15 - 03 - 2014, 06:37 PM | رقم المشاركة : ( 261 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
روح الحق الحق لا يتجزأ والحق هو الله: فالحقاني والحق وروح الحق هم واحد، كما أن الحكيم والحكمة وروح الحكمة هم واحد. لا يمكن أن نفصل الحق عن مصدره أي عن الحقاني، ولا يمكن أن نفصل الحكمة عن الحكيم -لأنه لا يوجد حكيم بغير حكمة. الحق مولود من الآب وروح الحق منبثق من الآب. والوالد ليس هو المولود، والباثق ليس هو المنبثق، والمنبثق والمولود ليسا هما الباثق، ولكن الوالد -الباثق- والمولود والمنبثق هم واحد. مثلما نقول أن النور والشعاع الصادر عنه هما نور واحد. والعقل والفكر الصادر عنه هما واحد؛ لهما نفس الجوهر ونفس الطبيعة ولا يمكن أن يوجد الواحد منهما بدون الآخر. إن الروح القدس هو روح الحق لأنه هو روح الله، وهو الذي يلهم الحق ويرشد إلى الحق. لهذا قال السيد المسيح عن الروح القدس: "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). من يتكلّم بالروح القدس سوف يتكلّم بكلام الحق: لهذا قيل عنه في قانون الإيمان (الناطق في الأنبياء). ومن يشهد بالروح القدس فسوف يشهد بالحق؛ كما قال السيد المسيح: "ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (يو15: 26، 27)،وقال: "وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 18-20). لقد امتلأ الرسل والشهداء من الروح القدس، ولهذا فقد شهدوا بالحق وشهدوا للحق وعرفوا الحق، ولم يحبوا حياتهم حتى الموت لسبب أن الحق كان واضحًا أمام أعينهم. لهذا كُتبَ عن الشهداء في حربهم ضد الشيطان "وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت" (رؤ 12: 11). كان دم الخروف هو سبب تحررهم من الشر، وولادتهم الجديدة، ومصالحتهم الدائمة مع الله، وكان دم الخروف هو سر ثباتهم في المسيح. وكانت كلمة شهادتهم هي بقوة الروح القدس الساكن فيهم. فبدم الخروف نالوا الخلاص والتبني، وبالروح القدس شهدوا للحق بقوة ولم يخافوا. وفي محبتهم للفادي الذي اشتراهم لم يحبوا حياتهم حتى الموت، لأنهم أدركوا أنهم لا يعيشون لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:38 PM | رقم المشاركة : ( 262 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أقنومية الروح القدس يعتقد شهود يهوه بأن الروح القدس هو مجرد قوة أو طاقة صادرة عن الله. ولكن السيد المسيح في حديثه الرائع عن الروح القدس والذي سجّله لنا القديس يوحنا الإنجيلي أراد أن يؤكد على أن الروح القدس هو أقنوم وليس مجرد طاقة فقال: "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق. لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به" (يو16: 13). فبقوله: "لا يتكلم من نفسه" يشير إليه كأقنوم وقوله: "يتكلم"، و"يسمع" لا ينطبق على طاقة أو قوة بل ينطبق على أقنوم له خصوصيته ويتعامل ويتكلم وله ضمير الملكية، مثلما ورد في سفر الأعمال "قال الروح القدس: أفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13: 2). فالروح القدس يقول "لي" مثلما قال السيد المسيح نفسه: "كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 15). الروح القدس كأقنوم يتكلم ويسمع ويأخذ ويعطى ويمجد المسيح ويشهد له ويخبر ويرشد ويعلِّم ويأمر ويقود الكنيسة ويتكلم عما له بضمير الملكية كما شرحنا. ويستحيل أن يكون مجرد طاقة صادرة عن الله. الروح القدس هو "روح القوة والمحبة والنصح" (2تى 1: 7)، وهو "روح الحياة" (رو8:2) وهو "روح الحكمة والفهم روح المشورة" (إش 11: 2). الروح القدس هو الخالق كقول الكتاب عن خلق الخليقة "ترسل روحك فتُخلق" (مز 104: 30)، "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33:6)،ومثلما قال أليهو بن برخئيل البوزى صديق أيوب الملهم من الله: "روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني" (أي 33: 4). لقد كشف لنا السيد المسيح في حديثه السابق لصلبه مباشرة عن أقنومية الروح القدس وعن صدوره من الآب بالانبثاق الأزلي بقوله: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وبالرغم من أن السيد المسيح وقتها قال: "إن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو16: 12)، ولكنه مع ذلك تكلم باستفاضة عن الروح القدس لكي ينعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية ثم يقوم بتسليم الأمر للروح القدس ليعلّمنا كل ما لم نحتمل أن نسمعه في ذلك الحين "أما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). شكرًا للرب الذي أنعم علينا بهذه المعرفة للروح القدس، وشكرًا للقديس يوحنا اللاهوتي الذي سجل لنا هذه الكلمات في إنجيله -الذي هو رابع الأناجيل- قبل أن يرحل من هذا العالم، وهو آخر من تنيح من الرسل القديسين الذين سلمونا الإيمان الثمين. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:39 PM | رقم المشاركة : ( 263 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الجوهر والطاقة في الروح القدس سجّل القديس لوقا هذا عن السيد المسيح في إنجيله: "ونزل معهم ووقف في موضع سهل هو وجمع من تلاميذه وجمهور كثير من الشعب من جميع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيداء الذين جاءوا ليسمعوه ويشفوا من أمراضهم. والمعذبون من أرواح نجسة وكانوا يبرأون. وكل الجمع طلبوا أن يلمسوه لأن قوة كانت تخرج منه وتشفى الجميع" (لو6: 17-19). مجرد لمس الرب يسوع المسيح كان كافيًا لأن ينال الناس الشفاء، لأن قوة كنت تخرج منه وتشفى الجميع. هذه القوة التي تخرج من السيد المسيح هي طاقة فائقة للطبيعة يسمّيها اللاهوتيون باللغة اليونانية (evne,rgeia إنرجيا) ومثلها الكلمة الإنجليزية energy وهى مأخوذة عن اليونانية ومعناها "طاقة". وطبعًا في معرفتنا عن لاهوت السيد المسيح فإننا نميز بين الطاقة والجوهر، فالجوهر هو باللغة اليونانية (Ouvsi,a أوسيا) وباللغة الإنجليزية Essence. وللسيد المسيح جوهر بشرى متحد بجوهر إلهي. والجوهر الإلهي للسيد المسيح هو نفسه للآب وللروح القدس،فالأقانيم الثلاثة لاهوت واحد وجوهر واحد غير متجزئ ولا منقسم. وما يمنحه السيد المسيح للمؤمنين به هو الطاقة وليس الجوهر.. ومع ذلك فإن هذه الطاقة يكون الثالوث القدوس هو مصدرها ومانحها. وكل طاقة أو نعمة أو قدرة يمنحها أحد الأقانيم لها أصلها في الآب أي أنها من الآب وتُمنح بالابن في الروح القدس. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:40 PM | رقم المشاركة : ( 264 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
عطايا الروح القدس هكذا علّم آباء الكنيسة الكبار مميزين بين الروح القدس الذي يستمد جوهره أزليًا من الآب وحده، وبين عطايا الروح القدس التي لها أصلها في الآب وتتحقق من خلال الابن بواسطة الروح القدس. فالروح القدس لا يُمنح للبشر كأقنوم من حيث جوهره، ولكن عطايا الروح القدس هي التي تُمنح باستحقاقات الابن الوحيد الجنس. وعندما نفخ السيد المسيحالروح القدس في وجه تلاميذه بعد قيامته من الأموات فقد نفخ موهبة الكهنوت ومغفرة الخطايا، ولم ينفخ جوهر الروح القدس الذي ينبثق جوهريًا من الآب وحده. لذلك وردت العبارة في النص اليوناني بدون أداة التعريف (لافيتيه بنيفما أجيون La,bete pneu/ma a[gion) (يو20: 22) وليس "لافيتيه تو بنيفما تو أجيون". وقد لوحظ أن تعبير الروح القدس " تو بنيفما تو أجيون To. Pneu/ma To. [Agion " إذا ورد بأداة التعريف في النص اليوناني فإنه يشير إلى الأقنوم ذاته. أما إذا ورد بدون أداة التعريف "بنيفما أجيون pneu/ma a[gion " فإنه يشير إلى عطايا الأقنوم ومواهبه أي إلى الطاقة (evne,rgeia إنرجيا) وليس إلى الجوهر (Ouvsi,a أوسيا). أمثلة من أقوال الآباء قال القديس أثناسيوس: [الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح القدس] (الرسالة الثالثة إلى سرابيون فصل5). وقال أيضًا: [الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح القدس] (الرسالة الأولى إلى سرابيون فصل 28). وقال في حديثه عن الروح القدس: [من الواضح أن الروح ليس مخلوقًا، ولكنه يشترك في عملية الخلق. لأن الآب يخلق كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح، لأنه حيثما يوجد الكلمة، فهناك الروح أيضًا، والأشياء التي خلقت من خلال الكلمة تأخذ قوتها الحيوية من الروح من الكلمة. لذلك كتب في المزمور الثالث والثلاثين "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6)]. (The Spirit & the Church: Antiquity- Stanely M Burgess- Hendricksons Publishers- p.118). أما القديس غريغوريوس أسقف نيصص فقد قال: [كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة، وتسمى بحسب فهمنا المتنوع لها. لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل في الروح القدس] (آباء ما بعد نيقية. المجموعة الثانية ج5 صفحة 334). ونحن في عقيدتنا الأرثوذكسية مثلما نميّز بين إرسال الروح القدس من الآب والابن وانبثاقه من الآب فقط لأن الإرسال في الزمن أما الانبثاق فهو أزلي وخارج الزمن،هكذا أيضًا نميّز بين عطايا الروح القدس التي يتم منحها من الآب والابن، وجوهره كأقنوم الذي هو من الآب فقط. لذلك نقول عن الروح القدس في قانون الإيمان (الرب المحيى المنبثق من الآب). وقال عنه السيد المسيح: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وهو في هذا يتكلم عن الأقنوم الذي ينبثق من الآب بحسب جوهره. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:41 PM | رقم المشاركة : ( 265 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
عطية الحق إن الحق كجوهر يخص الله وحده، أما الحق كطاقة فهو يُمنح كعطية للمؤمنين بالمسيح "وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو8: 32). وقد دُعي الروح القدس "روح الحق" (يو14: 17، يو15: 26، يو16: 13) لأنه في جوهره هو حق تمامًا مثل الآب والابن، كما أنه يشهد للحق ويخبرنا بجميع الحق ويأخذ مما للحق ويخبرنا. عن هذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت: إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15). وقال لهم أيضًا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم تعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يو14: 15-17). "وأما المعزى، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء، ويذّكركم بكل ما قلته لكم" (يو14: 26). إن الوحي الإلهي هو عطية من الروح القدس. وقد أعلنت الأناجيل المقدسة وباقي أسفار العهد الجديد حقيقة الله الآب باعتباره أنه هو "أبو ربنا يسوع المسيح" (أف1: 3، انظر أف 3: 14، كو1: 3)، وهو مصدر انبثاق الروح القدس "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). وفى العهد القديم أشار الوحي في بعض المواضع إلى مثل هذه الأمور: ففي سفر الأمثال وردت إشارة واضحة إلى الله الآب وابنه "من صعد إلى السماوات ونزل؟ من جمع الريح في حفنتيه؟ من صرّ المياه في ثوب؟ من ثبّت جميع أطراف الأرض؟ ما اسمه؟ وما اسم ابنه إن عرفت؟" (أم30: 4). وفى سفر المزامير وردت إشارة واضحة للروح القدس الحاضر في كل مكان "أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح، وسكنت في أقاصي البحر، فهناك أيضًا تهديني يدك وتمسكني يمينك" (مز139: 7-10). وفى سفر أيوب يتكلم عن الروح القدس الخالق "روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني" (أى33: 4)،هذا على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر. ولكننا في العهد الجديد قد أُتيح لنا أن نعرف من هو الآب، ومن هو الابن، ومن هو الروح القدس بصورة واضحة جدًا حسب وعد السيد المسيح. لقد أبرز هذه الحقيقة في حديثه مع الآب قبل الآلام والصلب مباشرة بقوله: "أنا مجدّتك على الأرض.. أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني.. أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرّفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو17: 4، 6، 25، 26). ففي قول السيد المسيح: "وتعرفون الحق، والحق يحرركم" (يو8: 32) كان يقصد أن نعرف حقيقة الله.. حقيقة أبوته.. وحقيقة محبته، وقداسته، وبغضه للخطية، وطول أناته، وقدرته على كل شيء.. وكل صفاته الجميلة التي تأسرنا وتجعلنا نرفض الخطية ونتحرر من سلطانها. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:42 PM | رقم المشاركة : ( 266 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
النعمة والحق يقول القديس يوحنا الحبيب في إنجيله: "لأن الناموس بموسى أعطى، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17). ويقول القديس غريغوريوس الأرمني St. Gregory the Illuminator (لقد أخلى السيد المسيح نفسه وصار إنسانًا، غير المائت صار قابلًا للموت (بحسب الجسد)، لكي يمنح البشر أن يصيروا شركاء طبيعته الإلهية غير المائتة). والقديس غريغوريوس يقصد بهذا أن النعمة الفائقة للطبيعة التي يمنحها السيد المسيح بالروح القدس هي التي تعطى للمؤمنين باسمه والمتحدين معه بشبه قيامته، أن يشتركوا في الحياة الأبدية. إن عبارة القديس بطرس الرسول الواردة في النص التالي من رسالته الثانية: "كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة" (2بط1: 3، 4) هذه العبارة المشهورة، التي يحاول البعض أن يخرجوا بها عن الإطار الذي قيلت فيه، مقصود بها شركة الحياة الأبدية وشركة عدم الموت، بعد شركة الحياة الروحية بالجهاد ضد الخطية والهروب من الفساد الذي في العالم بالشهوة. لذلك أكمل قوله: "ولهذا عينه -وأنتم باذلون كل اجتهاد- قدموا في إيمانكم فضيلة.." (2بط1: 5). إنها شركة العمل مع الروح القدس، وهى شركة مع الثالوث القدوس، هي التي تؤهلنا أن ننال المواعيد العظمى والثمينة التي بها نصير "شركاء الطبيعة الإلهية"في حياة القداسة وفي النهاية شركة الحياة الأبدية. إن هناك فرقًا واضحًا بين "الجوهر الإلهي" غير المدرك، وبين "الطاقات الإلهية" التي نعرف الله بها. إن الطاقات الإلهية هي التي تعمل فينا بالنعمة، والتي تهب لنا العطايا الفائقة للطبيعة. مثل نعمة البنوة لله في المعمودية، ومثل مواهب الروح القدس في سر المسحة المقدسة. وهى أيضًا التي تمنحنا عربون الحياة الأبدية في سر الافخارستيا. فإن الاتحاد بالمسيح في سر الافخارستيا، لا يعنى اتحادًا أقنوميًا يماثل الاتحاد الطبيعي بين لاهوته وناسوته في تجسده من العذراء مريم، بل يعنى اتحادًا بالحياة الأبدية الممنوحة لنا بالنعمة كعربون، لكي نثبت فيه ونقهر عوامل الخطية والموت والشركة مع إبليس. إننا لا نتحد بجوهر اللاهوت مثل الاتحاد الحاصل في تجسد الله الكلمة، بل نتحد بالطاقات الإلهية الممنوحة لنا بالنعمة. لهذا قال القديس يوحنا الإنجيلي: "أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17). النعمة في العهد الجديد إن النعمة في العهد الجديد ليست مجرد المواهب الفائقة للطبيعة التي يمنحها الروح القدس مثل الوحي لكتبة الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد، ولا القوات والعجائب التي أجراها الأنبياء في العهد القديم والتي تجرى مع المؤمنين في العهد الجديد. ولكنها تتخطى هذا بكثير لأنها تمنح الخلاص والتجديد ومغفرة الخطايا والميلاد الفوقاني وثمار الروح القدس مثل المحبة والفرح والسلام، وتمنح عربون الحياة الأبدية، وتعلن الأسرار الإلهية،كما أنها تمنح أمجاد الشركة مع الله في حياة القداسة المناسبة لنا، وتمنح القيامة بالجسد الممجد في اليوم الأخير. ما أجمل كلمات بطرس الرسول: "كما اشتركتم في آلام المسيح، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين.. وإله كل نعمة الذي دعانا إلى مجده الأبدي في المسيح يسوع، بعدما تألّمتم يسيرًا، هو يكمّلكم، ويثبّتكم ويقوّيكم، ويمكّنكم، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين" (1بط4: 13، 5: 10، 11). |
||||
15 - 03 - 2014, 06:43 PM | رقم المشاركة : ( 267 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
عمل الروح القدس في أسرار الكنيسة يتساءل البعض هل نحن نثبت في الرب بالتناول من جسده ودمه، أم في سر التثبيت أي المسحة المقدسة بواسطة زيت الميرون؟ ونجيب على ذلك بأننا نثبت في الرب يسوع المسيح في التناول من جسده ودمه الأقدسين حسب قوله: "من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 56). كما أننا نثبت في الرب في سر المسحة المقدسة الذي يدعى سر التثبيت حسبما ورد في رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس: "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا" (2كو 1: 21، 22). وقال القديس يوحنا الرسول: "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم" (1يو2: 27). فالله الآب يعمل بواسطة الابن الوحيد، كما يعمل بواسطة الروح القدس لأن قدرة واحدة للثالوث وعطية واحدة، بالرغم من تمايز دور كل أقنوم في العمل الواحد. ففى عمل الخلاص مثلًا يشترك الأقانيم الثلاثة معًا وكل أقنوم يقوم بدوره المتمايز: فالله الآب أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليخلص العالم. ولكي يتجسد الابن الوحيد؛ هيأ له الآب جسدًا بواسطة الروح القدس في أحشاء العذراء مريم "أخبر باسمك إخوتى وفي وسط الكنيسة أسبحك.. ذبيحة وقربانًا لم تُرِد ولكن هيأت لي جسدًا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر، ثم قلت هأنذا أجيء في درج الكتاب مكتوب عنى لأفعل مشيئتك يا الله" (عب: 2: 12، عب10: 5-7، انظر مز22: 22). فمع أن الابن الوحيد هو الذي تجسد إلا أن الآب والروح القدس قد اشتركا في تهيئة هذا التجسد. كذلك عند صلب السيد المسيح، يقول معلمنا بولس الرسول: "المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14).. لقد قدّم السيد المسيح ذبيحة نفسه بلا عيب كرئيس كهنة أعظم إلى الآب بواسطة الروح القدس (بروح أزلي قدّم نفسه). وقد تقبّل الآب هذه الذبيحة تكفيرًا عن خطايا البشرية. إذن لم يكن الآب ولا الروح القدس غائبين عن مشهد الجلجثة، ولا منفصلين عن الابن الوحيد (هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة) (لحن فاى إيتاف اينف Vai etafenf) في طقس الجمعة العظيمة وفي طقس تسبحة يوم الأحد. وأيضا في عمل الخلق اشترك الأقانيم الثلاث كخالق واحد في عمل الخلق كما هو مكتوب "بكلمة الرب صنعت السماوات وبنسمة فيه كل جُنودها" (مز33: 6). وفى عمل الخلاص يعيد الرب خلقة الإنسان من جديد حسب قول معلمنا بولس الرسول: "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). وهذا يتم بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. عن هذا كتب أيضًا معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيطس فقال: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلّصنا، بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). وهو في ذلك يقول عن الآب "مخلصنا الله". وعن الابن "بيسوع المسيح مخلصنا". وعن الروح القدس "خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس". وهذا يظهر اشتراك الأقانيم الثلاثة معًا في عمل الخلاص حتى نكرر ما قاله الآباء القديسون أن [كل ما يعمله الآب هو بواسطة الابن في الروح القدس]. أو [كل ما يعمله الآب هو من خلال الابن بواسطة الروح القدس]. فالله الآب يعمل دائمًا مع الابن ومع الروح القدس مثلما قال السيد المسيح: "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو5: 17). وقال: "الآب الحال فيَّ هو يعمل الأعمال" (يو14: 10). لذلك لا نتعجب أننا ننال الثبات في المسيح بواسطة سر المسحة المقدسة بعد العماد الطاهر، وذلك بفعل الروح القدس. كما إننا نثبت أيضًا في المسيح بالتناول من جسده ودمه في سر التناول. فالآب يثبتنا في المسيح بواسطة الروح القدس في سر مسحة الميرون. وكذلك بواسطة الابن بتناولنا من جسده ودمه الأقدسين. والثبات في المسيح يقترن بتنفيذ وصاياه المقدسة مثلما قال: "إن ثبتم فيَّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم.. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي" (يو15: 7، 10). لذلك قال معلمنا يوحنا الرسول "أما أنتم فما سمعتموه من البدء، فليثبت إذًا فيكم. إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء، فأنتم أيضًا تثبتون في الابن وفي الآب. وهذا هو الوعد الذي وعدنا هو به: الحياة الأبدية. كتبت إليكم هذا عن الذين يضلونكم. وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلّمكم أحد، بل كما تعلّمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهى حق وليست كذبًا كما علمتكم تثبتون فيه" (1يو2: 24-27). والرسول يقصد أن سر المسحة يجعل الروح القدس ساكنًا في الإنسان. وطالما يسكن الروح القدس فهو يرشد الإنسان إلى جميع الحق حتى يثبت في الحق. وقد وعد الرب يسوع المسيح تلاميذه بذلك فقال: "وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كل شيء" (يو14: 26). وقال أيضًا: "متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق.. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو 16: 13، 14). حتى ما يخبرنا به الروح القدس فهو مما للمسيح لأنه هو عطية الثالوث القدوس. "يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). قال السيد المسيح لتلاميذه: "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية،ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15). الروح القدس هو روح الحق فهو يشهد للحق. يشهد للمسيح الذي هو الحق المولود من الآب ينبوع الحق. والروح القدس هو الذي يعلن المسيح في داخلنا، ولا يستطيع أحد أن يقول أن المسيح رب إلا بالروح القدس (انظر 1كو12: 3). وكما كان الروح يرف على وجه المياه في بداية الخليقة عندما كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة. وقال الله: ليكن نور فكان نور (انظر تك1: 1-3). هكذا أيضًا أشرق نور معرفة الله في المسيح بعمل الروح القدس في الكنيسة "لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 6). الذي أشرق في قلوبنا هو الروح القدس الذي أعطانا الاستنارة في المعمودية، ويرشدنا إلى جميع الحق بسكناه في قلوبنا. هو الذي يشرق فينا بمعرفة المسيح. ويمنحنا أن نفهم كلمة الله المدونة في الأسفار المقدسة. ويذكّرنا بوصايا السيد المسيح - بل ويحولها إلى حياة في داخلنا. وهو الذي يسكب محبة الله في قلوبنا. وهو الذي يربطنا بالمسيح كأعضاء في جسده المقدس. وبصفة عامة هو الذي يربطنا بالآب السماوي من خلال قبولنا وتمتعنا ببركات الفداء الذي صنعه السيد المسيح لأجلنا غافرًا خطايانا بدمه الطاهر الكريم. |
||||
15 - 03 - 2014, 06:45 PM | رقم المشاركة : ( 268 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ترسل روحك فتخلق قال السيد المسيح لتلاميذه: "متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب. روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي" (يو15: 26). ويقول المرنم: "ترسل روحك فتُخلق وتجدد وجه الأرض" (مز104: 30). والمقصود أن الرب يُرسل روحه فيتم تجديد الخليقة مرة أخرى. ونصلى في صلاة الساعة الثالثة (روحك القدوس يا رب الذي أرسلته على تلاميذك القديسين ورسلك المكرمين في وقت الساعة الثالثة؛ هذا لا تنزعه منا أيها الصالح، لكن جدده في أحشائنا. قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي. لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منى) (القطعة الأولى). وبهذا نحن نخاطب السيد المسيح الذي أرسل روحه القدوس على تلاميذه القديسين في يوم الخمسين في الساعة الثالثة لكي يخلق فينا قلبًا نقيًا بعمل الروح القدس المتجدد في داخلنا باستمرار. الخليقة الجديدة إن الارتباط بين الروح القدس والخليقة، هو ارتباط دائم في القديم والجديد. ففي بداية خلق العالم "كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور، فكان نور" (تك1: 2، 3). وعند تجديد الحياة على الأرض مرة أخرى بعد الطوفان أرسل نوح الحمامة -التي ترمز إلى الروح القدس الذي حل على السيد المسيح عند عماده في نهر الأردن بهيئة جسمية مثل حمامة- وعادت الحمامة إلى نوح وهى تحمل في فمها غصن الزيتون إشارة إلى عودة الحياة على الأرض مرة أخرى بعد غسيلها بالطوفان. وكان الطوفان وتجديد الحياة على الأرض رمزًا للخلاص بالمعمودية كما قال معلمنا بطرس الرسول: "الفلك.. الذي فيه خلص قليلون أي ثماني أنفس بالماء. الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية" (1بط3: 20، 21). وقال أيضًا معلمنا بولس الرسول: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). إن تجديد الروح القدس في الخليقة الجديدة في المسيح يتم في المعمودية لاشك في هذا على الإطلاق حيث يقول بولس الرسول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). لهذا خلق السيد المسيح عينين للمولود أعمى من الطين وأمره أن يذهب ويغتسل في بركة "سلوام" الذي تفسيره "مُرسل". وهذا الاسم هو إشارة إلى إرسال الروح القدس الذي يخلق للإنسان أعين جديدة في المعمودية بها يستطيع أن يعاين ملكوت الله لأنه "إن كان أحد لا يولد من فوق؛ لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3). وأيضًا "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح؛ لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو3: 5). إذن فالمُرسَل هو الروح القدس الذي أرسله الابن حسب موعد الآب،لهذا قال المزمور "ترسل روحك فتُخلق وتجدد وجه الأرض" (مز104: 30). وهو يقصد أن الرب يرسل روحه لتجديد الحياة على الأرض مرة أخرى بواسطة المعمودية. يوم الخمسين لهذا يعتبر يوم الخمسين هو عيد ميلاد الكنيسة. لأن الكنيسة نالت التجديد بالمعمودية في ذلك اليوم. قال السيد المسيح لتلاميذه عند صعوده إلى السماء: "لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع1: 5). وقال لهم: "خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى" (يو16: 7). كان مجيء الروح القدس لازمًا لتجديد وجه الأرض مرة أخرى. وعاد روح الله يرف مرة أخرى على وجه المياه في الخليقة الجديدة. وتم تعميد ثلاثة آلاف نفس في يوم الخمسين. كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة لأن الخطية والموت قد ملكا على جميع البشر و"اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو5: 12). كانت الأرض خربة وخالية لأن "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رو3: 12؛ انظر مز53: 3). كانت الأرض خربة وخالية لأن محبة العالم وأيضًا عبادة الأوثان المحرمة قد انتشرت في الأرض بصورة مريعة. كانت الأرض خربة وخالية نظرًا لفساد الطبيعة البشرية التي سقطت في قبضة الفساد لسبب فقدان الشركة مع الله والدخول في شركة مع الشيطان. كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة. هذه هي ظلمة الجهل والخطية والموت تحت سلطان إبليس. "وقال الله ليكن نور" (تك1: 3).. في الخليقة الجديدة أشرق نور المسيح على حياة المفديين كقول الرب: "لكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا4: 2). إننا لم نسمع عن شمس لها أجنحة سوى أن السيد المسيح (شمس البر) قد فتح ذراعيه وهو معلق على الصليب كما يفتح الطائر جناحيه. إن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة؛ قد أشرق على البشرية بنوره العجيب "وقال الله: ليكن نور فكان نور" (تك1: 3). |
||||
15 - 03 - 2014, 06:46 PM | رقم المشاركة : ( 269 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مجد وكهنوت السيد المسيح في مناجاته مع الآب ليلة الصلب تكلّم السيد المسيح عن نوعين من المجد: 1- مجده الأزلي: قبل كون العالم بقوله للآب: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو17: 5). 2- مجده المسياني: الذي ظهر به في الجسد عندما أخلى نفسه وأخذ صورة عبد، ومارس عمله كمسيح للرب، ورئيس كهنة ومخلّص للعالم. وعن مجده كرئيس كهنة قال للآب في ليلة آلامه، في حديثه عن علاقته بتلاميذه الأحد عشر (بعد استبعاد يهوذا الإسخريوطي من الحديث): "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يو17: 22) وقد شرح قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياته- هذه المسألة مؤكدًا أن المجد المقصود في هذه العبارة الذي أعطاه الرب للتلاميذ هو مجد رئاسة الكهنوت والرعاية (مجلة الكرازة 3/12/2004م العدد 37 للسنة ال32 ص 16 العامود الثاني سطر 37). ومن المفهوم طبعًا أن السيد المسيح كان أحيانًا يكشف عن شعاع من مجده الإلهي من خلال التجلي، ومن خلال المعجزات التي أجراها وخاصة معجزة قيامته المجيدة من الأموات بقدرته الإلهية. ولكن لم يكن من الممكن أن يعلن مجده الإلهي بصورة كاملة أثناء وجوده على الأرض، لأن البشر لن يحتملوا رؤية هذا المجد قبل أن يلبسوا جسد القيامة الروحاني الممجد. لهذا قال الرب لموسى على جبل سيناء: "الإنسان لا يراني ويعيش" (خر33: 20). كما أن الخلاص لم يكن ممكنًا أن يتم لو أعلن السيد المسيح في تجسده على الأرض ملء مجده الإلهي. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو2: 8). فالمسألة إذن أن السيد المسيح قد أخفى لاهوته عن الشيطان، وأخفى مجده المنظور عن البشر إلى حين إتمام الفداء وصعوده إلى السماء ودخوله إلى مجده السمائي عن يمين الآب. وقد شرح القديس بولس الرسول هذه الحقيقة بقوله "بالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رُفع في المجد" (1تى3: 16) لقد أخفى السيد مجده الأزلي بالناسوت لكي يتمم الفداء ثم يدخل إلى مجده عند صعوده إلى السماء. وتحدّث القديس بولس الرسول عن حالة السيد المسيح في دائرة الإخلاء عند قبوله الآلام لأجل خلاصنا فقال: "ولكن الذي وضع قليلًا عن الملائكة، يسوع، نراه مكللًا بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت، لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد. لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل، وهو آتٍ بأبناءٍ كثيرين إلى المجد، أن يُكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام (عب2: 9، 10). إن المجد الذي تكلل به السيد المسيح في آلامه، هو مجد الحب والبذل والعطاء والفداء، ومجد رئاسة الكهنوت في تقديم ذبيحته الخلاصية كرئيس للخلاص، وكقائد لمسيرة المفديين في طريقهم نحو المجد السمائي. ولكن ينبغي أن نلاحظ أن عبارة "الذي وضع قليلًا عن الملائكة، يسوع" التي وردت في النص السابق قد ورد قبلها في نفس الرسالة إلى العبرانيين عن صعود السيد المسيح إلى المجد "صائرًا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسمًا أفضل منهم" (عب1: 4). فالمسيح الذي "أخلى نفسه" هو هو نفسه "الذي رفع في المجد". مجد المسيح الأزلي مجد المسيح الأزلي هو واحد فيه مع الآب ومع الروح القدس. هو مجد الثالوث القدوس الذي نسبحه في الكنيسة ونعطيه " الذوكصا" ونقول: (المجد للآب والابن والروح القدس). عن هذا المجد قال الرب: "ومجدي لا أعطيه لآخر" (إش42: 8). لذلك لا يمكن لأي أحد آخر أن يشارك الثالوث القدوس في هذا المجد. ولا تنطبق عليه عبارة السيد المسيح عن رسله القديسين "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يو17: 22). مجد رئاسة الكهنوت هذا المجد الذي منحه السيد المسيح لرسله القديسين، يترتب عليه سلطان التعليم في الكنيسة ومقاومة البدع والهرطقات، وسلطان الحل والربط والتشريع في الكنيسة من خلال المجامع المقدسة. وكذلك سلطان الحكم في المجالس الإكليريكية، وسلطان إقامة الرتب الكنسية مثل سيامة الأساقفة بيد الآباء البطاركة ومعهم الأساقفة، وسيامة الآباء الكهنة بواسطة الأساقفة وكذلك سيامة الشمامسة وتدشين الكنائس والأواني المقدسة. وسلطان وضع اليد قد منحه الرب للرسل وخلفائهم باعتبار أن الأسقف هو وكيل الله. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله" (تى1: 7). كهنوت السيد المسيح يقول معلمنا بولس الرسول عن رئاسة الكهنوت: "ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه، بل المدعو من الله كما هارون أيضًا. كذلك المسيح أيضًا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له: أنت ابني أنا اليوم ولدتك" (عب5: 4، 5، انظر مز 2: 7). إذن فقد أخذ السيد المسيح مجد رئاسة الكهنوت من الآب السماوي لأن بولس الرسول يقول: "لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة بل الذي قال له أنت ابني". ومجد رئاسة الكهنوت الذي للسيد المسيح قد أشرنا إليه سابقًا في تفسير عبارة "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يو17: 22) التي قالها السيد المسيح للآب في ليلة آلامه عن عطيته لرسله الأحد عشر والتي أخذها من الآب في إرساليته الخلاصية. وقد استطرد القديس بولس الرسول في كلامه السابق فأشار إلى أن كهنوت السيد المسيح هو على رتبة ملكي صادق وليس على رتبة هارون فقال: "مدعوًا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق" (عب5: 10). هكذا أيضًا كهنوت الآباء الرسل وخلفائهم من الآباء البطاركة والأساقفة هو على رتبة ملكي صادق، لأنهم يقدّمون ذبيحة الإفخارستيا (أي سر الشكر) بالخبز والخمر، والتي هي نفسها ذبيحة الصليب، ولكن تحت أعراض الخبز والخمر،ولا يقدّمون الذبائح الحيوانية الخاصة بالكهنوت الهاروني. وهذا ما أوصاهم به السيد المسيح في ليلة آلامه عن تقديم جسده ودمه الأقدسين "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19، 1كو11: 24). إن ملكي صادق حينما خرج لملاقاة إبراهيم قدّم خبزًا وخمرًا، ولم يقدم ذبيحة حيوانية وأعطاه إبراهيم عشرًا من كل شيء. وقد ورد ذلك في سفر التكوين كما يلى: "وملكي صادق ملك شاليم أخرج خبزًا وخمرًا. وكان كاهنًا لله العلى. وباركه، وقال: مبارك أبرام من الله العلى مالك السماوات والأرض. ومبارك الله العلى الذي أسلم أعداءك في يدك. فأعطاه عُشرًا من كل شيء" (تك14: 18-20). إن مجد رئاسة كهنوت السيد المسيح يرتبط ارتباطًا واضحًا بتقديم ذبيحة الإفخارستيا التي صنعها السيد المسيح وأمر تلاميذه أن يصنعوها. والتي هي نفسها ذبيحته الخلاصية على الصليب وتستمد وجودها وفاعليتها من حقيقة الصليب فوق الجلجثة، إذ هي امتداد لذبيحة الصليب عبر الزمان في ليلة الآلام وإلى مجيء الرب الديان. لهذا اهتم القديس بولس الرسول في أكثر من موضع بإبراز رئاسة كهنوت السيد المسيح أنها على رتبة ملكي صادق "مدعوًا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق" (عب5: 10 انظر أيضًا عب6:20). ولا يخفى على أحد بالطبع أن كهنوت السيد المسيح هو كهنوت أبدى. فخدمته الكهنوتية مستمرة عبر الأجيال إذ أنه يشفع فينا بذبيحته الخلاصية إلى آخر الزمان. "إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا" (1يو2: 1، 2). لقد دخل السيد المسيح إلى المقادس السماوية "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20). إنه شيء رائع أن نرى الكنيسة المقدسة وهى أيقونة للسماء على الأرض مثلما رآها يعقوب أب الآباء مثل سلم منصوب على الأرض ورأسه يمس السماء والرب واقف بجلاله المخوف والملائكة صاعدين ونازلين على السلم (انظر تك 28: 12، 13، 17). إن السماء تكون مفتوحة أثناء القداس الإلهي والسيد المسيح حاضر بجسده ودمه على المذبح سرائريًا بنفس ذبيحته الخلاصية التي بها يشفع فينا شفاعة كفارية أمام الآب السماوي. والملائكة الذين كتب عنهم أنهم خدام العتيدين أن يرثوا الخلاص يكونون في حالة صعود ونزول أثناء القداس يرفعون صلواتنا، وينزلون بالبركات السمائية، ويشاركون معنا تسبيح الحمل الذبيح وشكر الآب على محبته غير المحدودة. حقًا إن الكنيسة هي بيت الملائكة لأن الرب قد صالح السمائيين مع الأرضيين، كقول بولس الرسول عن ذلك "لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا معينين سابقًا" (أف1: 10، 11). |
||||
15 - 03 - 2014, 06:48 PM | رقم المشاركة : ( 270 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
المسيح الراعي قال السيد المسيح عن نفسه: "أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). واعتبر السيد المسيح أن الخراف هي رعيته؛ أي خرافه الخاصة التي يعرفها بأسمائها ويدعوها باذلًا نفسه من أجلها. وهكذا قال الرب أيضًا بفم حزقيال النبي: "هأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها. كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة هكذا أفتقد غنمي وأخلصها" (حز34: 11، 12). وقال أيضًا: "أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب. وأطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر الكسير وأعصب الجريح وأبيد السمين والقوى وأرعاها بعدل" (حز34: 15، 16). الله هو الراعي والمخلّص والفادي وقد افتقد غنمه وحل في وسطها لأن الله "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا" (يو1: 14) "كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه" (حز34: 12). وصار السيد المسيح هو الحمل والراعي في آنٍ واحد. دعوة الخراف قال السيد المسيح: "الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف. لهذا يفتح البواب، والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها" (يو10: 2، 3). وقال أيضًا: "أما أنا فإني الراعي الصالح، وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني، كما أن الآب يعرفني وأنا أعرف الآب" (يو10: 14، 15). الدعوة والمعرفة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا.. أي أن الرب يعرف خرافه بسابق معرفته الإلهية ولهذا فلابد أن يدعوها.. سواء أكانت من شعبه القديم أو شعبه الجديد. لذلك قال: "ولى خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتى بتلك أيضًا فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو10: 16). فبهذا المفهوم تنبأ إشعياء النبي عن شعب مصر بعد مجيء السيد المسيح "مبارك شعبي مصر" (إش 19: 25). نقول أن الدعوة وسبق المعرفة عند الله مرتبطان ببعضهما بالنسبة لخراف السيد المسيح لذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا. والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 28-30). إن سِبق معرفة الله لا تلغى حرية إرادة الإنسان ولكن الله بسابق معرفته يعلم من هم الذين يقبلون الحق بصفة عامة.. أو من لديهم استعداد لقبول الحق، كقول السيد المسيح لبيلاطس: "كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37). مثل هؤلاء الذين يتلمس فيهم الرب الاستعداد لقبول الحق لابد أن يدعوهم. وهذا هو معنى كلام بولس الرسول: "الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم.. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا" (رو8: 29، 30). ونادى إشعياء النبي قائلًا: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تُخلّص ولم تثقل أذنه عن أن تسمع" (إش59: 1). إن الدعوة لابد أن تصل إلى كل إنسان مستعد لقبولها لأن وسائل الرب وإمكانياته ليس لها حدود. لهذا قال السيد المسيح عن نفسه وعن خرافه: "والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها" (يو10: 3).وقد فهم معلمنا بولس الرسول هذه الحقيقة في عمله الكرازي بالإنجيل فقال لتلميذه تيموثاوس: "اذكر يسوع المسيح المُقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي الذي فيه احتمل المشقات حتى القيود كمذنب. لكن كلمة الله لا تقيّد. لأجل ذلك أنا أصبر على كل شيء لأجل المختارين لكي يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع مجد أبدى" (2تى2: 8-10). إنه يكافح ويحتمل المشقات لكي تصل كلمة الإنجيل إلى المختارين لكي يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الذي في المسيح. هو يعتبر نفسه موضوع لأجل الإنجيل وينال شرف أن يكون هو الأداة أو الوسيلة التي يستخدمها الله لهذا الغرض، ولكن حتى وهو في السجن والقيود فإن كلمة الله لا تقيَّد أي لا تحبس كما قال لأنه كان يفهم قول إشعياء النبي: "ها إن يد الرب لم تقصر عن أن تُخلّص" (إش59: 1). وفى حديث بولس الرسول عن المختارين نلاحظ أيضًا إنه يبنى الاختيار على سبق معرفة الله لمن سوف يقبلون الحق الذي في المسيح. لهذا شرح هذا الاختيار في رسالته إلى أهل أفسس فقال "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته. لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب" (أف1: 3-6). الرسول بولس يقول "اختارنا فيه (أي في المسيح) قبل تأسيس العالم.. إذ سبق فعيننا للتبني" وهو يربط بوضوح بين الاختيار وسبق المعرفة والتعيين مثلما ربط سابقًا في رسالته إلى أهل رومية بين الدعوة وسبق المعرفة والتعيين كما ذكرنا سابقًا (انظر رو8: 29، 30). والخلاصة إن سبق المعرفة والتعيين والاختيار والدعوة كلها مرتبطة ببعضها وعلى هذا الأساس قال السيد المسيح: "أعرف خاصتي وخاصتي تعرفني" (يو10: 14)،كما قال إنه "يدعو خرافه الخاصة بأسماء ويخرجها" (يو10: 3). ولكن كل ذلك بشرط أن يظل المدعو أمينًا إلى النهاية حسب قول الرب: "من يغلب فذلك سيلبس ثيابًا بيضًا ولن أمحو اسمه من سفر الحياة وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته" (رؤ3: 5). الرعاية والمحبة هذه العبارة قالها السيد المسيح لسمعان بطرس الرسول في عتابه له بعد قيامة الرب من الأموات، مبينًا أن رعاية الغنم، أي خراف السيد المسيح الناطقة، ترتبط ارتباطًا كبيرًا بمحبته. وفى حديثه عن عمله كراعٍ للخراف قال الرب "أنا أضع نفسي عن الخراف" (يو10: 15). أي أنه وضع لنا مثلًا أعلى للرعاية الحقة ينبع من منطلق الحب. وقال "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13). الله محبة إن مفتاح المسيحية يكمن في أن "الله محبة" (1يو4: 8، 16). ففي علاقة الآب والابن والروح القدس يوجد مثال المحبة الكائنة قبل كل الدهور بين الأقانيم الثلاث. وحينما وجدت الخليقة العاقلة، غمرها الله الآب بمحبته بحسب مسرة مشيئته التي قصدها في نفسه. وتمتعت الخليقة بمحبة الثالوث القدوس. وحينما سقطت البشرية كان الله قد دبر لها الخلاص بابنه الوحيد بالفداء على الصليب وبعمل الروح القدس في أسرار الكنيسة. حسب قول معلمنا بولس الرسول: "حين ظهر لطف مخلّصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن. بل بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6). عن حب الله الآب للبشرية قال السيد المسيح: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد الجنس لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). إذن المسألة تتلخص في أمرين: أولهما: إن المحبة كائنة وتمارس في الله قبل كل الدهور. وثانيهما: إن المحبة الإلهية تغمر الخليقة منذ أن وجدت. وتتألق كلما أتيحت الفرصة لذلك مثلما تألقت على الصليب. لهذا فإن عمل الرعاية يرتكز أساسًا على الحب: الحب نحو الله ونحو الخليقة. وقد لخص السيد المسيح كل الوصايا الإلهية في وصيتين: الأولى: محبة الله. والثانية: محبة القريب. وقال إن الثانية هي على مثال الأولى "الثانية مثلها". من هذا المنظور قال السيد المسيح لبطرس الرسول: "يا سمعان بن يونا أتحبني؟ ارع غنمي" (يو21: 16). لذلك فكل من يتقدم إلى عمل الرعاية ينبغي أن يمتلئ أولًا من محبة الله ثم ينطلق نحو محبته للرعية بنقاوة وطهارة على مثال المحبة الإلهية. المحبة ترجو كل شيء هذه العبارة قالها معلمنا بولس الرسول (انظر 1كو13: 7). وإذا طبقناها على عمل الرعاية فمعناها أن الراعي ينظر بعين الرجاء إلى مخدوميه فلا يراهم في ضعفهم وسقوطهم وخطاياهم، بل يراهم في توبتهم وقيامتهم من الخطية وتمتعهم بحياة النصرة. مدركًا أنه "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" (مت9: 12، مر2: 17، لو5: 31) وأن الرب لم يرسله ليدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة. بهذا المفهوم قال معلمنا بولس الرسول: "قوّموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة واصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج، بل بالحري يشفى" (عب12: 12، 13). الرعاية تحتاج إلى صبر واحتمال وطول أناة.. تحتاج إلى حب يحتمل كل شيء، ويصبر على كل شيء، ويرجو كل شيء.. تحتاج إلى حب لا يسقط أبدًا. وقد يحتاج الراعي أن يستخدم التأديب حرصًا على إصلاح شأن من يستهين بطول الأناة. وحرصًا على خلاصه، أو حرصًا على حماية باقي القطيع من أذيته. فبسلاح البر ذات اليمين وذات اليسار يستمر الراعي في خدمته للرعية بطول الأناة والرفق أحيانًا وبالتوبيخ والتأديب في أحيان أخرى، ولكن الهدف باستمرار هو أن تنتصر المحبة ضد كل قوى الظلمة الروحية. الله لا ينسى تعب المحبة كل خادم سيأخذ أجرته بحسب تعبه. والله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة. ولابد أن الخادم الأمين يفرح بثمار تعبه وخدمته ورعايته. فالمحبة كنز لا يفنى ولا يضيع بل هو أبقى من الدهور ويعبر إلى ما وراء الزمان. إن الوجود يفقد معناه بدون المحبة أو كما قال أحد الكتاب المسيحيين [أن توجد معناها أن تحب، وأن تحب معناها أن توجد]. والوجود المقصود هنا هو الوجود في المسيح والذي بدونه يصير الوجود بلا قيمة. ليت الرب يثبتنا في المحبة لكي نثبت فيه ويثبت هو فينا. وليته يشعرنا بمحبته الفائقة الوصف لكي ننطلق بكل قوة في خدمتنا وفي محبتنا. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح |
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس |
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل |
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح |
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص |