها والمنارة وآنيتها. ومذبح البخور ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدسًا" (101).
وكان الكهنة والملوك والأنبياء يدهنون بهذا "الدهن المقدس" ليكونوا مقدسين، مكرسين ومخصصين، للرب:
"وتمسح هرون وبنيه ليكهنوا لي" (102)،
"فأمسحه (شاول) رئيسًا لشعبي…." (103)،
"وآتى رجال يهوذا ومسحوا هناك داود ملكًا على بيت يهوذا" (104)،
وقال الرب لإيليا وأمسح يا هو بن نمشى ملكًا على إسرائيل وامسح إليشع بن شافاط… نبيًا عوضًا عنك" (105).
وكانت عملية المسح تتم بصب الدهن المقدس على رأس الممسوح وكذلك الأواني والأماكن الطقسية المراد مسحها وتقديسها فيصير الإنسان الممسوح مقدسًا ويحل عليه "روح الرب" وتتحول الأواني والأماكن إلى قدس للرب:
"ثم أخذ موسى دهن المسحة ومسح المسكن وكل ما فيه وقدسه. ونضح منه على المذبح مرات ومسح المذبح وجميع آنيته والمرحضة وقاعدتها لتقديسها. وصب دهن المسحة على رأس هرون ومسحه لتقديسه" (107)،
"فأخذ صموئيل قرن الدهنة ومسحه (داود) في وسط أخوته وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم فصاعدا" (108)،
وقال صموئيل النبي لشاول بعد مسحه ملكًا "فيحل عليك روح الرب فتتنبأ معهم (أى جماعة الأنبياء). وتتحول إلى رجل آخر" (109).
وهكذا دعى الكهنة والأنبياء والملوك ب "مسحاء الرب" (110) ومفردها "مسيح الرب" (111) لأنهم مُسحوا بالدهن المقدس وحل عليهم روح الرب. ولكن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكد لنا من خلال نبوات جميع الأنبياء أن هؤلاء "المسحاء" جميعًا، سواء من الكهنة أو الأنبياء أو الملوك، كانوا ظلًا ورمزًا "للنسل الآتي" والذي دعى من عصر داود فصاعدًا ب "المسيح"، وكانوا جميعًا متعلقين بهذا المسيح "مسيح المستقبل" الذي سوف يأتي في ملء الزمان" والذي وصفه الوحي في سفر دانيال النبي بـ"المسيح الرئيس" (112) و"قدوس القدويسين" (113) والذي سوف يكون له وظائف الكاهن والنبي والملك؛ الكاهن الكامل والنبي الكامل والملك الكامل.
لم يستطع أحد من البشر في كل العصور والأجيال أن يحقق الكمال في ذاته، يقول الوحي الإلهي "أكل قد زاغوا معًا. فسدوا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا وأحد" (114)، وكان لابد أن يأتي هذا "المسيح المنتظر" و"النسل الآتي" ليحقق الكمال في ذاته وينتشل البشرية من خطاياها، ومن ثم فقد كشف الوحي الإلهي للبشرية عن حتمية مجيء هذا "المسيح"، "الكامل" وتنبأ جميع الأنبياء عنه واشتهوا أن يروه وأن يسمعوا صوته (115) كما أعلن السيد المسيح نفسه ذلك.
هذا "انسل الآتي"، " الذي له السيادة" و"المسيح المنتظر"، كوكب يعقوب"، "كوكب الصبح المنير"، أعلن الوحي الإلهي أنه سيأتي من سلالة داود النبي والملك، فقد صار الوعد الإلهي لداود نفسه:
"أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته. هو يبنى بيتًا لأسمى وأنا أثبت مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أبًا وهو يكون لي أبنًا. كرسيك يكون ثابتًا إلى الأبد" (116).
وقد تحقق هذا الوعد بعد داود مباشرة في ابنه سليمان الذي بنى الهيكل وجلس على كرسي عرش، داود أبيه. ولكن وعد الله لداود لم يكن مجرد وعد بملك يجلس على عرشه لفترة محدودة من الزمن، بل كان وعدًا بملك أبدى بملك إلى الأبد:
"مرة حلفت بقدسي أنى لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي" (117)،
"وأجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات" (118)،
"يكون أسمه إلى الدهر. قدام الشمس يمتد أسمه ويتباركون به. كل الأمم يطوبونه" (119).
كان وعدًا بملك سمائي، روحاني، أبدى، هو الجالس عن يمين الآب، وهو رب داود نفسه: "قال الرب لربى أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطنًا لقدميك". قال السيد المسيح لرؤساء اليهود "ماذا تظنون في المسيح؟ أبن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربى أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطنًا لقدميك. فإن كان داود يدعوه بالروح ربًا فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة" (120)
ويقول داود بالروح في المزمور الثاني عن هذا النسل الآتي، المسيح المنتظر، ابن داود، أنه "مسيح الرب"، "الملك الأبدي الممسوح من الله"، "ابن الله"، "الذي له السيادة على الكون":
"لماذا ارتجت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل قام ملوك الأرض وتأمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه … أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي. إني أخبر من جهة قضاء الرب قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا لك … فالآن أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض. اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعده. اقبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق (121)".
ويقول بالروح في مزمور 45 "أنت أبرع جمالًا من بنى البشر انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد" ثم يصل إلى الذروة عندما يدعوه بالروح "الله رب العرش":"كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك (122)".
وتصل ذروة النبوءة في سفر أشعياء النبي حين يعلن الوحي الإلهي أن ابن داود هذا، النسل الآتي والمسيح المنتظر، هو "الإله القدير" ذاته ويصفه بأكثر من صفة من صفات الله التي لا يمكن أن يتصف بها غيره:
"لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفيه ويدعى أسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد. غيره رب الجنود تصنع هذا (123)".