كتاب التثليث والتوحيد: هل ضد العقل؟ - أ. حلمي القمص يعقوب
الدراسة لا تكفي
عاد الأصدقاء بيتر ونادر ومنير مع خادمهم الأمين من الإسكندرية.
وما أجمل الأيام القلائل التي قضوها في رحاب عروس البحر!
وما أكثر البركات التي عادوا محملين بها!
بركة كاروز الديار.. ذلك العمود الحي القائم عند تخوم الأراضي المصرية، وبركة الآباء البطاركة والبابا كيرلس وحبيبه الشهيد العجايبي، وأبونا بيشوي وحبيبه جورج من روما.
أيضًا كانت لهم فرصة لزيارة كثيرًا من الآثار، وأهم ما في الرحلة دراستهم حول موضوع: إنجيل برنابا.. هل يُعقل تصديقه؟
بدأ الأصدقاء في دراسة موضوعهم المقبل حول موضوع:
التثليث والتوحيد.. هل ضد العقل؟
أما الأخ زكريا فقد نبههم قائلًا:
يا أصدقائي.. الدراسة في هذا الموضوع اللاهوتي لا تكفي..
يا أحبائي.. إننا نحتاج لكثير من الاتضاع، ونحتاج إلى عمق في الصلوات حتى يكشف لنا روح الله أسراره.. فمن يعرف أسرار الله إلا روح الله.
كل منهم سكب نفسه في الصلاة والتضرع إلى روح الله القدوس ليملأهم من كل فهم ومعرفة روحية. وباتضاع شديد بدأ كل منهم يبحث عن الكتب التي تناولت هذا الموضوع.. كلٍ منهم يقرأ ويدرس ويكتب ويسجل ويسأل.. كلٍ منهم يقضي أكثر من العشر ساعات يوميًا في البحث، ولاسيما إنه لم يتبقَ سوى أسبوعان على بدء الدراسة المدرسية.. كلٍ منهم يسأل أصدقاءه وأقرباءه عن الكتب التي تتحدث عن الموضوع محل البحث، وأيضًا تبادل الأصدقاء الكتب معًا.
بدأت الدراسة المدرسية، والأصدقاء يقتطعون من أوقات راحتهم ونومهم لاستكمال البحث. حقًا إن الدقائق أصبحت لها قيمة..
سريعًا ما مرت الشهور، أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، وحلَّ شهر يناير يحمل بشائر العام الجديد، وتوالت أعياد الظهور الإلهي: الميلاد والختان والغطاس وعرس قانا الجليل..
يا رب.. بارك إكليل السنة بصلاحك وأثارك تقطر دسمًا..
يا رب.. ليكن عامًا مباركًا يحمل لنا ثمار روحك القدوس..
يا رب.. ليكن عامًا مباركًا نجني فيه ثمارًا روحية لاهوتية..
الأصدقاء يعدّون الساعات على بداية أجازة نصف العام، وأخيرًا جاء اليوم الدراسي الأخير..
حمل الأصدقاء مستلزماتهم، وانطلقوا مع خادمهم الأمين إلى دير الشهيد الأنبا أبصادي لقضاء أيام قلائل في خلوة روحية مناسبة..
لم تمر عدة ساعات إلا وكان الأصدقاء في أحضان الدير.. انحنوا يقبلون العتب وتراب الأرض، ودلفوا إلى البيعة باحترام ووقار كثير.. سجدوا أمام الهيكل ثم انتقلوا إلى مكان الشهداء، وفتحة الدخول إلى مزار الشهداء لا تتعدى المتر الواحد، فلابد أن ينحني الداخل إكرامًا للموجودين بالداخل..
جسد الشهيد الأنبا أبصادي راقد في سلام، أما جسدي ابن وابنة أخته فيقفان احتراما لخالهما الأسقف الشهيد، بعد أن أبيا أن يدفنا إلاَّ في هذا الوضع، فكلما أوسدوهما التراب يعودون في اليوم التالي ليجدوهما واقفين هكذا..
وفي هذا الهدوء الروحي جلس الأصدقاء لحظات الصمت والتأمل.. أرواحهم تتلامس مع أرواح الشهداء والسيد المسيح قائم في وسطهم.. رب المجد يجمع الكل حوله، السمائيين والأرضيين..