الشك
الشك يضعف الإيمان. وضعف الإيمان يولد الشك..
تمامًا كما قلنا عن الخوف. وكلاهما يسبب الآخر، أو ينتج عنه.
أ- وكان الشك من الحروب التي حارب بها الشيطان أبوينا الأولين ليضيع إيمانهما. فقال لهما "أحقًا قال لكما الله..؟! كلا، لن تموتا" (تك 3: 1-4).
فإن حاربتك الشكوك من جهة وجود الله أو بعض العقائد الأساسية، فلا تخف. هذه محاربات من العدو، وليست إنكارًا منك للإيمان.
وبخاصة إن كان قلبك رافضًا لها. لذلك في مثل هذه الحالات يجب أن تصلى لكي يرفع الرب عنك هذه الحروب. وأن تغير مجرى تفكيرك بأن تنقل أفكارك إلى موضوع آخر تنشغل به. أما إن كانت الشكوك منك، وأنت مقتنع بها، فعليك أن تعالجها بفهم إيماني سليم، بسؤال المتخصصين في اللاهوت، وبقراءة الكتب المفيدة في موضوعك. على أن هناك حروبًا أخرى للشك أخف من هذه، نذكر منها:
ب- الشك في معونة الله، أو في أن الله قد تخلى عنك.
إن الرب يوبخ على هذا الشك قائلًا "يا قليل الإيمان، لماذا شككت" (متى 14: 31). وهنا يربط بين الشك وقلة الإيمان. لأن الإنسان القوى الإيمان لا يمكن مطلقًا أن يشك في محبة الله ورعايته. ولكن الضيقات الكثيرة المستمرة، قد تضغط على القلب أحيانًا فيقول: "لماذا يا رب تقف بعيدًا، لماذا تختفي في أزمنة الضيق" (مز 10: 1). أنه عتاب، وليس ضعف في الإيمان. وقد يبدو للمرتل أن الرب يقف بعيدًا. ولكنه يرقب بكل حب، وبكل حرص على سلامة أولاده. كالنسر الذي يعلم فراخه الطيران، وكالأب الذي يعلم ابنه العوم. يتركه قليلًا ليتدرب ويكسب خبرة. ويرقبه بكل حرص فإن رأى خطرًا يحيق به، يسرع إلى حمله وإنقاذه. هناك أيضًا مثال الأم التي تعلم ابنها المشي. فتتركه ليقوم ويسقط وتشتد عظامه وتقوى عضلاته ويتعلم. أما إن كانت في كل صرخة منه، تسرع وتحمله على كتفها فإنها بهذا ستضره. لأنه لن يتعلم، ولن تقوى عظامه كما ينبغي..
إن أزمنة الضيق، هي مدرسة لنا، نتدرب فيها على الصلاة والتمسك بالله. ونتدرب فيها على الإيمان، ونرى فيها كيف أن الله يعمل، وبقوة..
ويقينًا أن الله يعمل، مهما كنت لا تراه ولا تلمس عمله. إن الإنسان قد يشك إن نظر فقط إلى المتاعب، وليس إلى الله. وهكذا نرى أن بطرس قد شك حينما نظر إلى الماء الذي تحت قدميه، ولم ينظر إلى المسيح الذي يمسك بيديه. وإذ هبط إيمان بطرس، هبط هو أيضًا إلى الماء، ولكن إلى لحظة، وأنقذه الرب. قد يكون أولاد الله "كحملان وسط ذئاب"، ولكنهم لا يشكون ولا يخافون. فمادام الراعي الصالح وسط الحملان، فلن تقوى عليهم الذئاب ولا حتى الأسود. إن أبانا إبرام لم يشك في محبة الله وعنايته، على الرغم من صعوبة الأمر الصادر إليه بتقديم ابنه إسحق محرقة. وكأنه يقول:
إن قلبي ليس أحن من قلب الله على ابني إسحق، ولا أنا أستطيع أن أدبر مستقبل إسحق كما يدبره الله،
فمادام الرب موافقًا على شيء، فلا بد أن أوافق أنا عليه أيضًا بالضرورة، لأني لست في حكمة الله ول في محبته. لتكن إذن مشيئته.
إن الذي لا يشك، يعيش دائم في راحة وفي سلام.
يحيا دائمًا مطمئنًا، لا تتعبه العوامل الخارجية. ولا يفرض على الله حلولًا معينة، يتضايق إن لم ينفذها الله! بل هو يرضى بكل حل يأتي من عند الله حسب وافر حكمته الإلهية. ما أكثر المتاعب التي تولدها الشكوك في القلب وفي الفكر.. مثل القلق والخوف والاضطراب وقلة المحبة. مجرد الشك نفسه هو تعب. نار تحرق..
الشك يعالج بالثقة ويعالج بالحب. فمن يحب شخصًا لا يشك فيه. وهكذا نحن مع الله، لا نشك فيه، لأننا نحبه ونثق به. وإيماننا به لا يسمح لنا مطلقًا أن نشك في معاملاته الإلهية لنا وفي معاملاته الأبوية لنا. مبارك هو في كل ما يعمله .
إن الإيمان يقتل الخوف والشك. والخوف والشك قد يقتلان الإيمان.
تمسك إذن بإيمانك، لأنه هو العنصر الأقوى، وهو العنصر المنتصر دائمًا. حينئذ سوف تحي في فرح وسلام واطمئنان، بلا خوف، بلا شك، كل أيام حياتك