رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صلاة يسوع الكهنوتية
في الفصل السابع عشر في السفر الرابع من أسفار الإنجيل. أي سفر يوحنا الإنجيلي. صلاةُ إن أردنا أن نتأمل فيها سنجد كثيراً من المعاني ولن ننتهي منها أبداً. لأنها من أجمل الصلوات التي يتكلم بها يسوع مع أبيه السماوي، ويدعوه "يا أبتِ". وما أجملك من كلمة ولا شيء يساويك سمواً لأن يسوع نفسه إستعملك وجَمَعَ فيكِ الأبّوة والأمومة... ولا شيء أعظم من هاتين الكلمتين المعبرتين عن وجود المحبة التي يُنهي بها يسوع هذه الصلاة. فمن خلال المحبة نصل إلى النمو، التكاثر ونملأ الأرض...(تك28:1) كما طلبَ الله من آدم وحواء منذ البدء، وكان هذا وعده لأبونا إبراهيم: "سأكثرنَّ نسلك مثل رملِ البحرِ وكنجوم السماء..." (تك17:22). صلاةٌ توضّح لنا العلاقة الحميمة جداً بين الآب والأبن وبين يسوع وتلاميذه. فقد "أتت الساعة"، وهذه الكلمة مستعملة جداً في سفر إنجيل يوحنا. من بداية السفر في عرس قانا الجليل قال يسوع لأمه لم تأتي ساعة بعد، ولكن بعد لحظات أتت ساعة يسوع وعمل ما كان يجب عليه أنّ يعمل. ولكن الساعة هنا هي ساعة المجد والألم والصلب والقيامة... الحياة الأبدية من أجل التلاميذ ومن أجل جماعة الناس الذين ليسوا من العالم المادي. "عالم الرفض" المؤسّس على الشيطان. وعندما يذكر الحياة الأبدية، يجب علينا أنّ نفرق بين الحياة والموت، فالحياة الأبدية ليست حياة الجسد بل معرفة الله والإيمان به. ويوجد علاقة وطيدة بين المعرفة والمحبة ومن هاتين يولد البنين الذين يجب عليهم أن يحافظوا عليهما. يقول يسوع: "أتممت العمل الذي وكَلَتَ إليَّ أن أعمله..." (يو4:17) أي أنه أتمم عمل الخلاص على الصليب عندما قال: "تمَّ كل شيء" (يو30:19). يتكلم النص أيضاً عن "الكلمة" وتتردد كثيراً ومنها نأخذ المكان الذي توجد فيه "كلمتك" أي يسوع المسيح نفسه "الكلمة صار بشراً، وسكن بيننا" (يو14:1). فآمن التلاميذ بهذه الكلمة المرسلة والمتجسدة في العالم، ويعتبر فعل الإيمان شرطٌ للمعرفة التي يجب أنّ يتحلَّى بها كلّ أنسان مسيحي مؤمن وخصوصاً ذلك المدعو إلى رسالة خاصة، الذي يحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح. "لست بعد اليوم في العالم" (يو11:17) لأنه سوف يعود إلى الآب الأزلي، لكي يرسل الروح المعزّي، المرشد والباراقليط... "وأمَّا هم فلا يزالون في العالم" (يو11:17) فاحفظهم من الشرير أيها الآب وأجعلهم يرفضون عالم الرفض والخطيئة. وأنّ يكونوا واحداً لكي يبقوا ثابتين في المحبة. التلاميذ في العالم لأن الله يحب العالم، كما هو موجود في نفس السفر "فإنَّ الله أحبَّ العالم، حتى إنَّه جادَ بابنه الوحيد لكي لا يهلِكَ كُلُّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. فإنَّ الله لم يرسل ابنه ليدين العالم بل ليخلص بهِ العالم" (يو16:3-17). الخلاص ليس كالسحر بل يجب علينا أن نقول كلمة "نعم" القبول وليس الرفض. كمريم التي قالت: "أنا أمةُ الربّ، فليكن لي بحسبِ قولِكَ" (لو38:1). وكما قال الشعب الإسرائيلي في سفر الخروج: "كُلّ ما تكلم بهَ الربّ نسمعهُ ونفعله" (خر7:24). يوجد مبدئين "الخلق" و"الفوضى" فعلينا أن نختار بين الخلق والفوضى، فإذا أردنا أنّ نموت فاختيارنا هو الفوضى، وأمّا إذا اخترنا الخلق فسنحيا، كما هو موجود في سفر التثنية "إختر الحياة لتحيا" (تث15:30-20). يصلي يسوع من أجل الوحِدة، والوحِدة لا تأتي إلاّ من الله وحده مصدر ومبدأ كُلّ شيء. وهنا نرى أيضاً أنّ في جماعة يوحنا إنشقاقات.- مع العلم أن يوحنا كتب إنجيله إلى جماعة موجودة في أسيا الصغرى-. "ليكونوا واحداً" (يو11:17) هذا هو الذي يريده يسوع من التلاميذ، قبل أنّ يستودعهم ليكمّل مشيئة الآب في الآلام والموت والقيامة التي افتدت البشرية وكلَّ واحد منّا على مدى الزَّمن. الوحدة تطلُّبٌ ينطلقُ من دوافع أساسيّة إلى حدّ أنّ البابا يوحنا بولس الثاني كتب في رسالته ليكونوا واحداً: "أنّ نؤمن بالمسيح يعني أنّ نريدَ الوحِدة، وأنّ نريد الوحِدة يعني أنّ نريدَ الكنيسة، وأنّ نريدَ الكنيسة يعني أنّ نريدَ موهبة النعمة التي تلبّي قصدَ الآب منذ الأزل" (رقم9). ويقول البابا يوحنا الثالث والعشرون عند إفتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني: "المسيح الربّ أنشأ كنيسةً واحدة لا غير. ومع ذلك فإنّ جماعات مسيحية عديدة تدَّعي في النّاس أنّها الوارثةُ الحقيقية ليسوع المسيح. إنّهم يعترفون جميعاً بأنّهم تلاميذ الربّ، ولكنّهم يقفون مواقفَ متبانية، وينهجون طُرقاً مختلفة، كما لو كان المسيحُ نفسهُ قد تجزّأ. واليقينُ أنّ مثلَ هذا التفتّت يتعارضُ صراحةً مع إرادة المسيح، وهو للعالم حجر عثرة، وعقبةٌ في طريق أقدس الغايات، أي الدعوة بالإنجيل في الخليقة كلّها" (قرار في الحركة المسكونية، 1). فالأمر الأهم هو أنّ نطلب من الربّ يسوع أنّ يمنحُنا جميعاً تسبيحهُ بصوتٍ واحد. "كرسهم بالحق إنّ كلمة حقّ" (يو17:17) الحق هو الكلمة نفسها أيّ يسوع المسيح إبن الله الحي. والتكريس الذي يطلبه يسوع هو التقديس نفسه أي أن يكونوا مقدَّسين لكي يُعِدوا للربّ شعباً مقدساً ومملكة من الكهنة. والكلام الذي قاله يسوع يجب علينا أنّ نقرأه ونفهمه ونتأمله ونترجمه إلى واقع حياتنا اليومية، لكي نستطيع أنّ ندخل نحن "الكنيسة" في العلاقة الثالوثية المفتوحة ولدخول جميع البشر فيها. ويطلب يسوع أنّ يكونوا موّحدين في المحبة الكاملة الموجودة والمعاشة في الثالوث الأقدس، إذ قال: "أريد أن يكونوا معي حيث أكون" (يو24:17) هذا ما يطلبه يسوع من الآب السماوي أن نكونَ في الملكوت السماوي المُعَدَّ للذين يؤمنون به ويحبونَ الآخرين في حياتهم الأرضية. فلنتضرع إلى الربّ يسوع دائماً، أنّ يمنحنا نعمهُ اللازمة في هذا العيد المقدس، لكي تكون فينا المحبة ونملك معه إلى الأبد |
|