04 - 01 - 2014, 04:30 PM | رقم المشاركة : ( 51 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
حكمة الله وحكمة العالم إننا نميز بين حكمة الله ومكر العالم كما قيل " الآخذ الحكماء بمكرهم" (1كو3: 19). والقديس بولس الرسول شرح بتفصيل كبير الفرق بين حكمة الله، وحكمة العالم التي تبيد (1كو1: 19). وقال إن " حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله" (1 كو3: 19). وسماها " حكمة الناس" (1كو2: 5) وحكمة " حب الجسد" (1كو1: 26). " وحكمة من هذا الدهر" (1كو2: 6)... وعنها قال " إن الله اختار جهال هذا العالم ليخزي بهم الحكماء" (1كو1: 27). وفي مقابل هذا، تكلم عن الحكمة الروحية التي من الله ومن روحه. فقال " لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر. نتكلم بحكمة الله في سر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا" (1كو2: 6، 7). وهذه الحكمة التي من الله، قال عنها القديس يعقوب الرسول إنها " الحكمة التي من فوق " وشرح تفاصيلها. فقال: "وأما الحكمة التي من فوق، فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة مترفقة مذعنة، مملوءة رحمة، وأثمارًا صالحة" (يع3: 17). وفرق بينها وبين حكمة العالم التي وصفها بأنها " أرضية نفسانية، شيطانية" (يع3: 15). وبأن منها "التخريب والغيرة والتشويش، وكل أمر رديء". حكمة العالم فيها المكر والخبث، وربما من وسائلها الكذب والخداع، ولها كثير من السبل يدخل فيها الشيطان. وهكذا سلكت الحية " أحيل جميع الحيوانات البرية" (تك3: 1). حينما خدعت أمنا حواء.. وهكذا سلكت أيضًا إيزابل زوجة الملك الشرير آخاب حينما دبرت له حيلة يمكنه بها أن يستولي ظلمًا على حقل نابوت اليزرعيلى (1مل21: 5 15). وبحكمة عالمية أيضًا سلكت أمنا رفقة لكي تحصل لأبنها يعقوب على بركة أبيه. وكان ذلك بالكذب والخداع حتى أن يعقوب خاف وقال لها " ربما أجلب على نفسي لعنة لا بركة" (تك27: 12). ليست كل وسيلة توصلك إلى غرضك هي وسيلة سليمة. من العجيب أن طرق العالم كثيرًا ما توصل بسرعة... ولكنها غير مقبولة أمام الله. أبونا إبراهيم أخذ قطورة زوجة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحًا... ومن هؤلاء ولد له شبًا، ودوان، واشوريم، لطوشيم ولاميم، وآخرون (تك25: 1 4). ولكن لم يكن هؤلاء مقبولين أمام الله... إنها نتيجة سريعة، ولكنها وسيلة بشرية وغير مقبولة. ومن أمثلة الحكمة البشرية غير المقبولة من الله مشورة أخيتوفل. إنها ذكاء بشري يأتي بنتيجة ولكنه ذكاء شرير، يصلي الأبرار أن ينجيهم الرب منه " 2صم15: 31). وبالمثل: المشورة التي قدمها بلعام لبالاق (رؤ2: 14). وبالمثل كل خدع الشيطان التي سيضل بها العالم في آخر الزمان وحيلة أيضًا في كل زمان. إنه ذكاء ومعرفة، وحيلة تأتي بنتيجة، أو هي الحكمة الشيطانية التي ذكرها معلمنا يعقوب الرسول (يع3: 15). وكل هذه أمور ينبغي أن نهرب منها، وأن نرفض نتائجها مهما بدت في صالحنا. ومهما قدم لنا الشيطان، أو مهما قدم لنا ذكاؤنا البشري... فكرًا يبدو لنا صالحًا، فلنرفضه، إن كانت وسائلة غير سليمة، أو إن كان غير روحي. والكتاب يحذرنا قائلًا " توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت" (أم14: 12 أم16 25). |
||||
04 - 01 - 2014, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 52 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
مصادر الحكمة أول مصدر هو الله، بالصلاة، وفي ذلك يقول الرسول: " إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فيطلب من الله... وليطلب بإيمان غير مرتاب البتة" (يع1: 5، 6). وهكذا نحن باستمرار نطلب الإرشاد من الله، نطلب إليه أن ينير عقولنا وقلوبنا، ويلهمنا الحكمة من عنده، ويعرفنا كيف نتصرف... ومادامت " الحكمة نازلة من فوق" (يع3) فلنطلبها إذن من فوق. وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول " اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله... اطيعوا مرشديكم واخضعوا، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم، كأنهم سوف يعطون حسابًا" (عب13: 7 17). وما أصدق تلك العبارة الجميلة التي تقول " الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر. والمصدر الثالث للحكمة هو طلبها من ذوي الحكمة والخبرة. وفي ذلك قال الشاعر: إذا كنت في حاجة مرسلًا فارسل حكيمًا ولا توصه وإن باب أمر عليك التوي فشاور لبيبًا ولا تعصه إذن لا تكفي المشورة، وإنما المشورة ومعها الطاعة والتنفيذ. وفي هذا المصدر قال الشاعر أيضًا: فخدوا العلم على أربابه واطلبوا الحكمة عند الحكماء إذن ينبغي انتقاء المرشد الصالح الحكيم، الذي تمتص منه الحكمة: القديس الأنبا أنطونيوس في بدء رهبنته واسترشاده بالنساك، كان كالنحلة التي تمتص عصيرًا من كل زهرة. كثيرون يطلبون الحكمة من إنسان واحد، ويصبحون صورة كربونية منه أما القديس الأنبا أنطونيوس فكان يتعلم من شخص النسك، ومن آخر الصلاة، ومن الثالث أتضاع القلب، ومن الرابع البشاشة، ومن الخامس المعرفة |
||||
04 - 01 - 2014, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 53 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
أهم مجال تلزمه الحكمة في الواقع إن الأعمال تنقسم إلى أربعة أقسام: عمل هو خير واضح وعمل هو شر واضح. وربما كلاهما لا يحتاجان إلى إفراز. أما النوع الثالث، فهو يحتار أمامه الفكر: أهو خطأ أم صواب؟ أو يحتار أمام نتيجة أو وسيلته. وهو في هذا الأمر يحتاج إلى الحكمة وإفراز، أو على الأقل يحتاج إلى مشورة صالحة، وإلى كلمة منفعة، تنير الطريق قدامه... وهنا تبدو فائدة الآباء الروحيين والمرشدين والحكماء. والنوع الرابع الذي يحتاج إلى حكمة وإفراز هو التفصيل بين طريقين، لا يدري الضمير أيهما أصلح. وقد يكون كل من الأمرين خيرًا في ذاته، ولكن أيهما أكثر خيرًا؟ أو أيهما أكثر مناسبة لهذا الشخص بالذات. مثال ذلك الذي يقف حائرًا أي الطريقين يختار لتكريس حياته: الرهبنة أم خدمة الكهنوت. مثل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة وإفراز، وتحتاج إلى تباطؤ وريثما يفحص الإنسان ذاته، وريثما يسمع صوت الله في قلبه، أو صوت الله على فم أب حكيم ومرشد مخلص. يحتاج الأمر إلى حكمة فينا، أو إلى حكمة في مرشدينا. وهناك مجال آخر يحتاج إلى حكمة وإفراز. وهو طريقة الوصول إلى فضيلة معينة، أو طريقة التدرج إليها. فالفضائل واضحة، مشروحة في الكتب الروحية، ولكن ما هي نقطة البدء؟ وما هي الطريقة المثلي لاكتسابها... والبعض يندفع إليها بسرعة قد تأتي بنتيجة عكسية، أو تأتي بنكسة روحية، والبعض قد يسير ببطء، ربما يؤدى إلى فتور أو كسل أو تراخ. والعقل قد يقف حائرًا بين حرارة السرعة، وتباطؤ التدرج، ويحتاج إلى حكمة: كيف يسلك؟ والرد بأن السرعة أفضل، أو التباطؤ، ليس ردًا سليمًا. فحينما تكون هناك دفعة قوية من النعمة أو اشتعال من الروح القدس، فهنا لا يجوز التوقف... فهكذا حدث مع القديس الأنبا ميصائيل السائح، ومع القديسين مكسيموس ودوماديوس... وكل أمثال هؤلاء الذين وصلوا بسرعة. وفي حالات أخري قد يحسن التدرج. يلزم الافراز أيضًا في أمور معينة تبدو حساسة ومصيرية. فقد يتصرف الإنسان بجهل تصرفًا يندم عليه كل أيام حياته، وربما يرتكب غطلة تكون غلطة العمر كله، ويبكي عليها طوال حياته: ولا ينفعه البكاء. وكان الأمر يحتاج إلى حرص، أو إلى حكمة، أو إلى مشورة. وأحيانًا يتحمس الإنسان لتصرف معين، حماسًا يملك كل عواطفه ولا يكون هذا الحماس في صالحه، وقد يندم عليه. وقد يقول بعد فوات الفرصة: ليتني ما فعلت. ليتني تباطأت واسترشدت أو استمعت للمشورات التي رفضتها في حماس... لعل الأمر كان يحتاج إلى إفراز من جهة النظر إلى زوايا أخرى للموضوع أو التفكير في نتائج معينة. لذلك فالمشورة تعطي وجهات النظر الأخرى، أو تعطي رؤية من زوايا غير واضحة، أو التبصرة بنتائج لم يعمل لها حساب. وهناك نقطة أخري جوهرية يلزم لها الافراز والحكمة، وتتركز في المفهوم السليم لبعض الفضائل، مفهومًا يعطيها تكاملًا مع باقي الفضائل مع بعد عن التطرف. |
||||
04 - 01 - 2014, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 54 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الحكمة تعطي المفهوم السليم كثيرًا ما يأتي إنسان ويسأل قائلًا: لقد سلكت مع الناس باتضاع وتسامح فكانت النتيجة أنني تعبت نفسيًا، وصرت هزأة في وسطهم. وهنا قد لا يكون العيب في حياة الاتضاع، وإنما في السلوك في الاتضاع بغير إفراز وبغير فهم. ويكون مثل هذا الشخص محتاجًا إلى أن يفهم ما هو المعني الحقيقي للاتضاع وكيف يكون؟ وكيف يكون الاتضاع بحكمة وإفراز، بحيث لا يؤدي إلى مثل هذا التعب النفسي، وبحيث يكون راسخًا في القلب، ولا يؤدي إلى نتائج سيئة. لأن مثل هذا الشخص قد ينحرف إلى العكس بعد خبرته السيئة، ويكره الاتضاع ويسلك في عنف وفي تمسك بالكرامة الذاتية. وذلك فإن كتاب بستان الرهبان، وبعض الكتب الروحية، وبعض المقالات التي تتحدث عن المثاليات، وعن مستويات عليا، تحتاج إلى مشورة في التنفيذ، وإلى إفراز وحكمة. لا تقرأ عن فضيلة، ربما وصل إليها أحد القديسين بعد جهاد عشرات السنين، وتعزم أنت تنفيذها في التو واللحظة، على مستوي قمتها بدون تدرج، وبدون إفراز وحكمة. وتدخل تحت هذه النصيحة فضائل كثيرة نذكر من بينها: 1 فضيلة الصمت، والوحدة... 2 فضيلة الصوم والانقطاع وطئ الأيام. 3 فضيلة ألاتضاع والمتكأ والأخير. 4 فضيلة الدموع، وانسحاق القلب. 5 موضوع البشاشة وكآبة الوجه. 6 الصلاة الدائمة. 7 معني الإدانة، ومعنى النصح. 8 الوداعة، وقوة الشخصية. 9 المغفرة والحزم والتأديب. 10 النسك والزهد وعدم القنية. 11 الدفاع عن الحق. 12 الطاعة وحرية الضمير |
||||
04 - 01 - 2014, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 55 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الإفراز والحكمة الحكمة الحقيقية، هي الحكمة النازلة من فوق، كهبة من مواهب الروح القدس وهي تختلف تمامًا عما يدعيه البعض من حكمة بشرية أو عالمية ليست هي من الله. فبعض الناس عندهم سياسة وكياسة ودبلوماسية، يظنونها حكمة! والبعض عندهم دهاء، أو ذكاء يظنونه حكمة. وربما يكون هذا كله بعيدًا تمامًا عن الحكمة الحقيقية " النازلة من فوق" (يع3) ونود هنا أن نميز بين الذكاء والحكمة. |
||||
04 - 01 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 56 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
مابين الذكاء والحكمة الحكمة لها معنى أوسع بكثير من الذكاء، وقد يكون الذكاء مجرد جزء منها. وقد يتمتع إنسان بذكاء خارق وعقل ممتاز، ومع ذلك لا يكون حكيمًا في تصرفه. ربما توجد عوائق تعطل عقله وذكاءه أثناء التصرف العملي. ربما تطغي عليه شهوة معينة، هي التي تقود تصرفاته، فيخضع لها تمامًا، ويتصرف تصرفات بعيدة عن الحكمة، على الرغم من ذكائه الذي تكون الشهوة قد عطلته، وتولت القيادة بدلًا منه! أو قد يخضع لأعصاب تثور وتنفصل. فيتصرف بأعصابه لا بذكائه، ولا يكون تصرفه حكيمًا! أو قد يكون له ذكاء، ولكن تنقصه الخبرة أو المعرفة، ونقصهما يجعل سلوكه غير حكيم. فما هي إذن الحكمة، وفي أي شيء تتميز عن الذكاء؟ الذكاء مصدره العقل، وقد يكون الذكاء مجرد نشاط فكري سليم. أما الحكمة فهي تنبع التفكير السليم بالتصرف الحسن في السلوك العملي. وهي لا تعتمد على العقل فقط، إنما تستفيد أيضًا من الخبرة ومن الإرشاد، ومن الصلاة وتوجيه الروح القدس. فالحكمة ليست هي مجرد المعرفة السليمة. أو مجرد الفكر الصائب، إنما هي تدخل في صميم الحياة العملية، لتعبر عن وجودها بسلوك حسن... فهي ليست مجرد معلومات نظرية أو عقلية، وما أصدق القديس يعقوب الرسول في قوله: " من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة" (يع3: 13). حقًا إن الفكر السليم، أو الذكاء، يجوز اختبارًا دقيقًا عند التطبيق العملي فإن نجح فيه يتحول إلى حكمة. وقد يكون الإنسان ذكيًا، يفكر أفكارًا سليمة. ولكن تنقصه الدقة في التعبير، لنقص معلوماته عن مدلول كل لفظ في دقة، فيخطئ في التعبير. أما الإنسان الحكيم، فإنه يقول ما يقصده، ويقصد ما يقوله. وهكذا تشمل الحكمة جودة التفكير، ودقة التعبير، وسلامة التدبير. وهنا نقول: كل حكيم ذكي، ولكن لا يشترط أن يكون كل ذكي حكيمًا... والحكيم إن كان ينقصه شيء من الذكاء، فإنه يستعيض عنه بالمشورة، وبالقراءة والاطلاع، وبالاستفادة من خبرته الآخرين، كما ينتفع أيضًا من التاريخ، كما قال الشاعر: ومن وعي التاريخ في صدره أضاف أعمارًا إلى عمره ونظرًا لأهمية الخبرة في الحكمة، لذلك نسمع عبارة " حكمة الشيوخ". والمقصود بها أنهم في مدي عمرهم الطويل، اكتسبوا خبرات كثيرة في الحياة تمنحهم حكمة، بغض النظر عن درجة ذكائهم. فالذكاء ليس هو في الحياة كل شيء... إن المشيرين الحكماء، في مشورتهم يضيفون إلى عقل الإنسان عقلًا... ويضيفون إلى فكره وجهة نظر أخري ما كان يلتفت إليها لقلة خبرته ومحدودية رؤيته... ولعلهم يمنعونه من الاندفاع في اتجاه معين تكون كل قواه الفكرية مركزة فيه بسبب غرض معين في قلبه. ومن هنا نري أن الاندفاع يعطل الذكاء، أو يدفعه في اتجاه معين. ولذلك مهما كنت ذكيًا، تذكر قول الكتاب " وعلى فهمك لا تعتمد" (أم3: 5). ففهمك يدور في دائرة محدودة هي دائرة معرفتك وخبرتك ورؤيتك الخاصة. ولا مانع من أن تضيف إليها رؤية أخري ومعارف وخبرات أخري، عن طريق السؤال أو الاستشارة. والحكيم لا يندفع في تصرفاته، وإنما يهدئ اقتناعه الخاص، حتى يتبصر بأسلوب أعمق وأوسع.. |
||||
04 - 01 - 2014, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 57 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
السرعة في التصرف من معطلات الحكمة من معطلات الحكمة: السرعة في التصرف. لذلك يتصف الحكماء بالتروي. السرعة لا تعطي مجالًا واسعًا للتفكير وللبحث والدراسة ومعرفة الرأي الآخر. كما أنها لا تعطي مجالًا للمشورة، ولعرض الأمر على الله في الصلاة. وربما تحوي السرعة في طياتها لونًا من السطحية. والتصرفات السريعة كثيرًا ما تكون تصرفات هوجاء طائشة. والإنسان الذي يتصرف بتسرع، ربما يرسل له الله من ينصحه قائلًا: احترس لنفسك "خلّي بالك من نفسك" أعط نفسك فرصة للتفكير. راجع نفسك في هذا الموضوع. نذكر في هذا المجال بعض أبنائنا من المهجر، الذين يحضرون إلى مصر، ويريد الواحد منهم أن يتزوج في بحر أسبوع أو أسبوعين!! وعكس ذلك قديس عظيم هو أبو مقار الكبير، جاءته فكرة أن يذهب إلى البرية الجوانية ليرى الأباء السواح. وهنا يقول " فبقيت مقاتلًا هذا الفكر ثلاث سنوات لأرى هل هو من الله؟"... إن الحكماء تصرفاتهم متزنة رزينة، أخذت حظها من التفكير والدراسة والتعمق والفحص مهما اتهموهم بالبطء. ولا ننكر أن بعض الأمور تحتاج إلى سرعة. ولكن هناك فرقًا ما بين السرعة والتسرع. والتسرع هو السرعة الخالية من الدراسة والفحص. ويأخذ التسرع صفة الخطورة، إذا كان في أمور مصيرية أو رئيسية. ويكون بلا عذر. إذا كانت هناك فرصة للتفكير، ولم يكون القوت ضاغطًا. لذلك فإنني أقول باستمرار: الحل السليم، ليس هو الحل السريع وإنما هو الحل المتقن. وقد تكون السرعة من صفات الشباب إذ يتصفون بحرارة تريد أن تتم الأمور بسرعة. ولكنهم حينما يدرسون الأمر مع من هو أكبر منهم، يمكن أن يقتنعوا بأن السرعة لها مخاطرها. وقد تكون السرعة طبيعية في بعض الناس. وهؤلاء يحتاجون إلى تدريب أنفسهم على التروي والتفكير. وكثيرًا ما يندم الإنسان على تصرف سريع قد صدر منه، فأخطأ فيه، أو ظلم فيه غيره. مثال ذلك صحفي قد يسرع في نشر خبر، ليحصل على سبق صحفي. ثم يتضح أن الخبر غير صحيح. ويفقد الصحفي ثقة الناس في دقة أخباره. ومثال ذلك أب يعاقب أبنه، أو رئيس يعاقب أحد على أخطاء، ثم يتضح أن الذي عاقبة كان بريئًا. |
||||
04 - 01 - 2014, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 58 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
عدم الفهم أو قلة المعرفة من معطلات الحكمة 2 من معطلات الحكمة أيضًا عدم الفهم، أو قلة المعرفة. فقد يكون هناك رجل ذكي جدًا. ومع ذلك فاشل في حياته الزوجية. وأما سبب فشلة فهو جهله بنفسية المرأة. فهو يعاملها كما يعامل الرجال. والمفروض في الرجل الحكيم أن يدرس عقلية المرأة ونفسيتها وظروفها، حيث يتصرف معها تصرفًا حكيمًا. وبالمثل على المرأة أن تدرس نفسية الرجل وعقليته لكي تعرف كيف تتعامل معه في حكمة. ونفس الكلام نقوله في معاملة الأطفال. إذ ينبغي أن ندرس نفسية اللطف وعقليته، حتى نعرف الطريقة الحكيمة للتعامل معه. وهكذا في التعامل عمومًا: ينبغي لكل إنسان أن يدرس نفسية وعقلية وظروف الشخص الذي يتعامل معه... سواء كان زميلًا في عمل، أو رئيسًا، أو مرؤوسًا، أو صديقًا، أو جارًا، ويعمله بما يناسبه. فإن درست نفسية وعقلية من تتعامل معه، تعرف المفاتيح التي تدخل بها إلى قلبه، وتنجح في تصرفك معه... حتى لو تعطل المفتاح حينًا، تعرف كيف تزينه وتشحمه... ثم تعيد بعد ذلك فتح الباب فينفتح. حقًا إنه في بعض الأحيان، يكون فشلنا في التعامل مع أشخاص معينين، ليس راجعًا إلى عيب فيهم، بقدر ما هو راجع إلى عدم معرفتنا بطريقة التعامل معهم. ولهذا نريد أن ندرس بعض النقاط في التعامل مع الناس. |
||||
04 - 01 - 2014, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 59 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الحكمة بين الصمت والكلام إنه تدريب مشهور عند الشباب الروحي، أعنى "تدريب الصمت". يريدون به أن يتخلصوا من أخطاء الكلام عملًا بقول الكتاب " كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم10: 19). وأيضًا قول داود النبي في المزمور " ضع يا رب حافظًا لفمي، بابًا حصينًا لشفتي" (مز141: 3). وعملًا بقول القديس ارسانيوس الكبير " كثيرًا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي، فما ندمت قط". ومع ذلك فالإنسان الحكيم يعرف أنه ليس كل صمت فضيلة، وليس كل كلام خطيئة. والحكيم لا يصمت حين يجب الكلام، ولا يتكلم حين يجب الصمت. بالحكمة يعرف متى يتكلم؟ وكيف؟ وإذا تكلم... ماذا يكون قدر كلامه؟ وبأي أسلوب يتحدث؟ بحيث ينطبق عليه ما قيل لعذراء سفر النشيد: "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا" (نش4: 11). فيخرج من فمه كلام المنفعة، وكلام العزاء، وكلام الحكمة. ويشعر الكل أنه لم يكن هو المتكلم، بل روح أبيه الذي فيه (متى10: 20). وهكذا يتكلم بميزان، وبروية، وبحكمة، وبفائدة. ولا يندم على كلمة يقولها. ولا يشتاق إلى الصمت الذي يحمي من أخطاء اللسان. المسألة إذن تحتاج إلى إفراز. ولا يؤخذ الصمت كتدريب بطريقة حرفية خالية من الروح، لأنه ربما يكون في بعض الصمت أخطاء. والحكيم يعرف تمامًا حينما يجابه بحماقات الناس كيف يتصرف. وهنا يجد الشخص العادي نفسه أمام آيتين: "لا تجاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا تعدله أنت" (أم26: 4). " جاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا يكون حكيمًا في عيني نفسه" (أم26: 5). ليس شيء من التناقض بين هاتين الآيتين، وإنما حسب الحكمة يدرك الإنسان متى يجاوب الأحمق، ومتى لا يجاوبه.. إن كانت مجاوبته تجعلك معادلًا له، فالخير أن تصمت ولا تجاوبه. الحكمة هي الفيصل في الأمر. وبالافراز تميز أي التصرفين أفضل ومن الجهل أن تعطي تعليمًا واحدًا لكل الحالات. لا نستطيع أن نقول لك أن تصمت، بينما كلمة منك تحل مشكلة... ولا أن تصمت، إن كان الصمت يمكن فهمه على غير ما تقصد... كذلك ليس في كل وقت ما ورد في بستان الرهبان وينفذه على نفسه حرفيًا، وبدون إرشاد، وهو ليس من الرهبان، وظروفه الروحية غير ظروفهم..! ففي أوقات أخرى قد يكون الصمت جهلًا، أو بلادة وعدم حكمة... وقد يكون خوفًا وعدم رجولة. وبالإفراز تميز كل حالة من الأخرى والمرشد الروحي لا يضع ابنه تحت ناموس، مقيدًا لا يدرك هدفها... إنما هو يمنحه الحكمة والإفراز، ويتركه ليتصرف في كل حالة حسبما تستوجب... وما نقوله عن الصمت، يمكننا أن نقول ما يشابهه عن فضائل أخرى... |
||||
04 - 01 - 2014, 04:56 PM | رقم المشاركة : ( 60 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الحكمة بين الكآبة والفرح يبدأ بعض الشباب حياتهم الروحية بالتوبة وبالبكاء على خطاياهم حسبما ورد في بستان الرهبان... ويجعلون أمامهم الآية التي تقول " بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا7: 2). ويتمادى هؤلاء في هذا الوضع، حتى تصبح الكآبة لهم وضعًا ثابتًا ومنهج حياة... ويتذكرون كيف أعطي الرب الطوبى للحزانى (متى5: 4). ويضعون أمامهم فضيلة "الدموع"، التي هي نابعة من فضيلة "انسحاق القلب"، وحديث القديسين عن هذه الموضوعات طويل يصعب أن نحصيه. والدموع قد تكون من علامات التوبة... ومن دلائل الرقة والحساسية... وقد يكون من ثمارها الزهد والموت عن العالم... ومع ذلك يحتاج من يسلك في هذا الأمر إلى إفراز شديد الأمر معه إلى العكس... لأن الأستمرار في الكآبة، وعدم السلوك فيها بحكمة... كل ذلك يؤدى إلى عديد من الأخطاء والنقائص سنذكر هنا بعضًا منها: ما أسهل أن تتحول الكآبة الدائمة إلى عثرة تخيف الذين يريدون أن يقتربوا إلى الحياة مع الله، إذ يرون أن التدين هو كآبة وبكاء...! صورة مشوهة عن الحياة مع الله، التي أرادها الرب أن تكون فرحًا دائمًا.. كما يقول الرسول " افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا أفرحوا" (فى4: 4)، وكما ذكر أن الفرح هو ثمار الروح (غل5: 22).واستمرار الكآبة قد يستغله الشيطان فيلقى صاحبه في اليأس وقطع الرجاء ويضعف روحه المعنوية.. كما أن الكآبة قد تولد الضجر والملل. والحكيم يعرف حدود الانسحاق والدموع، ويعرف كيف يخلطهما بالرجاء وبالعزاء... ويعرف كيف يحيا حياة الفرح في توبته، وفي انسحاقه، وفي دموعه التي تكون في الخفاء.. ولا تكون دموعًا محرقة إنما دموعًا معزية. الأمر إذن يحتاج إلى حكمة، لأن الدين ليس حرفية، وليس مجرد فضائل مبهمة.. إنما هو روح وحياة. فالذي يسلك في الانسحاق والدموع.. عليه أن يفعل ذلك بحكمة.. والذي يسلك في حياة الفرح، عليه أن يفعل هذا أيضًا بحكمة، حتى لا تقوده إلى الاستهتار واللامبالاة... |
||||
|