الرحوم الله
قلب الله متحرك دائمًا بالرحمة من نحو كل الخليقة، ليس الإنسان فحسب وإنما جميع الكائنات أيضًا: الوحوش والحيوانات والطيور والزواحف والحياء المائية، يهبها طعامها في حينه، كما يضفي عليها جمالًا أخّاذًا وألوانًا بديعةً، إن نظرة متفحّصة لجلد الثعبان أو ألوان الفراشات أو أسماك الزينة، ُتثير العجب والشكر لله المُبدِع، بل حتى زنابق الحقل (العشب) يشير إليه السيد المسيح قائلًا: "فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدًا في التنور(الفرن) يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدًا يُلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان (مت6: 30) يكسيها الله جمالًا أخاذًا " تأملوا الزنابق كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها" (لوقا 12: 27).
هنا وأتعجّب كيف يحب الناس بعض المخلوقات دون البعض الآخر، يدللون نوعًا منها ويصطادون نوعا آخر ويقتلون نوعًا ثالثًا ويتجاهلون رابعًا وهكذا، في حين أن الله يحب الكل ويهتم بالكل...
وبينما يرحمنا الله نحن ويتغاضى عن ضعفاتنا ويغفر لنا متى ُتبنا، إلاّ أننا نحن في المقابل: قساة، لا نرحم بعضنا البعض، ولو كان أحدنا مكان الله لأحرق كل يوم مدنًا بكاملها، وفي مثل المديونين نجد أنه وبينما ترك السيد للعبد المديون بعشرة ألاف وزنة، دينه بالكامل لأنه استعطفه واستمهله، فإن هذا في المقابل لم يرحم أخاه المديون له بمبلغ مئة دينار فقط (نسبة الدين 1: 60)،بل أخذه ووضعه في السجن، فلما سمع السيد استحضر ذلك القاسي وبكّته قائلًا " أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلىٌ، أفما كان ينبغي أنك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا" (متى 33,32:18).
وهكذا إن كنّا نرحم الآخرين فذلك لنحظى برحمة الرب، كما أن رحمة الرب لنا وطول أناته علينا هي التي تدفعنا بالأكثر إلى الإشفاق على الآخرين، إننا نترك القليل جدًا لإخوتنا، من أجل الكثير الذي علينا تجاه الله، حقا يقول السيد المسيح "كونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم" (لوقا 6: 36).
ليت قلبك يتحرك بالرحمة نحو كل الخليقة، مجرد حركة قلبية داخلية تشفق بها على الكل.. أحشاء رأفة.. قلب حاني رفيق، لا يحتمل مجرد رؤية القسوة أو الضعف أو الألم...
إن هناك أُناسا حركتهم الرحمة القلبية تجاه المرضى، فأسست فلورانس نايتنجل Florence Nightingale نظام التمريض، وآخرين أسسوا جمعيات الرفق بالحيوان، وآخرين أعلنوا مناصرتهم للبيئة والأحياء، وصنعوا المحميات الطبيعية.."طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (متى 5: 7).