20 - 09 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
إنَّ البرهانَ الوحيدَ الذّي يُقنع شَّخصَ بأنَّه حقاً في عَلاقةٍ، هو إدراكه بأنَّه عوضاً عن انشغاله بذاته، ينشغل بآخرُ. فالعَلاقة تتحقَّق بفضلِ الثِّقةِ والولاء؛ فمثلاً إذا ائتمن أحدهما الآخر على بعضِ الأمورِ الشَّخصيّةِ، فما الضمانُ بأنَّ تلك الأمورَ ستظل سراً بينهما؟ فإنْ لم تكن الثِّقةُ المُتبادلةُ هي الضمانَ، فما هو الضمانُ يا تُرى؟! وبقدرِ ما يكون الحبُّ كبيراً، بقدرِ ما يَعظم اليقينُ بالثِّقةِ المُتبادلةِ بينهما. لذلك حتى الله نفسه، يتصرَّف بحسبِ منطقِ العَلاقةِ، فلا يُجبرنا أنْ نحبه وأنْ نُسلِّمَ له أنفسنا؛ ولكنَّه مِن خلالِ ذبيحةِ ابنه يُوحي لنا بحقيقةَ عَلاقته ومصداقيّةَ إخلاصه وعلينا الاختيار؛ ولذلك فالرجاءُ بالله ليس أبداً خداعاً وتضليلاً، فالرجاءُ به لا يخيب أبداً. وتُعتبر المسيرةُ التي يتطلَّبها الحبُّ الزَّوجيّ مسيرةً أصيلةً، ولأجلِ ذلك يمكنها أنْ تُصبح سراً. وقد يعترض البعضُ: ولكن إذا مات الرَّجلُ ليُبيِّن للمرأةِ أنَّه يحبها ويختارها هي، فسوف ينتهي كلُّ شيءٍ! وللردِ على مثلِ هذا الكلامِ، نقرأ (تك 3/ 7)، حيث يدور الحديثُ عن ورقةِ التِّينِ، فنجد أنَّ الإنسان يكتشف أنَّ أعضاءه الجنسيّةَ خُلقتْ مِن أجل الاتحادِ، فيقوم بتخبئتها؛ وعندما يقوم بهذا الفعلِ، فهو يُقدِّم صورةً رمزيّةً للموتِ مِن أجلِ الآخر. فهو يعترف بأنَّ أعضاءه الجنسيّةَ هي منطقةٌ للمودة والألفة، وينبغي أنْ تُكشفَ فقط أمام هذا المخلوق الوحيد الضروريّ مِن أجلِ بلوغ اليقينِ بالعَلاقةِ. ويعني هذا كلُّه أنَّ الإنسانَ قد اكتشف في الجنسِ تلك الحقيقةَ الرَّمزيّةَ للبرهانِ الأعظمِ للعَلاقةِ المُستعادةِ، مِن حيث إنَّه يكشف لشخصٍ واحدٍ فقط حياته الجنسيَّةَ الخاصةَ؛ وبهذا يُصبح الجنسُ التَّعبيرَ عن الإخلاصِ والثِّقةِ الكاملةِ بالآخر. إنَّ البرهانَ الوحيدَ للعَلاقةِ الرَّاسخةِ هو الثَّقةِ التّي تُخلق مِن خلالِ هذه المودةِ والآلفةِ؛ فإنْ نقصت هذا الثِّقةُ، ستبدأ الغيرةُ وعدمُ الإحساس بالأمانِ في القضاء على كلّ شيءٍ. وإنْ لم يملك شخصٌ ما اليقينَ بأنَّه محبوبٌ، فلن يقدر على أنْ يُحبَّ أحداً؛ وبالطبع لا يجب فهمُ هذه العبارةِ الأخيرةِ بشكلٍ مُطلقٍ وحسابيّ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
يتحدث كثيرون اليومَ عن أزمةِ القيمِ، وعن الانعزاليّةِ والرُّوحِ الفرديّةِ، وعن نقصِ التَّضامنِ؛ ولدينا غالباً نوعٌ مِن التَّخوفِ في أنْ نقولَ أنَّ هذا يرجع، على الأرجحِ، إلى انتهاكِ حقيقةٍ الحبِّ الزَّوجيّ. ويحضرني هنا اجتماعٌ لأولياءِ الأمورِ، كان عددُ الحاضرين فيه يزيد على مائتيّ شخص، وقد طرحتُ عليهم السُّؤالَ التَّالي: مَن منكم واثقٌ ومتيقن بأنَّه فعلاً محبوبٌ؟ فأجابني بنعم شخصان أو ثلاثةٌ فقط مِن كلِّ الحاضرين! وهذا يعني ببساطةٍ، أنَّ المجتمعَ الذّي نعيش فيه يبعث على الفرديّةِ والبحثِ عن ضماناتٍ وعن الاستقلالِ الذَّاتيّ ، لأنَّه يفتقد هذا اليقينُ الجوهريّ، يقينُ بالعَلاقة. وفي هذا السِّياقِ يمكننا أنْ نفهمَ إصرارَ البابا يوحنا بولس الثاني في أحاديثه - وله كلُّ الحقِّ في ذلك- على موضوعِ التَّضامنِ الاجتماعيّ. فإنَّ يقينَ الإنسانِ المُتواصلِ بأنَّه محبوبٌ ومُختارٌ هو قاعدة وأساسٌ للتَّعايشِ الإنسانيّ؛ وانطلاقاً مِن هذا، يُصبح الإنسانُ ذاته قادراً على أنْ يُحبَّ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
المسيحُ ذاتُه رفعَ الحبَّ الزَّوجيّ إلى مرتبةِ السِّرِّ لقد رفع المسيحُ هذا الحبَّ الزَّوجيّ ليكونَ سراً. والسِّرُّ كما نعرفه هو علامةٌ حسيّة أسّسها السيد المسيح تشير إلى النعمةِ وتمنحها. يدور الحديثُ في هذا المجال عن مُشاركةٍ شخصيّةِ للزوجين في المسيح، وهو سرُّ أساسيّ وأوليّ يعني التَّواصلُ الفعَّالُ لنعمةِ الله. فإنْ كان سرُّ الزواج يتمُّ ويتحقَّق في الفعلِ الزَّوجيّ، فهذا يعني أنَّه سرُّ، وأن مادته السِّريّةِ توجد هناك حيث يوجد الزَّوجان. إنَّ سرَّ الزواجِ هو السرُّ الوحيدُ الذّي لا تُصاحبه مادةٌ، فلا يلتصق به ماءٌ ولا خبزٌ ولا خمرٌ ولا زيتٌ، كما يحدث في الأسرارِ الأخرى؛ فمادة هذا السِّرِّ هي فقط الحبُّ بين الشَّخصين؛ فالزوجان والكنيسةِ المُمثّلةِ في الكاهنِ والشُّهودِ أي جماعة المؤمنين، يؤكّدون "أنَّ الحبَّ بين الشريكين هو حبٌّ مُعترفٌ به مِن قِبْل الله وعلى مثاله، هو مادةُ السِّرِّ". فلا وجود لهذا السرُّ إنْ غاب الحب؛ فما يوجد هذا الحبَّ المُتبادلَ لدى كلا الشّخصين، أو خدع أحدهما الآخر، فإنَّ هذا الزواجَ يصير باطلاً. ولذلك تُصبح الشَّهادةُ لهذا الحبِّ قَبل الزواج أمرٌ هامٌ للغايةِ؛ فالناسُ يجب أنْ تُلاحظَ أنَّ هذين الشَّخصين هما في مرحلةِ انتقالٍ وتغييرٍ، وأنَّهما أصبحا وسيصبحان باستمرارٍ قادرين على الحبِّ، لأنَّ الحبَّ قد زار قلبهما، كما يقول إفدوكيموف[31]؛ فإنْ لم تكن الأمورُ تسير هكذا، فهي إذن مجردُ مراسيمٍ خارجيّةٍ وكاميراتِ تصويرٍ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
إنَّ الاحتفالَ بسرِّ الزواج، هو بالأحرى، لحظةٌ في غايةِ الأهميّةِ بالنسبةِ لكلِّ الجماعةِ الكنسيّةِ، لأنَّ الاستبصارٌ والوعي بالحبِّ مُؤسسٌ فقط على الثِّقةِ في العَلاقةِ، ويمكن التَّحقَّقُ منه وإثباتُ صحته فقط مِن خلالِ العَلاقاتِ، وبالتَّالي مِن خلالِ الجماعةِ. فينبغي أنْ يُعترفَ بهذا الحبِّ كحبٍّ له نفسُ خصائصِ حبِّ الله، فهو حبٍّ أكثرُ مِن الحبِّ الإيروس، بمعنى أنَّه ليس مُوجَّه فقط إلى شخصٍ واحد، الشَّخصِ المحبوبِ، إنَّما يجب أنْ يتحوَّل باستمرارٍ إلى حبِّ أغابي مع الآخرين أيضاً؛ وبالتَّالي فهو حبٍّ يدخل في عَلاقاتِ مع الآخرين ومع العالمِ، وهو بمثابةِ حريةٍ منـزه عن المصلحةِ الشَّخصيّةِ، في سخاءٍ وإخلاصٍ، ورسوخٍ. وإنْ كان حبُّ الله هو حبٌّ مُطلقٌ، بمعنى أنَّه عطاءٌ كاملٌ لذاته، فلذلك ينبغي على الزَّوجين وعلى الكنيسةِ أيضاً أي جماعةِ المؤمنينِ التحقُّقَ، قبل الزواج، ومِن خلالِ العَلاقاتِ، مِن مدى كون حبُّهما له نفسُ خصائصِ الحبّ الإلهي؟ ففي فترةِ الخطوبةِ، عندما كان كلاهما يرى الآخر في شموله، يختبر الشَّريكان أنَّ الحبَّ كان يقنعهما بمعنى التَّضحيّةِ بأنفسهما؛ فقوةُ الحبِّ تُعرف حقاً، مِن خلالِ الاختبار الحياتي الذي يؤدي بالشخص إلى التخلّي عن مبدأِ إثباتِ الذَّات الأنانيِّ في سبيل إسعاد الآخر. وبهذا المعني، تقدّر الكنيسةُ مُنذ نشأتها الدَّورَ الكبيرَ الذي يحتله الجنسُ، بحيث يستطيع الشَّخصَ أنَّ يتركَ الانجراف وراءِ الإشباعِ الجنسيّ، مِن أجل ثقته الكاملةِ في العَلاقةِ. فإنْ كان هناك حبٌّ بين شخصين، ولم يبلغ هذا الحبُّ إلى قدرته في تقديرِ الآخر والذَّاتِ معاً بشكل شامل، وكذلك تقديرهما أيضاً في كلِّ العَلاقاتِ الأخرى، فالفعلُ الجنسيّ هنا لم ينضج بَعدُ. عندئذٍ يتلاشى المضمونُ الشَّاملُ للعَلاقةِ والذي يُعاش في الثِّقةُ واليقينُ في العَلاقة، كما لو أخذنا كتلةً مِن جبل الثَّلجِ الذّي تحتها دون النظر إلى الجبلَ الذي يحملها. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
وعندما يمتنع الشَّريكان عن إتمامِ الفعلِ الجنسيّ خارج الزواج ويؤجلاه إلى لحظةِ الاعترافِ به من كلِّ الجماعةِ، فهذا يعني أنَّ حبهما هو من حبَّ الله، ذاك الحبَّ الذي يُعطي الكمالَ للجنسِ. وبذلك يقبل الجنسُ مبدأَ الحبِّ الفعَّالِ، فيتمَّ الانتقالُ بفضلِ ذلك مِن جنسٍ قائمٍ على الهوى ومقتصر على الجسدِ، إلى جنسٍ بين جسدين يُعبِّران، مِن خلالِ انتظارهما للاتحاد معاً، عن القيمةِ الفريدةِ التي يراها الواحدُ في الآخر. والكنيسةُ في ذلك كلِّه تعمل على المحافظةِ على معنى الفعلِ الجنسيّ عندما تصون الحبِّ. فعندما يتمُّ اختبارُ الحبِّ في أوضاعِ كثيرةٍ في الحياةِ اليوميّةِ، والتَّحقَّقُ منه أيضاً مِن خلالِ الآخرين وبواسطةِ العَلاقة في الجماعة، وعندما يُعترف بقيمةِ التَّضحيّةِ في سبيلِ الحبِّ تفضيلِ الآخر عِن الذَّاتِ -على الأقلِ بدرجةٍ مُعيّنةٍ- فسيتحد الشَّخصان معاً جنسيّاً ويتذوقان ثمرةَ ذلك الحبِّ القادرِ على الاتحاد. بعد ذلك مهما يحدث، فإنَّ الشَّخصين يكونا قد توحدا معاً حقاً ويمكنهما الآن إتمامَ الفعلِ الزَّوجيّ على ضوء القيامةِ كيقينٍ بالثِّقةِ المُستعادةِ من خلال العَلاقةِ. إنَّ الفعلَ الزَّوجيّ نفسه سينقل الزوجين إلى اختبارِ حبَّ الله، الذي في شخصهما يحبُّ الإنسانيّةَ كلها. لقد جعلتْ الخطيئةُ الأصليّةُ من الجنسَ وسيلةٍ مطبوعةٍ بالأنانيّةِ، ولذلك فإنَّ القدرةَ على التخلّي عن الانجراف وراءِ الأهواءِ هو أحدٌ البراهينِ الأكثرِ قوةٍ للشخصِ المحبوبِ، الذي يدرك بدوره أنَّ الآخرَ يحبه بشكلٍ كاملٍ وأنَّه مُستعدٌ مِن أجله للتَّخلّي عن أي شيء؛ إنَّ هذا البرهانَ هو برهانُ الأمانةِ أو الإخلاصِ، التي هي الخاصيّةُ الأساسيّةُ المُميزة لحبِّ الله. ينبغي أنْ تكون الأمانةُ الزَّوجيّةُ حقيقةً فريدةً وثمينةً بوفاءِ الشَّريكين لبعضهما؛ إذ يربط القديسُ بولس بين أمانةِ الزَّوجين نحو بعضهما وأمانةُ المسيحِ نحو كنيسته، فيقول إنَّه "سرٌّ عظيمٌ"؛ فالحديثُ هنا يدور حول سرٌّ حقيقيّ: حيث يتشابه حبُّ الرَّجلِ والمرأةِ مع حبِّ المسيحِ لكنيسته[32]. فكما وُلدتْ حواء مِن ضلعِ آدم، هكذا وُلدتْ الكنيسةِ مِن جنبِ المسيحِ المفتوحِ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
المعنى الرَّوحيّ يتحاشى المثاليّةَ في الجنسِ رأينا أنَّ المعنى الرَّوحيّ يصل إلى الكشفَ عن الحقيقةِ النهائيّةِ للجنسِ، التي هي الحقيقةِ الأسراريّةِ. ومِن المؤكدِ الآن أنَّه بدون الفهمِ الرَّوحيّ لهذه الحقيقةِ، فإن التَّفكيرُ التأملي حول الموضوعِ يمكن أنْ يخدعنا ويضللنا، وقد يقودنا إلى مثاليّةِ مغلوطةِ تقودنا بدورها إلى نوعٍ مِن عبادةِ الأصنامِ، تأليهٍ للجنسِ؛ وبالتَّالي يمكنها أمام عدمِ التَّوافقِ المُستمرِ مع الواقعِ المعاشِ أنْ تنتهي بنا، إلى خيبةِ أملٍ مريرةٍ. فالمثاليّةٌ، عندما تصطدم مع الحياةِ، تُنشئ ردةَ فعلٍ عكسيّة؛ فبدلاً مِن المثاليّةِ المزعومةِ، تَنشأ رؤيّةٌ طبيعيّةٍ أي رؤيةٌ ماديّةٌ للجنسِ، ومِن ثَمَّ يحمل عدمُ التوافق بين الواقعِ الفعليّ المُعاشِ الناتج من المثاليّةِ، إلى اتهام الأشخاصِ والشَّكوى منهم؛ فيبدأ الشَّريكان في إلقاءِ اللوم على الظروفِ والأحوالِ، أو يعتقدَ أحدهما تحت الإحساس بالذَّنبِ، بعدمِ قدرته على أنْ يحيا الجنسَ بشكلٍ سليمٍ. عندما ننظر إلى المراحلِ التَّاريخيّةِ المُختلفةِ والثَّقافاتِ المُتنَّوعةِ، يتضح لنا وكأنَّ بعضَ الثَّقافاتِ، كانتْ تُؤلّه الجنسَ، واضعةً إياه في صبغاتٍ تصوفيّةٍ؛ في حين أنَّ المجتمعَ وقتها لم يكن قادراً بَعدُ على أنْ يحيا هذه الصبغاتِ التَّصوفيّةِ بشكلٍ مُتزنٍ. حدث نفسُ الأمرِ أيضاً في البيئاتِ الثَّقافيّةِ التي تمَّ فيها تأسيسُ "مثاليّةٍ أخلاقيّةٍ/ فلسفيّةٍ" كبيرةٍ مُتعلِّقةٍ بالجنسِ، فبالمثلِ لم تكن الناسُ حينئذٍ قادرة أنْ تحيا مثلَ هذه المثاليّاتِ؛ فكانوا مِن ثَمَّ يصطدمون بالواقعِ المُعاشِ المُختلفِ تماماً عن المثاليّةِ؛ وقد انتهى بهم الحالُ لأنْ يبتكروا لأنفسهم مجالات أخرى للهروبِ والتَّنفيسِ. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
وعلى عكس ذلك، نجد أنَّ الثَّقافةَ العبرانيّةَ، قد اعتبرتْ دائماً الجنسَ جزءً طبيعيّاً مألوفاً مِن الحياة؛ فكلُّ ما هو إنسانيّ أصيلٌ يتداخل ويرتبط بانسجام مع الواقعِ اليوميّ المُعاشِ. ولقد كشف المسيحُ عن المعنى الحقيقيّ الرُّوحيّ والخلاصيّ للجنس، رافعاً إياه إلى المستوى الأسراريّ. فليس "السرّ" نوع مِن عبادةِ الأصنامِ، "أي تأليهٍ لأمرٍ ما"، ولا هو أيضاً نوعٌ مِن "المثاليّةِ"، إنَّما هو "تحويلٌ وتجديدٌ"؛ بل وأكثر مِن هذا، فالجنس هو تحوُّلٌ للخليقةِ في المسيحِ بواسطةِ طاقاتِ الرُّوحِ القدسِ كتحوُّلِ الخبزِ والخمرِ؛ إنَّه وصولٌ نعمةِ الله إلى الإنسانِ بشكلٍ مُدركٍ وملموسٍ، ولكنَّه ليس نوعاً مِن السَّحر ولا يتعارض مع عمليةِ الخلقِ، بل بالأحرى هو كمالها المُتناغمُ. وعندما نقول "كمالها المُتناغمُ" لا يعني ذلك "رومانسيّةً" مغلوطةً؛ ولكنه يفترض مُسبقاً مسيرةَ الفصحِ، أي مسيرةَ الحبِّ الذي يخلص بفضلِ التَّضحيّةِ بالذِّاتِ. إنَّ الحبَّ الزَّوجيّ هو مسيرةٌ تمرُّ بكثير من الصُّعوباتِ والاضطراباتِ، تمر بفترات من عدمِ التَّفاهمِ والصَّمتِ بل قد تصل إلى الإهاناتِ؛ ولكنَّ الحبَّ، يُقنع الشَّخصَ بأنَّه عندما يموت بسبب الإصرار على استمرار الشَّركةِ فلن ينتهي في الظِّلامِ وإنَّما يعبر دائماً إلى النورِ. وعندما يحيا الزَّوجان هذه الشَّركةِ الشَّخصيّةِ في حياتهما اليوميّةِ، صداقةٌ روحيّةٌ، يجعل البُعدَ الجنسيّ بمعناه الضِّيقِ يحتل مكانةً دائماً أقلَ في العَلاقةِ بين الزَّوجين. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
خطواتُ نضوجِ الحبِّ نحو الرُّؤيةِ الأسراريّةِ للانتقالِ مِن الحبِّ العاطفيّ العشقِ إلى الحبِّ الزَّوجيّ، هناك بعضُ المراحل الخاصّةِ بمثلِ هذه المسيرةِ، تحتاج إلى التَّقديرِ والأخذِ بعينِ الاعتبار. ومع ذلك، ينبغي أنْ يستدعي انتباهنا أيضاً ما يجب فعله، وما يلزم وضعه في الاعتبارِ دون أن نتجاهل ما لا يجب فعله. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
· المُحاورُ الرُّوحيّ "المُرشدُ الرُّوحيّ" تعاني العائلةُ اليومَ من صعوباتٍ مَلحوظةٍ؛ فالشبابُ المُقبلون على الزواج غالباً ما لا يجدون في عائلاتهم صداقةً روحيّةً توجههم وتقودهم لمواجهة متطلبات الحياة الجديدة، فمن ثَمَّ يبحثون لهم عن مُحاورٍ روحيّ في مكانٍ آخر. وغالباً ما يكون هذا المُحاورُ الرُّوحيّ إمَّا زوجين قد تزوجا مُنذ بضع سنواتٍ، وإمَّا كاهناً أو مُكرَّساً ناضجاً روحيّاً. ويعتبر مِن الحكمةِ أنْ يختارَ الشَّريكان في مرحلةِ العشقِ، فترةِ ما قبل الزواج، محاوراً من النوعيّةِ الجيدة، لأنَّنا نعيش اليومَ في عالمٍ متعارض في ثقافتهٍ مع الكثير من قيمِ الحبِّ الذي يجب أن يقوم بين الرَّجلِ والمرأةِ؛ بل لا نبالغ إذ نقول أن الثقافة المُعاصرة تمثل كثير من العقباتٍ والصعوباتٍ للحبُّ الزَّوجيّ والعائلةُ. ولذلك فقَبل اختيارِ المُحاورِ الرُّوحيّ، ينبغي التَّحقُّقُ أولاً مِن أنَّه ناضجٌ حقاً عاطفياً، ولديه صفاتُ وملامحُ الأُبوةِ/ الأُمومةِ الرُّوحيّةِ، وله قلبٌ صاف خالٍ مِن أيِّ مصالحٍ شخصيّةٍ مُتعلِّقةٍ بأحدِ الشريكين، وهدفه الأوحد أن يساعد الشخصين في تحقيقِ إرادةِ الله في حياتهما، كي يصلا إلى الحبِّ والحريّةِ. وطالما أنَّ الخطيبين لم يتزوجا بَعدُ، فمِن المهمِ أنْ يفهما ويُقدِّرا أنَّ الأبَ الرُّوحيّ يبغي خيرهما هما الاثنين؛ ومِن المهمِ أيضاً، وعلى قدرِ المُستطاعِ، ألا يُشعرهما الأبُ الرُّوحيّ ذاته بأنَّه راضٍ عن زواجهما، أو أنَّه على العكس رافضٌ له. فغالباً ما تنشأ عواقبِ وخيمةِ عندما يتدخَّل الأبُ الرُّوحيّ في شئونِ الشَّريكين ويوجههما بدلاً مِن أن يرافقهما في مسيرةِ اكتشاف. وينبغي أنْ يكونَ هذا الشَّخصُ ذو خبرةٍ كافيّةٍ، ولديه معرفةٌ جيدةٌ بالعالمِ والواقعِ، ويعرف أيضاً ثقافةَ الشَّبابِ، وعلي وعي جيد بمراحلِ النموِ الرُّوحيّ؛ ومِن الضروري أيضاً ألا يكونَ فضوليّاً أو مُتَطفلاً أو محباً للتَّحريّ والتَّنقيبِ، وألا يتدخِّل بالذَّات في المجالِ الأخلاقيّ المُتعلِّقِ بالألفةِ والمودةِ الجسديّةِ بين الشريكين. ومِن الأفضلِ أنْ يجدَ الشَّريكان شخصاً يمكنهما أنْ يُخبراه بكلِّ شيءٍ بشفافيّةٍ كاملةٍ، حتى الصُّعوباتِ والشُّكوكِ المُرتبطةِ بالمستوى العاطفيّ؛ ولكن مِن الناحيّةِ الأخرى، مِن المهمِ أنْ يُجيدَ هذا الأبُ الرُّوحيّ استقبالَ كلِّ هذه الأمور وتقديمها لله كصلاةٍ، وأنْ يُحاولَ إيضاحَ وإنارةَ الأمور برؤيةٍ لاهوتيّةٍ وروحيّةٍ، دون أنْ يُقحمَ نفسه فيها. |
||||
20 - 09 - 2014, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: روحانيّة الحب الزوجيّ
مِن المهمِ أيضاً إيجادُ الوقت المُلائم لإقامِة حوار رُّوحيّ بين الثَّلاثةِ، الشَّريكين والأبُ الرُّوحيّ، ومِن المهمِ تدريبُ الشَّريكين على خصوصية السرِّ المصونِ للضميرِ الشَّخصيّ. ومِن المفيدِ أيضاً ألا يطلب أيٌّ مِن الخطيبين مِن الآخر أنْ يروي كلَّ شيءٍ أمام الأبِ الرُّوحيّ، وإنَّما عليهما التَّحدُّثَ بشكلٍ شخصيّ معه. وينبغي على الأبِ الرُّوحيّ بدوره، أنْ يكونَ مُنتبهاً لكلِّ ما يسمعه مِن كلٍّ منهما، وأنْ يتوخى الحذرَ في استعمالِ ما يسمعه، فأحياناً يجب عليه أنْ يلتزمَ الصَّمتَ تماماً؛ فواجبه الأساسيّ هو أنْ يُقود الشَّخصين باستمرارٍ نحو رؤيةٍ شاملةٍ، وعَلاقة منطقِية واستبصارِ واستنارةِ فصحيّةِ؛ فهو يقوم بشكلٍ مُتواصلٍ بمساعدةِ الشَّريكين على الانفتاحِ نحو الاستبصارِ الحقيقيّ مِن خلالِ فكره الرُّوحي، حتى يتجنبوا البطولاتَ الزائفة والتَّضحيّاتِ الوهمية والأحلامَ الرومانسيّةَ ويتفادوا الانهيارات العصبيّةَ...إلخ وعليه أنْ يُذكِّرهما أحياناً بأنْ يأخذا أحد الأبعاد بعينِ الاعتبارِ في وقتٍ مُعيَّنٍ، وفي وقتٍ آخرَ يقدّم لهما بُعداً آخرَ، ثُمَّ يعود لربطه مِن جديدٍ بالبُعدِ الأولِ، حتى تكونَ هناك استمراريّةٌ. ولا يجب أنْ تُفهمَ هذه وكأنَّها مراحلٌ زمنيّةٌ إنَّما كأبعادٍ للحبِّ؛ حيث ينتبه الشَّريكان لبُعدٍ معين في فترةٍ محددة، ثُمَّ مِن خلالِ الصِّلةِ الباطنيّةِ، يكتشفان بُعداً آخرَ... __________________ |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
روحانيّة الحياة الرهبانيّة: |
روحانيّة الحب الزوجيّ 2 |
قراءة في الحبّ.. قبس من وحي روحانيّة القديسة تريزيا |
روحانيّة الرسول |
الإنسان قبـل الحب شيء... وعنـد الحب كل شيء... وبعـد الحب لا شيء |