نياحة مارينا
ولما انتهت سيرة القديسة المباركة الطاهرة البتول وقربت نياحتها وراحتها من هذا التعب العظيم وانتقالها إلى الراحة الأبدية ظهر لها ملاك الرب وبدأ يعزيها قائلا: "طوباك يا عروس المسيح، قد أكملت سيرتك الحسنة، وبعد ثلاثة أيام تنتقلين إلى النياح الدائم إلى حضن السيدة العذراء والدة الإله عوض تعبك وتفرحين بالعرس السمائي وتنالين الأجر، ثم أعطاها السلام وانصرف عنها الملاك.
وأن القديسة مارينا ابتهجت وسجدت لله شاكرة على نعمته، ثم مرضت وانقطعت عن البيعة وصار الولد أفرام يخدمها ويتمم ما فرض عليها وهو يبكى، وهى تعزيه وتصبره وتعظه من الكتب المقدسة، فلما توجه إلى البيعة استعلم منه الإخوة جميعًا عن سبب انقطاع مارينا عن الذهاب للكنيسة فعرفهم أنه مريض فمضى إليه الإخوة فوجدوه مريضا وقد اعتدل في رقاده إلى الشرق فعزوه وصلوا عليه ومضوا إلى الرئيس وأعلموه بمرضه فقال لا شك أنه متعب، وقد قطعت عليه قوانين كثيرة يقوم بها فأرسل إليه الآب بعض احتياجاته من الأكل والشرب مع أحد الإخوة. ثم أن مارينا دعا الغلام وقال له: لقد ربيتك وتعبت معك وقد رأيت سيرتي وأعمالي، وأنا ماض إلى خالقي ووصيتي أن تلتزم بالفروض التي أمر بها الآب ولا تتهاون في شيء منها، وكن طائعا للآب والإخوة المباركين ولا تخرج عما يأمرونك
به وأضف عليه إن قدرت. وأسأل الله أن يجعلك مطيعًا ويؤهلنا للملكوت السمائية. وبعد الوصية أسلمت روحها الطاهرة بهدوء ورفق بغير انزعاج ولا قلق. فصرخ الغلام وبكى بكاءًا شديدًا، ثم أتى إليه جماعة الإخوة وبكوا عليها. وأعلموا الرئيس بنياحة أنبا مارينا وهم في شدة عظيمة من البكاء والنحيب على فراقه، فقال لهم رئيس الدير المجد لله الباقي وحده ولن يبقى صالح أو طالح إلا ومصيره إلى هذه الغاية وهو المجازى لكل إنسان كنحو أعماله.
ثم أن الآب أمر الإخوة الرهبان أن يحملوه إلى الموضع الذي يغسلون فيه كل من يتنيح. فلما حملوه ومضوا به ونزعوا ثيابه وجدوا أنها امرأة فصرخوا جميعا بصوت واحد قائلين يا رب ارحمنا وأغفر لنا خطايانا. فلما سمع الآب هذه الضجة العظيمة
أتى إليهم وقال ما الذي حدث؟ قالوا أيها الآب أن مارينا المبارك وجدناه امرأة، فلما سمع رئيس الدير هذا الكلام صرخ بأعلى صوته ووقع على الأرض مغشيًا عليه، ولما أفاق أخذ يبكى بكاءًا مرًا. ويلطم وجهه، فأقامه الإخوة وأتوا به إلى حيث جسد القديسة الطاهرة فنظرها وهى ملقاة وتعجب من ذلك وسجد عند رجليها وقد أكثر البكاء والعويل وغمره حزن شديد وكان يصرخ قائلا اغفري لي يا عروس المسيح، أيتها الشهيدة بغير سفك دم، وكان يطلب إلى الله متضرعًا قائلًا: اغفر لي يا ربي يسوع المسيح، أنا الذي أغواني الشيطان.. ثم قال لقد أخطأت إليك وأذنبت ذنبًا عظيمًا وأوقعتك في المصائب والتعب العظيم الذي لا يقدر على احتماله أقوى الرجال،والله يعلم غرضي من قبلك. وكان قصدي قطع علة الخطية، ولم يزل ساجدًا تحت قدميها ودموعه تنهمر على الأرض. وأخيرًا سمع صوتًا من السماء يقول أن الله من قبل رحمته غفر لك بطلبة هذه القديسة.
ثم خرجت من جسد القديسة البتول الطاهرة رائحة أذكى من رائحة المسك، وحملوا جسد القديسة البكر الطاهرة إلى دير العذارى وأعلموا الرئيسة بذلك، فحضرت والعذارى وتباركن من جسدها الطاهر.
وأراد الله تعالى إيضاح أمرها وبراءتها وصبرها فحرك صاحب الفندق بالحضور إلى الدير لقضاء أمورًا. فلما علم الرئيس بقدومه خرج إليه مسرعًا فقال له يا أبى ما هذا الجمع العظيم الذي أراه. قال له يا ولدى أن أبانا مارينا تنيح، فأجابه صاحب الفندق وقال، لقد أساء إلى أعظم إساءة وشوه سمعتي وخرب بيتي وجعلني عارًا وهزءًا بين الناس. فقال له الرئيس يا أخي كف عن هذا الكلام وتب إلى الله من هذه الخطية التي صنعتها فأنت الذي أسأت إليه وظلمته وغرني كلامك أنا أيضا فعاملته معاملة قاسية ضارية، وأعلمك الآن أن أنبا مارينا لما تنيح وجدناه امرأة وكانت تتزي بزى الرجال ولم يعلم أحد عنها شيئًا. قم تبارك منها قبل دفن جسدها الطاهر، فلما وصلوا إلى الموضع الذي فيه جسد القديسة تعجب عجبًا شديدًا وصرخ وولول وذر التراب على رأسه وأنتحب وسجد تحت أقدامها وهو يصرخ ويقول اغفري لي يا عروس المسيح جميع ما فعلت، فإني قبلت الباطل وصدقت الكلام الرديء بغير علمي، وقد أخطأت في حقك. وأن جميع الراهبات قد اجتمعن وكفنها وأمر رئيس الدير كل العذارى والأخوة جميعًا أن يوقدوا الشموع ويحملوا أغصان الشجر بأيديهم أمام سريرها ففعلوا.