رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إيماننا الحي - إعادة فحص، المعنى الأول، (3) الثقة والصلاة المتواضعة الجزء السادس عشر
إيماننا الحي - إعادة فحص مفهوم الإيمان الصحيح وكيف نعيشه المعنى الأول للإيمان في الكتاب المقدس + الثقة - בָטָח - Πιστεύω +
___(3) الثقة والصلاة المتواضعة (الجزء 16)___ أولاً يلزمنا أن نعرف ان الصلاة والثقة (ثقة الإيمان) مرتبطان اشد الترابط، فاختفاء واحدة منهما يجعل الأخرى تنهار وتتلاشى، فمن المستحيل يوجد ثقة ولا تتواجد الصلاة الحقيقية المستجابة حسب مشيئة الله وتدبيره، وأيضاً مستحيل توجد صلاة حقيقية لا تنبض بالثقة، وقبل أن نتكلم عن الثقة وارتباطها الوثيق بالصلاة لا بُدَّ من أن نشرح معناها بدقة، لأن المعنى سيدخلنا – تلقائياً – في سرّ صلاة الإيمان الحقيقية التي فيها ننال ما نطلبه بوعي حسب مشيئة الله المُعلنة لنا في كلمته. فلفظة الثقة هنا تأتي في اليونانية παῤῥησία (par-rhay-see'-ah) ولها عدة معاني متداخلة وهي: [الحرية، الانفتاح، الثقة، علانية، صراحة، مجاهرة، يتكلم بجرأة، يتكلم بشكل علني بحرية]، ولكن الكلمة كانت في أصلها تُشير عادةً إلى حُرية التعبير، وامتد المعنى ليشمل الجرأة والصراحة، وفي معناها الموسع اشتملت ايضاً على الثقة والشعور بالفرح؛ والفعل المناظر للكلمة παῤῥησιάζομαι (par-hray-see-ad'-zom-ahee) معناه يتكلم صراحةً (بدون غموض أو التباس) أو يتكلم بجرأة (دون وقاحة) ومجاهرة وشجاعة (لا يعرف الخوف)، ويتحلى بالثقة (ضمان الثقة التي تحمل الوقار)، ولكي نفهم المعنى بشكل دقيق علينا أن نعود لبعض المواقف – باختصار وإيجاز شديد – في العهد الجديد: + وابتدأ يُعلمهم ان ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم. وقال القول علانية παρρησίᾳ. (مرقس 8: 31، 32)فصفات البنين هي: [الحرية، الانفتاح، الثقة، علانية، صراحة، مجاهرة، يتكلم بجرأة وثقة دون وقاحة]، يتكلم بشكل علني بصراحة تامة بحرية وبكل وقار (التقوى)، ولا يتكلم مثل العبيد الخائفين خوف الدينونة والذين لا يوقرون الله بل يهربون منه ويحتقرون اسمه: الاِبْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَباً فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّداً فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟ قَالَ لَكُمْ رَبُّ الْجُنُودِ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ الْمُحْتَقِرُونَ اسْمِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟ (ملاخي 1: 6) ومن هذا المنطلق نرى أن الثقة في الإنسان تزداد رسوخاً على قدر ما يزداد تواضعاً وتقوى أمام الله الحي؛ فكل موقف صعب في هذه الحياة يقف أمامه الإنسان المؤمن الحي بالله بثقة شديدة في عنايته الخاصة ومعونته فيرى يده العاملة وحضوره معه بقوة نعمته وهذا يزيده ثقة أكبر ويُنمي إيمانه ويثبته، وبالطبع ليس المقصود بالثقة التامة أن يحيا الإنسان في إهمال الصلاة والطلبة من الله ليمد له يد المعونة، متجاهلاً عمل القوات الشريرة في العالم ويظن أنه يستطيع من نفسه أو بقدراته الخاصة أن يتحداها وينتصر عليها، كما يقول البعض ويقف وقفة تحدي أمام عدو الخير. + ثمَّ أخذه أيضاً إبليس إلى جبلٍ عال جداً وأراه جميع ممالك العالم ومجدها وقال لهُ: أُعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي؛ نعلم أننا من الله والعالم كله وضع في الشرير؛ ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح؛ لأن كل من ولد من الله يغلب العالم، وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا. (متى 4: 8 – 9؛ 1يوحنا 5: 19؛ 1كورنثوس 15: 57؛ 1يوحنا 5: 4)وأيضاً ثقتنا بالله واتكالنا التام عليه لا تجعلنا ننسى أننا في الأصل فجاراً أمواتاً بالذنوب والخطايا وقد أحيانا الله مع المسيح لأننا بالنعمة مُخلَّصون (أنظر أفسس 2: 1 – 10). بل لا بُدَّ أن نضع هذه الحقيقة أمام أعيننا معترفين بقدرة الخالق ورحمته المتسعة جداً ونظل نمدح مجد نعمته التي انعم بها علينا في المحبوب يسوع (أنظر أفسس 1: 6)، متيقنين من أنه هوَّ الذي يُريد أن يُخلّص كل البشر الخطاة الذين أحبهم: الله الذي يُريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يُقبلون (1تيموثاوس 2: 3و4)، وأن يجعل منهم أبناء لهُ بالتبني بيسوع المسيح: مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قُدامه في المحبة، إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. (أفسس 1: 3 – 5) عموماً نجد في العهد القديم دعوة إلى الثقة غير المشروطة بلا خوف ولا قلق، ونجد هذه الثقة المصحوبة بالشجاعة والجراءة في قمة معناها عند يهوديت، التي أعطتنا عنها مثالاً حياً لا يُنسى قط، بل ينبغي أن نحتذي به ونعيش على مقياسه في صلاتنا وحياتنا مع الله بشكل عام وخاص. + فقد تكلمت إلى شيوخ الشعب عندما سمعت أن عُزّيا وعد أن يُسلم المدينة إذا لم يتدخل الله بعد خمسة أيام قائلة: "من أنتم حتى تُجربوا الرب، ليس هذا بكلام يستعطف الرحمة، بل بالأحرى يُهيج الغضب ويُضرم السخط، فإنكم قد ضربتم (حددتم) أجلاً لرحمة الرب وعينتم لهُ يوماً كما شئتم (إذ أنهم قالوا: إن لم تأتينا معونة بعد خمسة أيام نُسلّم المدينة) ولكن بما أن الرب طويل الأناة فلنندم على هذا ونلتمس غُفرانه بالدموع المسكوبة. إنه ليس وعيد الله كوعيد الإنسان ولا هوَّ يستشيط حنقاً كابن البشر، لذلك فلنذلل لهُ أنفسنا ونعبده بروح متواضع ولنسأل الرب باكين أن يؤتينا رحمته حسب مشيئته لنفتخر بتواضعنا مثلما اضطربت قلوبنا بتكبرهم". (يهوديت 8: 11 – 17)وطبعاً هنا واضح التأكيد على وصية الرب نفسه الذي قال: [لا تجرب الرب إلهك]، وهذا بالطبع يوضح أيضاً ضعف الثقة في الله واليأس من تدخله وحالة الخوف والفزع والهلع المسيطرة على فكر الإنسان وبخاصة من المستقبل ومن جميع أخطار الحياة والمشاكل اليومية التي تقف امامه، وهذا بكل تأكيد لا يُرضي الله لأنه بدون شجاعة وجرأة إيمان الثقة يستحيل إرضاؤه. عموماً فإن هاتان الفضيلتان: [الثقة والتواضع]، يُعبَّر عنهم في صلاة المساكين الذين مثل سوسنة العفيفة، فهؤلاء الذين يحيوا دون حماية من الناس وفي خطرّ الموت، تكون قلوبهم واثقة بالله الذين يحبونه ويحيوا في طاعته، فسوسنة عندما اتهمت بالزنا وشهد عليها شهادة زور باطلة، لم تُدافع عن نفسها بلّ: فرفعت طرفها (طرف عينيها) إلى السماء وهيَّ باكية لأن قلبها كان متوكلاً على الرب. (دانيال 13: 35) ومن ثمَّ فإنه من أعماق الهاوية، أي وقت المحنة والشدة ينطلّق نداء مُرنم المزامير بثقة مملوء بالشجاعة والجرأة والاعتراف الحسن في وداعة وتواضع قائلاً: + أما أنا فمسكين وبائس، الرب يهتم بي، عوني ومنقذي أنت يا إلهي لا تُبطئ. (مزمور 40: 17)وبناء على ذلك (أي ما هو واضح في الآيات السابقة) فالرب يسوع مخلصنا، دعا – في الواقع – تلاميذه للانفتاح كأطفال لعطية الله: الحق، الحق، أقول لكم: "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد لن يدخله" (مرقس 10: 15)، لأنه من المعروف عن الولد الصغير أن ليس له ثقة – بسيطة صريحة شجاعة واضحة – إلا في أبيه وحده، فإيمانه وثقته بأبيه لا تهتز أو تتراجع بل هي – في طبيعتها – أعظم من أي ثقة في أي آخر غريب؛ وفي وقت وصول الإنسان لهذه الثقة كالأطفال حينئذٍ، فقط، ستحمل الصلاة إلى الآب السماوي يقين من نوال كل شيء من لدن الله الحي: + وأنا أقول لكم أسألوا تُعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح لهُ. فمن منكم وهوَّ أب يسأله ابنه خبزاً أيعطيه حجراً!، أو سمكة أيعطيه حية بدل السمكة!، أو إذا سأله بيضة أيُعطيه عقرباً!، فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء يُعطي الروح القدس للذين يسألونه. (لوقا 11: 9 – 13) _______ يتبع ________ |
|