04 - 07 - 2016, 01:33 PM | رقم المشاركة : ( 31 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الجهاد الروحيّ من أجل سلام النفس
إلى جانب المطالعة المقرونة بالتأمّل، يجب أن نغذّي في ذاتنا ما يسمّيه الآباء القدّيسون كلّهم “ذكر الله”. بهذه العبارة، يريدون حِسًّا بحضرة الله يغذّيه الإيمان، ويقينًا بأنّه ينظرنا بحنوٍّ، ويتابع تقدّم جهادنا. ولينموَ فينا هذا الحسَّ، يجب تغذيته بالدُّعاء المتواتِر، قدر الإمكان، أي المناجاة بعبارة واحدة: “ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ”. هذه العبارة الّتي أثبتتها خبرة الأجيال تلخِّصُ سرَّ الخلاص كلَّه، وهي السّلاح الأمضى في جهادنا ضدّ قُوى الظّلام.
“إجلد أعداءَك باسم يسوع لأنّه ليس في السماء ولا على الأرض سلاحٌ أقوى”. بالدّعاء باسمه، يحضُرُ الربّ بكلِّ قوّة خلاصه. هذه الصلاة يجب أن ترافقنا في كلّ مناسبة، وأن نردّدها وسط الملاهي المحيطة بنا، في العمل، في النَّقل العامّ، في مُحادثاتنا الواهية، فهي تؤجّج شوقنا لله، وتهيّئنا للدخول في لقاءات أشدَّ قربى إليه، عندما تسنح الظّروف. |
||||
04 - 07 - 2016, 01:34 PM | رقم المشاركة : ( 32 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الجهاد الروحيّ من أجل سلام النفس
ولكي ننصرف إلى المطالعات الروحيّة، والصلاة، يجب أن نُفسِح في المجال في حياتنا لأوقات مميّزة من الهدوء، نستطيع فيها أن نختلي في هيكلنا الدّاخليّ للقاء المسيح في الصّمت. وبقدر ما نجاهد ضدَّ تعلّقنا تعلّقًا أهوائيًّا بالأمور والأشخاص، وبممارسات الحياة الدّنيويّة وبالفضول، نخترق جدران أنانيّتنا، ونلتفت إلى الآخر. حينئذٍ تنمو فينا الرّغبة أن نلتقي المسيح لقاءً حميمًا، وهو مَن جعلَ نفسَه “قريبَنا” بتجسّدِه، لكي يصير عريس نَفْسِنا. الجهاد الرّوحيّ المطروح إزاءَنا، سواءٌ كنّا رهبانًا أم علمانيّين، هدفه الوحيد في النهاية هو أن نوقظ في أنفسنا هذا العشق للمسيح، محرّرين النّفسَ مِن عُشّاقها المزيَّفين. ورغمَ سقطاتنا، وخيباتنا في الجهاد، وإخفاقنا أحيانًا، إذا لم نَيْأَس، بل عاودنا الكفاح كلَّ صباح، واضعين رجاءنا في معونة الله، نتعلّم أن ننتبه لصوت الّذي يقرع باب قلبنا، منتظرًا أن نفتح له، ليدخل ويتعشّى معنا (رؤ3: 20). حتى تلك الساعة، لم نكُن نسمع، لالتهائنا بصخَب الدُّنيا.
عندما يتحرّك فينا الشوق، نجد بسهولة أوقات ننفرد فيها للصلاة، سواءٌ في الليل أو في الصباح الباكر، حيثُ لن نُكثِرَ الكلام أو الترتيل، بل سوف نصغي لوقع خطواته. في هذه الأوقات، مهما نجدُ صعوبةً في التركيز او حتى في لفظ كلمات الصّلاة، يجب ألاّ نفقد الشجاعة، بل ننظر إلى الأمر كأحد سُبُل الجهاد، ولعلّه أصعب من الجهادات السابقة. فالصلاة أيضًا غصبٌ لطبيعتنا، وتَعَلُّمُ الصلاة الحقيقيّة، أي الصلاة من دون تشتّت، يتطلَّبُ وقتًا. |
||||
04 - 07 - 2016, 01:34 PM | رقم المشاركة : ( 33 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الجهاد الروحيّ من أجل سلام النفس
ومهما نشعر بضعفنا، فعندما نجد أنفسنا على انفراد مع المسيح، وهو حاضرٌ ولو غيرَ منظور، يجب أن نجتنب السماح لفكرنا بالتّشتت، حتى في تأمّلات أو صور تَقَويّة. كما ينبغي أن نتفادى التعاطي في قلبنا والأفكار المختلفة أوهموم الحياة اليوميّة. كلُّ جُهدِ الصّلاة، ولو في البدء، كامنٌ في “طرد كلّ تصوّر”، من أجل الإصغاء. والسبيل إلى هذا الإصغاء، إلى هذا الصمت الداخليّ، هو ترداد صلاة يسوع بانتباه، حاصرين تركيزنا كلّه في كلمات الصلاة.
قد يتشتّت ذهننا، وقد نصل إلى العجز عن التلفّظ بالصلاة، ولكن إذا تمتّعنا باستعدادات التواضع والتوبة، واقتربنا من الله ونحنُ مُدرِكون حالتنا الخاطئة، نزداد غصبًا لأنفسنا على ذكر إسم الحبيب. ومع الوقت، نشعرُ بفرحٍ عفويّ يحرّك قلبنا، ويبدِّدُ الإحباط، وإذ بالصّلاة تتدفّق من دون توقّف، من دون جهود. أمّا سهولة الصلاة هذه، وغياب التشتّت، والانجذاب نحو الله فكلّها من ثمار الروح القدس الّذي يأتي ليكافئ جهودنا. وهنا أيضًا يأتينا القدّيس مكاريوس خيرَ وصف لهذه الحالة: ” الحقّ إنّ الطفل الصّغير، ولو لم يمكنه أن يعمل شيئًا من ذاته، ولا يستطيع أن يذهب إلى أمّه على قدميه، إلاّ أنّه يتقلّب، ويصرخ، ويبكي، باحثًا عن أمّه. فتتحنّن عليه أمُّه، وتفرح لرؤياها الصّغير يسعى إليها من كلّ قوّته ويصرخ، وبما أنّه لا يمكنه الوصول إليها لوحده، تتحرّك الأمّ بدافع شوق الطّفل وحبّها له، وتحملُه بين ذراعيها، فتداعبه، وتطعِمُهُ بمنتهى الحنان. هذا أيضًا ما يفعلُه الله المحبّ البشر مع النّفس الّتي تأتي إليه، بشوقٍ حارّ”. |
||||
04 - 07 - 2016, 01:34 PM | رقم المشاركة : ( 34 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الجهاد الروحيّ من أجل سلام النفس
أين مُغريات هذا العالم بأسرها من اختبار هذه الحلاوة. فمَن يحسُّ بها مرّة واحدة لا يتوانى عن بذل كلّ جهدٍ لاستعادتها، ولو تعيّنَ عليه انتظارها والمثابرة في طلبها سنواتٍ مُكتَنَفًا بغياهب الظّلام. حينذاك نتعلّم من إيماننا كما من خبرة القدّيسين أنّ الرّبّ لم يتخلَّ عنّا، بل إنّه يحثُّنا على طلبه، ويمتحن عزيمتَنا وصبرَنا بجهادٍ أخير، رغبةً منه في أن يوشّحنا بأمجاد عُليا.
إذّاك نُدرِكُ أنّ الحياة المسيحيّة ليست مجرَّدَ جهادٍ مُضنٍ، نخوضُه لتتفتّح فينا نعمة المعموديّة، بل هي أيضًا انتظارٌ لذيذٌ مِلحاح للّذي يأتي على السّحاب “كي يأخذ لهُ مُلْكًا”، وسوف يورثنا معَه، كأنّه “بكرُ إخوةٍ كثيرين”. “اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ فلِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ” (رو8: 16-17). |
||||
|