|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثال الزارع الله شبه نفسه بزارع يلقي بذراه في كل أرض.. لقد ألقي بِذاره علي الأرض الجيدة في كل مستوياتها، التي تنتج ثلاثين كالتي تنتج ستين كالتي تنتج مائه. الكل سعي الرب لتزويده بعمل نعمته، بتوصيل كلمه الخلاص إليه.. ولكن ماذا عن الأرض المتحجرة، والأرض المحاطة بالأشواك؟ كل منها أيضًا زارته النعمة. ولكن "من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 13: 9).. الله يسعي لخلاص الكل. لا يمنع كلمته المحيية عن أحد.. حتى الطريق، وصلته بذار من الرب، وكذلك الأرض التي لم يكن لها عمق. فإن كان الله قد عمل في كل هؤلاء.. فليكن لك رجاء إن الله سيعمل فيك أنت أيضًا، لكي تثمر. وإن لم تثمر، هو "ينقب حولك ويضع زبلًا" (لو 13: 8).. هنا ونقول: ما أجمل تلك العبارات المعزية التي نصليها في القداس الغريغوري "لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك. ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلي الحياة".. لولا طيبة الله، ما كان يلقي بذاره حتى وسط الأشواك.. لو أن واحدًا منا في نفس الموقف، لقال لتلك الأرض: "انزعني الشوك منك لكي ألقي بذاري فيك".. ولكن الله لم يفعل هكذا.. حقًا إن بعض الأراضي استطاع الشوك أن يخنق زرعها. ولكن الله قادر أن ينقي الشوك من كل أرض،هو نفسه ينظفها "ينقب حولها". لأن كثيرًا من الأنفس لا تستطيع أن تنزع الشوك من حولها، وإنما هي تصرخ مع كلمة الوحي قائلة للرب: "توبني فأتوب. لأنك أنت الرب إلهي" (أر 31: 18). وتقول أيضًا مع المرتل: "اغسلني فأبيض أكثر من الثلج، انضح علي بزوفاك فأطهر" (مز 50). أنت يا رب الذي تغسلني، وأنت الذي تطهرني. وأنا أقول مع ذلك الأبرص "يا سيد، إن أردت، تقدر أن تطهرني" (متي 8: 2). فيجيب الرب -كما قال لذاك- أريد فاطهر.. |
12 - 01 - 2014, 07:14 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الله يصالحنا معه الله يريد أن يصالحنا، بكل الوسائل الممكنة.. من أجل ذلك أرسل الله الرسل والأنبياء والوحي الإلهي.. ولماذا أرسل كل هؤلاء؟ يجيب القديس بولس الرسول قائلًا: "الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمه المصالحة.. إذن نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2 كو 5: 18، 20). الله الحنون صالحنا لنفسه، ولم يحسب لنا خطايانا.. وفي ذل يقول بولس الرسول أيضًا: "إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم" (2 كو 5: 19). وكما نقول عنه في خاتمة كل صلاة: "الداعي الكل إلي الخلاص من اجل الموعد بالخيرات المنتظرة".. والله في صلحه معنا وفي غفرانه، يقدر ضعف طبيعتنا.. يقول المرتل في المزمور: "كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا. كما يترأف الأب علي البنين، يترأف الرب علي خائفيه "ولماذا؟ "لأنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 12-14)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. الله ينزل إلي هذا التراب، ويقيم صلحًا معنا واضعًا في اعتباره ضعف طبيعتنا. صدقوني، أنه يفعل هذا حتى مع الهاربين منه..! ذكرنا قبلًا، كيف سعي الله إلي آدم وهو هارب منه ومختبئ خلف الأشجار (تك 3: 8). ونضيف مثالًا آخر في قصة يونان النبي. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:16 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
قصة يونان النبي كان يونان النبي هاربًا من الله.. وسعي الله لخلاصه.. لم يرفضه في ثاني مرة، حينما تابت نينوى ورحمها الله، فاغتاظ! وإنما عمل الله علي مصالحة يونان وإقناعه بالصواب الذي اغتاظ منه يونان حتى الموت!! (يون 4: 3، 4). انظر حنو الله علي يونان في حزنه الذي لم يكن يتفق مع مشيئة الله. يقول الكتاب: "فأعد الرب الإله يقطينة، فارتفعت فوق يونان، لتكون ظلًا علي رأسه لكي يخلص من غمه" (يون 4: 6). إن سفر يونان يعينا مثلا جميلًا عن سعي الله لخلاص البشر: ما كان أهل نينوى يفكرون في خلاص أنفسهم. وما كان بحارة السفينة التي ركبها يونان يسعون إلي خلاصهم. ولا يونان شعر أنه أخطأ وطلب الخلاص لنفسه! ولكن الله بنفسه سعي لخلاص كل هؤلاء، وخلصهم.. الله هو الذي بدأ. والمبادرة أتت منه. ثم أتت استجابتهم هم لعمله الإلهي مباشرة من بحارة السفينة وأهل نينوى، وبعد إقناع وبعد وقت من جانب يونان النبي.. اجتذب الله أهل السفينة إليه بخطة بارعة.. بالأمواج التي لطمت السفينة حتى كادت تنكسر، وبالخوف الذي أصاب البحارة حتى صرخ كل واحد إلي إلهه، وليس إلي الله الواحد، ثم بعمل الله في القرعة التي ألقوها، وأيضًا باعتراف يونان. ثم بهدوء البحر بعد إلقاء يونان ونجحت الخطية الإلهية مع البحارة "فخاف الرجال من الرب خوفًا عظيمًا، وذبحوا ذبيحة للرب نذورًا" (يون 1: 16). وكان البحارة قد استخدموا أولًا طرقهم البشرية، فلم تنجح "إذ طرحوا الأمتعة التي في السفينة ليخففوا عنهم "ولكن "البحر كان يزداد هيجانًا "كذلك فإنهم "جدفوا ليرجعوا السفينة إلي البر ففلم يستطيعوا "ولو استطاعوا ما خلصوا إيمانيًا. ولكن الله تدخل بطريقته التي أمكنها أن تخلصهم من البحر وتخلصهم من جهة الإيمان. ونجحت خطة الله في خلاصهم.. واجتذب الرب أهل نينوى، بالإنذار الإلهي، ومناداة يونان. وما كان أهل نينوى قادرين علي خلاص أنفسهم إذ كانوا أمميين بعيدين عن الإيمان، كما أنهم كانوا جهلة "لا يعرفون يمينهم من شمالهم" (يون 4: 11). ولكن انذر الله لهم بأن المدينة ستنقلب وتهلك، أتي بثماره، فخافوا وتابوا وصاموا "ورجعوا عن طريقهم الرديئة، وقلب الله توبتهم".. وبقي يونان. وخلصه الله أيضًا، علي دفعتين.. في المرة الأولي سعي الله لتخليص يونان من عواقب مخالفته وهروبه،واستخدم لذلك الخطر الذي تهدده في البحر. والذي قالبه يونان أولًا بلامبالاة. وكان نائمًا حتى في الوقت الذي صلي فيه كل البحارة الأمميون، لدرجة أن رئيس النوتية وبخه قائلًا: "مالك نائمًا، قم اصرخ إلي إلهك، عسي أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك (يون 1: 6). ثم أكمل الله خطته الإلهية بأنه "أعد حوتًا عظيمًا فابتلع يونان". وتخلص يونان من عصيانه، وبقي أن يتخلص من محبته لكرامته. وفعل الله ذلك بالشمس التي ضربت رأس يونان فذبل، واليقطينة التي ظللت عليه، والدودة التي أكلت اليقطينة، ثم تفهم الله معه. وهكذا استطاع الله أن يخلص يونان، كما خلص نينوى وأهل السفينة. وكان عند هؤلاء جميعًا استجابة لعمل الله فيهم وعمل الله فيهم وعمله من أجلهم. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:17 AM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الشركة مع الله الله يعمل لأجلك، يسعى لخلاصك، فعليك أن تستجيب. تشترك في العمل معه. لا تقاوم عمل الروح كما فعل اليهود وآباؤهم (أع 7: 51). ولا تفعل أيضًا مثلمًا فعلت عذراء النشيد، التي رفضت أن تفتح لحبيبها. فكانت النتيجة أنه -بعد طول انتظار- "تحول وعبر". فقال العروس "نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني" (نش 5: 6) شعب موسي، كان عاجزًا عن أن يخلص نفسه من عبوديته فرعون. والله هو الذي سعي إلي خلاصه وخلصه. وكما قال موسي: "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 14). ولكن المهم هو أن هذا الشعب استجاب لعمل الله وسار وراءه، ودخل في البحر الأحمر حينما شقة الله أمامه. واحترس أن تفعل كما فعل أغريباس وفيلكس والشاب الغني. أغريباس أتته دعوة الله للخلاص. زارته النعمة وتأثر. وقال لبولس الرسول "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع 26: 28). ومع ذلك لم يخط خطوة إيجابية من جهته، وانصرف، ولم يصر مسيحيًا. وفيلكس الوالي زارته النعمة حينما تكلم القديس عن البر والتعفف والدينونة، فارتعد فيلكس. ولكنه أجل الموضوع وقال لبولس: "اذهب الآن. ومتى حصل لي وقت أستدعيك" (أع 24: 25). وهكذا لم يشترك مع عمل الروح، وجعل الفرصة تفلت من يده! وكذلك الشاب الغني، كانت له الفرصة أن يسمع كلمة الخلاص من فم المسيح ولكنه سمح لشهوة المال أن تقهره "ومضي حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة" (متى 19: 22). إذن الله يسعي لخلاصك. يبدأ العمل لأجلك. ولكن عليك أنت أن تستجيب أو تشترك معه أو تخضع لعمله. ولقد صدق القديس أوغسطينوس حينما قال: [الله الذي خلقك بدونك، لا يشاء أن يخلصك بدونك].. إذن لابد أن تشترك في العمل معه: الروح القدس يعمل فيك، وأنت تستجيب لعمل الروح،لا تطفئ الروح (1 تس 5: 19) ولا تحزن الروح (أف 4: 30). ولا تقاوم الروح (أع 7: 51). وإنما تدخل في شركة الروح، بأن تعمل معه. لأن الله لا يريد أن يرغمك علي محبته. واعرف أن طول أناة الله، إنما لكي تقتادك إلي التوبة (رو 2: 4). فلا تعتمد علي طول أناته وعلي محبته وصبره وسعيه إليك، لكي لا تصل إلي اللامبالاة والتهاون. وهوذا الكتاب يقول: "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب 3: 15). |
||||
12 - 01 - 2014, 07:18 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
بأنواع وطرق شتى إن الله له طرق كثيرة في اقتياد الناس إلي الخلاص.. البعض يدعوهم إليه والبعض يتركهم إلي حين، إلي أن يلهب قلوبهم بالحب والاشتياق إليه. والبعض يجتذبهم بالتجارب والضيقات، مثلما قاد يونان إلي الطاعة بحوت ابتلعه، واجتذب أهل السفينة إلي الإيمان بإثارة البحر عليهم ثم تهدئته، والبعض يقودهم بمجرد الإنذار مثلما فعل مع أهل نينوى. أتشكو من التجارب والضيقات؟ ربما سيخلصك الرب بالضيقات! ربما أنت من النوع الذي لا يصلح معه سوي هذا الأسلوب، أو يكون هذا الأسلوب أكثر سرعة في اجتذابك إلي الله. فأن أتتك التجارب، لا تتضايق. لعلها لخيرك. خذ الخير الذي في التجارب، ولا تركز علي ما فيها من ألم. أن الله لا يحب أن يستخدم العنف معك. ولكن إذا كان هذا العنف -في حدود احتمالك- نافعًا لك روحيًا، فلا مانع منه ونفس الوضع نقوله إلي حين.. ونفس الوضع نقوله من جهة. الله يحددها حسب الصالح.. هناك طعام لا يحتمل سوي ربع ساعة علي النار لكي ينضج، بينما طعام آخر قد يحتاج إنضاجه إلي ساعتين أو أكثر.. فلا تفقد رجاءك لطول المدة. إن ذلك لخيرك.. أما إن كنت ضعيفًا ولا تقدر، فالله قادر أن يعينك. إن سعي الله لخلاصنا، ليس معناه أن نأخذ موقفًا سلبيًا علي طول الخط، وعمل النعمة لا يساعد علي الكسل. فأمامنا قول الرب: "كم مرة أردت.. ولم تريدوا.." (متي 23: 37). قل له: "توبني فأتوب"، "أرددني فاخلص" ولكن سلم إرادتك له،وثق أنه سيعمل فيك، وسيقويك.. وسيقودك في موكب نصرته، بالطريقة التي تناسب طبيعتك. وعند الله طرق كثيرة.. وإن كان جهدك قليلًا، كن أمينًا في هذا القليل. إن صاحب الوزنتين سر به الله، وأعطاه نفس الطوبى التي نالها صاحب الخمس وزنات (متى 25: 23، 21). وقال له كما قال لذاك: "ادخل إلي فرح سيدك". طبيعتك. المهم أن تكون أمينًا في القليل الذي عندك. وأن كنت لا تملك في روحياتك حتى القليل، الله قادر أن يعطيك. وإن كنت غير قادر علي الأمانة في القليل، قل له أعطني يا رب القدرة والأمانة من عندك. إن الله الذي نفخ في التراب، وجعله نفسًا حية، قادر أن ينفخ فيك ويجعلك روحًا حية في ملكوته.. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:20 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار كثيرًا ما ينظر البعض إلي حياة القديسين، وإلي القمم العالية التي وصلوا إليه في حياة الروح، وإلي عمق الصلة التي عاشوا فيها مع الله وهنا يشعر الإنسان بصغر نفس ويتساءل: هل يمكن أن أكون مقبولًا أمام الله، وأنا في هذا المستوي الضعيف، وليس لي شيء علي الإطلاق مما وصل إليه القديسون؟! هل يمكن أن تقبل الله حياتي البسيطة الصغيرة التافهة.. التي إذا قيسَت بسير القديسين تكون لا شيء؟! هنا وأريد أن أحدثكم عن الله، الذي هو إله الصغار.. الله الذي اهتم بالأشياء الصغيرة جدًا، وجعل لها قيمة كبيرة قدامه.. والذي قيل عنه لتعزيتنا: "المقيم المسكين من التراب، والرافع البائس من المزبلة، لكي يجلس مع رؤساء شعبه" (مز 113: 7، 8). الله الذي اختار أناسًا صغارًا لم تكن لهم قيمة عند الناس، ولكن الله كان يعرف قيمتهم، أو جعل لهم قيمة وامتدت يد الله فرفعتهم. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:21 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
اختار الصغار في السن.. 1- اختار الصغار في السن.. وهكذا قال داود عن نفسه: "صغيرًا كنت في أخوتي، ومحتقرًا كنت عند بني أمي". كان كذلك عند أخوته. ولكن ماذا فعل الله"؟ أخذ داود الصغير من بين الغنم، وجعله مسيحًا للرب عندما دخل صموئيل النبي ليمسح ملكًا من بيت يسى البيلتحمي، عرض عليه يسى أبناءه الكبار السمان.. عرض عليه اليآب الطويل القامة الحسن المنظر، فقال الرب قد رفضته. ثم عرض عليه أبيناداب وشمه وباقي السبعة، فكان النبي يقول عن كل منهم "وهذا أيضًا لم يختره الرب" (1 صم 16: 5 -10).. وأخيرًا قال يسى: "بقي بعد الصغير. وهوذا يرعي الغنم" (1 صم 16: 11). نعم هذا الصغير الذي احتقره أبوه، وتركه مع الغنم دون أن يسمح له بحضور الحفل الذي يشرفه النبي العظيم صموئيل.. هذا الصغير هو الذي اختاره الرب ليكون له مسيحًا..! وحل روح الرب علي داود الصغير من ذلك اليوم فصاعدًا، وصار رجل المزامير رجل المزمار والقيثارة والعشرة الأوتار، وواحدًا من أشهر أنبياء العهد القديم. حقًا إن الله لا ينظر إلي الأعمار ولا إلي المنظر الخارجي. وكثيرًا ما اختار الصغار. وكما اختار الله داود الصغير اختار أيضًا يوسف الصديق صغير إخوته. وجعله ملكًا عليهم جميعًا، وعلي غيرهم. وأتي أخوته إليه، وسجدوا عند قدميه وهو صغيرهم..! كما جعله أيضًا أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8). واختار أيضًا أرمياء النبي الصغير الذي قال: "لا أعرف أن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6). وقال له الرب: "قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًا للشعوب.. ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر. قد وكلتك اليوم علي الشعوب والممالك.. ها قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد. وأسوار نحاس علي كل الأرض، لملوك يهوذا ولرؤساء ولكهنتها ولشعب الأرض (أر 1: 4، 5، 9، 10، 18). نجد أن أحب التلاميذ إلي المسيح كان يوحنا أصغرهم سنًا.. وهو الذي جعله الرب أحد الأعمدة الثلاثة في رسله (غل 2: 9). وأطال عمره أكثر من جميعهم، وكشف له رؤى السماء، وجعله كاتب الإنجيل المملوء باللاهوتيات. ولعل من الصغار الذي أكرمهم الرب القديس مرقس الرسول الذي كتب أول الإنجيل. وكان شابًا صغيرًا حدثًا في فترة كرازة السيد المسيح علي الأرض، وبدأ حياته خادمًا مع القديس بولس والقديس بطرس. وبولس الرسول أخًا شابًا صغيرًا ليخدم معه، هو تيموثاوس الذي صار أسقفًا لأفسس، وقال له "لا يستهين احد بحداثتك" (1 تي 4: 12). ومن الصغار الذين اختارهم الرب القديس العظيم الأنبا بيشوي. أختاره الملاك من بين إخوته ليكون نذيرًا للرب، وكان أنحفهم جسمًا، وأضعفهم وأصغرهم. وعرضت أمه علي الملاك أن يختار أحد أخوته الكبار الأقوياء ليخدم الرب بقوة. ولكن هذا الصغير النحيف الضعيف كان هو الذي اختاره الرب ليكون "الرجل الكامل حبيب المسيح الذي غسل قدمي مخلصنا الصالح".. لا تقل أنا صغير. فعجيب هو الرب في اختياره للصغار.. القديس أثناسيوس الرسولي كان شابًا صغيرًا في مجمع نيقية. وكان في هذا المجمع المسكوني العظيم 318 من أشهر الآباء الأساقفة في العالم المسيحي. ومن حيث الرتبة كان أثناسيوس مجرد شماس. ومع ذلك وضعه الله في القمة. وأعطاه القوة في الانتصار علي أريوس وفي دحض بدعته، وفي صياغة قانون الإيمان المسيحي. وصار هذا الشماس الصغير أعظم اللاهوتيين في تاريخ الكنيسة.. وفي تاريخ الرهبنة، من أشهر الصغار العظام القديس تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس، والقديس يوحنا القصير، والأنبا ميصائيل السائح. لقد سمح أن يكون الشاب الصغير تادرس هو المرشد الروحي في كل أديرة القديس باخوميوس الكبير بل هو الذي أسس كثيرًا من هذه الأديرة، وعين المسئولين فيها،كذلك اختار الرب شابًا صغيرًا آخر ليكون المرشد الروحي في برية شيهيت، ذلك هو القديس يوحنا القصير، الذي قيل عنه أن الأسقيط كله كان معلقًا بإصبعه. وكان الرهبان يجلسون حوله ويستفيدون من تعليمه.. وكان شابًا حدثًا، ولكن له نعمة أكثر من الشيوخ! والقديس ميصائيل صار من الآباء السواح وعمره حوالي 17 عامًا وأول دير في برية شهيت "دير البراموس"، تسمي باسم قديسين شابين، هما مكسيموس ودوماديوس.. ومن أشهر السواح القديس الأنبا ميصائيل الذي وصل إلي درجة السياحة وهو في حوالي السابعة عشرة من عمره.. إن الله حينما شاء هزيمة جليات، هزمه بفتي صغير. فتي لا يعرف أن يلبس ملابس الحرب، لأنه لم يتعود عليها (1 صم 17: 38،39)، بل استخدم خمس حصوات ملساء من البرية. وهذا الصغير مسحه الرب ملكًا دون أخوته السبعة الكبار، وهكذا غني داود أغنيته المشهورة "صغيرًا كنت في إخوتي، ومحتقرًا عند بني أمي.. إخوتي كبار وسمان.. ولكن الله لم يسر بهم".. "انظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الأصاغر" (متي 18: 10). اهتمام الرب بالأطفال واضح جدًا فيالكتاب المقدس، فهو الذي أقام طفلًا وسط تلاميذه وقال لهم "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت الله" (لو 18: 16، 17). وقال أيضًا "أحمدك أيها الآب.. لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متي 11: 25). وقال "من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" (متي 18: 6). أعرف باستمرار أن "الحرب للرب" ((1 صم 17: 47)، و"ليس للرب مانع أن يخلص بالكثير أو القليل" (1 صم 14: 6). ما أعظم المواهب الروحية والذهنية التي وهبها الله للصغار. ما أكثر مواهبه للأطفال والفتيان. داود النبي مثلًا: وهبة الشعر والموسيقي. فكان رجل القيثار والمزمار والعشرة الأوتار، وهو بعد حدث صغير وكان يحسن الضر علي العود، ويستطيع أن يبعد أن يبعد الروح النجس عن شاول الملك (1 صم 16: 23). وفوق كل ذلك كان رجل حرب وجبار بأس، وهو بعد فتي صغير.. والقديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وهبه الله نضوجًا روحيًا وهو طفل صغير. فكان يمار الزهد والصوم والصلاة وهو حدث صغير.. إنها موهبة إلهية تدل علي اهتمام الله بالصغار. وهكذا كان أيضًا القديس مرقس المتوحد يصوم إلي الساعة التاسعة وهو طفل. والقديس تكلا هيمانوت وهبه الله صنع المعجزات وهو طفل. إنها ليست أمرًا موروثًا، وإنما هي هبة إلهية، ومواهب الله ليست قاصرة علي الكبار، وإنما الصغار أيضًا يتمتعون بها. وما أكثرها في حياة القديسين الذين بدأوا حياتهم صغارًا، لأن نعمة الله شاءت ان تعمل فيهم في هذه السن المبكرة، كما عملت في أرمياء الذي لم يكن يعرف أن يتكلم لأنه ولد، وكما عملت في صموئيل الطفل، وفي سليمان وهو فتي صغير. ونفس النضوج الروحي كان في السيدة العذراء وهي طفلة. العمق في الصلاة وفي التأمل وفي دراسة الكتاب.. كل ذلك وهي طفلة صغيرة يتيمة تتربي في الهيكل.. وتسبحتها المشهورة (لو 1: 46 - 55) تدل علي مدي حفظها للمزامير وآيات الكتاب.. كل ذلك وهي صغيرة السن. ولكنها نعمة الله العاملة في هذه الممتلئة نعمة، التي أختارها الله صغيرة، ولكن مملوءة بمواهبه. لعل يوحنا المعمدان كان أيضًا أحد الأطفال الموهوبين. والتفسير الوحيد لذلك هو قول الملاك المبشر عنه "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15).. وهكذا كان الروح القدس يعمل فيه وهو بعد في بطن أمه لذلك استطاع أن يرتكض وهو جنين في بطن أمه لها سمعت سلام العذراء، بل أنه ارتكض بابتهاج، وهو جنين في بطن أمه لما سمعت سلام العذراء، بل أنه ارتكض بابتهاج وهو جنين (لو 1: 41 - 44). إن النضوج المبكر للأطفال الموهوبين، ليس له تفسير إلا موهبة الله الغنية التي تنسكب علي الأطفال بغني لا يعبر عنه. المهم أن المواهب التي يعطيها الله للأطفال، تعطيك رجاء، وتجعلك تكرر العبارة التي قالها رب المجد: "أحمدك أيها الآب.. لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (متي 11: 25)، "لأنه هكذا صارت المسرة أمامك". ماذا نقول عن النضوج المبكر لاثناسيوس وطفولته العجيبة؟ ليس شيئًا سوي موهبة الله التي يمنحها للأطفال بغني مذهل، قد تحار فيه العقول البشرية، وتعللها بأسباب شتى.. ولكنها تستريح من حيرتها أن وضعت أمامها عبارتين، هما: "موهبة الله" و"محبة الله للأطفال". هو القديس أثناسيوس الذي لقبوه بالرسولي، وهو أصغر من جلس علي كرسي مارمرقس، وهو أعظم من جلس علي هذا الكرسي، وكان بطلًا عظيمًا من أبطال الإيمان، وهو بعد شاب. وصار بطريركًا وهو في حوالي الثلاثين. ووضع كتبًا عظيمة مثل "تجسد الكلمة" و"الرسالة إلي الوثنيين" وهو شاب صغير. إننا نسعد جدًا، ونمتلئ بالرجاء، حينما نعرف أن نضوج الأطفال المبكر سببه موهبة الله ومحبته. فالله الذي كان مع هؤلاء الأطفال وأعطاهم بغني من مواهبه، هو أيضًا قادر أن يعطينا. المهم أن نتضع ونصير مثل الأطفال حسب وصيته، ونقف أمامه فارغين. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:23 AM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الصغار في العدد لقد اختار الله الصغار في العدد، لكي يبارك أو يصنع بهؤلاء الصغار عجبًا.. اختار الله الخمس خبزات والسمكتين ليصنع معجزة عظيمة. إنه لم يحتقر هذه الكمية الصغيرة، إنما باركها، وأطعم بها خمسة آلاف من الرجال. وحتى هذا القدر الضئيل كان يحمله غلام صغير (يو 6: 9). وفي معجزة إشباع الأربعة آلاف من سبعة أرغفة كان معهم "قليل من صغار السمك" (مر 8: 7). وبهذا القليل، وبهذا القليل وبهذه الصغار، وأشبع الرب تلك الآلاف من الناس.. وأختار الله هذه القلة الضئيلة، ليعطي رجاء لكل قلة ضئيلة. أن الله يبارك القليل فيصير كثيرًا. إن العدد ليس هو المهم، إنما الأهمية كلها هي في البركة التي في هذا العدد. وبهذه البركة يصنع الله عجبًا. ففي خدمتك لا تيأس من قلة مواهبك. وقل له "استخدمني لإطعامهم كأنني من صغار السمك". انظروا في مثل الزارع: ماذا قال الرب عن الزرع الذي كان في الأرض الجيدة؟ لقد قال: "فأعطي ثمرًا: بعض مئة، وآخر ستين، وأخر ثلاثين" (متي 13: 8). نحن نعقل يا رب أن الزرع الذي يعطي مئة هو زرع جيد. ولكن هل يقال كذلك عن الذي يعطي ستين؟ وهل يسمي جيدًا من يعطي ستين؟! وهل هذا الإنتاج الضئيل هو مقبول عند الله؟ ولعل الرب يجيب: مادامت الأرض أعطت ثمرًا، إذن فهي أرض جيدة، حتى إن أعطت ثلاثين.. لذلك لا ييأس ولا يفقد الرجاء، أصحاب الثلاثين. إن الله يقبل هذا القليل منهم، مادام هذا هو جهدهم. ويبارك الرب هذا الجهد كأنه شيء كثير. انظروا ماذا نقول في أوشية القرابين: أصحاب الكثير وأصحاب القليل. والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم مجرد هذه الرغبة، حتى من غير عطاء، هي شيء مقبول عند الله، الذي لا يحتقر الشيء القليل،عجيب هو الرب في إحكامه، وفي قبوله للقليل. يذكرني هذا بقول أحد القديسين: العنقود وإن كانت فيه حبة واحدة، لا تزال فيه ببركة. ونفس المعني كرره إشعياء النبي (اش 65: 8). إن الله يعمل في القليل، لكي لا نفتخر نحن بقوتنا، ونظن أننا ننتصر بالكثرة وليس بقوة الله، فيكسرنا هذا الفكر. وهذا واضح من قصة الحرب التي دخلها جدعون بعدد قليل.. كان جدعون قد جمع من الشعب جيشًا كبيرًا من اثنين وثلاثين ألفًا ليحارب المديانيين. ولكن الرب قال له: "هذا الشعب كثير علي لأدفع المديانيين بيدهم، لئلا يفتخر إسرائيل علي قائلًا: يدي خلصتني" (قض 7: 2) وظل الرب يغربل هذا العدد الكبير حتى وصل إلي ثلاثمائة جندي فقط. وبارك الله في هذا العدد القليل، فانتصر علي جيش المديانيين الذي كان منتشرًا كالجراد علي الأرض. وماذا أيضًا: لما أراد الرب الكرازة بالإنجيل اختار لذلك اثني عشر رسولًا فقط.. واستطاع هؤلاء -علي الرغم من قلتهم- أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مر 16: 15) - وإلي أقطار المسكونة بلغت أقوالهم. من ثمانية أنفس فقط في الفلك، أعاد الله تكوين البشرية من جديد. ولم يختر لغرضه سوي هذا العدد الضئيل.. ومن ابن واحد هو إسحق، استطاع الله أن يأتي بنسل مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثرة.. |
||||
12 - 01 - 2014, 07:24 AM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الاهتمام بالقليل في النوعية لما شاء أن يهزم جليات الجبار، هزمه بحصاة ملساء في مقلاع صبي صغير هو داود. فلا تفقد أنت رجاءك، ولا تقل مواهبي قليلة، وأنا صغير، ضئيل الشأن لست علي مستوي قوة من يبغضونني. فلتكن حصاة صغيرة في مقلاع الرب. وليعمل الرب بك عملًا، مهما كان جهدك قليلًا. لأن "الحرب للرب" (1 صم 17: 47). و"ليس لدي الرب مانع عن أن يلخص بالكثير أو القليل" (1 صم 14: 6). أنظر كيف نشر الله ملكوته علي الأرض.. إنه لم يختر لذلك جماعة من الفلاسفة أو العلماء أو الجبابرة بل اختار مجموعة من الصيادين البسطاء، وعمل فيهم وبهم.. وكما قال الرسول " "اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء. واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود، ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1 كو 1: 27 - 29). ونحن نقف أمام هذه العبارة مبهورين..! قد تعبر في فهمنا كلمة الجهال والضعفاء.. لكن ماذا عن المزدري وغير الموجود؟!.. ما هذا العجب؟ كيف يمكن للرب أن يختار؟! لا شك أن هذه العبارة تحيي الرجاء في نفس كل إنسان، مهما كان ضعيفًا ومهما كان بلا مواهب وبلا إمكانيات وبلا قدرات من كل ناحية.. لذلك أن حوربت باليأس قل له: اعتبرني يا رب ضمن المزدري وغير الموجود، ولا تحرمني من العمل معك.. ليكن لي كيان قدامك، مع أنني في نظر نفسي وربما في نظر الناس مزدري وغير موجود.. ربما يظن البعض أن السيد المسيح لو كان قد جاء في أيامنا، لكانا يختار أصحاب الشهادات العالية جدا وأساتذة البحوث! كلا، صدقوني، لأنه لا يحب أن يفتخر كل ذي جسد أمامه، ولئلا تنسب البشارة إلي عقله البشري وليس إلي عمل الروح القدس. فلو كان المسيح جاء في أيامنا، ما كنت أستغرب أن يختار بعض من البسطاء كما فعل من قبل، أو مجموعة من عمال التراحيل.. فليس مصدر القوة هو الإنسان وإنما روح الله العامل فيه. والله يحب أن يستخدم الصغار، لكي لا يفتخروا، ولكي لا ييأس أحد من عمل الله فيه فلا يفشل أحد، ولا تصغر نفس إنسان ما. الله نشر الكرازة باثني عشر رجلًا، وما أصحاب مواهب. بل كانت غالبيتهم من الصيادين، إنما المهم هو عمل الله فيهم. والثالث عشر الذي هو بولس، لم يعتمد علي الثقافة والمواهب، بل قال لأهل كورنثوس "وأنا لما أتيت أليكم أيها الأخوة، أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة" (1 كو 2: 1). لماذا؟ يقول "ليس بحكمة كلام، لئلا يتعطل صليب المسيح" (1 كو 1: 17)، لئلا تحسب المسيحية فلسفة، أن ينسب نجاح الكرازة إلي الحكمة وليس إلي عمل النعمة. إن باب الملكوت مفتوح للكل، وكذلك باب الخدمة.. ليس فقط للذين يقولون إنهم وصلوا إلي الملء، ويتكلمون بألسنة!! ولهم المواهب، ويرتعشون في الصلاة..! بل أن باب الملكوت مفتوح أيضًا أمام المبتدئ، الحديث في العمل الروحي، الذي لا يعرف أن يتكلم لأنه ولد (أر 1: 6). فلا تظن أحد أنه إن لم يصعد إلي القمة في الروحيات، فهو لم يصل بعد إلي الله! ولا تحتقروا أمثال هؤلاء الذين لم يصلوا إلي القمم،ولا تصغر نفوس هؤلاء، فإن الله يعمل في الكل، ويستخدم حتى "القليل من صغار السمك".. وما أجمل العبارة المعزية التي قالها القديس يوحنا المعمدان: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم (لو 3: 9). وإلي من ترمز الحجارة؟ إلي صم بكم لا يتحدثون، بلا حركة وبلا حياة.. هؤلاء، الرب قادر أن يقيم منهم أولادًا لإبراهيم. إذن لا تفقد رجاءك مطلقًا، مهما كنت بلا حياة. فأنت ولا شك أفضل من حجارة كثيرة.. أمامنا مثل آخر في ميلاد المسيح يدل علي اهتمام الله بالصغار: لقد ولد في مزود بقر، وليس في قصر ضخم. وولد في قرية صغيرة هي بيت لحم، وليس في المدينة العظمي أورشليم. واستطاع أن يحاول المزود إلي مزار عالمي ومقدس من المقدسات الكبرى. أما بيت لحم فقال لها: من الآن فصاعدًا "لست الصغرى بين رؤساء يهوذا" (متي 2: 6). رفعها فوق بلاد كثيرة، ومنحها قيمة بميلاده فيها. ولعل هذا يذكرنا بدعوة الرب لجدعون، الذي شعر بصغر نفس، لضآلة أصله وبلده فقال: ها عشيرتي هي الذلى في منسي، وأنا الأصغر في بيت أبي (قض 6: 15). ولكن الرب كان يبحث عن هذا الأصغر، ليظهر مجد الله فيه. لذلك لا تفقد رجاءك إن كنت صغيرًا. إن كنت مزودًا، أو قرية صغيرة، أو كنت الأصغر في بيت أبيك، أو إن كانت عشيرتك هي الذلّى بين باقي العشائر..! إن الله قادر أن يعمل فيك، ويرفع شأنك فتصير شيئًا آخر ما كنت تفكر فيه.. إنه موقف يشجع الضعفاء والمساكين، الصغار والأذلاء.. انظروا في اختيار موسي النبي، تروا موقفًا عجيبًا.. كان موسي "ثقيل الفم واللسان.. وليس صاحب كلام لا من اليوم ولا أمسًا، ولا قبلًا من أمس" (خر 4: 10). ومع ذلك اختار الله هذا الثقيل الفم واللسان ليكون كليم الله.. لم ينزع منه هذا النقص، وإنما أرسل له هارون أخاه، لكي "يكون له فمًا "وقال الله لموسي: "وأنا أكون مع فمك، وأعلمك ما تتكلم به" (خر 4: 16، 12). وبهذا الإنسان الثقيل الفم واللسان، أذل الله فرعون.. إن قلة المواهب لا تعوق عمل الله، ولا تدعو الإنسان إن يفقد الرجاء في القدرة علي القيام بالمسئوليات.. فباستمرار ثق بالله الذي قيل إنه "يعطي المعيي قدرة، ولعديم القوة يكثر شدة" (إش 40: 29). إن الله يستخدم الصغار والضعفاء. وهنا نسأل سؤالًا: عندما قاد الله يونان النبي إلي التوبة والصلح معه، بماذا هداه؟ استخدم الله في هداية يونان: الدودة، واليقطينة، والرياح والموج، وأشعة الشمس. فكانت كل منها تؤدي رسالة إلهية.. (يون 1، 4). اليقطينة التي بنت ليلة هلكت، استخدمها الله في تحقيق مقاصده، وكذلك الدودة التي لا قيمة لها عند أحد! قل له: احسبني يا رب دودة، احسبني يقطينة، احسبني موجة، احسبني شعاعًا. فلأكن أي شيء مهما كان تافهًا في ملكوتك، ولكن يصنع مشيئتك. وإن كنت دودة لا تفقد رجاءك، سيكون لك دورة عند الله.. وإن كنت يقطينة لا تصغر نفسك. سيأتي وقت تعطي فيه درسًا لنبي كيونان ويكتب اسمك في كتاب الله..! |
||||
12 - 01 - 2014, 07:26 AM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
اهتمام الله بالأشياء الصغيرة اهتم بالأطفال، وتحدث عنهم بكل حب وتقدير.. كان يحتضنهم ويعطف عليهم ويقول "دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" (متى 19: 14). وأخذ ولدًا وأقامه في الوسط، وقال لتلاميذه "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد، فلن تدخلوا ملكوت السموات. فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو العظم في ملكوت السموات. ومن قبل ولدًا واحدًا مثل هذا باسمي فقد قبلني" (متى 18: 2- 5). واهتم بنفسيته هؤلاء الصغار، والبعد عن إعثارهم، فقال: من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحر" (متي 18: 6). إن الله يهتم بالصغار من كل نوع، سواء في سنهم، أو في حياتهم، أو نوعيتهم، عمومًا، أو في ضآلتهم وضعفهم. رعايته تشمل الكل. لقد اهتم حتى بالقصبة المرضوضة وبالفتيلة المدخنة.. فقيل عنه في الإنجيل "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (متي 12: 20). إنه يعطي رجاء لكليهما. فالقصبة المرضوضة قد تربط وقد تعصب. والفتيلة المدخنة قد يرسل لها ريحًا فتشعلها. والشجرة التي لم تعط ثمرًا، أعطاها رجاء وفرصة أخري. فلما امتدت الفأس لتوضع علي رأس هذه الشجرة، قال في حنوه "أتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زبلًا. فإن صنعت ثمرًا، وإلا ففيما بعد تقطعها" (لو 13: 7-9). إنه لم يقطع الرجاء حتى بهذه التي استمرت ثلاث سنوات بلا ثمر. وهو يعطي قيمة حتى للنملة الصغيرة، ويقدمها درسًا للبشر.. فيقول: "اذهب إلي النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيمًا.." ونحن نقول: ما هي هذه النملة يا رب حتى تخلصها، وتمنحها هذه الطبيعة النشطة، وتضرب بها المثل فيما وهبتها إياه من نشاط ومهارة وقدرة..؟! وكأن الله يجيبنا ويقول: لا تظنوا أني فقط خالق التنانين، وإنما أيضًا خلقت الحشرات والهوام وأرعى هذه وتلك.. وأهتم حتى بالعصافير التي يباع اثنان منها بفلس واحد. وأعطي طعامًا لفراخ الغربان التي تدعوني (مز 147: 9). عجيب هو الرب الذي يخلق هذه الأشياء الصغيرة ويهتم بها. بل يهتم حتى بالدودة التي تسعي تحت حجر، وبالزنبقة الأشياء التي يلبسها أفضل من سليمان في كل مجده (متي 6: 29). إنه يضرب لنا مثلًا للإيمان ولملكوت السموات بحبة الخردل التي هي أصغر جميع البذور. فيقول يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور. ولكن متى نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة، حتى إن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها" (متى 13: 31-32). ويقول أيضًا "الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل، لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلي هناك فينتقل. ولا يكون شيء غير ممكن لكم" (متي 17: 20). إذن لا تفقد رجاءك ولو كان إيمانك صغيرًا كحبة الخردل. إنه يمكن أن ينمو ويصير شجرة تتآوى إليها الطيور. والله يقبل هذا الإيمان ويباركه. وأيضًا.. في الإيمان والملكوت يضرب مثلًا بخميرة صغيرة تخمر العجين كله. فيقول: "يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها امرأة ووضعتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع" (متي 13: 33). وقد تذكر بولس الرسول هذا المثل فقال لأهل غلاطية: "خميرة صغيرة تخمر العجين كله" (غل 5: 9). إذن لا تفقد رجاءك مهما كان إيمانك قليلًا، ومهما كان عملك ضئيلًا، فالله يقبل القليل ويباركه ليصير كثيرًا. إن الرب قد أعطي في ملكوته رجاء حتى للعرج والجدع.. فقال لعبده بعد أعد الوليمة "أخرج عاجلًا إلي شوارع المدينة وأزقتها. وأدخل إلي هنا المساكين والجدع والعرج والعمي" (لو 14: 21). بل قال أيضًا كوصية: "إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجدع العرج العمي. فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافئوك" (لو 13: 13). فإن حوربت بفقد الرجاء، تذكر هؤلاء الذين ليس لهم، والذين قبلهم الرب بدون مقابل.. هنا ونذكر ملاحظة هامة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين: إن الله اهتم بالكسر، فأمر بجمعها، وحملها الرسل.. لعلك تقول ليتني كنت خبزة في يد الرب، يباركها ويطعم بها الألوف، وهكذا يمكنني أن أصلح لشيء في الخدمة! أقول لك: حتى لو لم تكن خبزة، وكنت مجرد كسرة ملقاة علي الأرض لم تجد من يأكلها، ستسمع قول الرب "اجمعوا الكسر وسيأتي وقت تستطيع فيه أن تشبع الآخرين. إذن إن كانت أعمالك الروحية ضعيفة، قل له في اتضاع: أدخلني يا رب مع المساكين والجدع والعرج والعمي إلي ملكوتك. وكما اهتممت بجمع الكسر في معجزة الخمس خبزات والسمكتين، اعتبرني أنا أيضًا من هذه الكسر، ليأخذني رسلك معهم في سلالهم وقففهم. أنا يا رب من هذه الكسر. اجمعني في سلتك المباركة. لا تظن أنه يجب أن تصعد إلي أعلي، لكي تقابل الله. بل انك كلما شعرت أنك لا شيء، ولا استحقاق لك علي الإطلاق. وهبط قلبك أسفل، فهناك تلتقي بالله. وهكذا كلما نزلت إلي أسفل صعدت إلي أعلي. حقًا الإنسان يصعد في هبوطه، ويهبط في صعوده. وقد قال الرب في ذلك "كل من يرفع نفسه يتضع. ومن نفسه يرتفع" (لو 13: 11). لقد ضرب لنا ثلاثة أمثلة في اهتمامه بالصغار في الأصحاح الخاص بقبوله للتائبين وبحثه عنهم (لو 15). رجوع الابن الضال بانسحاق قلب، قابله الرب بفرح كبير ومكافآت عديدة.. ثم ماذا عن الخروف الضال؟ من ذا الذي يستطيع أن ينظر إلي حظيرة فيها مائة خروف فيلمح أنها مجرد 99، ويبحث عن الواحد الناقص إلي أن يحمله علي منكبيه فرحًا، بل من ذا الذي يهتم بدرهم واحد مفقود، ويظل يبحث عنه حتى يجده، ويفرح بوجوده ألا يعطيك هذا رجاء في عمل الله من أجلك! هو يبحث عنك، إن لم تبحث أنت عنه.. ومن اهتمام الله بالصغار، اهتمامه بقرية بيت لحم الصغيرة. هذه التي قال لها الوحي الإلهي "وأنت يا بيت لحم.. لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لتكوني قدسًا ومكانًا للميلاد المجيد.." ومن اهتمامه بالصغار، اختاره ليئة المكروهة العينين (تك 29: 17، 33). ليئة هذه التي كانت صغيرة القدر والمكانة بالنسبة إلي أختها راحيل، هي التي اختارها الرب لتكون أمًا ليهوذا سبط الملوك، وأمًا للاوي سبط الكهنوت، وجدة للمسيح، فأتي من نسلها ولم يأت من نسل راحيل.. بل اختار الرب راحاب الزانية وكذلك ثامار ضمن سلسة الأنساب، واختار راعوث الموآبية ضمن سلسة الأنساب أيضًا (متي 1: 3، 5).. بل اختار مريم المجدلية التي كان عليها سبعة شياطين لتكون مبشرة للرسل (مر 16: 9، 10). بل أنه اختار التراب ليجعل منه صورته ومثالة. فلا تيأس إذن من عمل الله معك واختياره لك.. إنه "المقيم المسكين من التراب، والرافع البائس من المزبلة، ليجلسه مع رؤساء شعبه" (مز 112). إذن الله قادر أن يقيمك مهما كانت حالتك، بل يرفعك أيضًا لتجلس مع رؤساء شعبه أليس هو الذي لا يحتقر قصبة مرضوضة، ولا فتيلة مدخنة، يأمر بتشجيع صغار النفوس، وأن نسند الضعفاء وتتأني علي الجميع" (1 تس 5: 15). بل ما أجمل قول الكتاب "قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة" (عب 12: 12)، حتى إن كنت من هذا النوع، سوف لا يهملك الله، بل سيرسل لك من يقومك.. بل خذ مثال اهتمامه بالعصفور، كرمز لاهتمامه بك. إنه يقول "أَلَيْسَ عُصْفُورَانِ يُبَاعَانِ بِفَلْسٍ؟ وَوَاحِدٌ مِنْهُمَا لاَ يَسْقُطُ عَلَى الأَرْضِ بِدُونِ أَبِيكُمْ" (إنجيل متى 10: 29). فالذي يهتم بالعصفور لا شك يهتم بك أيضًا. ولذلك يقول بعدها مباشرة "وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة. فلا تخافوا، أنتم أفضل من عصافير كثيرة" (متي 10: 30). ويعجب الرب بالعصافير في إيمانهم بأن الله يقوتها ويقول في ذلك "انظروا إلي طيور السماء. إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلي مخازن. وأبوكم السماوي يقوتها (متي 6: 26). وهكذا يذكرها ويضرب بها مثلًا لنا، هي "وفراخ الغربان التي تدعوه" (مز 147: 9). إنه يهتم بالدودة التي تسعي تحت حجر، ويعطيها طعامها.. كم بالأولي أنت، يعطيك طعام الروح، وطعام الروح، وطعام الجسد أيضًا. أليس الإنسان أفضل من ديدان كثيرة؟! الدودة الصغيرة استخدمها الله ليعطي درسًا ليونان النبي حينما أعدها الله لتضرب اليقطينة (يون 4: 7). حسن أن هذه الدودة ذكرت في الكتاب المقدس، وهي تؤدي رسالة تؤول إلي توبة نبي. |
||||
|