18 - 10 - 2017, 11:25 AM | رقم المشاركة : ( 351 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال شيخٌ: «لا تطلب حوائجَ كثيرةً، لأنك عاهدت المسيحَ أن تعيشَ معه بالفقرِ، لأن المسيحَ هو حياةُ النفسِ، وكلُّ من اقتناه في قلبهِ وفي فكرِه وكلِّ تصرفاته بامتدادِ عقله إليه، فهو ذاك الذي ينجحُ في سيرةِ هذا العمرِ، وينال الحياةَ التي لا تزول». وقال أيضاً: «من يخافُ من مرضِ الجسدِ، فهو عادمُ الفضيلةِ، وإذا عُتِقَ بالكمالِ من الآلام، فحينئذ يسيُر بغيرِ مانعٍ. القلبُ النقي ينظرُ كلَّ الناسِ أطهاراً، وهو وحده النجس. كن ملازماً للمشايخ الروحانيين، وتعلَّم سيرتهم وابعُد عن الأحداث والصبيان. أحبَّ السهر فإنه ينقي العقلَ، ولا تظن في نفسِك، أنك تنالُ سيرةً فاضلةً، أو خلاصاً لنفسِك بغير تعبٍ. لا تضعف عن مقاومةِ التجارب التي توافيك، بل اطلب من اللهِ المعونةَ. قد سمعنا اللهَ يقول: أنا معكم فلا تجزعوا، ومن ذلك تحققنا أنه ليس بقوتِنا نقاتِلُ، بل بقوةِ اللهِ الذي ألبسنا سلاحَ الظفر وأعطانا الروحَ القدس. الضجرُ إنما يعرض لنا من أن خوفَ اللهِ لم ينغرس بعدُ في فكرنا، ولم ننسَ إلى الآن أكلَ خبزِنا من صوتِ تنهدنا. فحبُّ الجسدِ، لا يدع عقولنَا تسيُر إلى فوق. إذا لم تتحرك الأوجاعُ على الإنسانِ، فلن يكونَ مجرَّباً. النسيانُ هو هلاكُ النفوسِ، وقد يكون من التهاونِ. تحفَّظ من النظرِ والحديثِ، لأنهما أسبابُ الخطيةِ. النوحُ يغسلُ الخطايا، وبتعبٍ كثيرٍ يصلُ الإنسانُ إليه، إذ لا يأتي البكاءُ إلا بكثرةِ الهذيذ، وبِذكرِ الموت، والدينونةِ المرهوبة، والعذابِ الدهري، وأن تكفرَ بنفسِك وتقطعَ هواك وتحمل الصليبَ». من أقوالِ أنبا برصنوفيوس: «كلُّ شيءٍ من أمورِ العالمِ هو فانٍ وليس بشيءٍ، فاسبق وصوِّر الله بين عينيك، وكن حريصاً في أن تتوبَ، لأن زمانَك في هذا العالمِ قليلٌ. كن وديعاً بقلبك واذكر الخروفَ الوديعَ وكم صبر، ورغم أنه لم تكن له خطيةٌ، لكنه احتملَ الشتمَ والضربَ وسائرَ الأوجاعِ حتى الموت. اتعب وجاهد ليبعدَ عنك الغضبُ والحردُ بمعونةِ اللهِ الحق، إلهك المسيح الذي أحبك له المجد دائماً إلى الأبدِ آمين». |
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 352 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: لا تنم يا أخي، لئلا يفوتك القائل: «هو ذا الختن قد أقبل، اخرجن للقائِه». وكيف تستطيع أن تقول في ذلك الوقتِ إني مشغولٌ، وهو قد صيَّرك بلا همٍّ، ولكنك تلقي بنفسِك في الهمومِ، فلن ينتظرك الزمانُ لتنوحَ على خطاياك. انتقل بفكرِك من هذا العالمِ البطال إلى العتيد. اترك الأرضيات واطلب السماويات. مت بالكمالِ لكي تحيا بالتمامِ بالمسيح يسوع ربنا. كلُّ من لا يحتمل المحقرةَ والتبكيتَ والإهانةَ، فإن الإنسانَ العتيقَ لا زال حياً فيه بعد. إن أردتَ أن تتلذذَ بنِعمِ اللهِ، احرص بكلِّ جهدِك على أن تُبعدَ عنك كلَّ لذةٍ جسديةٍ. إنسانٌ ساكتٌ، يجبُ عليه ألا يحسبَ نفسَه شيئاً. إن زلَّ الجاهلُ في كلامِه فهو معذورٌ من الكلِّ، وإن زلَّ الراهبُ فلن يقدرَ أحدٌ أن يعذرَه. من أقوال الأنبا أوغريس: «من يقول إنه قد اقتنى فضيلةً بغيرِ جهادٍ، فهو إلى الآن ممسوكٌ في الآلامِ، لأن شرَّ الأعداءِ هو قبالة أتعابِ الفضيلةِ، والقلبُ الذي ليس به قتالٌ، ليست فيه فضيلةٌ ولا شجاعةٌ. وكما أنَّ الإنسانَ البراني يعملُ شغلَ اليدِ كي لا يحتاج، هكذا الجواني يعملُ لئلا يثقل العقل، لأن الأفكارَ إذا وجدت النفسَ بطالةً من تذكارِ اللهِ، حينئذ يُذكِّرونها بالأفعالِ الرديئةِ. الوديعُ ولو صنعوا به الشرَّ، فلن يتخلى من المحبةِ. الذي ليس فيه قنيةٌ، له حياة بلا اهتمامٍ، أما المحبُ القنية، فله تنغيصٌ في قلبهِ، الذي هو الاهتمام. |
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 353 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
لا تنسَ أنك أخطأت، حتى ولو أنك قد تُبتَ، بل اجعل النوحَ وتذكارَ الخطيةِ اتضاعاً لك، لكي بالاتضاعِ تتقي الكبرياءَ. اختم بابَ أتعابك بالصمتِ، لئلا يقلعه اللسانُ، فينتج المجدُ الفارغ الذي ينزعها. كما أنك تُخفي خطاياك عن الناسِ، كذلك أخفِ أتعابك أيضاً، فإن كنتَ للهِ وحده تُظهرُ نقائصَك، فلماذا تُظهرُ للناسِ تلك الأتعابَ التي تصنعها لأجلها، بقلةِ رأيٍ. ممدوحٌ هو الإنسانُ الذي يربطُ النسكَ بالفهمِ، لكي تُروى النفسُ من هذين النوعين، وتُظهر النسك بقتلِ الاعضاءِ التي على الأرضِ، أعني: الزنى والنجاسة والأغراض الشريرة. إنَّ من كان همُّه في تذكارِ الموتِ، فذلك يهديه بخوفِ اللهِ. الذي يجمعُ كلامَ الكتبِ المقدسة إلى قلبه، يُلقي الأفكارَ براحةٍ، لأننا نحتاجُ إلى أتعابٍ كثيرةٍ لكي نقطعَ كمالَ الأفكارِ».
|
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 354 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل عن أنبا يحنس الذي كان من أسيوط، إنه أقام ثلاثين سنةً في مغارةٍ، ضابطاً السكوت، والبابُ مختومٌ عليه، وكانوا يعطونه حاجتَه من طاقةٍ، والذين كانوا يأتون إليه، كان يكتب لهم ويعزيهم. فحدث مرةً أنَّ أربعةَ لصوصٍ نظروا كثرةَ الجموعِ التي كانت تأتي إليه، لأنَّ اللهَ قد منحه موهبةَ الشفاءِ، فظنوا أن عنده أموالاً في مغارتِهِ، فأتوه بالليلِ لينقبوا بابَ المغارةِ، فضُربوا بالعمى جميعاً، وبقوا هكذا واقفين خارج المغارةِ إلى الصباحِ، حيث أتى الناسُ وأمسكوا بهم، وأرادوا أن يسلموهم للوالي فيقتلَهم، فتكلم معهم القديس قائلاً: «إن لم تتركوا هؤلاء الناس، فنعمةُ الشفاءِ تذهب عني»، فتركوهم، وهذه هي الكلمةُ الوحيدةُ التي خرجت من فمهِ خلال مدةِ الثلاثين سنةً.
|
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 355 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال أخٌ لشيخٍ: «أجيدٌ هو أن أُمَجِدَ أخي؟»، فقال له الشيخُ: «إنَّ السكوتَ أفضل». ثم قال له: «لو أنك ملأتَ جرةً بحشراتٍ ضارةٍ، وسددتَ فوهتها، ألا تموت جميعُها؟ ولكنك لو تركتَ فوهتها مفتوحةً، فإن الحشراتَ سوف تخرجُ وتضرُّ من تصادفه، هكذا الذي يسكتُ، فجميعُ الأفكارِ الرديئةِ التي داخل قلبه تموتُ». قال شيخٌ: «إنَّ اللسانَ مملوءٌ ناراً، وهو يُدنسُ جميعَ الجسدِ، فالذي يحبُ حياتَه، فليشفق على لسانِه، احرس شَفَتيك يا رجل الله، والجم لسانك كي تنتفعَ بجميعِ أتعابك، فالذي يحفظ لسانه، له كراماتٌ كثيرةٌ، فطوبى لمن يسود على لسانهِ، فإنَّ أهراءَه تمتلئ من الخيراتِ». |
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 356 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
حدَّثوا عن عذراءٍ حرةٍ عفيفةٍ هادئةٍ في منزلها، فأحبها شابٌ رديءٌ، ولم يكن يكف عن الترددِ على منزلها، فلما شعرت العذراءُ بتردده وقتاله، شقَّ ذلك عليها جداً وحزنت. فحدث في يومٍ من الأيامِ أنه جاء كعادتِهِ يدقُّ البابَ، وكانت العذراءُ حينئذ جالسةً على المنسج، فلما علمت أنه هو الذي يدقُّ على البابِ، خرجت إليه ومعها كركدنها (أي مخرازها)، وقالت له: «ما الذي يأتي بك إلى ههنا يا إنسان؟». فقال لها: «هواكِ يا سيدتي». فقالت: «وما الذي تهواه مني؟»، فقال لها: «عيناك فتنتاني، وإذا أبصرتُك يلتهبُ قلبي»، فجعلت مخرازها في إحدى عينيها، وقلعتها بصرامةٍ ورمتها له، وشرعت في قلعِ الأخرى، فأسرع الشابُ وأمسك بيدها، فدخلت إلى منزلِها وأغلقت بابَها. فلما رأى الشابُّ أن عينها قد قُلعت حزن جداً، وندم على ما كان منه، وخرج إلى البريةِ من ساعته وترهب.
|
||||
18 - 10 - 2017, 11:26 AM | رقم المشاركة : ( 357 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل إنه لما نُهبَ بيتُ المقدس، وقعت عذراءٌ راهبةٌ شابة جميلة في قسمِ أحدِ الفرسان، الذي أراد إفسادها. فقالت له: «تمهَّل قليلاً لأن بيدي مهنةً تعلمتُها من العذارى، ولا تصلح لعملِها إلا عذراء، وإلا فلا نفع لها». فقال لها: «وما هي؟»، فقالت له: «هي دُهنٌ، إذا دُهِنَ به إنسانٌ، فلن يؤثرَ فيه لا سيفٌ ولا أيُّ نوعٍ من الأسلحةِ البتة، وأنت تحتاجُ إلى ذلك، لأنك في كلِّ وقتٍ تخرجُ للحربِ». فقال لها: «وكيف أتحقق ذلك؟»، فأخذت زيتاً ووجَّهت إليه الكلامَ قائلةً: «ادهن رقبتَك، وأعطني السيفَ كي أضربَك به». فقال لها: «لا، بل ادهني أنتِ رقبتَكِ أولاً، وأنا أضربُ بالسيفِ»، فأجابته إلى ذلك ببشاشةٍ، وأسرعت فدهنت رقبتَها وقالت: «اضرب بكلِّ قوتِك». فاستلَّ سيفَه، وكان ماضياً جداً، ومدت القديسةُ رقبتَها، وضربَ بكلِّ قوةٍ، فتدحرج رأسُها على الأرضِ، ورضيت عروسُ المسيحِ أن تموتَ بالسيفِ، ولا تدنس بتوليتها. فحزن الفارسُ جداً، وبكى بكاءً عظيماً، إذ قتلَ مثلَ هذه الصورةَ الحسنة، وعرف أنها خدعته لتفلتَ من الدنسِ وفعل الخطيةِ.
|
||||
18 - 10 - 2017, 11:27 AM | رقم المشاركة : ( 358 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل عن شيخٍ إنه كان جالساً في البريةِ سنين كثيرةً، وكان يُتعِبُ نفسَه بأتعابٍ كثيرةٍ، فلما رآه الإخوةُ هكذا، قالوا له: «لماذا تعاني هذه الأتعابَ الكثيرةَ، في هذا الموضعِ القفر»؟ قال لهم الشيخُ: «هل رأيتم عذابَ جهنم؟»، قالوا له: «لا»، فقال لهم: «اغفروا لي، فإن هذا التعبَ جميعَه الذي نكابده ههنا، لا يعادلُ عذابَ يومٍ واحدٍ في جهنم». قال شيخٌ: «الدلالُ والمزاحُ والضحكُ، هذه تُهلك، إذ تُشبه ناراً تشتعلُ في قصبٍ». وقال شيخٌ: «إن السيرةَ اليابسةَ المقرونةَ بالمحبةِ، تُدخل الراهبَ إلى ميناءِ غَلَبةِ الآلامِ بسرعةٍ». قال أنبا بيمين: «من أدلةِ الرهبانيةِ الشدةُ والمسكنةُ والمعرفةُ، لأنه مكتوبٌ عن هؤلاءِ الثلاثة رجال: نوح وأيوب ودانيال، إن نوحاً يشبه المسكنة، وأيوبَ يشبه الشدة، ودانيال يشبه المعرفة، فإن كانت هذه الخصال الثلاثة موجودةً في إنسانٍ، فالله ساكنٌ فيه». وقال أيضاً: «إنه لأخيَر للراهبِ أن يفرَ من الجَسََدانيات، لأنه ما دام الإنسانُ قريباً من الجَسَدَانيات، فإنه يشبه إنساناً جالساً عند فوهةِ جبٍّ عميقٍ، ففي أيِّ ساعةٍ أراد العدو دفعَه فيه، هان عليه طرحُهُ فيه، أما إذا كان الراهبُ بعيداً عن الجسدانيات، فإنه يشبه رجلاً بعيداً عن الجبِّ، ففي الوقتِ الذي يعملُ العدو على جرِّه إليه، يكونُ اللهُ قد بعث إليه بمن يخلِّصه». |
||||
18 - 10 - 2017, 11:27 AM | رقم المشاركة : ( 359 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
سأل أخٌ شيخاً: «هل تحبُ يا أبي أن أحبسَ لنفسي دنانيرَ فتكونَ عندي لئلا يصيبني مرضٌ». فلما رأى الشيخُ أن فكرَه قد هوى إمساكَ الدنانير، قال له: «نعم». فلما مضى، أزعجته أفكارُه قائلةً له: «أترى بحقٍ قال لك الشيخُ أم لا»؟ ثم قام أيضاً، ورجع إلى الشيخِ وطلب إليه قائلاً: «من أجلِ اللهِ، قل لي الحقَّ، لأن أفكاري تحزنني جداً من أجلِ الدنانير». فقال له الشيخُ: «إني لما أبصرتُ أنك تحبُّ إمساكَ الدنانير، قلتُ لك أمسك أكثرَ من حاجتك، أما إن أمسكتَ بالدنانير، فسوف يكون رجاؤك عليها، فإن هي نفذت، فإن اللهَ لن يهتمَ بك ولن يعينك». قال أنبا ماطوايس: «إني أحبُ العملَ الخفيفَ الدائم، أكثرَ من عملٍ شديدٍ في بدئه، لا يلبث أن ينقطعَ سريعاً». قال أنبا بيمين: «علامةُ الراهبِ إنما تُعرف من البلايا». سأل أخٌ شيخاً قائلاً: «أيَّ شيءٍ أصنعُ، فإن أفكاراً كثيرةً تقاتلني، ولستُ أدري كيف أقاتلها»؟ فقال له الشيخُ: «لا تقاتل مقابلَ الكلِّ دفعةً واحدةً، ولكن قاتل واحداً، لأن أفكارَ الراهبِ إنما لها رئيسٌ، فاجعل بالَك إلى رئيسِها، ونحوه اجعل قتالَك، فإذا هزمتَ ذلك الفكرَ، فقد انهزمت البقيةُ». قال شيخٌ: «كما أن الفارسَ إذا خرج للقتالِ لا يهتمُ بأحدٍ من الناسِ، ولا يفكرُ إن كان هذا قد طُعِنَ أم ذاك، أو إن كان هذا قد خلص أو ذاك، وإنما همُّه كلُّه يكون في نفسِه كيف يخلص، هكذا ينبغي أن يكونَ الراهبُ». |
||||
18 - 10 - 2017, 11:27 AM | رقم المشاركة : ( 360 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
عبر راهبٌ براهبٍ، فقال له: «ما هو تمامُ الحكمةِ؟»، فأجابه: «ليس الحكيمُ التامُ هو ذاك الذي يفرحُ بشيءٍ من لذاتِ هذه الدنيا، أو يحزنُ بشيءٍ من مصائبها أو يغتمُّ به، وإنما الحكيمُ التامُ هو ذلك الذي لا تُفرحه السراءُ، ولا تحزنه الضراءُ، بل يكون عارفاً الابتداء، وما يؤول إليه الانتهاءُ». حدَّثنا أحدُ الآباءِ قائلاً: إني في بعضِ الأوقاتِ كلَّمتُ الإخوةَ كلاماً نافعاً، فغرقوا في النومِ غرقاً، انتهوا فيه إلى أنهم ما استطاعوا أن يحركوا جفونَهم، فأردتُ أنا أن أبينَ فعلَ الشيطانِ، فأوردتُ حديثاً باطلاً، فانتبهوا للوقتِ وفرحوا، فتحسرتُ وقلتُ: «إلى هذا الوقتِ كنا نتكلم في أشياءٍ سماويةٍ، فكانت أعينُكم كلُّكم غارقةً في النومِ، فلما أوردنا أقوالاً باطلةً، قمتم كلُّكم بنشاطٍ، فلهذا أسألكم يا إخوتي، أن تعرفوا فعلَ الشيطانِ الخبيثِ، وتصغوا إلى أنفسِكم، محترسين من النعاسِ، متى علمتم وسمعتم شيئاً روحانياً». أخبروا عن راهبين قديسين، كانا أخوين وسكنا البرية، فحرص الشيطانُ على أن يُفرِّقَ بينهما، ففي بعضِ الأيامِ أوقدَ الصغيرُ منهما سراجاً ووضعه على منارةٍ، وبحيلةٍ من الشيطانِ وقع السراجُ وانطفأ، فحينئذ حرد الكبيرُ وضربه، فصنع الصغيرُ له مطانيةً، وقال له: «لا تضجر يا أخي، طوِّل روحَك عليَّ، وأنا أوقدها مرةً أخرى»، فلما أبصر الربُّ صبرَ الأخِ، عذَّبَ ذلك الشيطانِ إلى الصباحِ، ثم ذهب ذلك الشيطانُ فأخبرَ رئيسَ الجنِّ بما كان، وكان كاهنُ الأوثانِ، الذي يخدمهم موجوداً، فلما سمع هذا الكلامَ، ترك كلَّ شيءٍ وآمن وترهبَ؛ ومن بدء رهبانيته، كان يستعملُ الاتضاعَ الكاملَ، وكان يقولُ: «إنَّ الاتضاعَ يقدرُ أن يقهرَ ويحلَّ ويُبطلَ كلَّ قوةِ العدو، وقد سمعتهم يقولون بعضُهم لبعضٍ: إنه كلما ألقينا السجسَ بين الرهبانِ، نجدهم يتلقونه بالاتضاعِ، ويعمل بعضُهم لبعضٍ مطانيات، فكانوا بذلك يُبطلونَ قوَّتنا». |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |