فمن الواضح أن الروح القدس هو الذى أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ فى صورة الميلاد
أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هى التى ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.
لماذا ثلاث هدايا؟
إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هى إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التى لإله واحد فى الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.
فهـو ملك وكـاهـن ونبى ولكن ليـس نبى مثـل باقى الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن فى نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكاً عادياً. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذى كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبى فهو ليس مجرد نبى عادى. فمثلاً تـنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته فى اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات فى حينها. وتنبأ أيضاً عـن نهـايـة العـالم. وسيتم ذلك لأن السـيد المسيح هـو الذى تنبأ بها.
وأهم نبوة قيلت “ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنـسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالمـوت ويسـلمونه إلى الأمم. فيهزأون بـه ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم” (مر10: 33-34).
وكانت هذه هى أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسـيح أى أن المر إشارة إلى أنه نبى. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.
لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحى خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضاً }هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المسـاء على الجلجثة{ (لحن “فى إيتاف إنف vaietafenf” الـذى يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر فى تسبحة يوم الأحد).
فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب فى طاعة كاملة. وفى سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التى قبلها الآب السماوى، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذيـن يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون فى المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضاً معه.
إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبى، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعى إذ ظهر فى الهيئة كإنـسان أن يـقول بعض الأمور التى تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلاماً عادياً مثل أى إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئاً هاماً جداً بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه “أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده” (لو24: 26).