الغنوصية
الغنوصية Gnosticism(2)
كلمة (الغنوصية) مشتقة من الكلمة اليونانية γνοσισ أي (معرفة)، وقد أطلقت على حركة دينية ظهرت في شكلها المسيحي في القرن الثاني، وقد ثبت أن الأصول الفكرية للغنوصية المسيحية في القرن الثاني، وقد ثبت أن الأصول الفكرية للغنوصية المسيحية كانت موجودة فعلا في الديانات الوثنية، وقد ظهرت الحركة أولاً كمدرسة أو مدارس فكرية داخل الكنيسة، وسرعان ما انتشرت في مراكز مسيحية رئيسية، وبنهاية القرن الثاني، كان الغنوصيون قد صاروا فعلاً طوائف مستقلة، وبعض كتابات العهد الجديد المتأخرة، مثل رسالة يوحنا الأولى والرسائل الرعوية، رفضت صوراً من التعليم الكاذب تتشابه مع نظام التعليم الغنوصى الذي أشار إليه كتاب القرن الثاني رغم أنها أقل منه تطوراً
أخذت الغنوصية أشكالاً متنوعة كانت ترتبط عادة بأسماء مشاهير معلميها، مثل فالنتينوس Valentinus، باسيليدس Basilides، مرقيون Marcion، وكان هؤلاء المبتدعون يهتمون بصفة خاصة بالمعرفة (غنوصية Gnosis) والتي كانوا يعتقدون أنها معرفة معلنة لهم عن الله وعن البشرية، وعن طريق هذه المعرفة ينال العنصر الروحي في الإنسان الفداء، ومصادر هذه (المعرفة) الخاصة -بحسب الغنوصيين- هي الرسل الذين منهم سلمت عن طريق تقليد سرى، أو عن طريق الإعلان المباشر لمؤسس الهرطقة، وتتنوع النظم التعليمية لهم ما بين من يمثلون أفكاراً فلسفية أصلية، وبين من يمثلون مزيجاً من الأساطير والطقوس السحرية مع عناصر متنوعة من المسيحية.
استخدمت الطوائف الكبيرة من الغنوصية وشرحت أسفار العهد القديم مع العديد من كتب العهد الجديد، وكانوا يعطون مكانة خاصة لشخصية السيد المسيح، إلا أن تفسيرهم للكثير من الأساسيات المسيحية يختلف عن تعليم الكنيسة المقدسة.
ومن أهم سمات التعليم الغنوصى كان فصلهم وتميزهم بين (الإله الخالق creator god) وبين الكائن الإلهي البعيد الذي لا يعرف، ومن هذا الكائن الإلهي خرج الإله الخالق، وصار المصدر الفوري للخلق وحكم العالم، ولكن في تكوين بعض الناس دخلت بذرة أو شرارة من الجوهر الروحي الإلهي، وعن طريق (المعرفة) والطقوس المرافقة لها، يمكن لهذا العنصر الروحي أن ينجو من البيئة المادية الشريرة ويضمن عودته إلى مكانه الأصلي في الكائن الإلهي، هؤلاء الناس هم (روحيون - spiritual - πνενματικοι) بينما الآخرون هم مجرد (جسدانيون fleshly - σαρκικοι) أو (ماديون - material - ψλικοι) كما أضاف بعض الغنوصيين حالة ثالثة وهى (النفسانيون - psychic - ψυχικοι) وعمل المسيح كان أن يأتي كرسول للإله العظيم مقدماً (المعرفة)، وإذ كان كائناً إليهاً، لذلك لم يتخذ جسداً بشرياً حقيقياً ولا مات، بل إما انه سكن مؤقتاً في كائن إنساني، وهو يسوع، أو اتخذ مجرد مظهر خيالي غير حقيقي يبدو كأنه إنسان.
وقد أكد الآباء الكبار (3) الذين كتبوا ضد الغنوصية -مثل القديس ايريناؤس والعلامة ترتليان وهيبوليتس- على الأفكار الوثنية الموجودة في الغنوصية، واستعانوا بالمعنى الواضح للأسفار المقدسة كما يفسرها تقليد الكنيسة الذي سلم علانية عن طريق تسلسل من المعلمين يرجع إلى الرسل، وأكد هؤلاء الآباء على شخص الخالق، على صلاح الخليقة المادية، وعلى حقيقة الحياة الأرضية للمسيح، خاصة صلبه وقيامته،فقد كان الإنسان يحتاج للفداء من إرادة شريرة وليس من بيئة شريرة، وقد ظلت كتابات هؤلاء الآباء ووصفهم للغنوصية حتى وقت قريب المصدر الأساسي لمعرفتنا عن هذه البدعة.
ولكن دخلت دراسته الغنوصية مرحلة جديدة باكتشاف مجموعة كبيرة من النصوص القبطية بالقرب من نجع حمادي في صعيد مصر عام 1945-1946م، وهى تتضمن نحو 40 كتاباً لمن يكن معروفاً منها قبلاً إلا أثنين فقط (4).