05 - 09 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
-10- إن صلب المسيح، كما كلّ تجسده، يسمّى إفراغاً للذات ?kenosis?، أي تنازل ابن الله وكلمته. لكن هذا الإفراغ متطابق مع الملء، لأن ابن الله وكلمته ألّه الإنسان. وعليه، الصليب هو رمز للغلبة والنصر. المسيح المصلوب أظهر أيضاً الطريقة التي بها حرّر الجنس البشري من عبودية الشر والموت، كما وأسلوب سلطانه على البشر. لهذا السبب، استبدل رسامو الأيقونات الحروف الأولى للكلمات التي وضعها بيلاطس على الصليب ?يسوع المسيح ملك اليهود (I.N.B.I.)? بالحروف الأولى لعبارة ?ملك المجد?. تشير هذه العبارة إلى أن المسيح بالصليب هو ملك المجد والنصر فعلياً. يكتب الرسول بولس إلى الكورنثيين أن أيّاً من عظماء هذا الدهر لم يعرف المسيح، لأَنْ ?لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ? (1كورنثوس 8:2). إن الذي صُلب ُسمّي ملك المجد، ليس لأن الطبيعة الإلهية تألّمت، لكن على ما ذكرنا سابقاً، بسبب الاتحاد الأقنومي للطبيعتين الإلهية والبشرية فالكلمات غالباً ما تُستعمل في موضع بعضها، فيُسَمّى الاسم الإلهي بشرياً والبشري إلهياً. وهذا لأن المسيح واحد، أقنوم الإله-الإنسان واحد. ولهذا السبب يُسمّى المصلوب ملك المجد (غريغوريوس النيصّي). بما أن المصلوب هو ملك المجد يعني أيضاً أن الصليب هو عرش ملك المجد. تماماً كما كان لملوك الماضي عروشهم، ومن عليها كانوا يحكمون رعاياهم، أيضاً الصليب هو عرش المسيح. وبالواقع، يشير الموت الملوكي على الصليب إلى طريقة المسيح الغريبة بالحكم والمُلك، كما يفسّرها القديس نيكولا كاباسيلاس. لم يبقَ المسيح حيث كان، ولم يرسل الملائكة لدعوة البشر وتخليصهم، بل ?هو بنفسه راح يسعى إليهم?. لقد نزل إلى السجن وحرّر الإنسان مفتدياً إياه بدمه الكريم. هذا ما يظهر اتّضاعه. لقد أظهر محبته العظيمة، إذ لم يكتفِ فقط بتعليم البشر، ولم يحتجزهم بالخوف، كما يفعل حكّام العالم، ولم يخضعهم بالمال، بل بسلطته كإله، أتحَد ذاته بالذين يسود عليهم. هو ذاته صار صديقاً للبشر وأباً وقلباً. لقد قادهم ?بفرح يفوق فرح الأصدقاء، وببراعة تفوق براعة الطغاة، وبحنان يفوق حنان الأب، وبطبيعية تفوق طبيعية الأعضاء، وبملازمة تفوق ملازمة القلب?. لقد ساس المسيح شعبه بالمحبة، فهو صاحب سلطان لم يأخذه من أحد، لكنّه في الوقت عينه لا يحكم بالرعب والحقد، لأن هذه الأعمال لا تكوّن السلطة الحقيقية. ترتبط الحرية أيضاً بالتواضع والمحبة. بالرغم من أنّه يحبّ البشر، إلا أنّه لا يوجّههم من دون إرادتهم الحرّة. لم يكن فقط رب أجسادهم وسيدها، بل أيضاً رب نفوسهم وإراداتهم. إنّه يقود شعبه، تماماً كما تقود النفس الجسد والرأس الأعضاء. يظهر الرب المصلوب طريق السلطة الحقيقية. إنّ الحكم الفعلي يتميز بالتواضع والمحبة واحترام الحرية. وبهذه الطريقة ?حكم المسيح مملكته الخالصة الحقيقية?. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
-11- إن كلمة ?مصالحة? هي كلمة رائعة وتشير إلى سرّ محبة الله كما عُبِّر عنه على الجلجثة. الفعل هو ?صالَح? وغالباً ما يستعمله الرسول بولس في رسائله. في كلامه عن محبة المسيح في موته على الصليب، يقول ?لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ? (روما 10:5). هنا يظهر بوضوح أن البشر بعد السقوط عادوا إلى الله، وأن هذه المصالحة تمّت بموت المسيح. لا يعني الكلام أن الله عادى البشر بل هم عادوه. وفي رسالة أخرى يشير الرسول بولس إلى خدمة المصالحة: ?وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ.? (2كورنثوس 18:5-19). أيضاً في هذا المقطع ظهر أن الله صالح البشر مع نفسه بواسطة يسوع المسيح. إن قوة المصالحة، محبة الله، مرتبطة بشدة بحقيقة الصلب التاريخية، لأن بالصليب غلب المسيح الشيطان والموت والخطيئة. يشير الرسول بولس في رسالته إلى كولوسي إلى أن المسيح ألغى الصكّ المكتوب ?مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، 15إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ? (كولوسي 15:2). بهذا المعنى يكون صليب المسيح رمز سرّ مصالحة الإنسان وتوافقه مع الله. من ناحية ثانية، المصالحة ومحبة الله للبشر هما قوة الله غير المخلوقة التي تمّ تفعيلها في كل العصور وكانت تخلّص الإنسان قبل الناموس، وفي الناموس قبل التجسّد وبعده، وقبل التضحية على الصليب وبعدها. بالفعل، هناك درجات مختلفة لعيش سرّ المصالحة، لكن الدرجة الأعلى للتعبير عنه وعيشه هي حدث الصلب التاريخي، بالتحديد لأن المسيح بموته غلب قوة الموت. إن سرّ المصالحة كان فاعلاً أيضاً في أبرار العهد القديم، لأنّهم أيضاً بلغوا التألّه، مع فارق أنّهم ذهبوا إلى الجحيم لأنّهم لم يكونوا قد التقوا بعد بحقيقة الصلب ولم يكن الموت قد غُلِب بعد وجودياً. بتضحية المسيح على الصليب، اختبر أبرار العهد القديم أعظم امتداد لسرّ المصالحة وموت الموت، عندما نزل المسيح إلى الجحيم وحرّرهم من مملكة الموت. وبالتالي، سرّا المصالحة والصليب كانا أيضاً فاعلين في العهد القديم كخبرة للتألّه، ولكن ليس كخبرة التغلّب على الموت التي تمّت في الحدث التاريخي لصلب المسيح وقيامته. إذاً، عندما نتكلّم عن تصوير الصليب في العهد القديم، لا نعني رمزية بسيطة وتوقعاً بسيطاً لمجيء المسيح إلى العالم وصلبه، بل تعبيراً عن سر المصالحة مع الله ومحبته، وبالطبع من دون أن يكون الموت قد غُلِب. ليست المسألة مجرّد تذكّر وتصوّر، بل هي سر المصالحة واختبار محبة الله والاشتراك في قوته المطهّرة المنيرة المؤلِّهة. علينا أن نظهر أيضاً أن سرّ المصالحة والنعمة غير المخلوقة التي ظهرت بالصليب هو أمر مختلف عن المشاركة بنعمة المصالحة غير المخلوقة ونسك الكنيسة. هذا يعني أن الإنسان لا يخلُص لأن المسيح صُلب بل عندما يعيش الحياة الأسرارية للكنيسة ويجاهد نسكياً للمشاركة في القوة المطهّرة المنيرة المؤلِّهة، أي عندما يُصلَب هو بنفسه بنعمة الله. تُظهِر كل هذه الأمور أن التعليم الأرثوذكسي عن سر الصليب كسرِّ مصالحة الإنسان مع الله، يختلف عن التعليم البابوي والبروتستانتي. الأول يحكي عن مصالحة الله مع الإنسان وليس الإنسان مع الله، بينما الثاني يشير إلى حقيقة الصلب التاريخية لكنه يفصلها عن سرّ المصالحة في الأسرار والنسك في المسيح. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
-12- يتّفق الإنجيليون، في إشارتهم إلى أحداث الصلب، على أنّ المسيح مات حوالي الساعة التاسعة، التي هي الثالثة بعد الظهر. كما يتّفقون أنّه من الساعة السادسة (الثانية عشرة ظهراً) إلى التاسعة كان هناك ظلام على كلّ الأرض. يقول الإنجيلي مرقس أن اليهود صلبوا المسيح عند الساعة الثالثة (التاسعة صباحاً). لا يوجد أي إشارة إذا ما كان الحكم قد أُصدِر عند الساعة الثالثة أو إذا ما كان المسيح قد سُمِّر فعلياً على الصليب في ذلك الوقت. الحقيقة هي أن المسيح بقي مسمّراً على الصليب لساعات طويلة. خلال هذا الوقت الذي كان فيه المسيح في ألم عميق، نطق بسبع كلمات أو عبارات. في ما يلي سوف أعالج هذه الأقوال السبعة إذ نجد فيها نقاطاً لاهوتية مرتبطة بالالام والصلب. الكلمات الأولى هي الصلاة لأبيه ليغفر خطايا اليهود: ?يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ? (لوقا 34:23). بحسب ليون البيزنطي، تشير هذه العبارة إلى أن المسيح هو وسيط بين الله والإنسان. إذ بعد الذي فعله اليهود والرومان للمسيح، كان باستطاعة الآب أن يجازيهم، لكن المسيح سأل الآب أن يغفر لهم إذ، بعد الصلب والعنصرة، قد يرجع كثيرون، مثل الرسول بولس واستفانوس وآخرون، ويعترفون بأنّه ابن الله. من ثمّ صلّى إلى أبيه، ليس لأن الآب لم يعرف رغبة الابن، ولا لأن الابن كان يشكّ في رغبة الآب، كون إرادة الآب والابن واحدة، بل لأنّه أراد أن يظهِر أباه وأن يظهِر أنّه ابن حقيقي من نفس طبيعة أبيه حتى على الصليب. عند اعتماد المسيح وعند تجليه سُمع صوت الآب: ?هذا هو ابن الحبيب الذي عنه رضيت?، وبهذا الصوت أظهر الآب ابنه وقدّمه للبشر. الآن الابن يصرخ حتى على الصليب: ?يا أبتي، اغفرْ لهم?، لأنّه يريد أن يردّ الشهادة بمثلها. في كل الأحوال، هذه كلمات أساسية لأنّها عملت فعلياً في الذين تابوا وصاروا تلاميذ المسيح. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
-13- يشير القول الثاني إلى تلميذه يوحنا وإلى والدته، اللذين كانا حاضرين عند تلك اللحظة المؤلمة على الجلجثة. لأمه قال: ?يا امرأة، هوذا ابنك!?. ولتلميذه يوحنّا قال: ?هذه أمّك!? (يوحنّا 26:19-27). بحسب القديس ثيوفيلاكتوس، على المرء أن يتعجّب عند نظره هذه الأمور، لأن المسيح يفعل كل شيء على الصليب برباطة جأش، فهو يهتمّ بأمّه، يحقق النبوءات، يفتح الفردوس للص، بينما قبل الصلب كان يحتضر ويعرق. يظهر من هذا أنّ ما سبق الصلب كان من الطبيعة البشرية، بينما ما جرى على الصليب كان من القوة الإلهية. من ثمّ، بحسب المفسّر نفسه، يُظهِر اهتمام المسيح أن العذراء كانت فعلاً أمّه، منها أخذ جسده البشري، وهو يهتمّ لأمرها كثيراً. بهذه الطريقة أظهر أنّه إنسان حقيقي، يهتمّ بأمّه، تاركاً لنا مثالاً لنهتمّ بأمّنا إلى نَفَسِها الأخير، وبأنّه كان يقدّر تلميذه يوحنّا كثيراً حتى أنّه جعله أخاه. هذا الأخير مميز جداً لأنّه يعلّمنا أنّه علينا أن نبقى في المسيح حتى عند ألمه لأنّه عندها يأخذنا في أخويته، أي أنّه يعتبرنا إخوة له. إن ألم والدة الإله هو إتمام لنبوءة سمعان البارّ بأن سيفاً سوف يعبر في قلبها. بما أن العذراء لم تتألّم في حبلها وولادتها، فقد كان عليها أن تتألّم عند رحيل ابنها لتثبِت أمومتها. إلى هذا، كلمات المسيح هذه تظهِر أنّ البتول المحبوبة أُعطيَت للتلميذ البتول، والتي يحبها أُعطيَت للذي يحبه (زيفاغنوس). عندما تكبر الشركة مع المسيح تكبر الشركة مع العذراء، والعكس صحيح. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:41 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
-14- القول الثالث للمسيح على الصليب كان جواباً على الاعتراف الخلاصي للصّ. عندما قال لصّ اليمين: ?اذكرني متى أتيتَ في ملكوتك?، أجاب المسيح: ?لك أقول أنّك اليوم تكون معي في الملكوت? (لوقا 42:23-43). هذا التأكيد من المسيح لا يعني أنّه كإله لم يكن في تلك اللحظة في الملكوت وأنّه كان ماضياً إلى هناك، بل هو كان يتحدّث كإنسان، لأنه كان ?كإنسان على الصليب، لكن كإله في كل مكان، هناك وفي الملكوت، مالئاً الكل? (القديس ثيوفيلاكتوس). لقد كان المسيح في الوقت نفسه على الصليب وفي القبر، في الجحيم بالروح كإله، في الملكوت مع اللص، وعلى العرش مع أبيه، بحسب ما تقول إحدى الطروباريات. يشير البعض إلى الفرق بين الفردوس والملكوت. القديس ثيوفيلاكتوس، مفسِّراً قول المسيح للصّ، ضامّاً إياه إلى قول الرسول بولس بأنّ أيّاً من القديسين لم يتلقَّ الوعد، يقول أن دخول الفردوس ودخول الملكوت هما أمران مختلفان. لم يسمع أحد ولا رأى الأمور الحسنة التي في ملكوت الله، بحسب كلام الرسول بولس: ?مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»? (1كورنثوس 9:2)، بينما عين آدم رأت الفردوس وأذنه سمعته. في ذلك الحين بلغ اللص الفردوس الذي هو ?مكان راحة روحية?، وبعد أن يجيء المسيح ثانية ويقيم جسده سوف يتمتّع بالملكوت. إذاً، ?اللص بلغ الفردوس لكنه لم يبلغ الملكوت? الذي سوف يتمتّع به في المجيء الثاني. حتى ولو اعتبرنا أن الفردوس والملكوت هما الشيء نفسه، علينا أن نفهم أنّ منذ الآن، نفس اللص، كما نفوس القديسين، تتمتّع بتذوّق مسبَق للملكوت، ولكن عند الظهور الثاني ومجيء المسيح سوف يتمتّعون به بشكل كامل بأجسادهم المُقامة، بحسب درجة توبتهم وتطهّرهم (القديس ثيوفيلاكتوس). |
||||
05 - 09 - 2014, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
15. القول الرابع للمسيح على الصليب هو صرخته: “إلهي إلهي لماذا تركتني؟” (متى 46:27). ينبغي تفسير هذا القول بطريقة أرثوذكسية، في إطار التحليل التفسيري لآباء الكنيسة القديسين، وإلاّ قد يكون هرطوقياً. هذا لأن بعض السكولاستيكيين والعقلانيين يحاولون تفسير هذه الكلمات بقولهم أنّ هذا الألم أتى من ترك الطبيعة الإلهية للطبيعة البشرية للحظات على الصليب حتى يحسّ المسيح بالألم.في الدرجة الأولى، هذا القول مرتبط بأحد مزامير داود الذي هو مزمور مسيحاني بامتياز كونه يشير إلى تجسد المسيح وآلامه الخلاصية والذي يبدأ كما يلي: “لماذا يا ربّ تنساني؟” (مزمور 1:22). هذا مزمور نبوي لأنّه يظهِر آلام المسيح على الصليب. لم يكن المسيح يكرّر المزمور آلياً بل بالتكرار كان يحقق النبوءة. بالطبع رؤيا النبي أتت أولاً والمسيح جاء ليحقق كل النبوءات التي قيلت عنه. القديس غريغوريوس اللاهوتي، مفسِّراً هذه الصرخة، يقول أن المسيح لم يكن متروكاً لا من أبيه ولا من ألوهيته، وكأنّه خائف من الآلام أو منكمشاً من العذاب. إذاً ما الذي جرى؟ بهذه الصرخة “وضع المسيح على نفسه ختمَ ما علينا”. بتعبير آخر، في تلك اللحظة تكلّم المسيح عنّا، لأننا نحن كنّا المتروكين والمهمّشين ومن ثمّ اتُّخِذنا وخُلِّصنا بآلام غير المتألّم. وفي تفسيره لهذا، القديس كيرللس الإسكندري، يقول أن المسيح: “تخلّى عن فهم الآلام وغفرانها”. إن إخلاء الذات عند المسيح الذي بدأ بتجسده بلغ ذروته وهذا ما سُمّي تخلياً. لقد ركّزنا في التحليل السابق على أنّ في المسيح كانت الطبيعتان الإلهية والبشرية متحدتين بلا تغيّر ولا انفصال ولا انقسام، بحسب تحديد المجمع المسكوني الرابع. هذا يعني أنّهما لم تنفصلا ولم تنقسما ولا حتّى افترقتا ولهذا السبب نحن نشترك في جسد المسيح ودمه. إذاً صرخة المسيح إلى الآب تعبّر عن صرختنا لفقداننا الشركة مع الله بالخطيئة. إلى هذا، لقد تألّم المسيح عنّا. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
16. يشير قول المسيح الخامس على الصليب إلى حقيقة مأساوية وهي العطش. قال المسيح “أنا عطشان” (يوحنا 28:19). يقول يوحنا الإنجيلي بشكل مميّز: “بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ:«أَنَا عَطْشَانُ».” (يوحنا 28:19).هذا أيضاً هو نبوءة من العهد القديم وبالحقيقة في نفس المزمور الذي رأينا سابقاً والمعروف بمزمور “العون”. هناك، عندما يشير كاتب المزامير إلى نسيان المسيح وإلى نقاط أخرى كثيرة في الصليب متعلقة باليهود المتعطشين إلى الدم وإلى سلوكهم الشرير، يقول: “يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ الْمَوْتِ تَضَعُنِي.” (مزمور 15:22). يقول الإنجيلي القديس أنّ المسيح قال “أنا عطشان” لكي تتحقق هذه النبوءة أيضاً. هذا حقيقة وينبغي فهم أنّ النبي الملك عندما أشار إلى عطش المسيح، كان يعاين ما سوف يجري وليس أن المسيح قال هذا ليتمّ النبوءة. سبب العطش كان الجفاف العظيم في الجسد بسبب التعرّق مما يجعل الجسد بحاجة إلى الماء لتعويض ما يفقده. هذا ما جرى للمسيح، فالأمور التي مرّ بها وخاصةً الساعات الطويلة على الصليب وخسارة الدمّ والماء سببت له عطشاً لا يُحتَمَل. هذا يظهِر أن جسد المسيح على الصليب كان جسداً حقيقياً وليس خيالياً، وأن المسيح تألّم فعلاً من أجل خلاص البشر. إضافةً إلى ذلك، علينا أن ننظر إلى هذا من وجهة نظر أن لا شيء جرى للمسيح بالإكراه، لأنّه هو تألّم وعطش عندما أراد أن يتألّم ويعطش، إذ عندما أرادت الطبيعة الإلهية، سمحت بأن تتألّم الطبيعة البشرية. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
17. القول السادس الذي تبع طلب الماء هو “قد تمّ” (يوحنا 30:19). معنى “قد تمّ” مرتبط ليس فقط بتحقيق كلّ النبوءات، بل أيضاً بعمل الفداء والخلاص لكل البشر. إنّه ذروة تضحية المسيح الافتدائية. هنا نحن على قمة إفراغ ابن الله وكلمته لذاته، ويمكننا أن نقول أكثر أننا مواجَهون بعمق تواضع الله. لم يكتفِ المسيح بالتعليم بل “وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.” (فيليبي 8:2).لقد نطق المسيح بهذه الكلمات منتصراً. يقول الإنجيلي مرقس: “فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.” (مرقس 37:15). أن يقول المسيح مباشرة قبل خروج نفسه من الجسد أن “قد تمّ” بصوت عظيم، يظهِر أنّه كان ذا سلطة وقوة عظيمتين. المسيح دعا الموت، فهو مات عندما أراد ولم يضعف كما يفعل عادةً المقبِلون على الموت. فالمألوف هو أنّ الإنسان قبل موته يكون بلا قوة وتدريجياً يختفي. لكن هذا لم يجرِ مع المسيح فقد تصرّف على الصليب كإله-إنسان. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
18. القول السابع والأخير للمسيح مرتبط بالقول السابق بحسب ما يدوّنه الإنجيلي لوقا: “وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ.” (لوقا 46:23). الطريقة التي مات بها المسيح على الصليب تظهِر أنّه مات “بسلطان سيّد” وليس مثل رجل عادي. المسيح نفسه، كإله، صاحب سلطان على الموت، لأنّه مات عندما أراد وليس عندما جاء الموت. لقد أسلم نفسه إلى أبيه ما يعني أن الشيطان لم يكن له سلطة عليه. إلى ذلك الحين كان الشيطان والجحيم قد أخذا نفوس البشر. من خلال هذا الصوت السيدي أحرزت نفوسنا التحرر من الشيطان لأول مرة. قبل موت المسيح، كان للشيطان حقٌ على نفوس البشر ولكن من تلك اللحظة، من لحظة تسليم المسيح نفسه لله وليس للجحيم، بلغ الذين في الجحيم الحرية (القديس ثيوفيلاكتوس). لهذا السبب، الصليب هو مجد الكنيسة، ما هو بالتأكيد شديد الارتباط بقيامة المسيح. لا يمكن فهم الصليب من دون القيامة، ولا القيامة من دون الصليب.هذه الصيحة العالية من المسيح، التي هي قوله السابع والأخير على الصليب، ينبغي ربطها بما يقوله الإنجيلي يوحنا: “وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ.” (يوحنا 30:19). علينا أن نهتمّ لهذه العبارة الموجَزة. في كل البشر، كل الأمور التي تجري معاكسة لما جرى مع المسيح، لأنهم يموتون أولاً، أي أن النفس تخرج أولاً من الجسد، ومن ثم يفقد الرأس توازنه ويسقط. لكن ما جرى للمسيح معاكس. فقد نكس رأسه ومن ثمّ أسلم روحه. يلاحظ القديس يوحنا الذهبي الفم: “فهو لم ينكس رأسه عندما أسلم روحه، كما يحدث معنا، بل عندما نكس رأسه أسلم روحه”. هذا يظهِر أيضاً ما شدّدنا عليه سابقاً وهو أن للمسيح سلطان على الموت وبالتالي “عندما أراد مات” (زيغافنوس). يظهر أنّه “سيد الموت وقد قام بكل شيء اختيارياً” من كونه نكّس رأسه من ثمّ “أسلم روحه” لأبيه (القديس ثيوفيلاكتوس). لقد قام بكل شيء من نفسه وبحسب إرادته. لم يكن في المسيح شيء قسري. لقد أراد أن يتّخذ جسداً قابلاً للموت والفساد، وسمح لجسده بأن يفعّل ما يعرف بالأهواء البريئة، وهو نفسه كسيّد للحياة والموت، أمر الموت بأن يأتي. وقد فعل المسيح كل هذا تدبيراً لكي يُباد الموت. يقول القديس يوحنا الدمشقي أن الموت مثل عبد أطاع أمر الله وانتبه بخوف ورعدة. هذا كان بالضبط موت الموت. وكما يضع الصيادون الصنّارة تحت الطعم ليمسكوا السمكة، هكذا أيضاً الألوهة كانت الصنارة والجسد الفاني الطعم الذي به قبض الله على الشيطان والموت عندما التهما طبيعة المسيح البشرية القبلة للموت (القديس غريغوريوس النيصّي). يقول القديس غرغوريوس بالاماس أن الصليب أيضاً هو الطعم الذي به قُبِض على الموت والشيطان لأن المسيح مات عليه. |
||||
05 - 09 - 2014, 04:42 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: آلام المسيح وصلبه
19. في حين أنّ الفعل “رقد” يُستَعمَل كثيراً، في الكتاب المقدّس والنصوص الآبائية، للكلام عمّن تركت نفسه الجسد، لإظهار أنّه مات لكنّه يعيش بالرب، لأن الموت لم يعد له لا قوة ولا قدرة، فلم يُستَعمَل هذا الفعل في الكلام عن المسيح. هذا لإظهار أنّه مات فعلاً، أي أنّ موته ليس ظاهرياً ولا خيالياً بل حقيقة. إذ لو لم يمت لما كان هناك قيامة.الموت هو انفصال النفس عن الجسد. فالمسيح قدّم نفسه وروحه لأبيه، لكن هذا لا يعني أنّ هناك أيضاً انفصال للوحدة بين الطبيعتين الإلهية والبشرية. إذا كنّا نؤمن بأن الشخص البشري لا يُمحى بالرغم من انفصال نفسه عن جسده، فكم بالحري هذا ينطبق على المسيح الإله-الإنسان. يقول القديس يوحنا الدمشقي أنّه بالرغم من أنّ المسيح مات كإنسان وانفصلت نفسه عن جسده الطاهر، بقيت الألوهية غير منقسمة في كِلَي النفس والجسد، وبقي أقنوم الكلمة بالرغم من رحيل نفسه عن الجسد. إلى هذا، لم يكن لنفس المسيح وجسده شخصيتهما الخاصّة بمعزل عن أقنوم الكلمة. وهكذا حتى ولو انفصلت النفس عن الجسد فقد كانا متحدين أقنومياً في الكلمة. هذا يعني أن نفسه نزلت إلى الجحيم مع الألوهة لتحرير أبرار العهد القديم من سلطة الموت، بينما بقي الجسد في القبر مع الألوهة، من دون أن يصيبه الفساد والانحلال، بالضبط لأن الألوهة الموحَّدة كانت هناك. بهذه الطريقة، النفس والجسد متحدين بالألوهة “يكسران سلاسل الموت والجحيم”، بحسب ما نرتّل في الكنيسة. النفس مع الألوهة كسرت سلاسل الجحيم، والجسد مع الألوهة قطّع قوة الموت إرباً. القديس قوزما المنشئ أسقف مايوما عبّر عن هذه الحقيقة اللاهوتية في إحدى طروباريات قانون السبت العظيم: “أيّها الكلمة لقد قُتلتَ لكنّك لم تنفصل من الجسد الذي ساهمتَ به، لأنّه ولو انحلّ هيكلك في حين الآلام إلا إنّ أقنوم لاهوتك وناسوتك واحد فقط وفي كليهما لم تزل ابناً فرداً كلمة الله إلهاً وإنساناً” (الطروبارية الأولى من الأودية السادسة). |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الفداء من آلام الرب وصلبه وقيامته |
موت المسيح وصلبه في القرآن |
نبوات عن آلام السيد المسيح وصلبه |
آلام المسيح وصلبه وقيامته: جوهر البشارة |
آلام السيد المسيح وصلبه - دراسة بين التاريخ والعلم والطب - |