منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22 - 05 - 2014, 05:56 PM   رقم المشاركة : ( 31 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

أطوار الحياة الروحية وبلوغ الفضيلة



كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
هنا يبدأ القديس ميثوديوس في الحديث على لِسان أريتي (التي يعني اسمها الفضيلة) فلأنها كبيرة العذارى ومُضيفتِهِنْ، وهي التي تُمثِّل الفضيلة، لذلك على لِسانها يتحدَّث القديس عن أعلى الأمور الروحية وعن الحروب التي تُهاجِم المُتقدمين، فبعد أن تحدَّث عن الأمور التي تخُص المُبتدئين والمُجاهدين، يبدأ في الحديث إلى المُتقدمين ويشرح أنَّ كلّ مَنْ يُعلِّم أنَّ العِفة يجب أن تُختار وأن تكون الأولى بين جِهادات الإنسان حسنًا ينصح، لكن بينما يظُن كثيرون أنهم يُمجدونها ويحيونها، قليلون هم الذين يُمجِّدونها ويُكرِّمونها حقًا، لأنه ليس ذلك الذي درس كيف يستعبِد جسده وشهوات المسرَّات العالمية هو الذي يحيا العِفة، وهو غير مُتيقِظ لباقي الشهوات، بل يهينها بالشهوات الرديئة، مُستبدِلًا شهوات بشهوات، ولا يحيا العِفة أيضًا ذاكَ الذي قاوم بقُوَّة شهوات الحواس، ولكنه انتفخ وتكبَّر بالمجد الباطِل، ولهذا يستطيع أن يُقمِع سِهَام الشهوة المُحرِقة ويجعل كلّ الشهوات كلا شيء، ومع ذلك لا يستطيع أن يتعلَّم أن يُمجِّد العِفة ويُكرِمها، لأنه يهينها بسبب العجب والغرور، مُنظِفًا خارِج الكأس والصحفة التي هي اللحم والجسد، بينما يجرح القلب بالغرور والعجب الباطِل، وكذلك لا يُكرم البتولية من يُعجب بِغِناه وثرواته، بل هو يهينها أكثر من الكلّ، مُفضِلًا أن يربح القليل عن تلك التي لا يُضاهيها شيء من الأشياء التي في هذه الحياة، لأنَّ كلّ الغِنَى والذهب هو ”قليل من الرمل“ (حكمة 7: 9)، ولا يُكرم العِفة أيضًا مَنْ يُحِب نفسه أكثر من اللازم ويُفكِر بلهفة فيما هو نافِع له هو فقط مُتجاهِلًا احتياجات أقربائِهِ، بل هو يهينها، لأنَّ ذاكَ الذي ليس فيه محبة ورحمة وشَفَقَة هو أقل بكثير من هؤلاء الذين يحيون العِفة بوقار. ومن غير الصواب أنه بينما نحن نحفظ البتولية من ناحية، نُدنِس النَّفْس بأفعال الشر وبالشهوات من الناحية الأخرى، أو أن نُنذِر النقاوة والعِفة، ثم نُدنِسها بالانغماس في الرذيلة، أو أن يقول الإنسان أنَّ أشياء هذا العالم لا تعنيه في شيء ولا قيمة لها في نظره، بينما هو يسعى ليحصُل عليها وينالها، إذ أنَّ الأعضاء كلّها ينبغي أن تُحفظ طاهرة من كلّ فساد، ليس فقط الأعضاء الزيجية، بل أيضًا باقي الأعضاء التي تُحارِبها الشهوات، لأنه من العبث والسخف أن نحفظ أعضاء التكاثُر والإنجاب طاهرة ولا نحفظ اللِسان، أو أن نحفظ اللِسان ولا نحفظ العينين والأُذُنين واليدين، أو أن نحفظ هذه كلّها طاهرة ولا نحفظ الذهن، مُدنسين إيّاه بالعَجَبْ الباطِل والغرور والغضب.
ويُعلِن القديس ميثوديوس أنه من الضروري لذاكَ الذي عزم على عَيْش حياة العِفة، أن يحفظ كلّ أعضائه وحواسه نقية طاهرة، كما هو الحال مع الألواح الخشبية التي تتكوَّن منها السفينة، والتي يجتهِد صُنَّاع السُّفُن أن يثبِّتوها بإتقان بجوار بعضها البعض لئلاَّ بسبب أي ثغرة ينفتِح طريق للخطية ويتسرَّب داخِل الذهن، إذ أنَّ الجِهادات العظيمة تتعرَّض لحروب كثيرة، فالشر يُقاوم ذلك الذي هو بحق صالِح، لذلك كثيرون من الذين جاهدوا ضد الشهوات الرديئة، سقطوا بسبب إهمالهم لواجِبات تحتاج إلى يقظة وصحو، فجلبوا اللوم على المُجاهدين في الطريق الصحيح.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 05:57 PM   رقم المشاركة : ( 32 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

تسبحة تكلة العذراء القديسة



في نهاية الوليمة تطلُب أريتي من العذارى أن يُقدِّمنَ المجد والشُّكْر لله، وتتولَّى العذراء تكلة (على اسم القديسة تكلة العظيمة تلميذة بولس الرَّسول) قيادة الخورس، فسبَّحنَ هذه التسبِحة:
تكلة: من فوق أيتها العذارى، أتى صوت يُوقِظ الميِّت، يأمُرنا جميعًا أن نُقابِل العريس في ثِياب بِيض بمصابيح مُتجهة نحو الشرق، قُومنَ قبل أن يدخُل الملِك من الأبواب.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِيء وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: لقد هربت من سعادة الفانيين المملوئة بالحُزن، وتركت مسرَّات الحياة المُترفة ومحبتها، وأشتاق إلى أن أحتمي تحت ذراعيك المُعطيين للحياة، وأن أرى جمالك إلى الأبد أيها المُبارك.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: بعد أن تركت الزواج وسرايِر الفانيين، وبيتي الذهبي من أجلك أيها الملِك، أتيت إليك في ثِياب نقية كي أدخُل معك إلى عُرسك البهيج.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: بعد أن هربت، أيها الإله المُبارك، من خِداعات الحيَّة الكثيرة المُغرية، ومن ألسنة النار ومن هجمات الوحوش المُفترِسة التي تُدمِر كلّ ما هو زائِل، أنتظِرك من عُلُو السماء.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: أيها الرب، لقد نسيت بلدي بشهوة نِعمتك، ونسيت أيضًا محبة العذارى زميلاتي، ونسيت الرغبة في أن أكون أُمًا وأن تكون لي أُسرة، لأنكَ أنتَ أيها المسيح كلّ شيء لي.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: أنت مُعطي الحياة أيها المسيح، المجدُ لك أيها النور الذي لا ينطفِئ، اقبل تسبيحنا هذا، إنَّ جماعة العذارى يتضرعنَ إليك أيها الزهرة الكاملة، أيها المحبة والفرح والتعقُّل والحِكمة، أيها الكلِمة.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: بأبواب مفتوحة أيتها الملِكة المُزينة بجمال، اقبلينا في حُجراتِك، أيتها العروس التي بلا عيب المُنتصِرة بمجد والمُتنفِسة جمالًا، نحن الواقِفات أمام المسيح مُحتفلين بعُرسِك الفَرِح البهيج أيتها العفيفة الشَّابة.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: العذارى واقِفات بدون زيت، بِدِموع مُرَّة وأنين عميق وعويل وحُزن عظيم لأنَّ مصابِيحهن انطفأت فلم يدخُلنَ إلى عُرْس الفرح في الوقت المُعيَّن.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة : لأنهُنَّ ابتعدنَ عن الطريق المُقدس للحياة، وأهملنَ -هؤلاء البائِسات- أن يعِدُّوا القدر الكافي من الزيت من أجل طريق الحياة، لذا يحمِلنَ مصابيح مُنطفِئ نورها وينوحنَ في أعماق ذِهنهِنْ.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: هنا الكؤوس مَلْئَ من الرحيق الحُلو، لنشرب أيتها العذارى، لأنه مشروب سماوي، جعلهُ العريس لهؤلاء المدعوين للعُرْس.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: هابيل، الذي كان رمزًا واضحًا لموتك أيها المُبارك، بينما كان دمه مُنسكِب وعيناه مرفوعتين إلى السماء، قال: أنا المذبوح بقسوة بيد أخي أطلُب إليك أيها الكلِمة أن تقبلني.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: ابنك الشُّجاع يوسف، أيها الكلِمة، ربح الجائِزة العظيمة التي للعِفة عندما أرادت امرأة مُشتعِلة بنيران الشهوة أن تجذِبه إلى مضجِع دَنِسْ، لكنه لم يلتفِت إليها بل هرب عاريًا وهو يصرُخ قائِلًا :
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: يِفتاح قدَّم ابنته العذراء ذبيحة لله مثل حَمَلْ، وإذ صُوِّرت مُسبقًا مثال جسدك أيها المُبارك، صرخت بشجاعة:
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: يهوديت الشُجاعة، بحيلة ماهرة قطعت رأس جيش الغُرباء بعد أن أغرته بجمالها لكن دون أن تُدنِس حتّى أطراف جسدها، وبصيحة المُنتصِر قالت:
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: عندما رأى القاضيان الجمال العظيم الذي لسوسنَّة أتيا إليها وقالا: يا سيِّدتي نحن نُريد أن نضطجِع معكِ سِرًا لكنها بارتعاد صرخت:
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: إني أُفضِّل جدًا أن أموت عن أُسلِّم نفسي لك أيها المجنون بالنِساء، وبذا أُعاقب بالعدل الأبدي الذي لله في عِقاب ناري، خلِّصني الآن أيها المسيح من هذه الشرور.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: سابِقك (يوحنَّا المعمدان) كان يغسِل الجموع بمياه طاهرة جارية، ولكن رجُل شرير ظالِم قتله بسبب عِفِته، فسقى التُّراب من دمه وصرخ لك أيها المُبارك:
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: أُمك العذراء حملتك في رَحِمَهَا بدون زرع بشر بلا دنس، وبذا صارت موضِع للشكوك، وعندما حَمَلَتَك قالت:
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: جُموع الملائكة، وهي راغبة في رؤيِة عُرسك أيها المُبارك، تنزِل من السماء بالقدر الذي تدعوه أيها الملِك، وهي حاملة عطايا عظيمة لك، وتأتي في ثِياب طاهرة.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: بتسابيح نُمجِدك، يا عروس الله المُباركة، نحن خُدَّام العروس، أيتها الكنيسة العذراء الطاهرة، البيضاء كالثلج، السوداء الشعر، العفيفة، النقية، المحبوبة.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: لقد هرب الفساد وآلام الأمراض المُوجِعة، لقد أُزيلَ الموت وانتهى الفساد، لأنَّ نِعمة المسيح الله قد سطعت مرَّة أخرى فجأة فوق الفانيين.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: جماعة العذارى الآن تُسبِّح تسبِحة جديدة وتخدمك وتتطلَّع نحو السماء أيتها الملِكة، وكلُّهُنْ مُكللات بالسَّوسن الأبيض ويحملن في أيادِيهن أنوار بهية.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
تكلة: أيها المُبارك، يا مَنْ جلست على كراسي السماء الطاهرة منذ الأزل، يا مَنْ تحكُم كلّ الأشياء بقُوَّتك الأبدية، أيها الآب، مع ابنك، اقبلنا داخل أبواب الحياة.
الخورس: إني أحفظ نفسي طاهرة نقية لك أيها العريس، وأمسِك بمصباح مُضِئ وأذهب لأُقابِلك...
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 05:58 PM   رقم المشاركة : ( 33 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

ثياب العذارى - القديس كبريانوس

ON THE DRESS OF VIRGINS
يستهِل القديس كبريانوس كِتابه بالحديث عن التلمذة شارِحًا دوافِعه في الكِتابة، فالتلمذة هي حارسة الرجاء ورابِطة الإيمان، المُرشدة لطريق الخلاص، مُعلِّمة الفضيلة، وبها نثبُت في المسيح ونحيا دومًا لله، وننال المواعيد السمائية والجعالات الإلهية... إتباعها نافِع ومُفيد وإهمالها مُهلِك ومُميت، فالروح القدس يقول في المزامير: ”وللشِّرِّير قال الله ما لَكَ تُحدِّثُ بفرائِضي وتحملُ عهدي على فَمِكَ. وأنتَ قد أبغضتَ التأديب وألقيتَ كلامي خلفَكَ“ (مز 50: 16-17)، وكذلك يُحذِّرنا سُليمان: ”يا ابني لا تحتقِر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لأنَّ الذي يُحبُّه الرب يُؤدِبهُ“ ( أم 3: 11-12)، لكن إذا كان الله يُوبِخ مَنْ يُحبُّه لأجل تقويمه وتهذيبه، فإنَّ الإخوة أيضًا -وخاصَّة الكهنة- لا يُبغِضون مَنْ يُوبخونه بل يُحبُّونه، إنما هم يُوبخونه لأجل تهذيبه لأنَّ الله قد تنبأ بإرميا قبلًا عندما قال: ”وأُعطيكم رُعاةً حسب قلبي فيرعونكم بالمعرفة والفهم“ (إر 3: 15).
ويستطرِد أسقف قرطاچنة شارِحًا أنه إذا كانت التلمذة مُمتدِحة كثيرًا وفي كلّ موضِع في الكِتاب المُقدس، فليس هناك أي شيء آخر يليق بنا أن نشتهيه ونُريده ونتمسَّك به عدا أن نُؤسِس بيوتنا على الصخر غير مُتزعزِعة من عواصِف وزوابِع العالم، كي نصِل بالتعاليم الإلهية إلى جعالات الله.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ثم يبدأ الكاتِب في تناول موضوع كِتابه بعد هذه المُقدمة، فيُذكِّر قارئه -أو بالأحرى قارئِته- أنَّ أعضائنا عندما تتطهَّر من دنس المرض القديم بتقديس حميم الحياة أي المعمودية، تصير هياكِل لله، فيجب ألاَّ تُهان أو تُدنَّس، وعلينا نحن عُبَّاد وكهنة هذه الهياكِل أن نُطيع المسيح الذي صِرنا خاصَّته كما يقول بولس الرَّسول: ”أنَّكُم لستُم لأنفُسكُم. لأنَّكُم قد اشتُرِيتُم بثمنٍ. فمجِّدوا الله في أجسادِكُم وفي أرواحِكُم التي هي لله“ (1كو 6: 19-20).
ويحِثِنا القديس أن نُمجِّد الله في جسد طاهِر عفيف بطاعة كاملة، فإذ قد فدانا المسيح، لابد أن نُطيعه بكلّ طاعة الخدمة، حتّى لا يدخُل أي شيء دَنِسْ أو غير طاهِر داخل هيكل الله، لئلاَّ يُهان فيهجُر الهيكل الذي سكنه.
وكلِمات الرب التي تشفينا وتُعلِّمنا وتُحذِّرنا هي ”ها أنتَ قد بَرِئتَ. فلا تُخطِئ أيضًا لئلاَّ يكون لَكَ أشرُّ “ (يو 5: 14) فهو يهِب حياة، يهِب شِفاء، لكنه يتوعد بشدَّة مَنْ يُستعبَد ثانية من نفس الخطايا التي شفاه هو منها، ويقول كبريانوس: ”ليهتم الرِجال والنِساء، الأولاد والبنات، كلّ جِنْس وكلّ سِنْ، أن يحفظوا ما نالوه من تعطُّف الرب طاهرًا نقيًا بخوفٍ ورِعدةٍ“.
ويُوجِه كبريانوس حديثه للعذارى إذ بقدر ما أنَّ مجدهُنَّ أعظم، بقدر ما يقتضي إهتمامًا أكثر، ويمتدحهُنْ قائِلًا أنَّهُنْ زهرة البِذرة الكنسية، نِعمة وزينة المواهِب الروحية، العمل التام غير الفاسد الذي للمدح والكرامة، صورة الله، أكثر أعضاء قطيع المسيح بهاءً، وبِهِنْ تفرح الأم الكنيسة، ومن هنا كان اهتمام كبريانوس أن يحِثِهِنْ بمحبة أكثر مِمَّا بِقُوَّة، فهو لا يُوبخهِنْ بل يخشى عليهُنْ من حروب الشيطان وتجارِبه.
وهو ليس اهتمامًا باطلًا ولا خوفًا فارِغًا أن تأخذ العذارى نصائِح لأجل طريق الخلاص، حتّى يستطِعن -بعد أن كرَّسنَ أنفسهُنْ للمسيح وابتعدنَ عن كلّ شهوة جِسدانية ونذرنَ أنفسهُنْ لله في الجسد كما في الروح- أن يُكمِّلنَ عملهُنْ ذا الجعالة العظيمة، ولا يسعين لأن يُسَرْ أي أحد بِهِنْ إلاَّ ربَّهُنْ الذي منه ينتظِرنَ جعالة البتولية، كما قال هو نفسه ”ليس الجميعُ يقبلُون هذا الكلام بل الذينَ أُعطِيَ لهم. لأنه يوجد خِصيان وُلِدُوا هكذا من بُطُون أُمَّهاتِهِم. ويوجد خِصيان خصاهُم الناس. ويوجد خِصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات“ (مت 19: 11-12).
ويرى كبريانوس أنَّ كلِمات ملاك سِفْر الرؤيا تُعلِن عظمِة البتولية وتكرِز به ”هؤلاء هُم الذينَ لم يتنجَّسوا مع النِساء لأنهم أطهار. هؤلاء هُم الذينَ يتبعون الخروف حيثُما ذَهَبَ“ (رؤ 14: 4)، ويتساءل ”لكن إذا كانت العِفة تتبع المسيح، والبتولية جعالتها الملكوت، فما شأنها إذًا بالثوب الأرضي أو بالزينة التي بها بينما يجتهِدان لإرضاء الرِجال، يُسِيئنَ إلى الله؟“ رغم أنَّ الرَّسول بولس يقول ”فلو كُنتُ بعدُ أُرضي الناس لم أكُن عبدًا للمسيح“ (غل 1: 10).
لكن العِفة لا تتمثَّل فقط في طهارة الجسد، بل وأيضًا في الحِشمة واللياقة، وكذلك في عِفة الثِياب والزينة كي تكون غير المُتزوجة -بحسب كلِمات الرَّسول- طاهرة جسدًا وروحًا، ويُعلِّمنا بولس الرَّسول قائِلًا ”غير المُتزوج يهتم في ما للرب كيف يُرضي الرب. وأمَّا المُتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يُرضي امرأته. إنَّ بين الزوجة والعذراء فرقًا. غير المُتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مُقدسة جسدًا وروحًا“ (1كو 7: 32-34) فيجب ألاَّ يشُك أحد عندما يرى عذراء إذا كانت عذراء أم لا، بل يجب أن يظهر الكمال مُتساويًا في جميع الأمور، ويجب ألاَّ يُشكِك ثوب العذراء في صلاح ذِهنها، ويتساءل كاتِبنا ”لماذا تتمشَّى مُتزيِنة؟ لماذا تسير بشعر مُزيَّن مُصفف كما لو كان لها زوج أو تطلُب واحدًا؟“.
ويُؤكِد القديس كبريانوس أنَّ مَنْ ليس لهُنْ أزواج يجب أن يحفظنَ أنفُسهُنْ طاهِرات عفيفات، ليس فقط في الجسد بل وأيضًا في الروح، لأنه ليس من الصواب أن تُصفِف العذراء شعرها لأجل مظهر جمالها، أو تتباهى بجمالها الجسدي، في حين أنه ليس لديها جِهاد أعظم من جِهادها ضد جسدها، وليس لديها صِراع أصعب من هزيمة وإخضاع الجسد.
ورغم أنَّ بولس الرَّسول يُعلِن بصوتٍ عالٍ ”وأمَّا من جِهتي فحاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم“ (غل 6: 14) تفتخِر عذراء في الكنيسة بجمالها الجسدي ومظهرها!! ويُضيف بولس قائِلًا ”ولكنَّ الذينَ هُمْ للمسيح قد صلبُوا الجسد مع الأهواء والشَّهوات“ (غل 5: 24)، ويتعجب كبريانوس كيف أنَّ ”مَنْ تُنذِر أن تجحد شهوات وأهواء الجسد توجد وسط هذه الأمور عينها التي نذرت أن تجحدها!!“.
إنَّ الرب يقول لإشعياء ”كلُّ جسدٍ عُشب وكلُّ جمالِهِ كزهر الحقل. يَبِسَ العُشبُ ذَبًلَ الزَّهر لأنَّ نفخة الرب هبَّت عليه. حقًا الشعب عُشْبٌ. يَبِسَ العُشْبُ ذَبُلَ الزَّهرُ وأمَّا كلِمةُ إلهنا فتثبُت إلى الأبد“ (إش 40: 6-8) ومن غير اللائِق بأي مسيحي، وبالأخص بالعذارى، أن ينظُر أو يهتم بأي مجد أو كرامة للجسد، بل فقط يطلُب ويشتهي كلِمة الله، حتّى ينال العطايا التي تدوم إلى الأبد.
ويتحدَّث كبريانوس عن العذارى اللائي يتعذبنَ ويتألمنَ لأجل الاعتراف بالاسم الحَسَنْ وكيف أنَّهُنْ أقوى من العذابات، عندما يجتزنَ النيران، الصُّلبان، السيف، الحيوانات المُفترِسة، حتّى يُكللنَ، ويصِف عذاباتِهِنْ بأنها أفضل زينة لجسدهِنْ، وأنها ”جواهِر الجسد الثمينة“.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:00 PM   رقم المشاركة : ( 34 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

الشهيد كبريانوس ونصائح للنساء عن الزينة



ثم يتناول أسقف قرطاچنة الشهيد موضوع النِساء الثريات اللائي يفرحنَ باستخدام غِناهِنْ، مُوضِحًا لهُنْ معنى الغِنَى الحقيقي وكيفية استخدامه، فالغنية هي الغنية في الله، والثرية هي الثرية في المسيح، فهذه هي البركات الروحية الإلهية السماوية التي تقودنا إلى الله والتي تدوم معنا في مِلكية دائِمة، أمَّا سائِر الأشياء الأرضية التي يقتنيها الإنسان في هذا العالم، والتي ستبقى هنا في هذا العالم، فسوف تُدان كما سيُدان العالم نفسه الذي جحدنا قُوَّاته ومسرَّاته عندما قدمنا قُدومًا مُباركًا إلى الله، ويوحنَّا الحبيب البتول يُعلِّمنا ويحِثِنا وهو يشهد بصوت سمائي ”لا تُحبُّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحبَّ أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأنَّ كُلَّ ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العُيُون وتعظُّم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوتهُ وأمَّا الذي يصنعُ مشيئة الله فيثبُتُ إلى الأبد“ (1يو 2: 15-17).

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وبينما هُنَّ يدعينَ أنفُسِهِنْ ثريات، ينصحهُنْ بولس الرَّسول بالاعتدال في ثيابِهِنْ وزِينتِهِنْ قائِلًا: ”يُزيِّنَّ ذواتِهِنَّ بِلِبَاس الحشمة مع ورعٍ وتعقُّلٍ لا بضفائِر أو ذهبٍ أو لآلِئ أو ملابِس كثيرة الثمن بل كما يليق بِنِساءٍ مُتعاهِداتٍ بتقوى الله بأعمالٍ صالِحةٍ “ (1تي 2: 9-10)، وأيضًا بطرُس الرَّسول يُعلِّم: ”لا تكُن زِينتُكُنَّ الزينة الخارجية من ضفر الشَّعرِ والتحلِّي بالذهب ولُبْسِ الثِياب بل إنسان القلب الخفيَّ “ (1بط 3: 3-4)... لكن إذا كانت هذه الآيات تُحذِّر النِساء المُتزوجات اللائي ينتحِلنَ عُذرًا لأجل ثِيابِهِنْ بإرجاع ذلك إلى أزواجِهِنْ، وتنبهنَ إلى ضرورة الخضوع لتعليم الكنيسة، فكم بالأحرى جدًا يليق بالعذراء أن تفعل ذلك، وهي التي ليس لها عُذر لتتزيَّن، والتي لا يُمكن أيضًا أن يُعزَى خطأها إلى أي شخص آخر، بل تظل هي نفسها المُخطِأة.
ويُحدِّث كبريانوس هؤلاء الثريات مُرسيًا قاعدة هامة إذ يقول: ”ليس كلّ ما يُمكن أن يُفعل يجب أن يُفعل“ ولا يجب أن ترقى الشهوات الناتِجة عن افتخار وكبرياء العالم فوق كرامة ومجد البتولية لأنه مكتوب ”كُلُّ الأشياء تحلُّ لي لكن ليس كُلُّ الأشياء تُوافِقُ. كُلُّ الأشياء تحلُّ لي ولكن ليس كُلُّ الأشياء تبني“ (1كو 10: 23).
ويتناول كاتِبنا في حديثه هؤلاء اللاتي يُصفِفنَ شُعُورِهِنْ باهتمام زائِد، ويَسِرْنَ كما لو كُنَّ يرغبنَ في جذب انتباه الآخرين، جاذِبات عيون الشباب الصِغار وراءِهِنْ، مُشعِلات لهيب الشهوات، إذ رغم أنَّهُنْ أنفُسَهُنْ لا يهلكنَ، إلاَّ أنَّهُنْ يتسبَّبنَ في هلاك الآخرين، ويُقدِّمنَ أنفُسَهُنْ كسيف أو سُم للناظِر إليهِنْ، ولا يُمكنهُنْ أن ينتحِلنَ عُذرًا بحجة أنَّهُنْ عفيفات ونقيات في الذهن، لأنَّ ثوبِهِنْ المُخجِل وزِينَتَهِنْ المُفرِطة تدينَهُنْ، ولا يُمكن أن يُعتبرنَ ضمن عذارى وعرائِس المسيح...
هُنَّ يقُلنَ أنَّهُنْ غنيات وثريات، لكن لا يليق بالعذراء أن تفتخِر بغِناها لأنَّ الرَّسول بولس يقول ”الذين يشترُون كأنهم لا يملِكُون. والذين يستعمِلونَ هذا العالم كأنهم لا يستعملونهُ. لأنَّ هيئة هذا العالم تزُولُ“ (1كو 7: 30-31)، وكذلك بطرُس الذي أوصاه الرب أن يرعى خِرافه يقول أنَّ ليس له ذهب ولا فِضة لكن يقول أنه غني في إيمانه وفضيلته، وبهِمَا صنع أعمالًا عديدة وعجائِب...
وينصحهُنْ القديس كبريانوس إذا كُنَّ يُريدنَ أن يستخدمنَ ثرواتِهِنْ، أن يستخدمنها لأجل أعمال الخلاص، ولأجل الأهداف الصَّالِحة، فيستخدمنها لأجل الأمور التي أوصى بها الله... ويُعلِّمهُنْ قائِلًا : ”لِتَدَعنَ الفقير يشعُر أنَّكُنْ غنيات
ولِتَدعنَ المُحتاج يشعُر أنَّكُنْ ثريات
اقرضنَ مُقتنياتِكُم لله
قدِّمنَ طعامًا للمسيح“.
ويجب أن يُحرِّكن الرب بصلوات الكثيرين كي يهبهُنْ أن يُكمِّلنَ مجد البتولية وأن يبلُغنَ إلى مجد الرب، أي بعطاياهِنْ للفُقراء سوف يصلُّون لأجلِهِنْ واستجابة لهذه الصلوات سيهِبهُنَّ الله مجد البتولية.
ويحِثِهِن المُعلِّم العظيم أن يخبأنَ كِنزِهِنْ حيث لا يُنقِب سارِق وحيث لا يفسد صدأ، لأنهُنْ إذا ظنَنَّ أنَّ الغِنَى الذي منحهُنْ إيَّاه الله إنما هو لأجل أن يستمتعنَ به يُخطِئنَ ضد الله، بل يجب أن ينتبِهن إلى خلاصِهِنْ، لأنَّ الله أعطى أيضًا صوتًا، ومع ذلك لا يُعد هذا سببًا لأن نغنِّي الأغاني الباطِلة الغير لائِقة.
كذلك شاء الله أن يكون الحديد لأجل خير الأرض، لكن هذا لا يعني أنه لابد أن تُرتكب الجرائِم (بالأسلحة الحديدية) ويسأل كبريانوس: ”هل لأنَّ الله عيَّن أن يوجد البخور والخمر والماء، لابد أن تُقدَّم ذبائِح للأوثان؟ أو هل لأنَّ قطيع الماشية كبير جدًا في حقلِكُنْ، يجب عليكُنْ أن تُقدِّمنَ مُحرقات وتقدِمات للآلهة؟“.
وهكذا الغِنَى هو تجرِبة إلاَّ إذا استُخدِم في خدمة أهداف صالِحة، لذلك يجب على كلّ إنسان -بحسب مقدار غِناه- أن يفتدي تعدياته بعطاياه لا أن يزيدها (وقد قدَّم كبريانوس نفس هذا الفِكْر باستفاضة في كِتابه ”الأعمال والصدقات“، حيث شرح أنَّ الصدقة تغفِر الخطية) (انظُر كِتابنا ”القديس كبريانوس“ – سلسلة آباء الكنيسة – أخثوس ΙΧΘΥΣ – حيث ستجد فيه النص الكامِل لكِتاب ”الأعمال والصدقات“).
إنَّ سِمات الزينة والثِياب وإغراءات الجمال لا تليق إلاَّ بالزانيات وغير العفيفات، وليس ثوبًا -بصفة عامة- أثمن وأغلى من ثياب هؤلاء اللواتي عِفتهُنْ رخيصة، ولذلك نقرأ في الكِتاب المُقدس -الذي به أراد الله أن يُعلِّمنا ويُهذبنا- وصفًا للمدينة الزانية أنها جميلة ورائِعة للغاية في المنظر بسبب زينتها، ولكنها ستهلك بسبب هذه الزينة عينها: ”ثم جاء واحد من السبعة الملائكة الذينَ معهم السبعة الجامات وتكلَّم معي قائِلًا لي هَلُمَّ فأُريك دينونة الزَّانية العظيمة الجالِسة على المياه الكثيرة التي زنى معها مُلُوكُ الأرض وسَكِرَ سُكَّانُ الأرضِ من خمرِ زِناها. فمضى بي بالروح إلى بَرِّيَّةٍ فرأيتُ امرأةً جالِسةً على وحشٍ قِرمزيٍ مملوءٍ أسماء تجديفٍ له سبعة رُؤوسٍ وعشرة قرونٍ. والمرأة كانت مُتسربِلةً بأُرجوانٍ وقِرمزٍ ومُتحليةً بذهبٍ وحجارةٍ كريمةٍ ولؤلوءٍ ومعها كأس من ذهبٍ في يَدِها مملوَّة رجاساتٍ ونجاسات زِناها“ (رؤ 17: 1-4)، ويُؤكِد كبريانوس ضرورة أن تبتعِد العذارى العفيفات النقيات عن ثِياب غير العفيفات وعن طُرُقِهِنْ، وعن زينة الزانيات.
فإشعياء النبي أيضًا وهو مملوء من الروح القدس يصرُخ ويُوبِخ بنات صهيون إذ أفسدهُنَّ الذهب والفِضة والثِياب، ويُوبخهُنْ لأنهُنْ غارِقات في ثراء مُهلِك، ومُبتعدات عن الله لأجل مسرَّات العالم، ويقول : ”من أجل أنَّ بنات صِهيون يتشامخنَ ويمشينَ ممدودات الأعناق وغامِزات بِعُيُونِهِنَّ وخاطِرات في مشيهِنَّ ويُخشخِشنَ بأرجُلِهِنَّ يُصِلعُ السيِّد هامة بنات صهيون ويُعرِّي الرب عورتهُنَّ. ينزعُ السيِّد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائِر والأهِلَّة والحلق والأساوِر والبراقِع والعصائِب والسَّلاسِل والمناطِق وحناجِر الشَّمَّامات والأحراز والخواتِم وخزائِم الأنف والثِياب المُزخرفة والعُطف والأردية والأكياس والمرائي والقُمصان والعمائِم والأُزُرِ. فيكونُ عِوَض الطِّيبِ عُفُونة وعِوَض المِنطقة حبلٌ وعِوَض الجدائِل قرعةٌ وعِوَض الدِّيباج زُنَّارُ مِسحٍ وعِوَض الجمال كي“ (إش 3: 16-24) فهذا ما يلومه الله ويُعلِنه: لأنه يقول أنَّ العذارى فاسِدات فإذ ابتعدنَ عن العِبادة الحقيقية الإلهية وصِرنَ عاليات، سقطنَ بِرِؤوسِهِنْ المُزينة وصار نصيبهُنْ الخزي والعار، وإذ لبسنَ الحرير والأُرجوان، لا يُمكنهُنْ بعد أن يلبِسنَ المسيح، وإذ تزينَّ بالذهب واللآلِئ والقلائِد، فقدنَ زينة القلب والروح.
ويُحذِّر العذارى أن يتجنبنَّ ذلك الذي كان سببًا لهلاك الآخرين، فمَنْ ذا الذي يشتهي أن يأخذ ما كان سيفًا وسلاحًا لقتل آخر ؟ وإذا كان مَنْ شرب من الكأس قد مات، فسنعرِف بالتأكيد أنَّ ما شربه كان سُمًا، وإذا كان قد مات بعد تناوُل الطعام لن نأكُل أو نشرب مِمَّا رأينا قبلًا أنه كان سببًا لهلاك الآخرين، ويُلخِص تحذيره للعذارى قائِلًا: ”أي جهل للحقيقة هو، وأي جنون عقل أن تشتهين ما هو مُؤذي وما سوف يُؤذي دومًا، وأن تعتقدنَ أنَّكُنْ أنفُسكُنْ لن تهلكنَ بهذه الأمور التي تعلمنَ أنَّ بها قد هلك آخرون!!“.
ويُوضِح الكاتِب أنه ليس فقد العذارى والأرامِل بل وأيضًا النِساء المُتزوجات وكلّ جِنْس المرأة لابد أن يعلمنَ أنَّ عمل الله وصنعته يجب ألاَّ يُغَشْ ويُغيَّر سواء باستخدام الألوان والأصباغ أو بأي نوع من المساحيق التي تُفسِد الملامِح الطبيعية، لأنَّ الله يقول ”نعمل الإنسان على صورتنا كشبهِنا“ (تك 1: 26)، ”وهل يجرُؤ أحد أن يغيَّر أو يبدِّل ما عمله الله؟“.
إنَّهُنْ يُحاوِلنَ أن يغيَّرنَ ما عملهُ الله غير عالِمات أنَّ كلّ ما أتى إلى الوجود هو من عمل الله وصنعته، فإذا كان هناك رسَّام ورَسَمْ بدقة وألوان رائِعة صورة لشخصٍ ما، واكتملت الصورة وصارت شِبْه الشخص المرسوم فعلًا، ثم جاء آخر ووضع يده عليها كما لو كان -لأنه أكثر مهارة- يُمكنه أن يجعلها أفضل، سيكون من الطبيعي أن يحدُث خطأ شديد وتَلَفْ للصورة، وسيكون ذلك سببًا وجيهًا لغضب الرَّسام الأصلي.
وارتكاب العذارى لمثل هذه التعديات إنما هو إهانة لله الخالِق الصَّانِع، وعندما يستخدمنَ الأصباغ المُغرية ويتزيَّنَ ويُصفصِفنَ شُعُورِهِنْ، يُشوهِنَ العمل الإلهي ويزُغنَ عن الحق.
إنَّ صوت الرَّسول المُحذِر يقول: ”نقُّوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتُم فطير. لأنَّ فِصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلِنا. إذًا لِنُعيِّد ليس بخميرةٍ عتيقةٍ ولا بخميرة الشَّرِّ والخُبثِ بل بفطير الإخلاص والحق“، ولكن هل يُحفظ الإخلاص والحق عندما يتلوث ما هو مُخلِص ويتدنَّسْ بألوان مُغرية، وعندما يتبدَّل ما هو حق إلى كِذْب بالأصباغ الخادِعة والمساحيق؟ رغم أنَّ الرب يقول: ”لا تقدِر أن تجعل شعرةً واحدةً بيضاء أو سوداء“ (مت 5: 36).
ويطلُب كبريانوس في محبة أبوية من العذارى أن يتذكَّرنَ أنَّهُنْ إذا تزيَنَّ بالمساحيق هكذا، فإنَّ خالِقهُنْ لن يعرِفهُنْ ثانيةً في يوم القيامة، وسيبعدهُنْ عن جعالاته ومواعيده ويرفُضهُنْ مُوبِخًا إيَّاهُنْ قائِلًا أنَّ هذا ليس عمله ولا هذه صورته، وأنَّهُنْ قد لوَّثنَ بشرتهِنْ بمسحوق كاذِب وغيَّرنَ شعرهِنْ بألوان دَنِسَة، ففسدت صورتِهِنْ وتبدَّلت رزانتِهِنْ وهدوءِهِنْ...
ويُحذِّرهِنْ أنَّهُنْ لن يستطِعنَ رؤية الله لأنَّ عيونِهِنْ لم تعُد تلك التي صنعها الله، بل تلك التي أفسدها الشيطان، إذ قلَّد العيون الحمراء المرسومة التي للحيَّة، وأنَّهُنْ مُتزيِنات مثل عدُوهِنْ فمعه أيضًا سوف يُحرقنَ قريبًا... ويجب أن تتفكَّر خادِمات الله في هذه الأمور، ويجب أن تَرْهَبَنَّها ليل نهار.
فلتنظُر النِساء المُتزوجات إلى الأمر هكذا، وينظُرنَ كيف يخدعنَ أنفُسهُن بالحديث عن رغبتهِنْ في إرضاء أزواجِهِنْ، وبينما يجعلنَ أزواجِهِنْ عُذرًا لهُنْ، يجعلونهم شُركائِهِنْ في خطأهِنْ.
أمَّا العذارى -واللائي يُوجِه إليهِنْ كبريانوس حديثه- اللائي تزيَنَّ بِفِنون من هذا النوع، فيرى كاتِبنا أنه يجب ألاَّ يعتبِرنَ في عِدَاد العذارى بل مثل الخِراف المُصابة والماشية المريضة، يُعزلنَ عن قطيع البتولية المُقدس والنقي لئلاَّ بِوُجُودِهِنْ وعَيْشِهِنْ معًا يُلوِثنَ الباقي بعدوى مرضهِنْ، لئلاَّ يفسِدنَ أُخريات كما هلكنَ هُنَّ أنفُسِهِنْ.
وينهي أسقف قرطاچنة العذارى عن حضور حفلات الزِفاف وعن الاشتراك في المُناقشات والأحاديث غير العفيفة الدَنِسَة، عن سماع ما لا يليق، عن الجلوس على موائِد السَّكارى والكلِمات المُخزية، ويتساءل ”أي مكان في الزِفاف لتلكَ التي ذهنها ليس نحو الزواج؟ وما الذي يُمكن أن يكون مُمتِعًا أو مُفرِحًا لها في هذه الأعمال، حيث الرغبات والشهوات مُختلِفة عن تلك التي لها؟“، ويُعد فشلًا ذريعًا للعذراء في تحقيق نذرها عندما تذهب هناك عفيفة وتخرُج غير عفيفة!! ورغم أنها تظل بتول في جسدها لكن في العينين، في الأُذُنين، في اللِسان، فقدت الكثير من الفضائِل التي كانت قد اقتنتها قبلًا.
كذلك ينهِيهِنْ عن ارتياد الحمَّامات العامة بحجة غسل الجسد، لأنَّ في هذه الحمَّامات من الخلاعة والفساد ما يفوق المسارِح، وحتّى إن لم تتأثَّر العذراء بما تراه هناك من فساد ومشاهِد شهوانية، إلاَّ أنها ستكون عثرة للآخرين وموضِع شهوتهم، فهذه الحمَّامات لا تغسل أو تُطهِّر الجسد، بل تُدنِسه.
لذلك تحزن الكنيسة على عَذَارَاها وتئِن وتنوح بسبب سِيَرِهِنْ المُخزية، فبينما تُريد العذارى أن يتزينَّ بِعِناية أكثر، وأن يتجولنَ بحُرية أكبر، لا يعُدنَ بعد عذارى، بل فاسِدات بخزي ماكِر، ويصِرنَ أرامِل قبل أن يتزوجنَ، زانِيات خائِنات، ليس لأزواجِهِنْ، بل للمسيح، وبقدر ما كان نصيبهِنْ قبلًا أن يَنَلْنَ جعالات عظيمة لأجل عذراويتهِنْ، كذلك سينُلنَ عِقابًا مُريعًا لأجل فُقدانِهِنْ عذراويتهِنْ وبتوليتِهِنْ.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:01 PM   رقم المشاركة : ( 35 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

نصائح للعذارى من القديس كيبريانوس


وبمحبة رعوية يحِث القديس كبريانوس بناته العذارى قائِلًا:
”لذلك استمعنَ إليَّ أيتها العذارى كأب
استمِعنَ أرجوكُنْ لِمَنْ يخاف بينما يُحذِّر
استمِعنَ لِمَنْ يُحذِّركُنْ بإخلاص لأجل فائِدتكُنْ ومنفعتكُنْ
احفظنَ أنفُسكُنْ كما صنعكُنَّ الله الخالِق

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
احفظنَ أنفُسكُن كما زينكُنَّ أبوكُنَّ السماوي
ليظل وجهكُنْ غير فاسِد
ليظل وجهكُنْ غير فاسِد
رقبتكُنْ غير مُزينة
هيئتكُنْ بسيطة
ولا تدعنَ ثِقوبًا تُصنع في آذانِكِنْ
لا تدعنَ الأساوِر والقلائِد الثمينة تلتف حول أذرعتكُنْ أو رِقابِكُنْ
فلتكُن أقدامِكُنْ حُرَّة من القيود ( القلائِد) الذهبية
شعُورُكِنْ غير مُلوثة بأي صِبغة
عيونِكُنْ مُستحِقة أن تُعاين الله
فليكُنْ استحمامِكُنْ مع النِساء اللواتي بينهُنْ يكون حميمكُنْ عفيفًا
ابتعدنَ عن الأعياد المخزية وموائِد الزواج الماجنة التي سُمَّها خطر
اهزمنَ الثِياب لأنَّكُنْ عذارى
اهزمنَ الذهب لأنَّكُنْ تهزمنَ الجسد والعالم، فمن غير المعقول ألاَّ يستطيع (العدو) الأكبر أن يهزمكُنْ بينما توجِدنَ مهزومات من الأصغر!!
عسير وضيِّق هو الطريق المُؤدي إلى الحياة
شاق وصعب هو الدرب الذي يفضي إلى المجد
عَبْر هذا الطريق يتقدَّم الشُّهداء، تعبُد العذارى، يتقدَّم الأبرار
هناك يتملَّق الشيطان كي يخدع، يبتسِم كي يصنع شرًا، يغوي كي يقتُل“.
ويرى كبريانوس أنَّ مرتبة العذارى تالية على الفور لمرتبة الشُّهداء، فثمرة الشُّهداء هي مِئة ضِعْف، وثمرة العذارى هي سِتُونَ ضِعْف، وكما أنَّ الشُّهداء لا يُفكِرون في الجسد أو العالم، كذلك العذارى -اللائي جعالَتَهِنْ تالية في النِعمة- يجب أن يكون لهُنْ أيضًا قُوَّة احتمال تالية للشُّهداء، فالإرتقاء للأمور العظيمة ليس بالأمر السهل، فأي كَدْ نبذِل وأي عمل نعمل عندما نُحاوِل أن نصعد التِلال أو قِمَمْ الجِبال! فأي كَدْ وعمل إذًا كي نصعد إلى السماء؟ لكن إذا نظرنا إلى جعالة الموعِد، سنجِد العمل أقل...
ويحِث العذارى أن يتمسكنَ بِقُوَّة بما قد بدأنَ أن يكِنَّهُ، وبما سوف يكِنَّهُ، لأنَّ هناك جعالة عظيمة تنتظرهُنْ، ومُكافأة عظيمة للفضيلة، ويشرح لهُنْ أي تعب تتجنبه فضيلة العِفة، وأي صلاح تقتني، فالله يقول للمرأة: ”تكثيرًا أُكثِّرُ أتعاب حَبَلِكِ. بالوجع تلِدين أولادًا. وإلى رَجُلِكِ يكونُ اشتياقُكِ وهو يسُودُ عليكِ“ (تك 3: 16) أمَّا العذارى فهُنَّ مُتحررات من هذا الحُكم، فلا يخشينَ أحزان وآنات النِساء وليس لديهِنَّ خوف من الحَبَلْ ولا يتسلَّط زوج عليهِنْ، لكن سيِّدهِنْ ورأسِهِنْ هو المسيح، وهذا ما أعلنه الرب بقوله: ”أبناءُ هذا الدَّهر يُزَوِّجون ويُزَوَّجون. ولكنَّ الذينَ حُسِبُوا أهلًا للحصول على ذلك الدَّهر والقيامة من الأموات لا يُزَوِّجون ولا يُزَوَّجون. إذ لا يستطيعون أن يموتُوا أيضًا لأنهم مثل الملائكة وهُمْ أبناءُ الله إذ هُمْ أبناءُ القِيامة“ (لو 20: 34-36) فالحالة التي يبلُغها الأبرار في القيامة، تبلُغها العذارى الآن، إذ يقتنين في هذا العالم مجد القِيامة، ويعبُرنَ العالم دونَ الإصابة بِسِمُوم العالم، ولأنَّهُنْ يَعِشنَ عفيفات بتولات، لذلك هُنْ مُساويات لملائِكة الله، لكن يجب أن يحفظنَ بتوليتَهِنْ بصبر، وكما بدأنَ بشجاعة كذلك يُكمِّلنَ جِهادِهِنْ دومًا، ولا يطلبُنَ زِينة العُنُق ولا الثِياب بل زِينة السلُوك وينصحهُنْ القديس كبريانوس ”فلترتفِع عيونِكُنْ نحو الله والسماء، وليس إلى أسفل نحو شهوة الجسد وشهوة العالم“.
لقد أمرت الوصية الأولى بالنمو والكثرة، وجاءت الوصية الثَّانية تمتدِح العِفة والبتولية وتُوصي بها، لكن الرب لا يأمُر أن نعيش خِصيان لأجل الملكوت، لكنه فقط يحِثنا، فهو لا يضع نير الضرورة لأنَّ اختيار الإرادة الحُرَّة متروك للإنسان، لكن عندما يقول أنَّ في بيت أبيه منازِل كثيرة، يعني بهذا أنَّ هناك سُكنى في منازِل أفضل، وهو ما تطلُبه العذارى، إذ يترُكنَ شهوات ورغبات الجسد، فَيَنَلْنَ جعالة ذات نِعمة عظيمة في المنزل السمائي.
حقًا كلّ الذين ينالون العطايا الإلهية والميراث السمائي بتقديس المعمودية حيث يخلعون الإنسان العتيق بِنِعمة الحميم المُخلِّص، ويتجدَّدون بالروح القدس من دنس المرض القديم، يتطَّهرون بهذه الولادة الثَّانية، لكن أعظم قداسة وأعظم حق لهذا الميلاد الثَّاني يخُصَّان العذارى اللائي لم تعُد لهُنْ أي شهوات جِسدانية، بل فقط أمور الفضيلة والروح القدس هي التي بقيت فيهُنْ للمجد، فهذه هي كلِمة الرَّسول الذي دعاه الرب إناءهُ المُختار، والذي أرسله ليكرِز بالوصية السمائية ”الإنسان الأوَّل من الأرض تُرابي. الإنسان الثَّاني الرَّبُّ من السماء. كما هو التُّرابي هكذا التُّرابِيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا. وكما لَبِسنا صورة التُّرابي سنلبَسُ أيضًا صورة السماوي“ (1كو 15: 47-49) فالبتولية تحمِل هذه الصورة، القداسة تحمِلها، الحق يحمِلها، التلاميذ الذينَ يملأ الله أذهانهم يحمِلونها، يحفظون البِّر مع الدِّيانة، ثابتين في إيمان ومُتضعين في مخافة، شُجعان لكلّ الآلام، وُدَعاء في تحمُّل الخطأ، مُسرعين لإظهار الرحمة، لهم ذهن واحد وقلب واحد في سلام أخوي.
ويختَتِمْ القديس كبريانوس كِتابه قائِلًا أنه على العذارى الصَّالِحات أن يحفظنَ سائِر هذه الأمور وأن يحببنها ويُكمِّلنها، هُنَّ اللائي كرَّسنَ أنفُسهُنْ للرب، وعلى المُتقدمات في الأيام أن يُقدِّمنَ تعليمًا للصغيرات، وعلى الصغيرات أن يُقدِّمنَ قُدوة وحافِز إلى قَرِيناتِهِنْ، ويختَتِمْ القديس كبريانوس كِتابه بقوله:
”احتمِلنَ بشجاعة، تقدَّمنَ روحيًا، نِلنَ بفرح
فقط اذكُرونا في ذلك الوقت، عندما تبدأ البتولية تُكافِئ فيكُنْ“.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:03 PM   رقم المشاركة : ( 36 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

البتولية والقديس اغريغوريوس النيصي

ON VIRGINITY
شَرَحْ القديس إغريغوريوس النيصي في كِتابه ”عن البتولية“ أنَّ مدح البتولية يُسمع في الحال في نفس الكلِمة التي تُرافِقها دومًا وهي كلِمة تو أفثورون ”عديم الفساد To αφθορον“ فهذه هي الكلِمة التي تُطلق عليها دومًا، وهذا يُوضِح نقاوتها وطهارتها، ومن بين سائِر ثِمار الجِهاد في طريق الفضيلة، كُرِّمت بأن أُعطِيت لقب عدم الفساد، وإذا أردنا أن نمدح هذه العطية العظيمة التي من الله لكانت كلِمات الرَّسول بولس كافية في مدحها، فمع أنها قليلة إلاَّ أنها تُغني عن كلّ مديح، فهو يقول عن تلك التي تتزيَّن بهذه العطية ”مُقدسةً وبلا عيبٍ“ (أف 5: 27)، وإذا كان تحقيق ونوال هذه الفضيلة العظيمة يكمُنْ في أن يصير الإنسان ”مُقدس وبلا عيب“ وهذه الكلِمات عينها تُستخدم في كامِل معناها لتمجيد الإله الغير قابِل للفساد، فأي مدح أعظم للبتولية من هذا، إذ هكذا يظهر أنها تُمجِّد هؤلاء الذين يشتركون في أسرارها النقية، وبذا يصيرون شُركاء في مجد ذاكَ الذي هو بالحقيقة الوحيد القدوس، والوحيد الذي بلا عيب.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وفَهَمْ هذه النِعمة الفائِقة والمجد العظيم الذي لها يحتاج إلى تفكير عميق، وهي تُفهم في فكرة الآب عديم الفساد، وهنا نجد أمرًا عجيبًا، أي أنَّ البتولية توجد في الآب مع أنَّ له ابنًا، وتوجد البتولية أيضًا في طبيعة هذا الابن الوحيد، وكذا تُشرِق من ميلاده النقي الذي بلا شهوة، فالابن أُعلِنَ لنا عن طريق البتولية، وتُرَى البتولية أيضًا في النقاوة العديمة الفساد التي للروح القدس، لأنَّكَ عندما تذكُر اسم النقاوة وعدم الفساد فقد ذكرت اسم البتولية.
ويرى أسقف نيصُص أنَّ ربنا يسوع المسيح لم يأتِ إلى العالم عن طريق الزواج لكي يُعلِنْ لنا بتجسُّده هذا السِر العظيم، فالطهارة هي الدليل والإشارة الوحيدة الكامِلة على حضور الله ولا يستطيع أحد أن ينال هذا إلاَّ بترك وجحد شهوات الجسد، وما حدث داخِل القديس الطاهرة مريم عندما تجسَّد منها السيِّد المسيح يحدُث داخل كلّ نفس تحيا حياة البتولية، ولكن سيِّدنا لا يأتي بعد بحضور جسدي ”وإن كُنَّا قد عرفنا المسيح حسب الجسد لكن الآن لا نعرِفهُ بعدُ“ ( 2كو 5: 16) بل روحيًا، يسكُن فينا ويُحضِر أباه معه كما يُعلِّم الإنجيل (يو 14: 23).
والبتولية بتعريف القديس غريغوريوس هي رباط وحدة بين الإلهي والبشري، إذ بينما هي في السماء مع أبي الأرواح، تمد يديها من أجل خلاص الإنسان، وبينما هي الطريق الذي نزل منه الله لكي يُشارِك الإنسان في بشريته، تُعطي أيضًا أجنحة للإنسان لكي يرتفِع للأشياء السمائية.
سُعداء هم الذين لهم قُوَّة لاختيار هذا الطريق الأفضل، والذينَ لم يحرِموا أنفسهم منه بالانشغال بأمور العالم، فلا يستطيع أحد أن يتسلَّق إلى عُلُو البتولية إن كان قد سبق له أن وضع قدمه في حياة العالم.
الإنسان البتول هو الذي يُطهِّر نفسه ويرتفِع عن كلّ خطايا العالم مثل الحقد والحسد والضغينة إلخ، وليس لديه أي شيء يُثير حسد قريبه، بل هو يحيا في حُرية وسلام تام، فلقد ترك العالم واختار الفضيلة كملكِيته الوحيدة الثمينة، لأنَّ الفضيلة -رغم أنَّ الجميع يشترِكون فيها- تكون بفيض ووفرة لِمَنْ يعطش إليها.
البتولية هي الرفيق في الجِهاد والمُساعِد على تحقيق الحياة السمائية الملائِكية، فكما أنه في العلوم الأخرى ابتكر الإنسان وسائِل عملية من أجل تحقيق أهداف مُعيَّنة، كذلك البتولية هي الوسيلة العملية في عِلْم الحياة الإلهية، إذ أنها تسمو بالروح فوق العالم وتجعلها تتطلَّع إلى الأمور الإلهية والجمال الغير مخلوق.
ويرى إغريغوريوس أنَّ البتولية هي سِرْ عَظَمِة إيليا النبي وأيضًا ذاكَ الذي ظهر فيما بعد في روح إيليا والذي لم يكُنْ بين مواليد النِساء مَنْ هم أعظم منه، فكلاهُما منذ شبابه المُبكِر اعتزل العالم، وبطريقةٍ ما اعتزل أيضًا الحياة والطبيعة البشرية، وذلك بتركه للأنواع المُعتادة من الشَرَاب والطعام، وبِسُكناه في البِّريَّة، فكان لسانهُما بسيطين وكذلك آذانِهِما كانت مُتحرِّرة من أي ضجيج مُشتِتْ، وعيونهما من أي منظر مُشتِتْ وهكذا نالا هدوء وسكينة النَّفْس، وارتفعا إلى العُلُو الإلهي الذي سجلته الكُتُب المُقدسة عنهُما، فإيليا صار مُوزِعًا لعطايا الله، وصار له سُلطان أن يُغلِق السماء عندما يُريد فلا تُمطِر على الخُطاة، وأن يفتحها من أجل الأبرار المُجاهدين، ويوحنَّا الصَّابِغ لم يُقال عنه أنه صنع أي مُعجزة، ولكن رب المجد الذي يعرِف كلّ الأسرار قال أنَّ العطية التي فيه أعظم من عطية أي نبي، كلّ هذا لأنَّ الاثنين كرَّسا قلبيهِما للرب منذ البداية حتّى النِهاية، فتحرَّرا من كلّ شهوة أرضية بشرية ومن محبة الزوجة والأطفال، بل حتّى لم يعتبِرا قُوتهُما اليومي مُستحِقًا القلق والتفكير فيه، ويعتقِد القديس إغريغوريوس أنهما ما كانا لِيَصِلا إلى ارتفاع الروح هذا لو كانا قد تزوجا، وهذا ليس مُجرَّد تاريخ بل ”كُتِبَ لأجل تعليمنا“ (رو 15: 4) لكي نقتدي ونتمثَّل بهما، فماذا إذًا نتعلَّم من هذا؟ نتعلَّم أنَّ الإنسان الذي يشتاق إلى الإتحاد بالله، عليه مثل هؤلاء القديسين أن ينزع عقله من كلّ انشغال عالمي.
ويشرح أسقف نيصُص الكبَّادوكي أنَّ الإنسان خُلِق على صورة الله ومِثاله بيد أنَّ هذه الصورة والشَبَه تشوهت بالخطية لكنها لم تُمحَ، فبإمكاننا وبإرادتنا نستطيع أن نستعيد هذه الصورة التي تلوثت بأدناس الخطية، وذلك بأن نترُك الأسباب التي حرمتنا من الفِردوس، ونحيا كما كان آدم يحيا فيه، يتأمَّل في جمال الله وعمله ويجد كلّ مسرَّته وفرحه مع الله، وكانت حواء تحيا معه في مسرَّة الله، ولم يعرِفها، وبذا يلمَّح القديس إلى أننا بعيشِنا البتولية، كما كانت في الفِردوس، نستعيد صورة وشبه الله.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:09 PM   رقم المشاركة : ( 37 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

القديس أمبروسيوس عن البتولية


CONCERNING VIRGINITY
يبدأ القديس حديثه بفرح وابتهاج لأنَّ ذلك اليوم كان يُوافِق عيد ميلاد عذراء وهو يتحدَّث عن البتولية والعذارى، ويعني بهذه العذراء الشهيدة أجنِس، ويقصِد بيوم وعيد ميلادها عيد استشهادها، ويأخُذ القديس في مدح أجنِس فقد تحمَّلت الاستشهاد ولها من العُمر اثنتي عشر ربيعًا، ولكنها الصغيرة والقليلة جسدًا كانت عظيمة حقًا وكبيرة إيمانًا... لقد ذهبت عذراء فَرِحَة إلى مكان العِقاب والعذاب، لم تُزيِّن رأسها بالشعر المصفوف المُنمق بل بالمسيح... ”بكى الجميع وبقيت هي وحدها بلا دِموع! تعجَّب الجميع كيف تُضحي بحياتها هكذا، وهي التي لم تستمتِع بها بعد! وها هي الآن تُقدِّمها كأني بها قد شبعت من طول أيامها...“.
ويتساءل القديس أمبروسيوس عن أيَّة تهديدات هدَّدها بها الجلاَّد ليُرهِبها، وأيَّة إغراءات ووعود قدَّمها إليها الرَّاغبون في الزواج منها ”ولكنها أجابت: سيكون جرحًا لعريس نفسي إذا نظرت إلى مَنْ يغريني، فالذي اختارني أولًا لنفسه سيستقبلني، فلماذا تتباطئ أيها الجلاَّد؟! فلتقتِل هذا الجسد الذي تعشقه عُيُون الآخرين“.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ويرى أمبروسيوس أنَّ البتولية تُرى في الشُّهداء بل بالحري تصنع الشُّهداء، ولكن مَنْ ذا الذي يستطيع أن يفهم معنى البتولية بفهمه البشري، إن كانت الطبيعة نفسها لا تُدرِجه في نواميسها؟! أو مَنْ ذا الذي يستطيع بلُغة عادية أن يصِف ذلك الأمر الذي فاق الطبيعة؟! فهذه الفضيلة العظيمة التي هي البتولية قد أتت من السماء بذاكَ الذي نستطيع أن نتشبه به على الأرض، إذ قد وجدت عريسها الحقيقي في السماء، بعد أن ارتفعت وحلَّقت مُتجولة إلى ما وراء السُّحُب والهواء والنجوم والملائكة حتّى وجدت كلِمة الله في حِضْن الآب فاجتذبته إليها بكلّ قلبها، فَمَنْ ذا الذي يعثُر على هذا الخير كلّه ويترُكه؟! ”لأنَّ... اسمُك دُهْنٌ مُهراقٌ. لذلك أحبَّتكَ العذارى“ (نش 1: 2-3).
ثم يُوضِح القديس أمبروسيوس أنَّ ما قالهُ ليس من عِندياته لأنَّ الذين لا يُزوِجون ولا يتزوجون (مر 12: 25) هم كملائِكة في السموات، لذا ينبغي أن لا نندهِش حينما يُشبِّه البتوليين بملائِكة الله في السماء، ومَنْ ذا الذي يُنكِر أنَّ هذه الحياة العذراوية تستمِد قُوَّتها من السماء، تلك الحياة التي لم تُوجد على الأرض إلاَّ عندما نزل رب المجد وأخذ جسدًا بشريًا!! فقد تجسَّد الكلِمة من العذراء مريم وصار جسدًا حتّى يصير الجسد إلهيًا.
ويُعلِّق القديس على الآية الوارِدة في (خر 15: 20) ”فأخذت مريم النَّبيَّة أُخت هرون الدُّفَّ بِيَدِها. وخرجت جميعُ النِّساء وراءها“ يرقُصنَ في اتضاع وعِفة قائِلًا إنَّ مريم النَّبيَّة كانت رمزًا للكنيسة التي كعذراء عفيفة بروح غير دَنِسْ وبلا عيب تجمع المُؤمنين لِيُرنِموا الترانيم والتَّسابيح الإلهية، ويرى أنه بتجسُّد الرب الذي وحَّد لاهوته مع ناسوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير دخلت الحياة السماوية الملائِكية إلى العالم، وانغرست وتأصَّلت في الأجساد البشرية، لأنه مكتوب ”ملائِكةٌ قد جاءت فصارت تخدِمهُ“ (مت 4: 11) فبِتَجَسُّدِهِ أعطى لنا أن نُقدِّم له هذه الخدمة السمائية، خدمة الجسد الطاهِر غير الدَنِسْ.
وتحدَّث القديس عن عذارى فستا المُكرَّسات لخدمة فستا الوثنية (إحدى الألِهات الوثنيات)، وأعلن أنَّهُنْ عذارى بلا عِفة وبلا عذراوية، ولكي يُقدِّم مُقارنة قوية مع عذارى المسيحية، يتحدَّث عن عذارى المسيح وكيف أنَّهُنْ قهرنَ القُوَّات الغير منظورة، فلم يكُن انتصارِهِنْ على اللحم والدم بل على رئيس هذا العالم وسُلطان هذا الدَّهر، ويُقدِّم أجنِس مثلًا، فهي الصغيرة سِنًا كانت عظيمة في الفضيلة وشهدت بِلِسانها للرب يسوع واعترفت به بجسدها، وعُمرها لم يعرِف معنى الشهادة أو الاعتراف.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:11 PM   رقم المشاركة : ( 38 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

كرامات البتولية



كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
: صورة القديسة مريم العذراء
ثم يُعدِّد القديس أمبروسيوس هنا كرامات البتولية وهي:
<!--[if!supportLists]-->1) <!--[endif]-->كما أنه قد جرت العادة أن يُذكر اسم العائِلة أو الأب للتدليل على أصالة النسب، لذلك وطن وبيت ومحل ميلاد البتولية هو السماء، فهي الوطن الأصلي للبتولية، ولذا هي غريبة على الأرض ساكنة في السماء.
العِفة التكريسية البتولية هي الطهارة من الدَنَسْ، وصاحِبها ومُؤسِسها هو ابن الله البتول الذي بلا دنس، الذي لم يرَ جسده فسادًا، فكم عظيمة هي استحقاقات البتولية...
كان المسيح قبل العذراء ووُلِدَ من العذراء، فرغم أنه المولود من الآب بالحقيقة قبل كلّ الدُّهور، إلاَّ أنه وُلِدَ من العذراء في مِلء الزمان.
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:11 PM   رقم المشاركة : ( 39 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

الزواج عند القديس أمبروسيوس



أمَّا عن رؤية القديس أمبروسيوس للزواج فيُوضِح أنه ليس ضد الزواج لكنه يُؤكِد على عِظَم البتولية، فالقديس بولس الرَّسول يقول ”أمَّا الضَّعيف فيأكُلُ بُقُولًا“ (رو 14: 2) وأيضًا ” مَنْ زَوَّجَ فحسنًا يفعلُ ومَنْ لا يُزَوِّجُ يفعلُ أحسن“ (1كو 7: 38)... فالإنسان لا يُخطِئ إذا تزوَّج، ومَنْ لا يتزوج فمن أجل الأبدية، ”فالزواج عِلاج للضعف، بينما البتولية فمن أجل مجد العِفة، الزواج لا يُمتدح أمَّا البتولية فتُطوَب“.
والمُتزوجات يختلفنَ عن العذارى، فكلّما افتخرت المُتزوجة بكثرِة النسل كلّما زادت هِمومها ومتاعِبها، وهي تحبل بالآلام والأوجاع... فبنات هذا الدَّهر يُحبل بِهُنْ ويحبلنَ، بينما ابنة الملكوت تمتنِع عن اللذة الزيجية، لذِة العُرْس الأرضي، لذِة الجسد، لتكون مُقدسة جسدًا وروحًا.

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
ثم يُشير إلى بعض الأفعال المرفوضة التي تلجأ إليها بعض الزوجات حينما يدهِنَّ وُجوهِهِنْ بالمساحيق والألوان المُختلِفة، وهُنَّ بذلك يُلوِثنَ عِفتِهِنْ، فمن الجنون أن يستبدِلنَ الشكل الطبيعي ويبحثنَ عن أصباغ ودهانات... وكذلك شغف بعض الزوجات بالحُلي وبالمُجوهرات والثِياب المُوشَّاة بالزُخرُف... فهذا كلّه لا يُغيِّر فيهُنَّ شيئًا.
بعد ذلك ينتقِل للحديث عن العذارى المُطوبات اللائي تتزينَّ بالزينة الحقيقية الباطنية... فباتضاعِهِنْ المُقدس تُشرِق وُجوهِهِنْ، وجمالِهِنْ الحقيقي هو في العِفة البهية التي لا تُعثِر الآخرين، وهو جمال داخلي، لأنَّ الله يُحِب النِفوس الجميلة بالفضيلة، وهُنْ لا يعلمنَ شيئًا عن متاعِب وأوجاع الوِلادة، لكن أعظم هي ذُرِية النَّفْس التي تستغني بفضائِلها ولا تنزعِج أو ترتبِك بفُقدان أحد، فقد ماتت عن الجميع من قبل... وإن فقدت أهلها لكن صار لها مُحِبُّون كثيرون.
ومن الحديث عن العذارى ينتقِل للحديث عن مِثال العذارى وأُمَّهُم أي الكنيسة المُقدسة التي وإن كانت عذراء لا تعرِف زواجًا إلاَّ أنها خِصبة ولوُد، ”فهي في عِفِتها عذراء وفي ذُرِيتها أُم“، ومع أنَّ الكنيسة عذراء إلاَّ أنها تحمِلنا أبناء لها لا من أب بشري بل من الروح القدس، لا تحمِلنا بالآلام بل بفرح وتهليل الملائكة وهي العذراء التي تُطعِمنا لا بلبن جِسداني بل بلبن الآباء الرُّسُل، كالذي غذَّى به القديس بولس غير القادرين من شعب الكنيسة ” كَجَسَدِيِّين كأطفالٍ في المسيح. سقيتُكُمْ لبنًا لا طعامًا لأنَّكُمْ لم تكُونوا بعدُ تستطيعون“ (1كو 3: 1-2)، ويتساءَل أمبروز ”أي عروس لها ما للكنيسة المُقدسة من أبناء؟ تلكَ التي في أسرارها عذراء لكنها أُم للجميع، التي يشهد الكِتاب المُقدس لِخصوبتها قائِلًا: ’ ترنَّمي أيتها العاقِرُ التي لم تلِد أشيدي بالتَّرنُّم أيتها التي لم تَمْخَضْ لأنَّ بني المُستوحِشة أكثر من بني ذات البعل ‘ (إش 54: 1 ؛ غل 4: 27)“.
ثم يحِث القديس الآباء على تدريب أولادهم وبناتهم على الفضائِل والجِهاد لأنَّ ”العذراء هي تقدِمة أُمَّها“، ويسألهم القديس أن يترُكوهم ينمون في طريق الكمال ولا يمنعوهم، ويُحدِّث هؤلاء الذينَ يمنعون بناتهم عن السير في درب البتولية لأنهم يُريدون أن يكون لهم أحفاد، ويقول لهم أنَّ الأحفاد شيء غير مُؤكد أو مضمون بينما الفضيلة مضمونة وأثمن بما لا يُقارن.
ويُعلِن أسقف ميلان أنه ليس ضد الزواج بل هو يشجعه ويلوم مَنْ يُعارِضونه ويدينوه، لأنَّ الذينَ يدينون الزواج يدينون أيضًا النسل وميلاد الأطفال ويدينون استمرارية الجِنْس البشري جيلًا بعد جيل.
فهو لا يُقاوِم الزواج بل يجمع معًا كلّ مزايا البتولية وعَظَمَتْها وقداستها، فهي هِبَة عظيمة تُعطَى لأقلية من الناس، بل هو يُقارِن بين أمور كلّها صالِحة، يُقارِن الصَّالِح بالصَّالِح ليظهر أكثرهُما سُمُوًا، وهو لا يُعطي رأيًا من عنده بل يُكرِّر ما قاله الروح القدس بالنبي القائِل ”أمَّا العاقِر الطَّاهِرة التي لم تعرِف المضجع الفاحِش فطُوبى لها “ (حكمة 3: 13).
ويُعلِن القديس أنَّ المُتزوجين والمُتزوجات ينبغي بالضرورة أن يعترِفوا أنهم أقل رُتبة من العذارى اللاتي استحققنَ سماع ذلك الصوت ”أنتَ أبرع جمالًا من بني البشر وقد انسكبت النِّعمة على شفتيك“ ( مز 45: 2)، لأنَّ مَنْ هو ذلك العريس؟ إنه ذلك الواحِد الذي قِنيته تفوق الوصف وغِناه يفوق افتخارنا، الذي عرشه إلى أبد الآبدين، وكرامته تُشارِكه فيها بنات الملِك ”بنات مُلُوكٍ بين حَظَيَّاتِك. جُعِلتِ المَلِكة عن يمينك بذهب أُوفير. اسمعي يا بِنْت وانظُري وأميلي أُذُنَكِ وانسي شعبك وبيت أبيكِ فيشتهي الملِك حُسنَكِ لأنه هو سيِّدُكِ فاسجُدي له“ (مز 45: 9-11).
  رد مع اقتباس
قديم 22 - 05 - 2014, 06:12 PM   رقم المشاركة : ( 40 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,300,000

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج

نصائح للعذارى


ويدعو القديس العذارى أن يتأمَّلنَ الملكوت الذي أعدُّه الروح القدس لهُنْ بشهادة الكِتاب المُقدس، فهو ملكوت الذهب والجمال ”الذهب لأنَّكُنْ عرائِس الملك الأبدي، ولأنَّكُنَّ -وقد صار لكُنَّ الفِكْر الغير مغلوب بالشهوة- لن تستعبدنَ من قِبَل الملذات الحِسِيَّة، بل قد دُستُنَّ عليها، والذهب أيضًا أكثر قيمة من كلّ المعادِن إذا جُرِّب بالنار، وهكذا أيضًا يظهر الجسد البتول مُكرَّسًا للروح القدس، عظيم في جماله، لأنَّ مَنْ يتصور جمالًا أعظم من جمال العروس التي أحبَّها العريس الملك واشتهى حُسنها، وإذ قد اعتُقِت من الدينونة، صارت كلّها مُكرَّسة للرب، مُقدسة ونذيرة لله، عروسًا عذراء إلى الأبد، في حُبْ لا ينتهي وحِشمة لا تفنى“.
فهذا هو بالحق الجمال الكامِل الذي لا ينقُصه شيء، الذي وحده يستحِق سماع صوت الرب القائِل: ”كُلُّكِ جميلٌ يا حبيبتي ليس فيكِ عيبة. هَلُمِّي معي من لُبنان يا عروس معي من لُبنان“ (نش 4: 7-8) فهذه هي سِمات جمال النَّفْس البتول الفائِق الذي لا يُعبَّر عنه، المُكرَّس لمذابِح الله فلا يتأثَّر بالشهوات الزائِلة أو بالحيوانات المُفترسة الروحية أجناد الشر، لأنَّ النَّفْس التي تنشغِل تمامًا بأسرار الله، تُوجد مُستحِقة للحبيب الذي تفيض أحضانه فرحًا ”بخمرٍ تُفرِّح قلب الإنسان“ (مز 104: 15).

كتاب البتولية في فكر الآباء - القمص أثناسيوس فهمي جورج
وللقديس أمبروسيوس تأمُّل جميل عن رائِحة العروس، فالحكيم يقول ”ما أحسن حُبَّكَ يا أُختي العروس كم محبَّتُكِ أطيب من الخمرِ وكم رائِحة أدهانِكِ أطيبُ من كلِّ الأطياب“ (نش 4: 10)، ويُكمِل أيضًا ”رائِحة ثيابِكِ كرائِحة لُبنان“ (نش 4: 11)، وهنا يقول قديسنا: ”انظُري أيتها العذراء أيَّة رِفعة وعَظَمَة قد سَمَوْتِ إليها، فإنَّ رائِحتِك الأولى تفوق كلّ الأطياب إذ قد استُخدِمت في تطييب جسد المسيح المُخلِّص (يو 19: 39) ففاح بخور أريجها، أمَّا الرائِحة الثَّانية فهي مثل رائِحة لُبنان التي تستنشِق من جسد الرب عديم الفساد زهرة العِفة البتولية“.
ويحِث أمبروسيوس العذارى أن يكون عملِهِنْ كالنحل، لأنه يليق بالبتولية أن تُشبِه النحل في نشاطه وأدبه واحتشامه وعِفته، فالنحل يتغذى على الرَّحيق، لا يعرِف زواجًا ولا خُدرًا بل يصنع عسلًا، ورحيق العذارى والمُتبتلين هو كلِمة الله، وحشمتهُمْ هي طبيعة لا تتدنس، ونِتاجِهِم هو ثمرة تفيض حلاوة بلا مرارة، وهم يعملون في شَرِكَة، لذا يأتي ثمرهم في شَرِكَة.
فعلى العذارى أن يتشبَّهنَ بهذا النحل الذي طعامه الزهور ونِتاجه يجمعه معًا، ويتشبَّهنَ بفمه فلا يدعنَ الزيف يُغلِّف كلامِهِنْ، ولا يترُكنَ الرِّياء يُغطيه، ليكون كلامِهِنْ طاهرًا يزخر بالمنفعة.
ويجب أن يكون فم العذراء نبعًا يدوم إلى الأبد لا لوم فيه، ولا تجمع لنفسها فقط لأنها لا تعلم متى تُطلب نفسها منها، لئلاَّ تترُك أجرانها ملآنة قمحًا دون أن تنتفِع هي نفسها منها ولا الآخرين أيضًا، بل يجب أن تُسرِع لتقتني الكِنوز التي لا تُبلى، وتكون غنية بالإحسان على الفُقراء والمساكين.
وينصح القديس العذارى أن يتأمَّلنَ في الزهرة التي هي المسيح الذي قال ”أنا نَرِجِسُ شارون سُوْسنة الأودية. كالسُّوسنة بين الشَّوكِ“ (نش 2: 1-2)، ويرى القديس أنَّ هذا ”إعلان صريح عن أنَّ الفضائِل مُحاطة بأشواك أجناد الشر الروحية، حتّى أنَّ مَنْ يُريد أن يجمع ثِمارها عليه أن يكون حَذِرًا“.
كذلك يحِث القديس أمبروسيوس العذارى على طلب وجه المسيح قائِلًا ”خُذي أيتها العذراء أجنِحة الروح القدس لِتُحَلِقي فوق كلّ الشهوات، إن كُنتِ تشتاقين إلى المسيح لأنَّ الرب إلهنا ساكِن في الأعالي ناظِر الأسافِل (مز 113: 5-6) الذي كان ضهوره مثل أرز لُبنان، الذي أوراق نبتته في السحاب وجذوره في الأرض... ابحثي باجتهاد عن هذه الزهرة الثمينة“.
ويصِف القديس هذه الزهرة (التي هي المسيح) بأنها زهرة تُحِب النمو في البساتين والجنَّات، وهي تلكَ الزهرة التي وجدتها سوسنَّة أثناء تِجوالها واستعدت وفضَّلت أن تموت عن أن تفقِد عِفِتها، ”ولكن ما المقصود بالجنَّات؟ إنه هو نفسه يُشير إليها قائِلًا: ’ أُختي العرُوس جنَّة مُغلقة عين مُقفلة ينبوع مختوم ‘ (نش 4: 12) لأنه في جنَّات مثل هذه تتدفق مياه النبع الطَّاهِر لِتَعكِس ملامِح أيقونة الله، والعين مُقفلة والينبوع مختوم لئلاَّ تختلِط مياهها بالطين فتتلوث من أوحال تتمرَّغ فيها الحيوانات الروحية المُفترِسة، ولهذا السبب أيضًا تُحاط حِشمة العذارى بِسِياج من الروح القدس، فتصير جنَّة مُغلقة حتّى لا تُفتح وتُسرق وتُنهب، وكَجَنَّة يصعب دخولها من خارِج ولكن يفوح منَّا أريج البنفسج مع الزيتون، وتُعبَّق برائِحة الورود لأنَّ الإيمان يزدهِر في الكرمة والسَّلام في الزيتونة، والحِشمة -حِشمة البتولية المُكرَّسة- في الوردة، وهذه هي الرائِحة التي اشتَّمها البطريرك القديس إسحق قال ’ رائِحةُ ابني كرائِحةِ حقلٍ قد باركهُ الرَّبُّ ‘ (تك 27: 27) فقد أتى إليه ابنه بِحَصَاد حقله المُمتلِئ بكلّ صُنُوف الثِمار، حصاد العمل العظيم، حصاد الإزدِهار والإثمار“.
وإن اشتاقت العذراء أن تكون جنَّتها عظيمة وحلوة، فعليها أن تُغلِقها بوصايا الأنبياء ”اجعل يا ربُّ حارِسًا لفمي. احفظ باب شفتيَّ“ (مز 141: 3) حتّى تستطيع أن تُردِّد ”كالتُّفاح بين شجرِ الوعرِ كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظِلِّهِ اشتهيتُ أن أجلِس وثمرتهُ حُلوةٌ لِحلقي“ (نش 2: 3)، وأيضًا ”وجدتُ مَنْ تُحِبُّهُ نفسي فأمسكتُهُ ولم أرخِهِ.... لِيأتِ حبيبي إلى جنَّتِهِ ويأكُل ثمرةُ النَّفِيس.... تعالَ يا حبيبي لِنخرُج إلى الحقل“ (نش 3: 4 ؛ 4: 16 ؛ 7: 11)، وكذلك ”اِجعلني كخاتِمٍ على قلبِكَ، كخاتِمٍ على ساعِدك“ (نش 8: 6)، ”حبيبي أبيضُ وأحمرُ“ (نش 5: 10) لأنه يليق بالعذراء أن تعرِف تمامًا مَنْ تُحِبُّه، وتُدرِك فيه كلّ سِرْ طبيعته الإلهية وسِرْ الجسد الذي أخذه، فهو أبيض لأنه يليق به أن يكون هكذا لأنه بهاء مجد الآب، وهو أحمر لأنه وُلِدَ من عذراء.
ويرى القديس أمبروسيوس أنَّ العذارى مُستحِقات أن يُشبَّهنَ بالكائِنات السمائية وليس بالبشر، لأنَّهُنْ يحيينَ هنا على الأرض مُستلِمات من الرب الوصايا لِحِفْظ هذه الحياة ”اِجعلني كخاتِمٍ على قلبِكَ“ (نش 8: 6).
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أحد المخلع القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب البابا شنودة المعلم - القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب الأمانة في التعليم - القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
ترانيم القمص أثناسيوس فهمى جورج


الساعة الآن 10:37 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025