لنعد إلى مسألة الأب الّذي يعطي ابنه رغيفاً أو سمكة (لو 11/9-13). هذا المثل تطبيق لصلاة الأبانا. إذا كان الأب الأرضي يعطي الخبز لا الحجر وسمكة لا حيّة ... كم بالحري يعطي الأب السماوي! ما هو هذا الكَم؟ إنّه ليس زيادة في عدد أرغفة الخبز أو كميّة السمك. فعطاء الله لا يهتمّ باحتياجاتنا المادية الدنيويّة لأن أبانا الأرضيّ هو الذي يتكفّل بذلك؛ أبانا الجسديّ وكلّ مَن يعتني بنا ومن خلالهم تأتينا عناية الآب السماوي. أما ما يعطينا أبونا السماويّ إيّاه مباشرة وبدون وسيط فهو الروح القدس. "فما أولى أباكم السماويّ بأن يمنح سائليه الرّوح القدس" (لو 11/13). بمعنى آخر، الله يعطي ذاته، لأنّ الروح القدس هو روح الله. إنّه يعطي الروح المحرّر من الشرّير؛ روح المحبّة. فالروح هو الخبز الواهب الحياة الذّي يتجدّد يوميّاً. وهو السمكة التي ترمز إلى المسيح في الإنجيل كما في زمن الكنيسة الأولى. وهو البيضة التي ترمز إلى الأصل وإلى المبدأ. فحين يعطي الله الروح يعطي نفسه بكاملها لأن الله روح. وما خلا ذلك فهو زيادة. "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وهذا كلّه يُزاد لكم" (متى1/33).
يبيّن النصّ الذي ذكرناه من إنجيل لوقا أنّه مهما سألنا الله من أمور، فهو يجيبنا إجابة واحدة: يعطينا روحه. وبالتالي نستنتج ونقول: إنّ العناية الإلهيّة هي إعطاء الروح مراراً وتكراراً. تكراراً لأنّ هذه العطيّة هي كالمنّ، عليها أن تتكرّر بلا انقطاع. فالروح لا يمتلك نفسه، إنّه يهب ذاته في كلّ لحظة، وفي كلّ لحظة علينا أن نستقبله. الروح كالمَن، لا يمكن تخزينه كما نخزّن ممتلكاتنا، فهو للاستهلاك اليوميّ. إذا كان الأمر كذلك، لماذا نسأل الله الصحّة والعمل والنجاح ...؟