04 - 01 - 2014, 03:41 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
ليس له أصل مثل إنسان يبدأ الطريق الروحي، ويظهر قليلًا، ثم ينزوي ويبعد، كالنبات الذي ظهر على وجه الأرض، وإذا لم يكن له أصل جف... فما معنى عبارة "وإذا لم يكن له أصل"؟ مثالها إنسان أقدم إلى الحياة الروحية نتيجة هزة معينة، أو تأثر مؤقت بحادث أو بعظة، أو بقراءة معيني، أو نتيجة لمشكلة حاقت، فقال يا رب "إن أنقذتني سأتبعك كل حياتي". وأنقذه الله، فتبعه ولكن إلى حين... وإذ لم يكن له أصل جف. فما هو الأصل؟ الأصل هو حياة الايمان العميقة. وحياة الحب الحقيقية. هو العلاقة الشخصية مع الله، والعشرة، والمعرفة. وليست مجرد الممارسات الخارجية التي لا تنبع من القلب. فالإنسان الذي حياته مجرد ممارسات بدون حب، لا يمكن أن يستمر... فتاة مثلًا، سمعت عظة عن الحشمة والأزياء والزينة، فتأثرت وبدأت تغير مظهرها الخارجي. ولكنها من الداخل لم تتغير. لم تدخل إلى قلبها محبة الله فتغيره. لم تتأسس في داخلها العفة الحقيقية، والزهد في العماليات، والسعي إلى الأبدية. وهكذا قد تستمر مدة في مظهر الحشمة، ولكنها لا تستمر... وإذ ليس لها أصل تجف... أو شاب يقص شعره الطويل، متأثرًا بما من تدريبات روحية في بداية عام جديد. وليس عن اقتناع داخلي بتفاهة هذا المظهر، وببناء الرجولة على أسس سليمة... هذا الشاب قد يبقى هكذا فترة. ثم يطول شعره، فلا يجد دافعًا لتقصيره وينتظر إلى بدابة عام جديد آخر، أو مناسبة روحية أخري. وهكذا يصبح التدين عند أمثال هؤلاء، تدين مناسبات. ليس له أصل قوي، وليس نابعًا من القلب عن إيمان وحب، وإنما هو مجرد تأثرات وقتيه، وانفعالات تزول بعد حين... فهي مثل بيت مبنى على الرمل، بدون أساس. إذن لكي يثبت الإنسان، لابد من أسس روحية توضع داخل القلب وترسخ فيه. ولهذا فإن الروحيات لا تأتي ولا تستمر، نتيجة لأوامر واجبة الطاعة من أب أو أم أو مرشد أو رئيس. إنها تحتاج إلى تكوين علاقة روحية مع الله، علاقة تبدأ داخل القلب، أساسها الإيمان بحياة الروح، وبأهمية الأبدية، وبوجوب تكوين علاقة حب مع الله، حب ثابت وليس مجرد مظاهر أو ممارسات. إنها تبدأ بإصلاح الذات من الداخل. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:42 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
بدء الحكمة مخافة الله نشكر الله الذي منحنا أن نعرف الطريق الروحي الذي يوصلنا إليه. كما وضع لنا علامات الطريق نستدل بها حتى لا نضل. وقد جعل للطريق خطوات منتظمة. كل واحدة منها توصل إلى الأخري والكل يقود خطانا إلى الهدف الوحيد الذي هو الله. فما هي نقطة البدء في الطريق الروحي إنها مخافة الله حسب قول الوحي الإلهي مرتين: بدء الحكمةمخافة الله (أم9: 1). رأس الحكمةمخافة الله (مز111: 10). |
||||
04 - 01 - 2014, 03:43 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
محبة الله ومخافته ولكن البعض قد لا يروقهم الحديث عن مخافة الله. وقد اعتادوا أن نكملها باستمرار عن محبته. وفي الواقع أن محبة الله لا تعارض مطلقًا مع مخافته. إنما هي درجة أعلي منها تجتازها ولكن محتفظة بها. تمامًا مثل تلميذ وصل إلى المرحلة الجامعية. واجتاز مرحلة القراءة والكتابة والحساب. ولكنه لا يزال محتفظًا بهذه المعلومات لا يستغني عنها. ولكن الذين يهربون من مخافة الله يحتجون بقول القديس يوحنا الرسول. " لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18). وللرد على هذا نقول: من منا وصل إلى هذه المحبة الكاملة؟! المحبة التي تحب بها الرب من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (تث6: 5) (متى22: 37) المحبة التي تملك كل مشاعرك حتى ما تعود تحب شيئًا في العالم موقتًا أن " محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). وأنه " إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو2: 15). هل وصلت إلى هذه الدرجة؟ وهل وصلت إلى الحب الإلهي... الذي يجعلك تصلي كل حين ولا تمل (لو18: 1)، بل تصلي بكل عواطفك وأنت في عمق الحب وعمق التأمل؟ إن وصلت إلى هذه الدرجة فلن تخاف، لأن حبك الكامل لله يطرح الخوف إلى خارج. أما إن كنت لم تصل إلى محبة الكاملة. فلا تدعيها لنفسك. ولا تنسب نتائجها الروحية إلى مستواك. إن كنت لا تزال تخطئ وتسقط وتبتعد أحيانًا عن الله. فلا تنسب إلى ذاتك المحبة الكاملة. وإن كنت تفتر أحيانًا في رو حياتك. ولست عميقًا في صلواتك وتأملاتك. فلا شك أنك لم تصل بعد إلى المحبة الكاملة ويفيدك جدًا أن تعيش في المخافة. وثق أن مخافة الله هي الطريق الذي يوصلك إلى المحبة. إن كنت تخاف الله، فسوف تخاف أن تخطئ لكي لا تتعرض لعقوبة الله ولغضبة... وسوف تخاف من السقوط، لأن الخطية تفصلك عن الله وملائكته، وتفصلك عن الملكوت ومجمع القديسين. لذلك فإن مخافة الله تدفعك إلى حفظ الوصايا... وكلما سلكت في طريق الله ستشعر يقينًا بلذة في الحياة الروحية، وتفرح بوصايا الله كمن وجد غنائم كثيرة (مز119). وتفرح بالقائلين لك إلى بيت الرب نذهب وسوف تفرح بهذه الحياة الروحية. وتقول للرب "محبوب هو أسمك يا رب فهو طول النهار تلاوتي" (مز119: 97). وهكذا تنتقل تدريجيًا من المخافة إلى المحبة، ثم تنمو في المحبة حتى تصل إلى المحبة الكاملة، فيزول الخوف. إن الله الذي خلق طبيعتنا، والذي يعرف ضعفنا وميلنا للسقوط، كما يعرف قدرة عدونا الشيطان الذي يجول كأسد يزأر ملتمسًا من يبتلعه هو (1بط5: 8)... إلهنا هذا يعرف تمامًا مقدار الفائدة الروحية التي تكمن في المخافة. لذلك قدم لنا هذه الفضيلة حتى ننتفع بها. وحتى نتدرج منها إلى المحبة تدرجًا طبيعيًا سهلًا، ثم ننمو في المحبة. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
الفوائد الروحية لمخافة الله فما هي الفوائد الروحية لمخافة الله؟ أولًا: هي حصن من السقوط. إنها رادع لنا يمنعنا من ارتكاب الخطية. فإن سقطنا، تكون مخافة الله حافزًا لنا على التوبة... نقول هذا لأن كثيرين من الذين قفزوا إلى محبة الله دون أن يعبروا على مخافته... وأصبح كلامهم كله عن الله المحب العطوف المتأني، الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (مز103: 10)... هؤلاء لم يفهموا المحبة فهمًا سليمًا. ولأنهم لم يتعودوا المخافة، قادهم هذا إلى الاستهانة والاستهتار وعدم الاهتمام بالوصية، وبالتالي إلى السقوط. فما هي المحبة إذن؟ إنها ليست مجرد مشاعر. فالرب يقول: "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو14: 3). والقديس يوحنا الرسول الذي قال إن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، هو نفسه الذي قال في نفس رسالته " لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو3: 18).. فما هي هذه المحبة العملية؟ إنه يقول " إن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه" (1يو5: 3).. طبعًا نحفظها عن حب.. ولكن هذه درجة عالية، يسبقها أن نحفظ الوصايا عن طريق المخافة.. وطبيعة الناس هكذا: لم يولدوا قديسين، بل جاهدوا بمخافة الله، وبالتغصب وقهر النفس، حتى وصلوا إلى المحبة. وهكذا يقول القديس بولس الرسول: " مكملين القداسة في خوف الله" (2كو7: 1). وكيف نكمل القداسة في خوف الله؟ وكيف نطيع أيضًا القديس بطرس الرسول في قوله "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط1: 17). يبدأ الإنسان حياته الروحية بالحرص الشديد من السقوط في الخطية... يخاف من العثرات ومن الاغراءات ومن حروب الشياطين، وغير مغتر بقوته ومقاومته، واضعًا أمامه قول الرسول: " لا تستكبر بل خف" (رو11: 20). وهو أيضًا يخاف أن يغصب الله، ويضع أمامه السيد المسيح له المجد " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد.. بل خافوا بالحي من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 27). " نعم من هذا خافوا" (لو12: 5). هذا هو الخوف من عقوبة الله، يبدأ به الإنسان، وقد يستمر معه طول الحياة.. وقد قال أحد الآباء: أخاف من ثلاثة أوقات: وقت خروج روحي من جسدي، ووقت وقوفي أمام منبر الله العادل، ووقت صدور الحكم على... ولا شك أن هذه الأوقات الثلاثة مخيفة لكل إنسان، إلا للذين عاشوا في محبة الله الكاملة، وتمتعوا بعشرته المقدسة في أعماقها، ولم يعد ضميرهم يبكتهم على شيء. أما الذي يخشي أن ينكشف في حياته شيء يوم تفتح الأسفار، فهذا لابد أن يخاف. والخير أن يخاف الإنسان ههنا، من أن يخاف في يوم الدين.. لأن خوفه ههنا، إنما يقوده إلى التوبة وإلى الصلح مع الله إن أراد. أما ذاك الخوف في يوم الدين، فإنه خوف خرج عن حدود الإرادة البشرية. الخوف ههنا يعطينا حياة الخشوع، وحياة الدموع، ويعطينا الإرادة في الرجوع. ويكون سياجًا لنا في الطريق حتى لا ننحرف... ونحن نقول في صلاة الشكر " امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا، بكل سلام مع مخافتك". عجيب أن أشخاصًا يخافون من الناس، ولا يخافون الله. يخافون أن يخطئوا أمام الناس لئلا يصغر قدرهم في أعينهم. ويخافون أن تنكشف خطاياهم أمام الناس. خوفًا من الفضيحة. ولكنهم مع ذلك يرتكبون أية خطية أمام الله بلا خوف مادام الأمر في خفية عن الناس. إنهم يستغلون طيبة الله ومحبته! ويستغلون إيمانهم برحمة الله وحنوه وتسامحه ومغفرته وقلبه الواسع الذي غفر للزانية ولناكر... ويقودهم هذا للأسف الشديد إلى التساهل في كل حقوق لله عليهم! ويعيشون في حياتهم الروحية بلا جدية، وبلا التزام! وكأن الله إن كان لا يعاتبنا، ولا يعاقبنا، فلا اهتمام من جانبنا.. ونصل بهذا إلى اللامبالاة... إن المحبة الكاملة التي تطرح الخوف هي للقديسين الكبار، وليس للمبتدئين في التوبة أو المقصرين في رو حياتهم. لذلك عش في مخافة الله، ولا تقفز قفزًا إلى المحبة، بطريقة نظرية تدعي فيها ما ليس لك.. ولا تحتقر مخافة الله كدرجة بسيطة لا تصلح لك! إنما ثق تمامًا أنك كنت أمينًا في القليل الذي هو المخافة. فسيقيمك الله على الكثير الذي هو المحبة. إذن في حياتك الروحية بنظام يوصلك إلى الله. وبخطوة سليمة تقودك إلى خطوة أخري بطريقة عملية. دون اشتهاء لمظهرية لها صورة الروحانية ولا توصلك! إن قمة الحياة الروحية هي حقًا المحبة الكاملة. ولكنك لا تبدأ بالقمة. ابدأ بالمخافة. حينئذ تصل إلى القمة دون أن تعثر. وبخاصة في هذا الجيل المستهتر الذي كثرت فيه الخطية والذي كثرت فيه الشكوك والعثرات. والذي يوجد فيه من ينكرون وجود الله أحيانًا ويخاصمونه!! الذي فيه مخافة الله يتقدم كل يوم لأنه يخاف عدم الوصول إلى هدفه. أما الذي ليست فيه مخافة الله فإنه عدم الوصول إلى اسفل.. الذي يخاف الله يري طريق الكمال طويلًا جدًا أمامه: فيحاول بكل جهد أن يصل. مثل تلميذ يجد أمامه مقررًا طويلًا لم يحصل منه عشرة، فيخاف أن يدركه الامتحان دون أن ينتهي منه.. ويدفعه الخوف إلى مزيد من الجهد. ونحن أمامنا منهج روحي طويل يتلخص في كلمتين القداسة والكمال قال لنا الرب " كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى5: 48) وقال أيضًا " كونوا قديسين".. فمن منا وصل إلى هذا المستوي. لذلك نخاف أن يدركنا الموت ولم نصل. ويدفعنا الخوف إلى الجهاد... |
||||
04 - 01 - 2014, 03:46 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
لماذا لا نسلك في مخافة الرب لماذا إذن لا نسلك في مخافة الله؟ هناك أسباب نذكر منها: لا يخاف الإنسان الذي لم يفحص ذاته بعد، ولم يعرف حقيقة وماضية، وخطاياه وضعفاته. ولم يعرف المستوي الروحي المطلوب منه، وما يلزمه من سعي ومن جهد. كذلك لا يخاف الذي لا يضع الدينونة أمام عينية. لذلك تذكرنا الكنيسة بهذه الحقيقة كل يوم في قطع صلاة النوم، وفي قطع صلاة نصف الليل، حتى نستيقظ من غفلتنا في الحياة. كذلك لا يخاف الإنسان الذي تجرفه دوامة العالم فلا يعلم أين هو؟! يلفه العالم في طياته، ويغرقه في لججه، ويجره في مشغوليات لا تحصي بحيث لا يبقى له وقتًا يفكر فيه في مصيره، أو وقتًا يفكر في روحيا ته. وقد يقع في عدم المخافة، لأن الأوساط الخارجية التي تؤثر عليه ليست فيها مخافة الله فتساعده على السير بنفس الأسلوب. والذي لم يصل إلى المخافة بعد، كيف يمكنه أن يصل إلى المحبة؟! بل وكيف يمكنه أن يصل إلى المحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج!! إننا لا نخاف لأننا لا نضع الله أمام أعيننا، فننساه وننسي وصاياه كما قال المزمور عن الخطاة " لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم". وكذلك لأننا نفكر في هذا العالم الحاضر.. ولا نفكر مطلقًا في العالم الآخر وفي الدينونة. لذلك حسنًا قال الكتاب إن القديس بولس الرسول لما تكلم عن البر والدينونة والتعفف، ارتعب فيلكس الوالي (أع24: 25). كذلك نصل إلى مخافة الله إن تذكرنا قول الرب لكل واحد من رعاة كنائس آسيا "أنا عارف أعمالك" (رؤ2، 3). هذه كلها أسباب تمنع المخافة. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
تداريب في مخافة الله 1 حاول أن تخاف الله. على الأقل كما تخاف الناس. الشيء الذي تخاف أن تعلمه أمام الناس. لا تعلمه أمام الله. والفكر الذي تخاف أن يعرفه الناس أو تخاف أن ينكشف عندما تفيق من التحذير، هيا لا تفكر فيه أمام الله الذي يقرأ كل أفكارك ويفحصها. وأعلم أن كل أفكارك ستنشف أمام الخليقة كلها في اليوم الأخير، إلا التي تبت عنها ومحيت. والخطايا الخفية التي تخجل من ارتكابها أمام الناس، فتعلمها في الظلام، حاول أن تخجل منها أمام الله الذي يراها. لتكن لله هيبة تجعلك تستحي منه ومن ارتكاب الخطية أمامه. أتخاف الناس، ولا تخاف الله الذي خلق هؤلاء الناس من تراب. لهذا اسلك أمام الله في استيحاء. واعرف أنه ينظرك ويسمعك في وكل ما تفعله. كذلك احتفظ بهيبة كل ما يتعلق بالله وكل ما يخصه. قف في صلاتك بكل توقير وخشوع لكي تدخل مخافة الله في قلبك... وتذكر أنك تقف باحترام أمام رؤسائك. فكيف لا تكون كذلك أمام الله أيضًا أعط هيبة لكتاب الله: فلا تضع شيئًا فوقه ولا تطالعه بغير احترام. وتذكر أن الشماس يصيح في الكنيسة قائلًا " قفوا بخوف من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس". وإن كنت تهاب كلام الله، فسوف تهاب الله نفسه. استح من ملائكة الله القديسين الذين حولك، يرونك ويسمعونك. واعرف أن أخطاءك البشعة تفصلك عن عشرة الملائكة فينصرون عنك، ويتركونك إلى اعدائك المحاربين لك. وعليك أن تخاف من هذا جدًا. كذلك استح من أرواح القديسين الذين يرونك في الخطية، هو وارواح معارفك، وأصدقائك بل واعدائك الذين انتقلوا. اسلك في مخافة الله لتصل إلى محبته. وتذكر قول الرسول " أحبوا الأخوة... خافوا الله" (1بط2: 17). وقول الملاك في سفر الرؤيا " خافوا الله وأعطوه مجدًا" (رؤ14: 7). واعلم أن مخافة الله موجودة في العهد الجديد... كما في العهد القديم ومحبة الله موجودة في العهد الجديد. ها قد حدثتك عن مخافة الله... ولكنها موضوع طويل أرجو أن أضع لك فيه كتابًا إن شاء الله... |
||||
04 - 01 - 2014, 03:48 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
التغصُّب هو البداية العملية يختلف كثير من المرشدين الروحيين في تعريف ما هي الفضيلة التي تعتبر بداية للطريق الروحي. فالبعض يقول إنها التوبة. لأن التوبة هي نقطة التحول في حياة الإنسان. يترك بها الماضي بكل أخطائه ويبدأ علاقة مع الله. والبعض يقول إن نقطة البداية التي تسبق التوبة هي جلسة مع النفس ومحاسبتها. وبهذا بدأ القديس أوغسطينوس والإبن الضال. والبعض يقول إن بداية الطريق وأساس الفضائل كلها. هو التواضع وانسحاق القلب. وهو الذي يقود إلى التوبة ويحفظها مستمرة. والبعض يقول إن بداية الطريق الروحي هي المعرفة. وتأتي بخدمة الكلمة. وبها تنكشف للإنسان مبادئ وقيم. هي التي تؤثر على مفاهيمه وعلى مشاعره، فيبدأ طريقًا جديدًا يوصله إلى محاسبة النفس وإلى التوبة انسحاق القلب والتواضع. ولكن بعض القديسين يقولون إن المعرفة والجلوس مع النفس والتأثيرات، كلها أمور نظرية، وقد تكون خارجية. ولكن الطريق العملي، حتى داخل حياة التوبة، هو التغصُّب أو الجهاد الروحي. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:49 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
ما هو التغصب؟ التغصب هو أن يغصب الإنسان نفسه على السير في الطريق الروحي. حقًا إن الحياة الروحية بمعناها السليم، هي أن الإنسان يحب الله ويحب الخير ويحب الملكوت السماوي، ويسلك في حياة البر والنقاوة بكل رضي القلب، ويشعر بأن عشرته مع الله هي ملء السعادة وشهوة قلبه. ولكن هل كل الناس يبدءون بهذا المستوي؟ كلا، بلا شك. محبة الله قد تكون نهاية الطريق. أو قمة العلاقة مع الله. وليست هي نقطة البدء إنما قد يبدأ بالمخافة.. وكما قال الكتاب " بدء الحكمةمخافة الله" (أم9: 10). يستيقظ الإنسان إلى نفسه، فتبدأ مخافة الله تدخل إلى قلبه، فيخاف من دينونة خطاياه ومن غضب الله، ويخاف أن يأتيه الموت وهو غير مستعد له. وهذا الخوف يدعوه إلى أن يغير طريقه. ولكن كيف يغير طريقة؟ يغيره بالتغصب. لأن محبة الله لا تكون قد ملكت على قلبه منذ البداية. وهكذا يكون التغصب هو نقطة البداية العملية في الحياة الروحية. إنسان دخل جديدًا في الطريق الروحي. لم يتدرب بعد على الصلاة ولم يتعود المكوث فيها طويلًا، وليست له المشاعر الروحية التي تساعده على صلاة الحب والعاطفة والخشوع والتأمل. ولكنه يغصب نفسه على الصلاة وإن حروب بإنهائها يغصب نفسه على الاستمرار فيها. يشعر بالليل أنه مثقل بالنوم: وأن متعب جسديًا، وليست لدية قوة على الوقوف للصلاة، وليست له رغبة في ذلك. ولكنه يغصب نفسه على ذلك واضعًا أمامه قول ماراسحق: اغصب نفسك على صلاة الليل. وزدها مزامير. يغصب نفسه على الصلاة، وعلى الوقوف أو الركوع أو السجود في الصلاة وتركيز فكره أيضًا، مانعًا إياه من الشرود والسرحان. |
||||
04 - 01 - 2014, 03:50 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
التغصب والنمو قال أحد الآباء: لو انتظرت إلى أن تصل إلى الصلاة الطاهرة. ثم بعد ذلك تصلي. فإلى الأبد ما تصلي. وذلك لأن الصلاة الطاهرة ليست هي نقطة البدء، إنما هي قمة العمل الروحي. أما أنت، فاغصب نفسك على عمل الصلاة، حتى لو كانت صلاة مثقلة بالنوم أو شاردة في الفكر، أو بدون تأمل... ربما ينظر الله إلى تعبك وجهادك وصبرك وإصرارك. ويشرق عليك بنعمته. أو يرفعك درجة إليها... ونفس الوضع نقوله بالنسبة إلى كل فضيلة من الفضائل... قد لا تبدأ ممارسة الصوم بمحبة للصوم واشتياق إلى الجوع، ولكنك تبدأ بأن تغصب نفسك على ذلك. وقد لا يكون لك اشتياق إلى قراءة الكتاب المقدس والتأمل في كلماته، ولكنك تغصب نفسك على القراءة. وبالمثل تغصب نفسك على التوبة. وعلى الاعتراف. وعلى حضور الاجتماعات الروحية. كما تغصب نفسك على التسامح وعلى دفع العشور. وعلى تقديس يوم الرب وضبط اللسان، وضبط الحواس. وهكذا أيضًا في الصمت، وضبط الفكر. بل إنك إن لم تستطيع أن تغصب نفسك على مقاومة أخطاء اللسان، فإنك تصلي قائلًا " ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حينًا لشفتي" (مز141: 3). |
||||
04 - 01 - 2014, 03:52 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب معالم الطريق الروحي - البابا شنودة الثالث
التغصب فضيلة مرحلية ولكن، لعل سائلًا يسأل. وهل يقبل الله الفضيلة التي بتغصب وهي خالية من الحب؟! أقول أولًا: إنها ليست خالية من الحب. فلولا الحب ما كنت تفعلها. ولكنه حب مبتدئ، تقاومه عادات النفس القديمة، وتقاومه ارتباط بالمادة والجسد، وتقاومه محاربات الشياطين ومعطلات عديدة... والله يقبل هذا التغصب باعتباره لوًا من الجهاد الروحي. ومحاولة لقهر النفس... وقد قال سليمان الحكيم "من يملك نفسه، خير ممن يملك مدينة" (أم16: 32). والله يعرف تمامًا أن العمل الروحي ليس سهلًا على المبتدئين، كما يعرف أيضًا ما يقابله من حسد الشياطين، ومن مقاومتهم. ولعله من أجل غصب النفس على السير في الطريق الروحي، قال الرب: "ادخلوا من البابا الضيق.. ما أضيق الباب وأكرب الطريق. الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه" (متى7: 13، 14). ولكن الباب لا يستمر ضيقًا على طول الخط. إنما يكون في أوله. وكلما يمارس الإنسان العمل الروحي يجد فيه لذة، ويجد فيه حياة جديدة تجذبه إليها. فيكلمه في حب ويسعي إليه في اشتياق قلب... وهكذا قد يبدأ الصلاة بتغصب وإذ يجده لذة روحية في الصلاة. يمارسها بعد ذلك بشوق وحب. ولكن الشيطان يهزأ بالتغصب، ويحاول أن يتخذه وسيلة لإبطال العمل الروحي..! يقول لك: هل من الأدب الحديث مع الله، أن تصلي هكذا بتغصب؟! أين الحب الذي قال عنه داود النبي " باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز63). وحينئذ يدعوك أن توقف هذه الصلاة احترامًا لمثاليات الصلاة النقية المملوءة حبًا وخشوعًا!! ومن المحال أن تبدأ بالكمال... المهم عند الشيطان أن يوقف صلاتك وبالمثل يوقف كل عمل روحي تعمله. وهو خلال ذلك يتهكم على هذا التغصب الذي ربما يكون هو السبب فيه... أما الله فإنه يري الحروف التي يتلفظها الطفل بلا معني، هي أولي درجات الكلام في طريقة إلى الكمال... ويري تحركات الطفل المتعثرة هي أول الخطوات في السير المنتظم والسريع. إن ابطال العالم في القفز وفي الجري وفي السباحة بدأوا طفولتهم بحركات متعثرة. ثم تدرجوا نحو الكمال. لهذا نحن لا نتحتقر التغصب ولا يحقره الله، بل يشجعه، لكي ينمو، ويسعي نحو الحب الإلهي... المهم أن التغصب لا يبقي تغصبًا، إنما يكون مجرد خطوة تتحرك إلى أفضل.. لتأخذ مثالًا في التغصب الذي يتدرج إلى الحب.. العطاء.. يقول الكتاب المعطي المسرور يحبه الله (2كو9: 7). فهل تمتنع عن العطاء. حتى تصل إلى درجة المعطي المسرور. أو المعطي بسخاء (رو12) وما ذنب الفقير أو المحتاج لعطائك. وأنت لم تصل بعد إلى هذه الدرجة؟! الوضع السليم أنك تعطي ، ولو تغصبًا نفسك على دفع العشور من أجل الفقراء إليها. ثم تطور إلى أن تغصب نفسك أيضًا على دفع البكور، والنذور، وكل حقوق الله في مالك.. ومن هنا تتطور إلى أن تبذل كل مالك لأجل غيرك، ولا تعود تتغصب في عطائك.. ولعلك تسأل كيف؟ إنك كلما تلمس سعادة الناس وحل مشاكلهم بما تعطيه. حينئذ تنتقل هذه السعادة منهم إليك. وتشعر بفرح في العطاء فتعطي بسرور. وتعطي مرحلية. وإن كان الله يعطي أجرًا على المحبة التي في داخل كل فضيلة، فهو أيضًا يعطي أجرًا على التغصب، غير ناس تعبك في الانتصار على المعوقات التي تأتيك من الخارج، أو تأتيك من داخل نفسك... إنك بالتغصب تروض نفسك وتروض جسدك. وتروض أرادتك. فالحيوان الذي يضعون النير على عنقه، لكي يجر عربة أو محرثًا أو قصابية أو نورج، قد يرفض أولًا ويتمنع ويهرب. ولكنه بالترويض، يحني عنقه بكل راحه تحت النير لكي يؤدي عمله بهدوء ورضي. إن الرفض كان في مرحلة الابتداء، والتذمر والهروب والرفض، كان مرحلة وانتهت إلى الرضي... فكم بالأولي الذي يرضي ينفذ ولو متغصبًا... إنها مسألة مرحلية. وربما يدخل في التمرن على التغصب، ما نسميه بالتداريب الروحية. الإنسان في نضوجه الروحي يعمل الخير تلقائيًا. أما المبتدئ فيحتاج إلى التداريب. وقد يفشل في تداريبه بعض الشيء في بادئ الأمر ولكنه بالتغصب والاصرار وبالجهاد الروحي يحول ما يدرب نفسه عليه إلى صفة ثابته فيه. يقول القديس بولس الرسول في جميع الأشياء قد تدربت أن اشبع وأن أجوع. أن استفضل وأن انقص (في4: 12). وكلما كان التدريب صعبًا، يكون الانتصار فيه ذا أجر أكبر. ففي التغصب تقوية لإرادة الإنسان وتوجيه لهذه الإرادة نحو الخير. |
||||
|