منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22 - 05 - 2014, 06:14 PM   رقم المشاركة : ( 41 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

القديس أمبرسيوس عن العذارى


ويدعو أسقف ميلانو العذارى لأن يملأنَ حياتِهِنْ بالمخافة لتُسيِج حولهِنْ بالأمان والسَّلام في الكنيسة التي تمنح الحماية لأنها تشتاق إلى مسرِّة أولادها وبناتها، وهي نفسها مثل ”سُورٌ وثديَاها كَبُرجينِ“ (نش 8: 10) تعتني بهِنْ دومًا فتنتهي مخاوِفِهِنْ من الهجمات المُضادَّة التي للعدو الشِّرِّير، وهي كأُم مُترفِقة تهتم بأولادِها فمتنحهم الحُبْ والسَّلام ولهذا يقول النبي ”لِيكُنْ سلام في أبراجِكِ راحة في قُصُورِكِ“ (مز 122: 7).
ويرى الكاتِب أنَّ طغمات الملائكة تحرُس العذارى حِراسة خاصَّة لأنَّهُنْ في عِفَتِهِنْ الغير دَنِسة يحفظنَ خَدْر العريس الرب مُقدسًا ”فلا عجب إن كانت الملائِكة تُحارِب من أجلِكُنْ، لأنَّكُنْ تُحارِبنَ أيضًا بحياة ملائِكية“.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وبعد أن شبَّه العذارى بالملائِكة وأوضح أنَّ طغمات الملائِكة تحرسهُنْ، أراد أن يُجمِّل حديثه فقال أنَّ العِفة تصنع من العذارى ملائِكة، ومَنْ يحفظ بتوليته يصير ملاكًا ومَنْ يفقِدها يُصبِح شيطانًا، والعذراء عروس للرب، بل أنَّ العذارى يتمتَّعنَ الآن بعربون القِيامة لأنه مكتوب ”لأنَّهُمْ في القِيامة لا يُزوِّجون ولا يتزوَّجون بل يكُونُون كملائِكة الله في السماء“ (مت 22: 30) فما وُعِدنا به في القِيامة، تناله العذارى الآن وتتحقَّق غاية صلواتِهِنْ، إذ أنَّهُنْ بعد في العالم، ومع ذلك لَسَنَ منه، ومع أنَّهُنْ يعِشنَ في هذا الزمان الحاضِر إلاَّ أنه لا يعوق انطلاقِهِنْ.
ويُقدِّم القديس مُقارنة رائِعة بين الملائِكة الساقطين والعذارى المُرتفِعات فيقول: ”أي عجب أنَّ ملائِكة بسبب عِصيانِهِمْ سقطوا من السماء إلى هذا العالم، بينما العذارى بسبب عِفَتِهِنْ ارتفعنَ إلى السماء من هذا العالم“، فهؤلاء العذارى المُرتفِعات المُطوِبات لا يغويهنْ الجسد بمسرَّاته ولا تسقُطَهِنْ الملذات الخادِعة، ولا ينصرِفنَ إلى شهوة الشَّراهة والنهم، عالِمات أنَّ الجهل يقود إلى طريق الشهوات في الخطية، الأمر الذي انخدع به كثيرون، حتّى أنَّ شعب الله بعد أن جلسوا يأكلون ويشربون أنكروا الله (خر 32 : 5).
ويتناول القديس قضية غاية في الأهمية ويُعالِجها بحكمة أبوية رسولية، تلك هي قضية هؤلاء العذارى اللائي يشتقنَ إلى نذر بتوليتِهِنْ وعِفَتِهِنْ للعريس السمائي ولكنَّهُنْ يجدنَ المُقاومة والمُعارضة من ذوويهم أو أُمَّهاتِهِم الأرامِل ولهؤلاء يقول: ”إن أرادت بناتِكُم الاقتران برجُل عن حُبْ، فإنَّهُنْ بموجب القانون الكنسي يخترنَ مَنْ يرغبنَ في الزواج منه، فهل يليق أن يُسمح لهُنْ باختيار إنسان ويُمنعنَ من اختيار الله؟“.
ويتحدَّث القديس عن عذارى كثيرات هُنْ جوقة من العفيفات، تركنَ مباهِج العالم ليسكُنَّ في قُدْس البتولية، ويذكُر أنَّ كثيرًا من نذيرات العِفة المُتبتِلات تركنَ الأهل لِيَعِشنَ في شَرِكَة البتولية، في بيوت المسيح كجُنديات سلاحِهِنْ الوحيد عِفَتِهِنْ، يُرَتِلنَ ويُسَبِحنَ بالتراتيل الروحية، ومن عمل أيادِيهنْ يَنَلْنَ قُوتِهِنْ اليومي غير مُعتمِدات على أحد...
ويستطرِد أمبرو سيوس ”وازداد انجذاب العذارى لحياة البتولية، لأنَّ سعيِهِنْ لاقتناء فضيلة الطهارة كان ينمو ويزداد مع الأيام، مُحلِقات بحُرية أكثر كأنَّ أجنحة قد نبتت لهُنْ تُرفرِف خفَّاقة، تُحلِّق بهِنْ إلى منازِل العِفة، مُتهلِلاَت ناسِيات بيت الأب الجسدي لِيدخُلنَ إلى جمال الطهارة بيت العِفة المُسَيَجْ (بيت الآب السماوي)..“.
يرى القديس أنه أمر صالِح أن تتقِد في الوالدين غيرتِهِما على بناتِهِمْ العذارى، وإذا ربحت ابنتهم العريس السمائي وإذا شبعت نِفوسِهِم به، فلن يعوزهم شيء ولن يَعوِز عذراء المسيح شيء من ميراث أبيها الجِسداني ”فكم عظيمة هي فضيلة العِفة وكم فقيرة هي هدايا العُرس الدِنيوية إذا ما قيست بها؟“.
ويحكي كاتِبنا عن العذارى اللائي يُفضِّلنَ العِفة على ميراثِهِنْ الأرضي، وكيف يحدُث أنَّ الوالدين يُعارِضان ابنتهُما ويتحدَّثان ضِدَّها، لكن سُرعان ما يرضخان لها، فهما يُقاوِمان في بادِئ الأمر لعدم تصديق نية ابنتهُما وقد يُهدِّداها بحِرمانِها من الميراث، ولكنها لا تخشى خُسارة دِنيوية مُؤقتة من أجل رِبح سمائي دائِم أبدي، وقد يغويانها بمسرَّات كثيرة لكن العذراء لا ترضخ، لأنها تسعى إلى الانتصار في هذه الحرب التي شُنَّت ضدَّها...
”اغلبي أيتها العذراء شهواتِك وعاطِفتِك أولًا، فإن تغلبتِ على مُقاومة البيت أولًا غلبتِ العالم... افترضي أنَّكِ لميراثِك الأرضي خاسِرة، أفلا يكفي عِوَضًا عن هذه القِنية الزائِلة أن تنعمي بالجعالات الأبدية!! لأنَّ الرِسالة السمائية تقول: ’ليس أحد ترك بيتًا أو والدين أو إخوةً أو امرأةً أو أولادًا من أجل ملكوت الله إلاَّ ويأخُذُ في هذا الزَّمان أضعافًا كثيرةً وفي الدَّهرِ الآتي الحياة الأبدية‘ (لو 18: 29-30)...
ثِقوا في إيمانكم بالله، اقرضوا المسيح الحارِس الأمين الذي يحفظ وديعة رجائكم ويمنحكم هِبة الإيمان بأرباح مُضاعفة، والحق لا يخدع أبدًا، وإن لم تُؤمِنوا بكلمة الله آمِنوا بالأحرى بصِدق المواعيد التي تحقَّقت لكثيرين“.
بعد ذلك يذكُر القديس قصة عذراء كانت من نبيلات هذا العالم، وهي الآن ”أكثر نُبلًا وكرامة في نظر الله“، هذه صمَّم والِداها على أن يُزوِجاها، فاحتمت بالمذبح المُقدس ”إذ أي مكان أفضل تلجأ إليه من ذلك المكان الذي تُقدَّم عليه الذبيحة البتول؟“.
لقد تَجَاسَرَتْ وهي قُربان الحِشمة وذبيحة العِفة، ووقفت أمام مذبح الله ويد الكاهِن على رأسِها تستعطِفه أن يُصلي لأجلِها، وفي لهفة على عدم تأجيل مسعاها البَّار، وضعت هامتها تحت المذبح قائِلةً ”أي ستر أعظم من هذا المذبح يُغطيني ويستُرني، فهو الذي يُقدِّس السُتُور نفسها هذا الستر هو الأنسب والأفضل لي، الذي فوقه يُقدِّس كلّ يوم المسيح نفسه رأس الجميع، ماذا أنتُم فاعِلون يا عشيرتي؟ ولماذا تُزعِجون نفسي وفِكري بسعيُكُم لزيجتي؟ لقد استعدَّت نفسي للعُرس منذ زمان طويل، هل أتيتُم إليَّ بعريسي الحقيقي؟ لقد وجدت عريسًا آخر أفضل، فاصنعوا ما شِئتُمْ بثروتي، وافتخروا ما شِئتُمْ بعريسكُم (أي العريس الذي يُريدون أن يُزوِّجوها له) ونُبْل أصله وامدحوا قُوَّته، أمَّا أنا فقد اقتنيت ذاكَ الذي لا يُقارن بأحد، الغني القوي في مملكته، المُمجَّد في سمائه.. إن كان لديكُم مثل هذا العريس أحضروه إليَّ، لن أرفُضه، وإن لم تجدوه فإنكُم لا تحسِنوا إليَّ يا أقربائي بل.... تُؤذُونني!!“، ولمَّا رأى الجميع إصرارها على حياة التكريس البتولي انصرفوا وتركوها لتمضي إلى عريسها السمائي.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:16 PM   رقم المشاركة : ( 42 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

العذراء مريم كمثال للعذارى

بعد أن أوضح القديس أمبروسيوس في الكِتاب الأوَّل عِظَم موهِبة البتولية، وضع كِتابه الثَّاني ليشرح فيه كيف تسلُك العذارى، ولم يُقدِّم في كِتابه هذا تعاليم مُباشرة -كما قال هو نفسه ذلك- بل قدَّم أمثلة عديدة ”لأنَّ الأمثِلة تُحقِّق تقدُمًا أفضل خاصَّة عندما نرى سهولة الأمور التي تمت، وحتّى تتوقَّد غِيرتنا فنسلُك سُلُوك السابقين“.
المِثال الأوَّل: العذراء مريم
يدعو القديس أمبروسيوس العذارى لأن يتخِذنَ من حياة العذراء مريم مِثالًا لهُنْ، لأنَّ من حياة العذراء القديسة تنعكِس صورة العِفة وسِمات الفضيلة كما من مرآة، وليس هناك مثال أعظم منها، لأنه ”مَنْ أعظم من أُم الله؟ مَنْ أمجد أو أبهى من هذه التي اختارها المجد ذاته؟“.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويأخُذ في ذِكْر فضائِل القديسة البتول، وهو إنما يفعل ذلك لكي يحِث العذارى على السير في خُطاها والإقتداء بها في كلّ فضيلة، لقد كانت عذراء لا في الجسد فقط بل وفي الفِكْر الذي لم يتدنس قط، كانت وديعة القلب، وقورة الحديث، حكيمة التفكير، قليلة الكلام، دَؤوبة القِراءة، ويمضي أمبروسيوس قُدُمًا في تِعداد فضائِل أُم الله البتول التي تتعلَّم منها العذارى أن لا يضعنَ رجاءِهِنْ في الغِنَى الباطِل ولا في الأغنياء بل في صلوات المساكين والفُقراء، وأن يكُنَّ أمينات في العمل مُتضِعات في الحديث، تطلُبنَ الله في حياتِهِنْ ليحكُم ويضبُط كلّ أفكارِهِنْ، لا يُؤذِينَ أحدًا، يُظهِرنَ مشيئة الخير نحو الجميع، يُوقِّرنَ كِبار السِنْ... لا يحسدنَ قَرِيبَتَهِنْ، يتجنبنَ المديح، يسلُكنَ بحكمة، لا يحتقرنَ البُسطاء ولا يُهمِلنَ المُعوزين، عِيونِهِنْ تتسِمْ بالهدوء، وكلماتِهِنْ بالرِّقة وأفعالِهِنْ بالاعتدال وسُكناتَهِنْ بالحِكمة، خطواتِهِنْ محسوبة وأصواتِهِنْ تبعث على السكينة... على مِثال العذراء مريم التي كانت كلّ هذه الفضائِل موجودة ومرئية فيها... فقد كانت البتول مريم ناسِكة قليلة الأكل، كثيرة الخَدَمات، تقضي مُعظم أيامها صائِمة، وإن نامت استيقظت نفسها واستيقظ قلبها يتأمَّل فيما قرأته...
ويحِث القديس أمبروسيوس العذارى على الحِشمة والاتضاع مُقتديات بأُم الله التي تحدَّث الكِتاب المُقدس عن حِشمتها واتضاعها نحو جيرانها، ويَحِثَهُنْ أيضًا على أعمال الرحمة والمحبة كما فعلت العذراء مع أليصابات عندما مكثت عندها ثلاثة شهور تخدمها.
ويُؤكِد على أنَّ الحِشمة كانت فضيلة العذراء مريم، لأنَّ ”الحِشمة والبتولية لا تنفَصِلان أبدًا“.
”هذا هو مِثال البتولية، والعذراء مريم وحدها درس للجميع ولِنَتَعَلَّم من حياتها لِمنفعتنا، فكم عدد الفضائِل التي تتألَّق في عذراء واحدة: سِرْ الحِشمة والاتضاع، راية الإيمان، خدمة التكريس والنذر... عذراء في البيت، رفيقة في الخدمة، أُم في الهيكل“.
ثم يتساءَل أمبروسيوس: ”كم عذراء ستُقابِل القديسة مريم التي ستُعانِقِهِنْ وتأتي بهِنْ إلى الرب؟“، ويتخيل القديس المشهد ويرى العذراء تُعانِقِهِنْ قائلةً: ”هذه كانت أمينة لعريسها، لابني، لقد حفظت خُدرها العُرسي بحشمة لا تتدنَّس“.
ويرى جُموع الملائكة الفرحة المُتهلِلة بالنَّفْس التي وُجِدت مُستحِقة أن تسكُن في السماء لأنها عاشت على الأرض حياة سمائية.
ولا يتردَّد القديس في أن يدعو العذارى هياكِل الله لأنَّ نِفُوسِهِنْ هي فعلًا هياكِل لله ومذابِح له يُقدَّم عليها المسيح كلّ يوم، فالعذراء تخلع عنها الجسد التُّرابي وتلبِس آخر روحانيًا صنعته يد الكاهِن الأبدي.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:17 PM   رقم المشاركة : ( 43 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

القديسة تكلة كمثال للعذارى



كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
بعد أن قدَّم القديس أمبروسيوس العذراء كنموذج حياة للعذارى المُكرسات، يُقدِّم الشهيدة تكلة كنموذج استشهاد وموت يتعلَّمنَ منه كيف يُقدِّمنَ حياتِهِنْ وأجسادِهِنْ لله، لأنها إذ رفضت أن تعرِف زوجها جِسدانيًا أدانها زوجها في ثورة غضبه وصدر ضِدّها الحُكم بإلقائها بين أنياب الوحوش الضارية ”لكن طبيعة الحيوانات تبدَّلت من الافتراس إلى توقير وتكريم البتولية“...
فعندما أطلقوا أسد كاسِر لِيفترِسها، ركع وراحَ يلعق قدميها، ساكنًا هادِئًا لا يتقدَّم ولا يتجاسر على إيذاء جسد البتول الطاهر!!
وهكذا كرَّم الوحش فريسته مُتناسيًا طبيعته الوحشية، لابِسًا تلك الطبيعة التي فقدها البشر...
ويستعجِب كاتِبنا من هذه الأمور، فطبيعة الإنسان وقد اكتست بالوحشية والقسوة تنخُس الوحش نحو الفتك والقتل، بينما الحيوان -الكاسِر بطبيعته- ساجِد يُقبِّل قدمي القديسة البتول، ناخِسًا ضمائِر البشر ومُعلِّمًا إيَّاهُم ما ينبغي أن يكون فيهم من خِصال...
ويُعلِّق القديس على هذه القصة بأنَّ البتولية فيها من الفضائِل ما أثار حتّى إعجاب وتقدير الوحوش، فتوقفت عن الافتراس بالرغم من أنَّ الإنسان قد حرمها من الطعام، ولم تُثيرهم رؤية جسد العفيفة ولا أثارت فيهم غريزة القتل، فلم يغلبهم الغضب كما كان من قبل، بل أخذت الوحوش تُوقِر وتُكرِّم العفيفة البتول، وأعطت البشر درسًا في عظمة واستحسان البتولية عندما ركعت تُقبِّل قدمي البتول.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:19 PM   رقم المشاركة : ( 44 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

عذراء من أنطاكية

وخوفًا من أن يقول البعض: ”كيف سُقتَ لنا مِثال القديسة العذراء مريم كما لو كان هناك مَنْ يقدِر أن يتشبَّه بأُم الله؟ ولماذا ذكرت مِثال القديسة تقلة التي علَّمها رسول الأُمم؟ أعطِنا مُعلِّمًا من نفس مُستوانا إن كُنت ترغب في تعليمنا وتلمذتنا“، قدَّم أمبروسيوس مِثالًا حديثًا حتّى يعلم الجميع أنَّ الرَّسول بولس ليس مُعلِّمًا لواحدة فقط بل لكثيرات أُخريات.
فقد كان في أنطاكية عذراء تحاشت أن تراها عُيون الناس في الأماكِن العامة، مُتجنِبة نظرات الرِجال الذين اشتاقوا كثيرًا وتطلَّعوا إلى الاقتران بها، وخِشية أن يتمادوا في الاشتعال بشهوتِهِمْ، كانت تعترِف علانية برغبتها في حِفْظ بتوليتها ومن ثمَّ تُطفِئ بأقوالِها لهيب الأشرار.
ولكن الإضطهاد ثار ضِدَّها، ولم تعرِف العذراء أين تذهب، وكان كلّ خوفِها أن تقع في أيدي الذين خطَّطوا ضِد عِفتها، ولذلك هيَّأت نفسها لفضيلة بُطولية، إذ كان لها إيمان بلغ حد الاستهتار بالموت، ورجاؤُها العظيم جعلها تنتظِره، حتّى أتى يوم إكليلها، وأحضروا البتول التي أعلنت أمام الجميع إيمانها وعِفِتها، وحينما تأكَّدوا من إصرارها على اعترافها وخشيتها على حِشمتها واستعدادها لتحمُّل العذابات، عقدوا العزم على إجبارها للتخلي عن إيمانها وذلك بالقضاء على بتوليتها، لذلك صدر الحُكم بإيداعها بيتًا سيِّئ السُمعة، إن هي رفضت السجود للأوثان.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
لقد ساقوا العذراء إلى بيت الخِزي لكن البتول تظل في أي مكان عروس للمسيح وهيكل لله، فلم تقدِر بيوت الخِزي أن تُؤذيها أو تُؤذي عِفتها بل عصفت عِفتها بالبيت الرديء السُمعة.
اندفع إلى المكان جمع غفير من رِجال مُحترقين بالشهوة الرديئة، أمَّا هي فقد رفعت يديها نحو السماء، كأنها جاءت إلى بيت للصلاة وليس إلى مُستنقع شهوات، وصرخت قائلة:
”أيها الرب يسوع المسيح، يا مَنْ روَّضت الأُسود المُفترِسة من أجل البتول دانِيال (دا 6: 22) اسمح الآن أيضًا يا رب أن تُروِض أفكار هؤلاء الرِجال... لقد صارت النار كالندى حول أجساد الفِتية الثَّلاثة العِبرانيين (دا 3: 27) ووقف الماء يخدِم اليهود (خر 14: 22) وصار لهم سورًا عن يمينهم وعن يسارِهِمْ، كرحمتك لا كطبيعته، لقد ركعت سوسنَّة تنتظِر عِقابها لكنها انتصرت على الذين اتهموها بالزِنى، لقد يبست اليد التي امتدت نحو مذبحك لتعصِف به، وتُدنِس ذخائِر هيكلك المُقدس (1مل 13: 4) وها هو هيكلك الآن قد أوشكوا أن يُدنِسوه، فلا تسمح أن ينتهكه أحد، أنتَ الذي لا يسلِبك أحد، فليتمجَّد اسمك الآن حتّى أنني، وقد سلَّموني إلى الخِزي، أخرُج بتولًا“.
وما أن انتهت من صلواتها حتّى اقتحم المكان رجُل تبدو عليه سِمات مُحارِب جسور، فارتعد الحاضِرون، أمَّا هي فلم تنسى ما قرأته وقالت: ”ذهب دانِيال ليُشاهِد عِقاب سُوسنَّة لكنه وحده أثبت براءتها“ وتساءلت: ”قد يختفي خروف في هيئة هذا الذِئب، وللمسيح أيضًا جنوده، فهو قائِد الطغمات الملائِكية (مت 26: 53) أو ربما هو الجلاَّد الذي يُنفِذ حُكم الإعدام!! فلا تخافي يا نفسي لأنَّ مثل هذا يصنع الشُّهداء“.
ويمضي أمبروسيوس في حديثه الشيِّق فيروي أنَّ الجُندي قال لها ”لا تخافي يا أُختي، أرجوكِ، فأنا كأخ لكِ أتيتُ لأُنقِذ حياتِك، لا لأُهلِكها... فلنستبدِل ثِيابنا لأنَّ الذي لي يُناسِبك والذي لكِ يُناسبني وكِلانا للمسيح، ثوبِك سيجعلني جُنديًا حقيقيًا، أمَّا ثوبي فسيجعلِك عذراء حقيقية للمسيح، ارتدي ملابسي حتّى لا يتعرَّف عليكِ أحد أمَّا أنا فلن أرتدي شيئًا حتّى يعرفني المُضطهِدون، خُذي الثوب الذي يُخفي مظهرِك كعذراء وأعطني الثوب الذي يُقدسني كشهيد، خُذي والبسي العباءة التي تُخفي أطراف البتول وتحفظ عِفتها وحِشمتها، خُذي غِطاء الرأس الذي يُغطي شعرِك ويستُر طُهرِك، وعندما تخرُجين احرصي ألاَّ تنظُري إلى الوراء، وتذكَّري امرأة لوط (تك 19: 26) التي فقدت طبيعتها نفسها حينما نظرت للوراء إلى ما هو دَنِسْ ونَجِسْ حتّى بعيون طاهرة عفيفة!! لقد خدمتِ الخدمة الصَّالِحة التي للعِفة التي جعالتها الحياة الأبدية، لقد لبستِ دِرع البِّر الذي يحمي الجسد بالسلاح الروحاني، وأخذت تُرس الإيمان الذي به تدفعين عنكِ الجِراح، ولبستِ خُوذة الخلاص (أف 6: 14-17) لأنه حيث يوجد المسيح، يوجد دِفاع عن خلاصنا، إذ كما أنَّ الرجُل رأس المرأة، هكذا المسيح رأس العذراء البتول“.
ثم خلع الفارِس عباءته -وكان هذا الرِداء يلبِسه الزُّناة والمُضطهِدون- وقدَّمهُ للعذراء...
ويُعلِّق أمبروسيوس بتأمُلاته العميقة قائِلًا : ”يا له من مشهد! يا له من إعلان عن النِعمة أنَّ شابًا وشابَّة استعدَّا للاستشهاد داخل بيت سيِّئ السُمعة!! تأمَّلنَ تلك الصِفات: جُندي وعذراء هل بينهُما اتفاق في طبيعتهِما؟ لكنهُما صارا مُتفقين برحمة الله، كي يتحقَّق المكتوب أنَّ الحَمَلْ والذِئب يرعيان معًا (إش: 65: 25) وها هُوذا الحَمَلْ والذِئب لا يرعيان فقط معًا بل يُقدِّمان ذبيحة معًا!! وبعد أن استبدلت (العذراء) رِداءها هربت من الإثم لا بجناحين من عِندها، بل قد أُعطيت جناحين روحانيين، وفي مشهد لم يرهُ أحد من قبل تركت بيت الخِزي عذراء، عذراء للمسيح“.
أمَّا الذينَ كانوا يحدِقون بأعيُنهم الشِّرِّيرة فلم يروها وهي تخرُج، إذ كانوا كلُصوص حول الفريسة، أو كذِئاب حول حَمَلْ!! أمَّا التي بلا خِزي فقد خرجت من وسطِهِمْ، لكن سُرعان ما عرف الحاضِرون بأمر الجُندي الذي ساعد العذراء على الهرب، فصدر الحُكم بموته بدلًا من العذراء التي سهَّل هروبها، ولكن ما إن علمت العذراء بذلك حتّى ذهبت لِتنال إكليل الشهادة، ولمَّا عاتبها الجُندي قالت: ”لم أقبل أن تُنقِذني من الموت لِتموت أنتَ بل لأُحافِظ على عِفتي، ولستُ أسألك أن تُسدِّد عني الدِين فأنا مُستعدة أن أوفيه بحياتي، ولن أقبل أن تموت عني، فلأمُت بريئة بدلًا من موتي مُذنِبة، فلا تسمح أن أُدان بموتك بل أن أتبرَّر باستشهادي... فالعذراء تقبل أن تُقطع أوصالِها عن أن تُؤذي عِفتها، تقبل أن تُجرح في جسدها عن أن تُجرح في كرامتها بالمهانة والخِزي، أنا لا أتحاشى الاستشهاد بل أهرب من الخِزي، إن أنتَ قبلت الموت عني فلستُ تُنقذني بل تخدعني، لا تُحاوِل إعاقتي عن تنفيذ هذا الحُكم فيَّ، لأنَّكَ إن أعتقتني ستكون قد حكمت عليَّ بميتة أشر وأمَرْ على نفسي بين الأشرار الذين يُريدون التهامي، فلا تسمح لِعِفتي أن تتهدَّد بالخطر، وسوف تُكرَّم أكثر إن أنتَ جعلتني شهيدة أفضل من أن أموت زانية“.
ويختَتِمْ أمبروسيوس هذه البطولة الروحية:
”ماذا تعتقِدون كانت النِهاية؟ لقد حُكِمَ على الاثنين بالموت! الاثنان أُدِينا! وكِلاهُما نال النُّصرة، لم يُقسم الإكليل بل صار الإكليل إكليلين... هكذا الشُّهداء يحِثُّون بعضهم على الاستشهاد من أجل إكليل الحياة الأبدية“.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:21 PM   رقم المشاركة : ( 45 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

الفضائل التي يجب أن تتحلى بها العذراء


يتحدَّث القديس أمبروسيوس في الكِتاب الثَّالِث عن لِيبريوس أسقف روما (352-366م.) حينما سلَّم مارسلينا (أُخت القديس أمبروسيوس) زِيّ الرهبنة، ففي يوم ميلاد المُخلِّص، وفي كنيسة القديس بطرُس، تقدَّمت مارسلينا للتكريس ونذر البتولية ”وأي يوم أعظم من ذاكَ الذي استُقبِلت فيه العذراء وليدها الإلهي؟“ وكانت هناك عذارى كثيرات واقِفات حول مارسلينا يتنافسنَ على مُرافقتها، وقال لها الأسقف: ”لقد اشتهيتِ يا ابنتي عُرسًا صالِحًا“.
ثم وصف الحشود التي جاءت لِتُشارِكها في يوم عُرسها ويوم ميلاد عريسها، وكيف أنَّ أحدًا منهم لم يمضي بدون طعام، لأنَّ العريس هو ذاكَ الذي حينما دُعِيَ إلى العُرس حوَّل الماء إلى خمر (يو 2: 9) وهو أيضًا يهِب سِرْ البتولية الطاهِرة، ويُجدِّد الطبيعة التي كانت ماديَّة جِسدانية، وهو ذاكَ الذي أطعم أربعة ألاف في البَّرِّية بخمس خُبزات وسمكتين (لو 9: 13) وقد دُعِيَ كثيرين وكثيرات لِحضور حفل عُرسها.


كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج ويتحدَّث القديس عن الفضائِل التي يجب أن تتحلَّى بها العذراء وهي:
تجنُّب الخمر والشَّراهة: فيحِث أمبروسيوس العذارى على تجنُّب الخمر الذي يُشعِل الشهوات الشبابية الجِسدانية، وعلى الإكثار من الأصوام التي كلِجام تكبح جِماح الشهوات، ويدعوهُنْ ليحكُمنَ ويُثبِّتنَ الرجاء ولِيملأنَ قُلوبِهِنْ بالمخافة، ”لأنَّ الذي لا يعرِف كيف يضبُط شهواته ورغباته، يُشبِه رجُلًا يمتطي جوادًا برِيًا جامِحًا يطرحه أرضًا ويدهِسه ويجرحه“... وكذلك يجب أن تُقلِّل العذارى من الأكلات الحريفة التي تُلهِب الجسد.
الحِشمة والصمت: يُعلِّم أسقف ميلان العذارى أن يُقلِّلنَ من زيارتِهِنْ سواء للأهل أو لغيرِهِم، لأنَّ الحديث والكلام يضُر الاحتشام، والجرأة تُشوهه، والضحكات تزحف إليه فتفسِده، والأدب واللياقة مطلوب وضروري، وعدم إجابِة سؤال أحد هو تصرُّف طُفولي لا يليق، والإجابة أيضًا تصرُّف لا يليق إذا اتسمت بالثرثرة! لذلك ينصح القديس العذارى أن يكون حديثِهِنْ تحت إلحاح الضرورة فقط، لأنه ما دامت النِساء قد أوصينَ بعدم التحدُّث في الكنائِس حتّى عن الأمور الإلهية، فكم بالحري يكون احتراس العذارى اللائي يُوقِّرنَ الاحتشام والصمت والسُّكون.
الأصوام: يمتدِح القديس في أُخته أصوامها الكثيرة، ولكنه يُعلِّم العذارى أنَّ هذه الأمور تُناسِب السنوات التي في شباب العُمر، لكن حينما تنتصِر العذراء على جسدها، يجب أن تُقلِّل من أتعابها ونُسكها لكي تُحافِظ على نفسها مُعلِّمة لصغيرات السِنْ، فإنَّ الكرمة المُثقَّلة بالأغصان كثيرة الثِمار سُرعان ما تنكسِر إن لم تُقطف أثمارُها من حينٍ لآخر، وتثبُت للخلف حتّى لا تنحني تحت ثِقَلْ الثمر المُتضاعف، ولكن وهي صغيرة فلتنمو بالأثمار الكثيرة..
ويُقدِّم القديس أيضًا مَثَلْ الزارِع الصَّالِح الذي يهتم بتفليح التُّربة وبِحِفْظ الكرمة في أحسن الأحوال، ويحميها من الصقيع ويحرُسها من الاحتراق بشمس مُنتصف النهار اللافِحة.. ”فهل أنتِ أيضًا، يا مَنْ تُجاهدين في بتولية، تُبذِّرين حقلِك بالبِذار المُختلِفة، مرَّة بالعمل المُعتدِل، ومرَّة بالأصوام الكثيرة وبالقِراءات والصلاة“... ويحِث العذارى أن يتشبَّهنَ بالزارِع الصَّالِح فيتجنبنَ تشقُّق تُربتهُنْ بالأصوام الكثيرة المُبالغ فيها التي تُشبِه محراث ثقيل يُتعِب التُّربة... ويقول أمبروسيوس: ”لِيَتَفَتَّح البنفسِج وليرتوي من نبع الدم المُقدس، وهناك قول شائِع يقول أنَّ ما تُريد أن تنجِزه بوفرة وإفراط، أحيانًا لا تفعله على الإطلاق، وإن كان البعض مِنُكُنْ يُزيد على الصوم الأربعيني أيامًا أخرى يصُمنَ فيها، فليكُنْ ذلك من أجل الإيمان لا للتباهي والتفاخُر“.
الصلاة: يمدح أسقف ميلان الصلاة لأنها تربُطنا بالله، فإذا كان النبي يقول ”سبع مرَّاتٍ في النَّهار سبَّحتُكَ“ (مز 119: 164) حتّى وهو مشغول بشئون المملكة، فكم يليق بِنا نحن أن نفعل؟ نحن الذينَ نقرأ: ”اِسهروا وصلُّوا لئلاَّ تدخُلُوا في تجربةٍ“ (مت 26: 41).
وينصح القديس بأن تُقام الصلوات المُعتادة مصحوبة بالشُّكر الذي نرفعه لله عندما ننهض من النوم، وحينما نرجع من العمل وحينما نستعِد لتناول الطعام وبعد الانتهاء منه.
وكذلك يحِث العذارى أن يُصلينَ في مخادِعِهِنْ بالمزامير دومًا مع الصلاة الرَّبانية، حتّى يتحرَّرنَ من الاهتمامات العالمية ويتأملنَ في أمور الله، وكذلك ينصحهُنْ بترديد قانون الإيمان كخِتم على قُلوبِهِنْ يوميًا قبل طُلوع النهار وأن يُردِّدنهُ سِرًا إذا تعرَّضنَ للخوف من أي شيء، ”لأنَّ الجُندي في خندقه والمُقاتِل في موقِعه لا يُمكن أن يتجرَّد من قِسْمه الذي يُحافِظ على ترديده باستمرار“.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:23 PM   رقم المشاركة : ( 46 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

الرسالة إلى القديسة أستوكيوم من القديس جيروم


LETTER TO EUSTOCHIUM
يستهِل القديس چيروم رِسالته بقول المزمور: ” اِسمعي يا بِنْتُ وانظُري وأميلي أُذُنَكِ وانسي شعبَكِ وبيتَ أبيكِ فيشتهي الملِكُ حُسْنَكِ“ (مز 45: 10-11) ففي هذا المزمور يتحدَّث الله إلى النَّفْس البشرية التي يجب أن تخرُج -على مِثال إبراهيم- من أرضها وأهلها وتسكُن في أرض الأحياء، تلكَ التي يتنهد لأجلها المُرنِم في موضِع آخر قائِلًا: ”آمنتُ بأن أرى جُود الربِ في أرض الأحياء“ (مز 27: 13).
لكن لا يكفي الخروج من الأرض ما لم ينسَ الإنسان أهله وبيت أبيه ويبغُض الجسد، ويُنبِّه چيروماستوكيوم إلى أنه من غير النافِع أنَّ الإنسان بعد أن يضع يده على المِحراث ينظُر إلى الوراء، أو يعود إلى البيت من الحقل، أو بعد أن لَبَسْ عباءة المسيح ينزِل من السطح ليرتدي ثوبًا آخر.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وإذا تساءل البعض عن الجعالة التي يجنيها من تركه لبيت الطفولة ونِسيانه لأهله، يُجيبه چيروم شارِحًا أنَّ الكِتاب المُقدس يقول ”مِنْ أجل هذا يترُكُ الرَّجُلُ أباه وأُمَّهُ ويلتصِقُ بامرأته ويكونُ الاِثنانِ جسدًا واحدًا“ (أف 5: 31)، فهذه هي البتولية لكن ليس كما في النص جسد واحد، بل هي زيجة روحية مع الرب في روح واحد.
ويُحدِّث چيروماستوكيوم عن جمال عريسها فيقول أنه ليس مغرورًا أو مُتكبِرًا بل لقد تزوَّج امرأة كوشية (قارِن عد 12: 2) ولكن ”ما إن ترغبي أن تستمعي لحكمة سُليمان الحقيقي وتأتي إليه حتّى يكشِف لكِ كلّ ما يعرِفه، ويقودِك الملِك إلى حِجاله، وعندما يتغيَّر لونِك بطريقة عجيبة، سينطبِق عليكِ القول: مَنْ هذه الطَّالِعة مِنَ البرِّيَّةِ؟ (نش 8: 5 )“.
وباتضاع ومحبة يقول چيروم ”أكتُب هذا إليكِ يا سيِّدتي استوكيوم -ولابد أن أدعوكِ سيِّدتي لأنَّكِ عروس سيِّدي- كي من بدايِة رسالتي تعلمين أنني لن أتحدَّث في مديح البتولية ولن أُعدِّد عيوب الزواج، لأنَّ للنِساء مكانَتَهِنْ: زواج مُكرَّم ومضجع غير نجِس (عب 13: 4)“ ويُحذِرها أنها بينما تخرُج من سدوم يجب أن يكون مصير زوجة لوط تحذيرًا لها.
ويطلُب منها ألاَّ يطغيها الكِبرياء والعجب بسبب نذرها البتولي، بل على العكس يجب أن تمتلئ بالمخافة، ويقول: ”فإذا كُنتِ تسيرين مُحمَّلة بالذهب، لابد أن تكوني حَذِرة من اللُصوص“ وليس من أحد يسير وسط الحيَّات والعقارِب دونَ قلق وحذر، فنحن في هذه الحياة الفانية لكي نُجاهِد ومن ثمَّ نُكلَّل في الموضِع الآخر، ولا يُمكن أن يظُنْ الإنسان أنَّ هناك سلامًا على الأرض التي تُنبِت شوكًا وحَسَكًا.
”فإنَّ مُصارعتنا ليست مع دمٍ ولحمٍ بل مع الرُّؤساء مع السَّلاطين مع وُلاة العالم على ظُلمة هذا الدَّهرِ مع أجناد الشَّرِّ الرُّوحية في السَّماويَّات“ (أف 6: 12) وهكذا نحن مُحاطون بِقُوَّات العدو، وفي كلّ موضِع الكثير من الأعداء، وجسدنا الضعيف يُصارِع وحده مع كثيرين، لكن عندما ينحل هذا الجسد وعندما يأتي رئيس هذا العالم ولا يكون له فيه (أي في الجسد) شيء، عندئذٍ سيسمع هذا الجسد بلا هم كلِمات النُّبوة: ”لا تخشى مِنْ خوفِ اللَّيلِ ولا مِنْ سهم يطيرُ في النَّهارِ. ولا مِنْ وباءٍ يسلُكُ في الدُّجَى ولا مِنْ هلاكٍ يُفسِدُ في الظَّهيرةِ. يسقُطُ عن جانِبِكَ ألفٌ ورَبوات عن يمينِكِ. إليكَ لا يقرُب“ (مز 91: 5-7).
لكن إذا تسبَّبت كثرة الأعداء في اضطراب الإنسان ويبدأ ينزعِج بسبب حروب الخطية ويتساءل ”ماذا أفعل؟“ يُجيبه أليشع: ”لا تخف لأنَّ الذينَ معنا أكثر من الذينَ معهم“ وسوف يُصلي قائِلًا: ”ياربُّ افتح عينيهِ فيُبصِر“ (2مل 6: 17) وعندما تنفتِح عينيهِ سيرى مركبة نارِيَّة تحمِله مثل إيليا، فيُرنِم بفرح: ”انفلتت أنفُسنا مثل العُصفُور من فخ الصَّيَّادين الفخ انكسر ونحن انفلتنا“ (مز 124: 7 ).
ويُؤكِد القديس چيروم أننا مادُمنا في سِجْن هذا الجسد الضعيف، ومادام لنا هذا الكِنْز في أوانٍ خزفية (2كو 4: 7)، ومادامت الروح تشتهي ضد الجسد والجسد ضد الروح، ليس هناك انتصار مُؤكد، لأنَّ عدونا الشيطان كأسِد زائِر يجول مُلتمِسًا من يبتلعه (1بط 5: 8) وداود يقول: ” تجعلُ ظُلمةً فيصيرُ ليلٌ. فيهِ يَدِبُّ كُلُّ حيوان الوعرِ. الأشبال تُزمجِرُ لِتَخْطف ولِتلتَمِس مِنَ الله طعامها“ (مز 104: 20-21).
إنَّ الشيطان لا يطلُب غير المؤمنين ولا هؤلاء الذين هم خارِجًا، بل يُسرِع لِيصطاد ضحاياه من كنيسة المسيح، فالمُختارون -بحسب حبقوق- هم طعامه، فقد سعى لِيُجرِّب أيوب، وبعد أن افترس يهوذا، طلب سُلطانًا أن يُمحِّص الرُّسُل.
ويستمِر چيروم في حث استوكيوم على اليقظة والصحو الدائِم، ويُقدِّم لها بولس الرَّسول مثلًا وقدوة، فإذا كان بولس وهو إناء مُختار (أع 9: 15) ومُستعِد لإنجيل المسيح، يقمع جسده ويستعبِده (1كو 9 : 27) لئلاَّ بعدما كرز للآخرين يصير هو نفسه مرفوضًا، ومع هذا كلّه يرى ناموسًا آخر في أعضائه يُحارِب ناموس ذِهنه ويسبيه إلى الخطية (رو 7: 23) وإذا كان بعد العُري والصوم والجوع والسِجن والضربات والعقوبات يتنهد قائِلًا: ”ويحي أنا الإنسان الشَّقيُّ. مَنْ يُنقِذني من جسد هذا الموت“ (رو 7: 24) فهل يجب أن نظُن نحن أننا في أمان؟
ويطلُب چيروم منها قائِلًا: ”أرجوكِ أن تحترسي لئلاَّ يقول لكِ الله يومًا: ’سقطت عذراء إسرائيل لا تعُودُ تقُومُ. انطرحت على أرضِها ليس مَنْ يُقيمُها‘ (عا 5: 2) أنا أتحدَّث بجرأة: رغم أنَّ الله يُمكن أن يفعل كلّ شيء، إلاَّ أنه لا يستطيع أن يُقيم عذراء بعد سقوطها، وبالرغم من أنه يستطيع أن يُحرِّرها من المُجازاة والعقوبة، إلاَّ أنه لا يستطيع أن يُكلَّل مَنْ قد فسد“.
ويُعلِّمها چيروم أنَّ علينا أن نخاف لئلاَّ يتحقَّق قول الكِتاب ”تذبُلُ بالعطشِ العذارى الجميلات“ (عا 8: 13) لأنَّ هناك أيضًا عذارى جاهِلات رديئات، والكِتاب المُقدس يقول: ”كُلَّ مَنْ ينظُرُ إلى امرأةٍ لِيشتهيها فقد زنى بِها في قلبِهِ“ (مت 5: 28) فالبتولية إذًا يُمكن أن تُفقد حتّى بالفِكْر، وهؤلاء هُنْ العذارى الجَاهِلات، عذارى في الجسد لكن ليس في الروح، اللائي إذ ليس لهُنْ زيتًا أغلق العريس الباب أمامِهُنْ.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:24 PM   رقم المشاركة : ( 47 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

من رسالة جيروم إلى أستوخيوم


ويرى القديس أنه من الأفضل للعذراء أن تتزوج برجُل عن أن تسقُط في أعماق الجحيم بِمُحاولتها أن تنال المراقي العالية، ويُخاطِب استوكيوم ”أرجوكِ لا تجعلي مدينة صهيون المُؤمِنة تصير زانية، لئلاَّ بعد أن نالت حِمايِة الثَّالوث، ترقُص فيها الشياطين ويجعلون عِشَشَهُمْ فيها“.
وينصحنا چيروم مع استوكيوم أنه ما إن تبدأ الشهوة تُهاجِم الحواس ويبدأ بريقها المُغري يُؤلِمنا، يجب أن نصرُخ ”الرَّبُّ لي فلا أخاف. ماذا يصنعُ بي الإنسان“ (مز 118: 6) وإذا اضطرب الإنسان الباطني وتذبذب بين الفضائِل والخطايا، يجب أن نقول: ”لِماذا أنتِ مُنحنيةٌ يا نفسي ولِماذا تئنينَ فيَّ. ترجَّي الله لأني بعدُ أحمدُهُ خلاص وجهي وإلهي “ (مز 42: 11) ولا ندع شيئًا من بابِل ينمو داخِلنا بل نُهلِك العدو وهو بعد صغير أي في بِداياته ولذلك يقول المُرنِم: ”يا بِنْتَ بابِل المُخزية طُوبى لِمَنْ يُجازِيكِ جزاءَكِ الذي جازيتِنا. طُوبى لِمَنْ يُمْسِكُ أطفالَكِ ويضربُ بِهم الصَّخرة“ (مز 137: 8-9) لأنه من المُستحيل أن تنجو حواس الإنسان من حروب الشهوة، ومُبارك هو ذاكَ الذي ما إن تبدأ هذه الأفكار في النمو حتّى ينزع كلّ خيالاته وتصوراته ويُحطمها على الصخرة ”والصَّخرةُ كانت المسيح“ (1كو 10: 4).
كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويروي چيروم بعضًا من الحروب والتجارُب التي أتت عليه أثناء إقامته في البرِّيَّة، فبينما كان مُقيمًا في وحدة شاسِعة تحت الشمس الحارِقة، كثيرًا ما كان يظُنْ أنه وسط مباهِج روما!! كان جِسمه مُغطَّى بقسوة بالمِسوح الخَشِنة، وصار لبشرته شكل الجسد الأثيوبي الأسود، وكان يبكي كلّ يوم وينوح ويإنْ، وعندما كان يغلِبه النوم، كان ينام على الأرض العارِية، وكان يعتبِر تناوُل الطعام المطبوخ ترفًا، ويشرح أنه هو الذي حكم على نفسه بهذا السِجْن خوفًا من الجحيم، ولم يكُنْ له رُفقاء سِوَى العقارِب والحيوانات وبالرغم من ذلك كلّه كان يُحاط كثيرًا ببنات راقِصات، ويقول ”كان وجهي شاحِبًا من الصوم، وعقلي مُلتهِبًا بالشهوة في جسد بارِد كالثلج“ ورغم أنَّ جسده كان ميِتًا، إلاَّ أنَّ نيران الشهوات ظلَّت تتأجَّجْ داخله.
ويستطرِد چيروم راوِيًا أنه اعتاد، عندما كان بلا أي رجاء، أن يُلقي بنفسه عند قدمي يسوع ويغسلهُما بدموعه ويمسحهُما بشعر رأسه (لو 7: 38) وعندما كان جسده يثور، كان يقمعه ويُخضِعه بأسابيع من الأصوام، ”وأتذكَّر أنني كثيرًا ما واصلت النهار بالليل بسبب أحزاني ولم أكُنْ أتوقف عن قرع صدري حتّى يعود إليَّ سلام الذِهن بتوبيخ الرب“.
ويتساءل قائِلًا أنه إذا كان المُتوحِدون يُحارَبون بمثل هذه التجارُب، فكم يجب على العذراء أن تتحمَّل وهي التي يُهدِّدها الترف؟ لذلك يجب أن تتذكَّر قول الرَّسول ”أمَّا المُتنعِّمة فقد ماتت وهي حيَّةٌ“ (1تي 5: 6) وينصح قارِئته أن تحذر الخمر مثل السُّم، لأنَّ العدو داخِلنا فحيثُما نذهب نحمِل عدونا معنا، والخمر مع الشباب تُلهِب نيران الشهوات.
أمَّا عن طعام العذارى ونُسكِهُنْ، فيجدنَ لهُنْ أمثلة كثيرة في الكِتاب المُقدس، مثل الأنبياء إيليا وأليشع ودانِيال، وفي الكِتاب المُقدس العديد من المواضِع التي تدين البَطنة وتمتدِح الطعام البسيط.
فالإنسان الأوَّل طُرِد من الفِردوس إلى وادي الدِموع لأنه أطاع بطنه وشهوته أكثر مِمَّا أطاع الله، وبالجوع أيضًا جرَّب الشيطان الرب في البرِّيَّة، والرَّسول يقول ”الأطعِمة للجوف والجوفُ للأطعِمة والله سيُبيدُ هذا وتِلكَ“ (1كو 6: 13)، وعن الشهوانيين يقول ”إلهُهُم بطنُهُمْ“ (في 3: 19) وفي الواقِع ”كلّ إنسان يعبُد ما يُحِب“.
ويُحذِّر چيروم استوكيوم أنها إذا قالت أنها سليلة أُسرة نبيلة وتربَّت على الأطعمة الشهية والتَّرف، ومِنْ ثمَّ لا تستطيع الامتناع عن الخمر والأطعمة الفاخِرة، وأنها لا تستطيع أن تحيا بحسب قسوة ونُسْك هذه التدابير، فإنَّ العريس سيُجيبها ”طالما لا تستطيعي أن تعيشي بحسب ناموس الله، عيشي إذًا بحسب نامُوسِك“ ليس لأنَّ الله خالِق الكون وربُّه يُسَرْ بِخَواء مِعدتنا بل لأنه لا يُمكن حِفْظ البتولية بأي وسيلة أخرى.
ويُنبِّهها چيروم أنه طالما أنها أوِّل عذراء من الطبقات الرَّاقِية في روما قبلت أن تحيا راهِبة، يجب أن تُجاهِد بحماسة أكبر لئلاَّ تخسر الجعالات الحالية والمُستقبلية، ويجب ألاَّ تختلِط بالسيِّدات المُتزوجات ويجب ألاَّ تزور البيوت الرَّاقية المُتميِزة، وإذا كانت النِساء يفتخرنَ بأنَّ أزواجِهِنْ قُضاة ومُكرَّمين برُتبة عالية ”لماذا تهينين أنتِ زوجِك؟“ فهي عروس لله ويجب أن تعلم أنها أفضل مِنْهُنْ... أمَّا رفيقاتِها فهُنْ النِساء اللائي صِرْنَ نحيفات من الصوم، اللائي يُرنِمْنَ يوميًا في قُلُوبِهِنْ ”أينَ ترعى أين تُربِضُ عند الظَّهيرة“ (نش 1: 7) واللاتي يقولنَ بمحبة ”لي اشتهاء أن أنطلِق وأكُون مع المسيح“ (في 1: 23).
ويحِثَّها على الاقتداء بعريسها، فلا تخرُج كثيرًا، ويكون طعامها مُعتدِلًا، وعندما تنهض في الليل للصلاة يكون الجوع -وليس سوء الهضم- هو الذي يُؤثِر على تنفُسها وينصحها أن تقرأ كثيرًا بقدر استطاعِتها، وأن تدع النوم يغلِبها وهي مُمسِكة بكِتاب بين يديها، وأن تجعل الأصحاحات المُقدسة تستحوِذ على ذِهنها بينما هي تغفو، أمَّا الصوم فضرورة يومية للعذراء لأنَّ ”الأرض المروية تُنبِت أشواك الخطية“.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:25 PM   رقم المشاركة : ( 48 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

من رسالة إيرونيموس إلى يوستوكيوم


ويستطرِد كاتِبنا شارِحًا أنه من الصعب على النفس البشرية ألاَّ تُحِب، فمن الضروري أن ينجذِب عقلِنا إلى نوعٍ ما من المحبة، ومحبة الجسد لا تهزمها إلاَّ محبة الروح، فالشهوة تُطفِئها شهوة أخرى، وكلّ ما ينقُص في الواحدة يزيد في الأخرى، ولذلك على العذراء أن تنوح دومًا وتقول: ”في اللَّيل على فِرَاشي طلبتُ مَنْ تُحِبُّهُ نفسي“ (نش 3: 1) لأنَّ الرَّسول يقول ”أميتوا أعضاءكُمُ التي على الأرضِ“ (كو 3: 5) وقال أيضًا بِثِقة ”فأحيا لا أنا بل المسيحُ يحيا فيَّ“ (غل 2: 20).
وكلّ مَنْ يُميت أعضاءهُ ويسير بحسب مِثال بولس الإلهي لا يخشى أن يقول ”صِرتُ كَزِقٍ في الدُّخان“ (مز 119: 83)، وأيضًا ”رُكبتاي ارتعشتا مِنَ الصوم“ (مز 109: 24)، وكذلك ”سَهَوْتُ عن أكل خُبْزي. مِنْ صوت تنهُّدي لصق عظمي بلحمي“ (مز 102: 4-5).
فلابد أن تُعوِّم سريرها كلّ ليلة بِدِموعها ( مز 6: 7) وتكون مُستيقِظة وحيدة كعصفور (مز 102: 7) وتُرتِل بروحها وأيضًا بِذِهنها (1كو 14: 15)، قول المزمور ”بارِكي يا نفسي الرب ولا تنسي كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الذي يغفِرُ جميع ذُنُوبِكِ الذي يشفي كُلَّ أمراضِكِ الذي يفدي من الحُفرة حياتَكِ“ (مز 103: 2-4).

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويُؤكِد أنه في مدحه للبتولية لا ينتقِص من كرامِة الزواج، بل يُفضِّل البتولية عنه، فالله يقول ”أثمِرُوا واكثُرُوا واملأُوا الأرض“ (تك 1: 28).
لقد كانت حواء عذراء في الفِردوس، وبعد ثوب الجِلْد بدأت الحياة الزِيجية، فالفِردوس هو المكان الذي تنتمي إليه العذارى، ويُشجِّعها چيروم قائِلًا لها أن تستمِر كما وُلِدَت وأن تقول ”ارجعي يا نفسي إلى راحَتِكِ لأنَّ الرَّبَّ قد أحسن إليكِ“ (مز 116: 7) والدليل على أنَّ البتولية هي الحالة الطبيعية للإنسان وأنَّ الزواج جاء بعد التعدِّي هو أنَّ الجسد الذي يُولد من الزواج يكون بتولًا لكي نستعيد في الثمرة ما قد فُقِدَ في الجِذر.
وبِبَراعة أدبية يقول كاتِبنا أنه يمتدِح الزواج، لكن يمتدِحه لأنه يُقدِّم له عذارى، فهو يجمع الورد من بين الأشواك، الذهب من الأرض، اللؤلؤ من المحار، ويُخاطِب هُنا الأُمهات اللائي يرفُضنَ أن يدعنَ بناتِهِنْ تُكرِّسنَ حياتِهِنْ للعريس السمائي، فالزواج يُكرَّم أكثر عندما تكون ثمرته محبوبة أكثر، ويقول للأُمهات ”هل أنتِ غاضِبة لأنها لا تُريد أن تكون عروس لجُندي بل ستصير عروسًا للملِك؟ لقد وَهَبَتِك كرامة عظيمة: أن تكوني حماة الله“.
إنَّ الرَّسول يقول: ”وأمَّا العذارى فليس عندي أمرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ“ (1كو 7: 25) لماذا؟ لأنه هو أيضًا كان بتولًا، ليس رغمًا عنه بل بإرادته الحُرَّة، ويتساءل چيروم لماذا لم يأخُذ الرَّسول أمرًا من الرب بخصوص البتولية، ويُجيب بأنَّ ما يُقدَّم بالإرادة الحُرَّة وليس بالإجبار تكون له قيمة أعظم، فلو كان هناك أمر بالبتولية، لبدا الأمر كأنَّ الزواج ممنوع، ومن الصعب جدًا أن نفرِض ما هو ضد الطبيعة ونطلُب من البشر حياة الملائكة.
في العهد القديم، كان هناك مفهومات مُتعدِّدة عن الغِبطة والسعادة، ”بنُوكَ مثل غُرُوسِ الزيتون حول مائِدتك“ (مز 128: 3) أمَّا الآن فالقول هو ”لا يقُل الخصيُّ ها أنا شجرةٌ يابِسةٌ. لأنه هكذا قال الربُّ للخِصيان الذينَ يحفظُونَ سُبُوتي ويختارُون ما يَسُرُّني ويتمسَّكُونَ بعهدي. إنِّي أُعطيهم في بيتي وفي أسواري نُصُبًا واسمًا أفضل مِنَ البنين والبنات“ (إش 56: 3-5) فإنَّ الفقير مُطوب، والعازِر مُفضَّل عن الغني، الآن الضعيف هو الأقوى.
لقد كان الأبناء بركة في العهد القديم، ولذلك تزوج إبراهيم بعد أن تقدَّم في الأيام من قطورة (تك 25: 1)، ولذلك اشتكت راحيل من انغلاق رحمها، لكن البتولية نمت بالتدريج، وهكذا كان إيليا بتولًا، وكان أليشع بتولًا، وكان الكثير من أبناء الأنبياء بتوليين، ولإرميا قيل ”لا تتَّخِذْ لِنَفْسِكَ امرأةً“ (إر 16: 2) فإذ قد تقدَّس في الرَّحِمْ، مُنِع من أن يتخِذ لِنفسه امرأة لأنَّ زمان السبي قد اقترب.
والرَّسول يقول نفس الأمر بكلِمات أخرى ”فأظُنُّ أنَّ هذا حَسَنٌ لِسبب الضَّيقِ الحاضِر أنهُ حَسَنٌ للإنسان أن يكون هكذا“ ( 1كو 7: 26) ولكن أي ضيق هذا الذي ينزع أفراح الزواج؟ إنه قِصَر الوقت ”الوقتُ مُنْذُ الآن مُقصَّرٌ لكي يكُون الَّذِينَ لهُمْ نِساءٌ كأنْ ليس لهُمْ“ ( 1كو 7: 29).
ويستمِر چيروم في شرح تدرُجِيِة البتولية من العهد القديم إلى الجديد، ففضيلة البتولية كانت موجودة فقط في الرِجال، وظلِّت حواء تلِد أطفالًا بالحُزن (تك 3: 16) لكن بعدما حبلت عذراء في رَحَمْهَا وولدت لنا ابنًا على كَتِفيهِ الرِئاسة، الله القدير، زالت اللعنة.
فبِحوَّاء جاء الموت، وبمريم أشرقت الحياة، ولذلك انسكبت على جِنْس حوَّاء نِعمة بتولية أغنى لأنَّ الحياة ابتدأت بامرأة، وما إن وطئ ابن الله الأرض بقدمه حتّى أقام لِنفسه أُسرة جديدة حتّى ”كما أنَّ الملائكة تعبُده في السماء، كذلك يكون له ملائِكة على الأرض“.
ثم جاء يعقوب ويوحنَّا اللَّذِينِ تركا أباهُما وشِباكِهُما والمركب وتبعا المُخلِّص، فتركا رِباطات الدم ومسئوليات هذا العالم واهتمامات بيتِهِما، وللمرَّة الأولى كانت الدَّعوة ”إن أرادَ أحدٌ أن يأتي ورائي فليُنكِر نفسهُ ويحمِلْ صليبهُ ويتبعني“ (مت 16: 24) فليس هناك جُندي يذهب إلى المعركة ومعه زوجة، والتلميذ الذي طلب أن يذهب ويدفِن أباه، لم يُسمح له بذلك ”لِلثَّعالِب أوجِرة ولِطُيُور السَّماء أوكار. وأمَّا ابنُ الإنسان فليس لهُ أينَ يُسْنِدُ رأسهُ“ (مت 8: 20).

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وينصح چيروم العذارى بقراءِة كُتُب العلاَّمة ترتليان عن البتولية، والكِتاب الرَّائِع الذي وضعه القديس كبريانوس أسقف قرطاچنَّة، وكِتابات القديس أمبروسيوس أسقف مِيلان التي وضعها لأجل أُخته (هذه الكِتابات التي يتحدَّث عنها القديس چيروم هي عينها التي قدَّمنا عرضًا لها في الفصلين الثَّاني والرَّابِعْ).
ويُشبِّه عذراء المسيح بتابوت العهد، مُغطَّاة بالذهب من الداخِل والخارِج، حارِسة لِناموس الرب، وكما أنه لم يكُن في التابوت إلاَّ لوحي العهد، كذلك يجب على العذارى ألاَّ يترُكنَ داخِلهِنْ أي أفكار خارجية، إذ أنه في هذا الموضِع يُريد الرب أن يجلِس كما يجلِس على الشاروبيم.
لقد أرسل الرب تلاميذه لكي يحلُّوها (أي العذراء) من الاهتمامات العالمية، كما حلُّوا الجحش (الذي ركبه في دخول أورشليم)، ولذا يجب أن تترُك طُوب وقش مصر وتتبع موسى في البرِّيَّة حتّى تدخُل أرض الموعِد، لكن يجب ألاَّ تدع أحدًا يُعيقها أو يمنعها، لا أُم ولا أخت ولا قريبة ولا أخ، لأنَّ الرب يحتاجها، لكن إذا أرادوا أن يمنعوها، لِتجعلهم يخافون من الضربات التي نزلت بِفرعون لأنه لم يُرِد أن يُطلِق شعب الله لِيعبدوه.
إنَّ يسوع عندما دخل الهيكل ألقى خارِجًا كلّ شيء لا يخُص الهيكل (مت 21: 12 وما بعدها) لأنَّ الله غيور (خر 20: 5 + 34: 14) ولا يُريد أن يتحوَّل بيت الآب إلى مغارة لُصوص، إذ حيثما تُحصى النقود وتوجد أقفاص الحمام وتُذبح البساطة، ينهض العريس غاضِبًا قائِلًا: ”هُوذا بيتُكُمْ يُتْركُ لكُمْ خرابًا“ (مت 23: 38).
ويشرح أنَّ العذراء عندما تُصلي تتحدَّث إلى عريسها، أمَّا عندما تقرأ، فعريسها هو الذي يتحدَّث إليها.
ويُحذِّرها من البُخْل ويحِثَّها على الصدقة مُؤكِدًا على أهمية الصلوات وبالأخص صلوات السواعي، مع تجنُّب الغِنَى.
وبأسلوب بليغ يقول أنَّ ليس شيء صعبًا على المُحبين، ليس من جهد صعب على ذاكَ الذي يشتاق بحرارة، وكما تحمَّل يعقوب لأجل راحيل ”فخدم يعقوب براحيل سبع سنينٍ. وكانت في عينيهِ كأيَّامٍ قليلةٍ بسبب محبَّتِهِ لها“ (تك 29: 20) فلنُحِب نحن أيضًا المسيح ولنطلُب أحضانه على الدوام وسنجِد أنَّ الأمر الصعب قد صار سهلًا ”ملكوت السموات يُغصبُ والغاصِبون يختطِفونهُ“ (مت 11: 12) وإذا لم نتغصَّب فلن نأخُذ ملكوت السموات.
وأخيرًا يتخيَّل چيروم يوم مُجازاة العذارى في السماء، وكيف سيكون ذلك اليوم، عندما تأتي العذراء مريم أُم الرب لِتُقابِل استوخيوم في السماء، وبِصُحبتها خورس من العذارى، عندما تطير تكلة فرحة إلى ذراعيها، عندئذٍ سيأتي عريسها نفسه لِيُقابِلها.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:26 PM   رقم المشاركة : ( 49 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

القديس أوغوسطينوس عن البتولية

ON VIRGINITY
بعد أن وضع القديس كِتابًا عن ”صلاح الزواج On The Good of Marriage“ ونصح فيه عذارى المسيح أن لا يحتقرنَ -بسبب عطيتهِنْ العُظمى التي أُعطِيت لهُنْ- أباء وأُمهات شعب الله، وأن لا يعتقدنَ أنَّ الذين خدموا المسيح، ولو حتّى بإنجاب الأبناء، هم أقل استحقاقًا مِنْهُنْ، رغم أنَّ ”العِفة الإلهية مُفضَّلة عن حياة الزيجة والبتولية التَّقية عن الزواج“...
بعد ذلك وضع القديس أُغسطينوس كِتابه عن البتولية الذي يطلُب في مُقدمته من المسيح المولود من عذراء، عريس العذارى، المولود من جسد رَحِمْ بتول، والمُتزوِج بحسب الروح زواجًا عذراوِيًا أن يُعينه في حديثه ويسنِده بِنِعْمِته.
ويتساءل القديس: إذا كانت الكنيسة كلّها عذراء مخطوبة لرجُل واحد الذي هو المسيح -كما يقول القديس بولس الرَّسول- فكم عظيمة هي الكرامة التي لأعضائها الذين يحفظون هذا (العذراوية) حتّى في الجسد نفسه، هذا الذي تحرُسه الكنيسة كلّها في الإيمان؟ ويرى أنَّ الكنيسة تقتدي بأُم عريسها وسيِّدها لأنَّ الكنيسة أيضًا أُم وعذراء.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويرى أسقف هيبو أنَّ القديسة مريم قد ولدت رأس الجسد بحسب الجسد، والكنيسة تلِد أعضاء هذا الجسد، وفي الحالتين لا تعوق البتولية الإثمار ولا الإثمار يعوق البتولية، ومع أنَّ الكنيسة كلّها مُقدسة في الجسد والروح، إلاَّ أنه ليس الجميع بتوليين في الجسد بل في الروح، فكم عظيمة هي قداسِة الأعضاء التي هي عذراء ليس فقط بحسب الروح بل وحسب الجسد أيضًا!!
ويجب أن لا تحزن عذارى الله لأنَّهُنْ -بسبب بتوليتهِنْ- لا يستطِعنَ أن يكُنَّ أُمهات بحسب الجسد ”لأنَّ البتولية تلِده هو وحده الذي ليس له نظير في ميلاده“ أي السيِّد المسيح له المجد، وولادِة العذراء للمسيح هي زينة كلّ العذارى، وهُنْ أنفُسهُنْ ”أُمهات للمسيح مع مريم إذا فعلنَ مشيئة أبيه“ وقد قال السيِّد له المجد ”مَنْ يصنع مشيئة أبي الذي في السَّموات هو أخي وأُختي وأُمِّي“ (مت 12: 50).. وأُم المسيح هي الكنيسة كلّها لأنها تلِد أعضاءهُ أي المُؤمنين به، وأُمه أيضًا هي كلّ نفس تقية تصنع مشيئة أبيه بمحبَّة مُثمِرة جدًا... فالعذراء مريم إذًا -بِصُنعها مشيئة الآب- هي بحسب الجسد أُم المسيح فقط، أمَّا بحسب الروح فهي أُمه وأخته..
ويشرح ابن الدِموع التائِب كيف أنه كان ينبغي أن يُولد رأسنا، بحسب الجسد، بِمُعجزة فائِقة من عذراء حتّى يُعلِن بذلك أنَّ أعضاءهُ ستُولد بحسب الروح من الكنيسة العذراء البتول... فمريم وحدها أُم وعذراء في الجسد والروح، أُم للمسيح وعذراء للمسيح، أمَّا الكنيسة فهي بكُلّيتها أُم للمسيح في الروح، وبِكُلّيتها أيضًا عذراء للمسيح في الروح، ولكن في الجسد ليس بِكُلّيتها، فالبعض عذارى للمسيح، والبعض الآخر أُمهات ولكن ليس للمسيح، وفي الواقِع، النِساء المُؤمنات المُتزوجات والعذارى المُكرَّسات لله، بِحياتِهِنْ المُقدسة ومحبتهُنْ التي من قلب طاهِر وضمير صالِح وإيمان بلا رِياء ”هُنَّ جميعًا بمعنى روحي أُمهات للمسيح“ ولكن هؤلاء اللاتي في الزيجة ويَلِدنَ أبناء بحسب الجسد، لا يَلِدنَ المسيح بل آدم ولكن عندما تصطبِغ ذُريتهم هذه في أسرار الكنيسة المُقدسة تصير أعضاء مُقدسة للمسيح...
ويُعلِن القديس أنه شرح ذلك ”لكي لا يتجرّأ الإثمار الزيجي ويُنافِس العِفة العذراوية“ أو أن تقول المُتزوجات للعذارى ”إنَّ مريم كان لها في جسدها أمران يستحِقان الكرامة: البتولية والإثمار (الإنجاب)، فقد ظلَّت عذراء ومع ذلك حبلت وولدت، ولأننا لا نستطيع أن نحظى بهذه السعادة كلّها، لذا قسمناها، أنتُنَّ تكُنْ عذارى ونحن أُمهات، وما ينقُصكُنَّ من أبناء تكون بتوليتكُنْ التي تحفظنها تعزية لكُنَّ عنه، وبالنسبة لنا يكون رِبح الأولاد تعزية وعِوَض لنا عن خسارتنا للبتولية...“.
ويرفُض القديس هذا الفِكْر ويرى أنَّ هذا الحديث يكون صحيحًا لو كانت الأُمهات يلِدنَ أبناء مسيحيين بحسب الجسد، لكنَّهُنْ لا يلِدنَ أبناءِهِنْ مسيحيين، فلكي يصيروا مسيحيين لابد أن يُولدوا من الكنيسة لأنها أُم أعضاء جسد المسيح والتي هي في الوقت عينه عذراء.
لذا لا يُمكن أن يُقارن أي إثمار للجسد بالبتولية المُقدسة، لأنَّ البتولية لا تُكرَّم لِمُجرَّد كونِها بتولية بل لأنها مُكرَّسة لله، ومع أنها تُحفظ في الجسد، إلاَّ أنها تُحفظ بتكريس النَّفْس، وبهذا تكون بتولية الجسد روحية، فكما أنه لا أحد يُسئ استخدام جسده ما لم تكُنْ الخطية قد حُبِلَ بها قبلًا في نفسه، كذلك لا أحد يحفظ عِفة الجسد ما لم تكُنْ العِفة قد زُرِعت فيه وغُرِست قبلًا في نفسه...
وينصح القديس بأن لا يظُنْ أحد أنَّ إثمار هؤلاء الذين لا يطلبون أي شيء من الزواج إلاَّ الأبناء لِيُقدَّموهم للمسيح يُمكن أن يُعوض عن خُسارة البتولية... وبينما كان الإنجاب نافِعًا في الأزمنة السابِقة لمجيء المسيح، وكان هناك احتياج إليه، إلاَّ أنه الآن -عندما يُمكن أن تُجمع أعضاء المسيح من كلّ جِنْس ومِنْ كلّ أُمَّة ومِنْ كلّ قبيلة في شعب الله، في مدينة ملكوت السموات- على كلّ مَنْ يستطيع أن يحفظ البتولية المُقدسة أن يحفظها ولِيتزوج فقط هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم (مت 19: 12 + 1كو 7: 9).
ويجب أن لا يُقارِن المُتزوِجون أنفسهم بالمُتبتلين على أساس أنَّ المُتبتلين يُولدون منهم لأنَّ هذا ليس صلاحًا من الزواج بل من الطبيعة كما رتَّب الله، فلا تُولد أيَّة أُنثى -سواء من زواج مُقدس أو من زِنى- إلاَّ وهي عذراء، لكن ليس عذراء قديسة، إذًا ”العذراء تُولد حتّى من الزِنا، ولكن العذراء القديسة ليس حتّى من الزواج“.
يرى القديس أنَّ الكنيسة هي أُم جميع العذارى القديسات، لأنه ”لا أحد يستطيع أن يلِد عذارى قديسات إلاَّ عذراء قديسة، تلك التي خُطِبت لِتُقدَّم عفيفة إلى رجُل واحد الذي هو المسيح“ (2كو 11: 2)... والعِفة والبتولية هي من نصيب الملائكة وهي عيش عدم الفساد في الجسد القابِل للفساد.
ويرى القديس أُغسطينوس أنَّ مَنْ ينظُر إلى البتولية على أنها ضرورية من أجل العالم الحاضِر فقط وليس من أجل ملكوت السموات إنما هو مُجرَّد من الحكمة، ويرفُض آراء من يقولون أنَّ المُتزوجين يتضايقون ويُعانون من الهموم العالمية والدِنيوية، وأنَّ العذارى يسترحنَ من هذه الأتعاب، كما لو كان من الأفضل عدم الزواج لا لشيء إلاَّ للرَّاحة من أتعاب الزمان الحاضِر وكأنه لا نفع للبتولية في الحياة الأبدية.
ومع أنَّ البتولية تُحرِّر من أتعاب واهتمامات هذا العالم، إلاَّ أنَّ هذا لا يعني أنَّ الزواج والاهتمام بأمور هذا العالم يحرِم الإنسان من الملكوت، كما لو كان الزواج خطية يمنعها أمر أو وصية، ولكن الرَّسول قد رأى وأعطى نصيحة وليس أمرًا، لأنه لو قدَّم أمرًا لجلب الإدانة على مَنْ لا يطيعه، فهو يقول ”أمَّا العذارى فليس عِندي أمرٌ من الرب فِيهِنَّ“ (1كو 7: 25) لأنَّ كلّ مَنْ لا يطيع الأمر والوصية يصير تحت الدينونة ويكون مُخطِئًا، ولكن لأنه ليس خطية أن يتزوجنَ (لو كان ذلك خطية لَمُنِعْ باستخدام ”أمر“) لذلك ليس هناك أمر من الرب بخصوص العذارى.
ويَحِثَنا القديس أُغسطينوس أن نسعى من أجل الحياة الأبدية حيث سيكون هناك مجد عظيم يُعطَى -ليس لكلّ الذين سيحيون إلى الأبد- بل للبعض فقط، ومن أجل أن ننال هذا المجد الفائِق لا يكفي التحرُّر من الخطايا فقط، بل أن نُنذِر لِذاكَ الذي حرَّرنا نذرًا ليس خطية أن لا نُنذِره، بل هو أمر يجلِب المديح والثناء أن نُنذِره ونُتمِّمه.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:27 PM   رقم المشاركة : ( 50 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,299,719

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

الزواج والبتولية


ويُعلِّق أسقف هيبو على قول القديس بولس: ”أنتَ مُرتبِطٌ بامرأةٍ فلا تطلُب الاِنفصال. أنتَ مُنفصِلٌ عن امرأةٍ فلا تطلُب امرأةً “ (1كو 7: 27) ويرى أنَّ الرَّسول يُقدِّم أمرين:
أمر: وهو ألاَّ يترُك الإنسان زوجته (إلاَّ لسبب الزِنا كما قال ربنا في الإنجيل) ويجِب أن يُنفَّذ هذا الأمر وكلّ مَنْ يتعداه يُخطِئ.
رأي: لِمَنْ هو مُنفصِل عن امرأة أن يظل هكذا، ولأنه ليس وصية بل مُجرَّد رأي لذلك لا تُعد عدم طاعته خطية ولكن من الأفضل طاعته.
ويرى أنَّ قول القديس بولس ”لكنَّ مثل هؤلاء يكونُ لهُمْ ضيقٌ في الجسد. وأمَّا أنا فإنِّي أُشفِقُ عليكُمْ“ يوضح أنَّ الرَّسول يحِث وينصح بالبتولية، ويُحذِّر قليلًا من الزواج، ليس كما من أمر شرير أو غير قانوني بل كما من عِبء وانشغال، لأنَّ الحديث عن خِزي ودنس الجسد شيء، والحديث عن الضيق في الجسد شيء آخر، فالأوَّل خطية أمَّا الآخر فهو انشغال يُعاني منه الإنسان لكنه ليس خطية.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وبينما يحِث أُغسطينوس الرِجال والعذارى أن يحيوا في بتولية وعذراوية، ينصحهم ألاَّ يعتبِروا الزواج شر أو خطية، وأن يفهموا أنه لم يكُنْ كِذبًا بل حقًا واضحًا أنَّ الرَّسول قال ”مَنْ زَوَّج فحسنًا يفعلُ ومَنْ لا يُزوِّجُ يفعلُ أحسن“ ”ولكنَّك إن تزوجت لم تُخطِئ، وإن تزوجت العذراء لم تُخطِئ“ وبعد ذلك يقول: ”لكنَّها أكثر غِبطة إن لبثت هكذا بحسب رأيي“ (1كو 7: 40) ويُعلِّق القديس: ”هذه هي عقيدة ربنا وعقيدة الرُّسُل، هذا حق، هذا صحيح، أنَّ اختيار العطايا الأعظم لا يدين العطايا الأقل“، ويُعلِّم القديس المُتبتلين أنَّ كون الزواج ليس شرًا لا يُنقِص من عَظَمْ البتولية، بل يجب أن تثِق العذراء أنَّ لها إكليل أعظم.
ويتحدَّث القديس عن اتجاهين بخصوص البتولية والزواج:
الاتجاه الأوَّل: يُفسِر قول الرَّسول ”لكني أظُن أنه حَسَنْ من أجل الضرورة الحاضِرة“ كما لو كانت البتولية نافِعة فقط من أجل الحياة الحاضِرة وليس من أجل ملكوت السموات، وكما لو أنَّ هؤلاء الذين اختاروا هذه الحياة الأحسن سينالون نفس النصيب الذي سيناله الباقون، ويرفُض القديس هذا الفِكْر.
الاتجاه الثَّاني: يُفسِر قول الرَّسول ”ولكنَّ مثل هؤلاء يكونُ لهُمْ ضيقٌ في الجسد. وأمَّا أنا فإنِّي أُشفِقُ عليكُمْ“ على أنه إدانة للزواج ويرفُض القديس هذا الفِكْر أيضًا.
فكلا الأمران خطأ:
إذ أنه من الخطأ أن نُساوي بين الزواج والبتولية المُقدسة.
ومن الخطأ أيضًا أن ندين الزواج.
فالبعض من فرط محبتهم للبتولية اعتبروا الزواج أمرًا مكروهًا بل وحتّى زِنى، والبعض الآخر، في دِفاعهم عن الزواج، جعلوا كرامة البتولية مُساوية للزواج، كما لو كان صلاح سوسنَّة هو التقليل من مجد وكرامة مريم، أو كأنَّ صلاح مريم ومجدها الأعظم والأحسن لابد أن يكون إدانة سُوسنَّة، فلا يُمكن لِسُوسنَّة التي أنقذها دانِيال من العِقاب أن يضعها بولس في الجحيم.
يرى القديس أُغسطينوس أنه لو كان الزواج خطية لِمَا كان هناك داعِ لمدح البتولية بل لكان يكفي أن لا تُلام: ”إننا بحسب الإيمان والعقيدة الصحيحة من الكِتاب المُقدس نقول أنَّ الزواج ليس خطية، ومع ذلك نُكرِّر أنَّ صلاحه أقل ليس فقط من البتولية، بل وأيضًا من عِفة التَّرمُل“.
ويرى القديس أنَّ الخِصيان الذينَ تحدَّث عنهم على فم إشعياء النبي، هؤلاء الذينَ وعدهم بأنه سيُعطيهم في بيته وفي أسواره نُصُبًا واسمًا أفضل من البنين والبنات، هم الخِصيان الذينَ خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السموات، ويرى أنَّ الله سيُعطي المُتزوجين أيضًا نُصُبًا، لأنه يقول ”نُصُبًا أفضل“ ولكن نُصُب المُتزوجين ستكون أقل في المجد، ولكن هؤلاء الخِصيان ليسوا في الجسد فقط بل قد اقتلعوا من نِفوسِهِمْ كلّ جُذور الشهوة ويحيون حياة سمائية ملائِكية في حياتهم الأرضية الزائِلة.
ولكي لا يظُن أي إنسان أنه سيكون في الأبدية أي شيء من هذه الأشياء الزائِلة، لذلك أضاف الرب ”أُعطيهم اسمًا أبديًا لا ينقطِعُ“ ( إش 56: 5) وهذا الاسم الأبدي الذي لن ينقطِع يدُل على المجد الخاص الفائِق الذي لن يكون للجميع، مع أنهم جميعًا في نفس الملكوت، ولعلّهُ دُعِيَ ”اسم“ لأنه يُميِّز هؤلاء الذينَ يُعطَى لهم عن الباقين.
ويدعو كاتِبنا قديسي الله الفِتيان والفتيات، الرِجال والعذارى أن يثبتوا في بتوليتهم حتّى النِهاية، وأن يُمجِّدوا ويُسبِّحوا الله الذي يتأمَّلون فيه ويخدمونه ويُحبُّونه ويُجاهدون لِينالوا مرضاته، ويدعوهم لأن ينتظروا الرب بمصابيح مُوقدة مُضيئة حتّى يُقابِلوه عندما يأتي من العُرْس، لأنهم سيُسبِّحون تسبحة جديدة في عُرْس الحَمَلْ على قِيثارَاتِهِمْ، تسبِحة لا يستطيع أن يترنم بها أي أحد سِواهم، لأنَّ ذاكَ التلميذ الذي أحبُّه الحَمَلْ أكثر من الآخرين والذي اعتاد أن يسنِد رأسه على صدره قد رآهم في سِفْر الرؤيا، إذ رأى هذا المحبوب (يوحنَّا الحبيب) اثنى عشر مرَّة اثنى عشر ألفًا من عازفي القِيثارةالقديسين الذين يحفظون بتولية الجسد نقية ويحفظون نقاوة الحق في قلوبِهِمْ، وكتب عنهم أنهم سيتبعون الحَمَلْ أينما ذهب، ويتساءل أُغسطينوس: إلى أين سيمضي هذا الحَمَلْ إلى أي مُروِج سيمضي؟.. ثم يُجيب: سيمضي إلى حيث الخُضرة هي أفراح، ليست أفراح باطِلة مثل تلكَ التي للعالم، ولا أفراح مثل تلك التي ستكون في ملكوت الله المُعَدْ للباقين الذينَ ليسوا عذارى ولا مُتبتلين، بل هي أفراح مُميزة عن أفراح الباقين ففرح العذارى هو فرح المسيح، في المسيح، مع المسيح، بحسب المسيح، بالمسيح، ومن أجل المسيح، وأفراح عذارى المسيح تختلِف عن تلك التي لِهؤلاء الذين ليسوا عذارى رغم أنها أيضًا أفراح المسيح..
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أحد المخلع القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب البابا شنودة المعلم - القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب الأمانة في التعليم - القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
ترانيم القمص أثناسيوس فهمى جورج


الساعة الآن 09:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025