منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17 - 07 - 2014, 02:53 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

الموت خاتمة الأتعاب وبدء الراحة الأبدية

قال الرسول بولس "لِىَ الحَيَاة هي المَسِيحُ والمَوتُ هو رِبحٌ.. لِىَ اشْتِهَاءٌ أنْ أَنطَلِقَ وأَكُونَ مع المَسيحِ ذَاكَ أَفضَلُ جدِّاً" في (23، 21:1) وقال "نَثِقُ ونُسَرُّ بِالأَولَى أنْ نَتَغَرَّبَ عَن الجَسَدِ ونَسْتَوطِنَ عِندَ الرَّبِّ" 2كو (8:5) وقال المرتل: "عَزِيزٌ في عَينَىِ الرَّبِّ مَوتُ أَتقِيائِهِ" مز (15:116) وقال سمعان الشيخ "الآنَ تُطلِقُ عَبدَكَ يا سَيِّدُ حَسَبَ قَولِكَ بِسَلامٍ لأنَّ عَينَىَّ قد أَبصَرَتا خَلاصَكَ" لو (30، 29:2) وقال يوحنا الرسول في رؤياه "وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ». «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ»" رؤ (13:14).
الموت هو انفصال النفس عن الجسد حتى يزول عنه مبدأ الحياة وينحلّ إلى عناصره الأصلية. فالتراب يعود إلى التراب الذي أُخذ منه. وترجع الروح إلى خالقها الذي أعطاها. فالموت إذاً ليس هو مُلاشاة الإنسان وفناؤه. بل هو انفصال فقط فإنَّ الروح العاقلة خالدة لا تموت وفي جوهرها لا تقبل الانقسام والتجزؤ. ولا توجد قوة في الكون تقدر أنْ تُلاشيها فإنَّ الجسد الذي هو مسكن لتلك الروح ينهدم وينقض بعد خروج النفس وانطلاقها إلى عالم الخلود.
ويُعبَّر عن الموت في العهد القديم بالذهاب في طريق الأرض كلها. يش (14:23) وبالسلوك في طريق لا عود منها أي (22:16) بالانضمام إلى قومنا تك (33:49) وبالانحدار إلى أرض السكوت مز (17:115) وبالعود إلى التراب تك (19:3) ومز (29:104) وبالانحسام أي (2:14) وبالبروح كالظل أي (2:14).

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
وفى العهد الجديد يُعبَّر عن الموت بالنوم يو (11:11) وينقض بيت خيمتنا الأرضي 2كو (1:5) ويخلع مسكننا 2بط (14:1) ويطلب الله النفس لو (20:12) وبإسلام الروح أع (10:5) وبالانطلاق في (23:1) وبالانحلال 2تى (6:4) وبرقاد في المسيح 1كو (18:15) و1تس (14:4) وبالاستيطان عند الرب 2كو (8:5).
كان الموت في الأصل عقاباً على الخطية ولكن مُخلِصنَا كسر شوكته وأباد سلطته وحوَّله إلى واسطة للانتقال إلى حياة جديدة سعيدة. فالموت ليس سوى رقاد هادئ، ونوم تعقبه اليقظة في دار الخلود. ولذلك قال السيد عن موت لعازر. أنه قد نام وأنا ذاهب لأوقظه يو (11:11) وقال الرسول بولس "ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ" 1تس (14، 13:4).
فالذين ينتقلون وهم مؤمنون بالمسيح لا يُدعَون موتى بل أنَّهم رقدوا واستراحوا في الرب على رجاء القيامة. فهُم رقود لا أموات. وقد وصلوا الميناء الأمين حيث نالوا عربون السعادة إلى أنْ يحصلوا على كمال الأمجاد في السماء في القيامة المجيدة،بعد النوم الصحو وبعد الرقود اليقظة. فما الموت إلاَّ راحة من عناء أتعاب وغموم هذه الدنيا. وكما أنَّ النائم بعد نهار صُرِفَ في التعب والعمل يشعر بالراحة في نومه إلى أنْ يستيقظ مُجدَّد القوى في النهار التالي، هكذا الموت فإنَّه راحة ونوم هنئ للمؤمنين. لا تتخلله أحلام مزعجة إلى أنْ يقوم في الحياة الجديدة في صباح القيامة المجيد بحياة مجيدة.
إنَّ المسيح له المجد هو الذي أنار لنا الحياة والخلود وبقيامته صار باكورة للراقدين فمَنْ مات في المسيح لاقى الموت بهدوء ورجاء، واجتاز الظلمات بلا خوف قائلاً مع داود النبي "إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي" مز (4:23). قال الرسول بولس "لأَنَّ هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ.. فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ». «أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟». أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلكِنْ شُكْرًا للهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" 1كو (15: 53ـ57).
فما الموت إذاً إلاَّ رقاد لذيذ تعقبه راحة أبدية لا نهاية لها. وخاتمة أتعاب انتهت. وبدء حياة جديدة بمجد أبدى. وميلاد جديد سرمدي. هو وإنْ كان مخيفاً ومُفزعاً لأنَّه يفصل بين النفس والجسد المتحدين إلاَّ أنَّه حامل في يده مفتاحاً ذهبياً للصديقين، يفتح لهم أبواب السماء للدخول إلى الراحة الأبدية. وما أسعد الراحة بعد التعب وما أشهى المكافأة بعد العمل والتعب وما أفضل نَيل الأكاليل بعد الجهاد والكفاح. لذلك قال الرسول عندما شعر بقرب انحلاله "فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ. قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا" 2تى (4: 6ـ8).
السفينة مادامت في البحر فهي عرضة للخطر. والمسافر لا يزال جزعاً حتى يصل إلى الميناء. هكذا نحن مادمنا في العالم فنحن عُرضة لسهام التجارب. وما أكثر التجارب التي تُلاطمنا والأنواء التي تُهاجمنا. لأنَّنا نجاهد ضد الأهواء. فإنْ قهرنا الجسد نهض الطمع. وإنْ ذللنا الطمع ناصبنا الغضب. وإنْ انتصرنا على الغضب قاومنا الحسد. وهكذا لا تزال سلسلة أعداء تلو بعضها تناصبنا وتبارزنا ولا تكف عن الأذى مادمنا في الجسد. قال الرسول "لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" غل (17:5) وهذا العراك دائم مادمنا في الجسد. ولكن الموت يفصل بين هذا النزاع فيَكُفُّ الحرب ويهدأ الخصام وكما قال الرسول "لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ" (رو 7:6) فبالموت يتم الانتصار ويبطل الخوف ويكون السلام التام.
انظر إلى الحياة ترها جهاداً في جهاد وتعباً وألماً وحزناً وبؤساً، وأصوات البكاء تتردد فيها، وأَنَّات الآلام وزفرات الأتعاب تتصاعد من كل قلب مُعلنة صنوف الشقاء. وهذه كلها لا تنتهي حتى ينتهي الجسد. ومتى تأملنا في كل ما حولنا صرخنا مع النبي قائلين "قُومُوا وَاذْهَبُوا، لأَنَّهُ لَيْسَتْ هذِهِ هِيَ الرَّاحَةَ" مى (10:2) وأعطينا الغبطة للذين رقدوا، ولسان حالهم يقول مع المرتل "ارْجِعِي يَا نَفْسِي إِلَى رَاحَتِكِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكِ" مز (7:116) فهذه الدنيا ليست دار راحة لنا فإنَّنا سنبقَى فيها مُغرَّبين إلى أنْ نستريح بالله.
لما خرج بنو إسرائيل من أرض الضيق والعبودية انطلقت ألسنتهم بالترنم والتهليل راقصين، وفي أيديهم الصنوج والدفوف، وجازوا البحر الأحمر وسلكوا في البرية ودخلوا أرض كنعان، هكذا نحن لا نجد مقراً لراحتنا إلاَّ بانتهاء جهادنا ودخولنا ديار السلام والأمن. مَنْ لا يُسرّ حين يرى ذاته وقد دخل الميناء بسلام ونجا من مخاطر كثيرة وكيف نبكى على مَنْ فاز بالراحة وخلص من أنواء الدنيا ودار الهلاك وسيول الرزايا وظلام هذه الحياة واستنار بنهار الأبدية. إنَّ الذي يسكن بيتاً منهدماً مائلاً إلى السقوط لا يرتاح إلاَّ بالخروج منه فرحاً بنجاته. فكيف بنا ونحن سكان بيوت من طين مُعرَّضين للأخطار والمتاعب في كل حين.
لو وَعَدَ أحد الملوك شخصاً بائساً بأنَّه بعد زمن قصير يُسكِنَه في قصره الباذخ الممتلئ بكل أنواع الأبهة والجلال ويجلس على مائدته ويكون في حضرته على الدوام. ألا يقضى ذلك المسكين أيامه بأنين من الشوق منتظراً قرب الأجل لإتمام وَعْدْ الملك له ليترك كوخه الحقير ويقطن ذلك القصر البهيج. على هذا المثال قد أعدَّ الله لنا مكاناً في السماء ووعدنا بأنْ نكون معه. قال ربنا له المجد "فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا" يو (3، 2:14) وقال الرسول "وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" 1تس (17:4) وقد وعدنا بالميراث الأبدي والمجد معه في السماء. وكل مجد العالم لا يساوى ذرَّة بالنسبة لبهاء الملكوت. وكل أدهار الحياة الدنيا لا تقاس بدقيقة من دقائق السعادة الأبدية. فلماذا لا تلتهب قلوبنا شوقاً انتظاراً لرؤية وجه الرب والانعتاق من ديار الألم والتعب للوصول إلى دار مجد يفوق العقول. ومتى أقبلت ساعة خروجنا من العالم ألا يجب أنْ نفرح حين نُفارق عالماً حقيراً زمنياً لندخل عالماً سعيداً أبدياً. ما أحب تلك الساعة لدى الصديقين فإنَّهم يلاقونها بتهليل إذ بعد قليل يتمتعون برؤية مُخلِصَهُم. إنَّ نظرة واحدة في وجه مُخلِصَهُم المبارك لَهِىَ أثمن بما لا يقاس من ألوف مثل هذا العالم. ومَنْ ذا الذي يحزن ويجزع وهو يعلم أنَّه منطلق إلى بيت أبيه لينال ميراثه الأبدي حيث لا دموع ولا وجع ولا بكاء ولا حزن بل شبع سرور ومجد لا يُنعت. ميراث لا يفنى ولا يضمحل وأبدية لا تنتهي. ومَنْ لا يقول حينئذ مع داود النبي "كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟". مز (2، 1:42) ويقول مع بولس الرسول "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا". في (23:1).
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

انتظار القيامة

قيامة الأجساد حقيقة من الحقائق الكبرى التي تنتظرها نفوسنا إذ هي قاعدة إيماننا ورجائنا بل هي إيمان جميع الأمم والشعوب وهى الأساس العظيم الذي بُنِيَت عليه الأديان حتى الوثنية، وعلى هذا الإيمان نشأنا وبهذا الرجاء نحيا ونموت ونُبعث أحياء في دار الخلود. وإذا راجعت أقوال رجال الله وتعليم الوحي التي أوردناها عن القيامة اتضحت لك هذه الحقيقة وقد دُعيت القيامة قيامة الأجساد حذراً من توهم فناء النفس وموتها مع الجسد ثم يقوم كلاهما معاً في يوم القيامة. لأنَّ الوحى يُعلِّمنا أنَّ الإنسان مُؤلَّف من جزئين أحدهما النفس الناطقة الخالدة والآخر الجسد الكثيف المأخوذ من تراب الأرض. فبالموت ينحلّ كيان الجسد ويعود إلى عناصره الأصلية. أمَّا النفس فإنَّها تبقى إلى الأبد لا تفنى ولا تتلاشى. لذلك قال سليمان الحكيم "فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا" جا (7:12) ونتعلَّم من الكتاب أنَّ نفوس الأبرار تنتقل بعد الموت إلى الفردوس وتكون مع المسيح لتأخذ عربون السعادة والمجد (مت46، 34:25، لو22:16، لو43:23، يو26:11، يو3:14، 2كو5: 1ـ8، فى23:1، 1تس10:5) وتبقى نفوس الأشرار في سجن الظلام محفوظة إلى حكم اليوم العظيم (مت46، 41:25، لو24، 23:16، يه7، 6:1، 1بط19:3، 2بط9:2) وأمَّا نصيب النفس من السعادة الكاملة أو العقاب الكامل فلا يكون إلاَّ بعد أنْ تلبس النفوس أجسادها وتقوم في يوم القيامة.
وقد ورد في العهدين القديم والجديد ذكر قيامة البعض من الموت كإقامة إيليا ابن الأرملة 1مل (17: 22ـ24) وإقامة أليشع ابن المرأة الشونمية 2مل (4: 32ـ37) وإقامة المسيح لعازر بعد أربعة أيام يو (44، 43:11) وإقامة ابنة رئيس المجمع مت (9: 23ـ25) وابن الأرملة لو (15، 14:7) وإقامة بطرس الرسولطابيثا بعد موتها أع (40:9) وإقامة بولس الرسول الشاب أفتيخوس أع (20: 9ـ12) وذلك لكي تتأكد حقيقة القيامة.

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
وبما أنَّ النفوس غير مائتة وميَّالة من طبعها إلى البقاء في الأجساد البشرية لأنَّها جزء من الإنسان فيُعتبر افتراقها عن الأجساد مُخالفاً لطبيعتها فلا يُمكن أنْ يكون مؤبَّداً بل لابد من رجوعها واتحادها بأجسادها يوماً ما. وقد أقام مخلصنا الحجة على الصدوقيين وأثبت لهم القيامة بخلود الأرواح بقوله له المجد "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ، أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ الْقَائِلِ: أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ" مت (32، 31:22) وقد كتب بولس الرسول إلى أهل تسالونيكى يقول "حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا، بَيِّنَةً عَلَى قَضَاءِ اللهِ الْعَادِلِ، أَنَّكُمْ تُؤَهَّلُونَ لِمَلَكُوتِ اللهِ الَّذِي لأَجْلِهِ تَتَأَلَّمُونَ أَيْضًا. إِذْ هُوَ عَادِلٌ عِنْدَ اللهِ أَنَّ الَّذِينَ يُضَايِقُونَكُمْ يُجَازِيهِمْ ضِيقًا، وَإِيَّاكُمُ الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ" 2تس (1: 4ـ7) فالبشر لا يحظون بالسعادة كاملة حاوية جميع الخيرات طالما استمرت النفس مفترقة عن الجسد لأنَّه كما أنَّ كل جزء انفصل عن الكل هو ناقص لا محالة، هكذا النفس المفترقة عن الجسد، فينتج من ثَمَّ أنَّ لابد من قيامة الأجساد حتى يستوفى الإنسان كله حظه من السعادة الكاملة. لهذا قضى عدل الله أنْ يُعَيِّن يوماً فيه يدين المسكونة بالعدل حيث يُلاقى كُلٍ مكافأته بحسب ما صنع. فستعود تلك الأجساد البالية التي عفت آثارها واندثرت تحت التراب طويلاً ويُسلِّم البحر الأموات الذين فيه. ويُسلِّم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ويُدان كل واحدٍ بحسب أعماله رؤ (13:20).
انظر إلى هذه الحياة تَرَ كثيرين من الأشرار متمتعين برغد الحياة ورفاهية العيش، غارقين في شهوات ولذَّات مختلفة. بينما تَرَ أكثر الأتقياء مضنوكين متوجعين يُلاقون البلايا المتعددة والآلام المختلفة. انظر أيضاً تَرَ منظراً أرهب وهو أنَّ الفضيلة منزوية مختفية والرذيلة قائمة منتصرة. فكيف يكون الله عادلاً لو لم يُعَيِّن يوماً فيه تُكلَّل الفضيلة بتاج الفخر والمجد. وتُعاقب الرذيلة ويظهر خزيها وينفضح عارها. ستكون إذاً قيامة "فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ" يو (29:5) ستكون قيامة كي تنتصر الفضيلة وتُعاقب الرذيلة ويظهر البرّ ويخزى الإثم. ستكون قيامة كى تكون التزكية ونيل إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه يع (12:1). ستكون قيامة كي نُعاين مجد الرب بوجهٍ مكشوف حين يُرفع الحجاب ونتغير إلى تلك الصورة من مجد إلى مجد كما من الرب الروح 2كو (18:3) ستكون قيامة كي يُضئ الفاهمون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور دا (3:12).
هذا هو الرجاء الذي به نحيا ونسير على نوره في سلوك طريق الفضيلة لأنَّ الزارع على رجاء أنْ يحصد والمجاهد يجاهد على رجاء أنْ ينال إكليل الظفر والنصر. قال الرسول "وَلِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ؟ إِنِّي بِافْتِخَارِكُمُ الَّذِي لِي فِي يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا، أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ. إِنْ كُنْتُ كَإِنْسَانٍ قَدْ حَارَبْتُ وُحُوشًا فِي أَفَسُسَ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ لِي؟ إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ، «فَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ!»" 1كو (32، 30:15) وقال "وَلكِنْ إِنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُكْرَزُ بِهِ أَنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَكَيْفَ يَقُولُ قَوْمٌ بَيْنَكُمْ إِنْ لَيْسَ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ؟ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ، فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ! إِذًا الَّذِينَ رَقَدُوا فِي الْمَسِيحِ أَيْضًا هَلَكُوا! إِنْ كَانَ لَنَا فِي هذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ، فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ. وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" 1كو (15: 12ـ20) وقال "هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ" 1كو (52، 51:15).
التفتوا إلى مشهد هذه الحياة فماذا ترون فيها من السعادة؟ أليست هي كمسرح تُمثل فيه كل يوم بل كل ساعة فصول محزنة مؤلمة. وأدوار مؤثرة مبكية من ظلم وسحق واغتصاب. كم من الدموع التي تُذرف. وكم من الأنَّات التي تتصاعد من القلوب. وكم من الأوجاع التي يتألم بها بنو البشر. لا نزال نسمع بزلازل وزوابع وعواصف وبراكين تُخرب ممالك برمتها وحروب يفنى فيها أعزّ الرجال. يوجد بلاء في البحر وشقاء في البر، وموت جشع لا يشبع يُرسل رسله إلى القصور المنيعة الباذخة كما يُرسلهم إلى الأكواخ الحقيرة. لا يزال العالم يرسل لنا حسكاً وشوكاً من الأتعاب والبلايا. هوذا البكاء والنحيب والأنين وزفرات الألم التي تتصاعد من القلوب كل يوم تشهد أنَّ لا سعادة في هذه الحياة. فلو حُكِمَ علينا أنْ ندوم إلى الأبد على هذه الأرض بدون رجاء بحياة أخرى يسكن فيها البرّ ونجد فيها السعادة والراحة الأبدية لحُسبت هذه الدنيا كسجن مؤبَّد للعقاب أو كمنفى عذاب للمجرمين. ولكن لنا إيمان يتوقع وينتظر حياة غير هذه الحياة. حياة أبدية لا بكاء ولا أنين فيها في نهارٍ طويل لا يعقبه ليل، ونور دائم لا يعتريه ظلام. نهار سعيد مفرح يُضئ على الدوام بأشعة الحق الأعظم في مقر المدينة السماوية ودار الأبدية السعيدة.
يعدنا الرسول قائلاً "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ.. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ" رو (8: 18ـ25).
لقد نلنا من الله هبات كثيرة ونِعَم غزيرة وبركات وافرة. لنا إيمان ثمين ورجاء حي ومحبة مقدسة لنا التبني وميراث المواعيد السماوية. لنا مجداً لا يُنعت ولا يضمحل مكتوب لنا في السموات. ولكن كل ذلك يُدعى عربوناً وباكورة إلى أنْ ننال الكمال في يوم القيامة ومَنْ يحصل على العربون لا يقف عنده بل لا يزال يتشوَّق وينتظر الحصول على الكمال. إنَّ الأسير يئن شوقاً إلى الرجوع لرؤية أولاده وأهله. والأولاد في المدرسة وهم صغار يَعِدُّون أيامهم وساعاتهم انتظاراً لميعاد خروجهم كي ينطلقوا بسرور للرجوع إلى بيوتهم والتمتع برؤية والديهم. فنحن الذين لا نزال مقيدين في الدنيا لا نجد راحة ولا نزال نئن مُنتظرين ذلك اليوم الذي نرى فيه وجه مُخَلِّصَنا. كل شيء يأبَى النقص ويريد الكمال، ومادمنا في الدنيا فنحن في حالة النقص والعَوز. إذ "هذَا الْفَاسِدَ لاَبُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ".
إنَّ الذين انتقلوا وحازوا عربون المجد والسعادة لا يزالون حتى الآن منتظرين كمال الراحة ونيل ملء المجد حين تقوم أجسادهم بصورة عدم الفساد وعدم الموت. قال يوحنا اللاهوتي في رؤياه: أنه رأى تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. أنهم أعطوا كل واحد منهم ثياباً بيضاء وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأخوتهم أيضاً العتيدون أن يقتلوا مثلهم رؤ (11، 9:6).
كان من عادة الرومانيين أنَّ القائد الظافر لدى حضوره إلى مدينته يأتي إلى بيته خِفيَة وهناك ينام مُستريحاً ويتمتع بأصحابه وأهل بيته مدة أسبوع أو أسبوعين إلى أنْ يأتي الوقت المُعيَّن الذي فيه يخرج من بيته ويدخل المدينة رسمياً علانيةً، وحينئذ يُعترف به وتُفتح له الأبواب ليدخل بالعز والمجد ويسير بموكب حافل في وسط المدينة إلى الكابيتول (دار الحكومة) بين هتاف الفرح وضجات السرور. هكذا أيضاً أولئك القديسون الذين جاهدوا وظفروا وانتقلوا ليحصلوا على عربون الراحة والسعادة إلى أنْ يأتي مُخلِّصنا من السماء ويكمل العبيد الرفقاء ونقوم معهم. حينئذ يقومون إلى المجد ويُعلن مجدهم في مواكب الأبرار وينالوا ملء السعادة ويُكلَّلون بإكليل النصر فوق عروش المجد الأبدى.
إنَّ إيماننا يُعلِّمنا أنَّ الجسد مهما قاسى من الآلام والتجارب ومهما تقطع وتمزق في هذه الحياة فسوف يعود ثانية ويقوم كاملاً بعد الفناء. وصحيحاً بعد المرض. ونيِّراً بعد الظلام. وغير مائت بعد الموت. وفي مجد بعد الفساد "يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا.. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ... إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ" 1كو (15: 42ـ44، 49، 50).
نعلم أنَّ النفس لا تقدر أنْ تعمل عملاً إلاَّ بواسطة الجسد الذي هو بمنزلة بيت ومسكن لها، وحواس الجسد بمنزلة آلات لها في كل شيء، وارتباط النفس بالجسد شيء لا يدرك، والعلاقة بينهما شديدة وليس مَنْ ينكر خلود النفس وأنَّها لدى خروجها من الجسد تلبث في حياة غير هذه الحياة. وتُسأل وتُجازى عن جميع أفعالها وهل من العدل أنْ تجازى النفس وحدها دون الجسد وهو الذي تعب وحمل مشاق الفضيلة وجاهد في الأتعاب والأوصاب والأسهار والأصوام. أو هو الذي انغمس في الرَّذيلة وتلذَّذ بالشهوات وشبع من الَّلذات لعمري لو كانت النفس وحدها هي التي تقوم في القيامة لتأخذ المجد وحدها لِمَا رضىَ الجسد هذه القسمة الظالمة، ولِمَا تحمَّل المشاق والأتعاب والجراح ومقاومة الأهواء، وقلَّ مَنْ يُناضل عن الإيمان حتى الموت أمام المُغتَصِبِين والمُضَطَهِدِين. وبَطُلَ مَنْ يُقدِّم جسده حريقاً للنار أو مأكلاً للوحوش أو ضحية للعذاب لأجل الإيمان والفضيلة. ولو كان الأمر كذلك لكانت دماء الشهداء ضاعت هدراً وسُفكت جُزافاً ولَحُسِبَ قبولهم العذاب بفرح تهوراً وشهامتهم ضعفاً وشجاعتهم جبناً. ولِمَا كان لواحدٍ منهم فضل أو مكافأة على ما فعل وحينئذ يحق للجسد أنْ يتمتع بما يشاء من اللذات بحسب أهوائه بما أنَّه لا يُشارك النفس في نعيمها ومسرَّتها ولكن الأمر ليس كذلك بل أنَّ عدل الله قضى أنْ يشترك الجسد في الجزاء مع النفس ويدخل معها في إرث الملكوت لأنَّه كان شريكاً ورفيقاً في شدائدها وأتعابها وجهادها في كل شيء. إذاً الجسد سوف يقوم ويلبس صورة سماوية لأنَّ هذا الفاسد لابد أنْ يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت.
إنَّنا ننتظر ونتوقع برجاء سماء جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البرّ لأنَّ هذه الحياة يفلح فيها الشرير. وينجح فيها المنافق. وفيها يمتد الفجور وينتشر، ويظهر أهل الشر بأبهى المظاهر. بينما أهل التُّقَى مُحتقرين مُذلِّين ألم يقل الرسول عن كثيرين من رجال الله أنَّهم "تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضًا وَحَبْسٍ. رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَال وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ" عب (11: 36ـ38). فهؤلاء وغيرهم لم يحتملوا كل هذه الآلام إلاَّ على رجاء القيامة. ولذلك يقول الرسول: "وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ" عب (35:11) لذلك نؤمن ونرجو هذه الحياة الجديدة التي يشرق فيها البرّ ويتلألأ مجد الفضيلة "وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. الأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ" أي (3: 17ـ19) هناك تستحيل أتعابنا إلى راحة. ويتبدل نوحنا بالفرح. ونخلع ثوب الحزن. ونكتسي لباس البهجة والبهاء هناك "سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ " رو (21:8).
فتشجعوا ولتتأيد قلوبكم يا مَنْ تجاهدون ضد الخطية. وتشددوا بهذا الوعد بالرجاء الموضوع لكم في السموات، وسوف تنتهي أحزان العالم وشدائده وأنَّه لقريب انتهاء تلك المخاوف والانزعاجات التي نصادفها في طريقنا، كل ذلك له نهاية، وكل ما له نهاية فهو قريب. أنَّه لقريب شمس شروق ذلك النهار السعيد بعد انقضاء ليل هذه الحياة المظلمة، قال السيد "إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ. اَلْمَرْأَةُ وَهِيَ تَلِدُ تَحْزَنُ لأَنَّ سَاعَتَهَا قَدْ جَاءَتْ، وَلكِنْ مَتَى وَلَدَتِ الطِّفْلَ لاَ تَعُودُ تَذْكُرُ الشِّدَّةَ لِسَبَبِ الْفَرَحِ، لأَنَّهُ قَدْ وُلِدَ إِنْسَانٌ فِي الْعَالَمِ. فَأَنْتُمْ كَذلِكَ، عِنْدَكُمُ الآنَ حُزْنٌ. وَلكِنِّي سَأَرَاكُمْ أَيْضًا فَتَفْرَحُ قُلُوبُكُمْ، وَلاَ يَنْزِعُ أَحَدٌ فَرَحَكُمْ مِنْكُمْ " يو (16: 20ـ22) " لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا. وَنَحْنُ غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى. لأَنَّ الَّتِي تُرَى وَقْتِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّتِي لاَ تُرَى فَأَبَدِيَّةٌ " 2كو (4: 16ـ18).
وإنْ ثقلت علينا الآلام فلنرفع عيوننا إلى السماء لنرى تباشير الفرح ونتأمل مجد القديسين. ولنعلم أنَّ هذا الفاسد لابد أنْ يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت. فإنَّ هذا الوعد يُقوِى عزائم القديسين والشهداء في جهادهم ودخولهم مواقع العذاب بفرح ولقاء المنون بجزل. لهذا الوعد وعلى هذا الرجاء قدَّموا أجسادهم لحريق النار ولحومهم للتجريد والتمزيق وعظامهم لِتُنشَر، وعيونهم لِتُقَوَّر. وأعناقهم لِتُجَزّ بحد السيف ولم يرهبوا الجلد والنشر والتقطيع والتمزيق والحريق. ولم يخشوا بأس الوحوش الضارية التي هشَّمتهم. ولا العجلات المرهفة التي قطَّعتهم. ولا الحراب المسنونة التي طعنتهم ولا الصفائح المحمية التي شُووا عليها. بل قابلوا ذلك بفرح عظيم لأنَّهم تيقنوا أنَّ هذا الفاسد يلبس عدم فساد. وهذا المائت يلبس عدم موت. فرحوا لأنَّهم آمنوا أنَّ جراحاتهم لابد أنْ تُضَمَّد وتتلألأ بالمجد في القيامة ويعود جسدهم بعد التهشيم صحيحاً قوياً، وغير مائت وبدون فساد. فلِيُقطَّع الجسد ويتمزق إرباً إرباً ويُشوَّه بالجراح ولِيَمُت ويتبدد ويعود تراباً ويُذرَى في الهواء. فلابد أنْ يعود ثانية حياً بلا فساد. لأنَّ حبة الحنطة إنْ لم تدفن في التراب وتموت لا تحيا وما لم تُصادفها المياه والحرارة والبرد وكل نوائب الحقل لا تستطيع أنْ تُزهر وتُثمر ولكن إنْ ماتت تأتى بثمرٍ كثيرٍ (يو 24:12).
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

حقيقة جسد القيامة

اعترض البعض في أيام بولس الرسول قائلين: كيف يقام الأموات؟ وبأي جسد يأتون؟ 1 كو (15: 35) ولا يزال كثيرون حتى الآن يقولون أن الموت نهاية الحياة: وان الذي مات انحل إلى عناصره فأختلط بعضها بالهواء: وبعضها بالماء وبعضها بالتراب. وصار بعض أجزائها نباتا وبعضها حيوانا، فكيف يرجع الجسد بعد ذلك ويقوم؟ هذا ما يقوله الملحد، أما ما يقوله المؤمن فهو: أن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله -كل شيء ممكن عنده- لا شيء عسير عليه وإذا كان الإنسان يصنع من الخرق البالية أوراقًا لامعة وشفافة. ومن الرمل زجاجًا وبلورًا. ونرى كل يوم النور يذهب عن البصر كأنه يموت ثم يعود كأنه يبعث حيا. والأشجار تتعرى من خضرتها ثم تعود إليها كأنها تقوم من الأموات والفصول الأربع يعود كل فصل منها بعد ذهابه. والزرع يموت في الأرض ويفسد ثم يقوم نباتا يانعا. فهل لا يقدر الله أن يعيد الأجساد كما كانت في حالة مجد وهو الذي أوجدها من العدم قال الرب "الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض فهي تبقى وحدها. ولكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" يو (12: 24) ومن هنا نعرف أن الموت ليس هو ملاشاة بل انتقال من حال إلى حال. والذي يصدق على الزرع الموضوع في الأرض يصدق على الجسد الموضوع في القبر. أي أن تنبت له حياة جديدة عوض حياته القديمة فيبقى واحد مع تغير هيئته. ان شجرة البلوط الكاملة تختلف في هيئتها وبعض صفاتها عن البذرة التي نتجت عنها، لكن حياتها هي حياة البذرة عينها. كذلك الجسد بعد القيامة يختلف في هيئته وبعض صفاته عن الجسد الموضوع في القبر مع أنه هو.
قال القديس أغسطينوس: إذا كان ممكنا لله أن يزيد في الحبة جرما لم يكن فيها قبلا أفلا يستطيع في القيامة أن يعيد ما كان في جسد الإنسان؟. قال الرسول في رده على منكري القيامة "يا غبي. الذي تزرعه لا يحيا أن لم يمت والذي تزرعه لست تزرع الجسم الذي سوف يصير بل حبة مجردة ربما من حنطة أو أحد البواقي. ولكن اله يعطيها جسما كما أراد. ولكل واحد من البذور جسمه. ليس كل جسد جسدًا واحدًا. بل للناس جسد واحد. وللبهائم جسد آخر وللسمك آخر. وللطير آخر وأجسام سماوية وأجسام أرضية لكن مجد السمويات شيء. ومجد الأرضيات آخر. مجد الشمس شيء. ومجد القمر آخر. لأن نجما يمتاز عن نجم في المجد. هكذا أيضا قيامة الأموات. يزرع في فساد ويقام في قوة. يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحانيا. يوجد جسم حيواني ويوجد جسم روحاني. هكذا مكتوب أيضًا: صار آدم الإنسان الأول نفسا حية وآدم الأخير روحا محييا. لكن ليس الروحاني أولا بل الحيواني وبعد ذلك الروحاني. الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء. كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. كما هو السماوي هكذا السماويون أيضا. كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضا صورة السماوي. فأقول هذا أيها الأخوة أن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله. ولا يرث الفاسد عدم فساد.
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا ولكننا كلنا نتغير. في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير. فانه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير. لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت، ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد وهذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت إلى غلبة" 1كو (15: 36-54).
لم يبين الرسول كيف تكون أجسادنا المستقبلة كأجسادنا الحاضرة لكنه أوضح بأنها لا تزال هي هي، وكما أنه يصعب جدا أن نوضح كيف أن جسد الإنسان شيخًا هو جسده طفلًا مع كثرة التغيرات التي طرأت عليه في تلك المدة ومع ذلك لا يستطيع أحد بمجرد عجزه عن بيان كيفية ذلك مع كل يطرا عليه من التغيرات منذ الموت إلى القيامة.
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
ونتعلم من الكتاب أن جسد القيامة يكون:
أولا - جسما روحانيًا موافقا لسكنى السماء، خاليًا من الشهوات الدنيوية، غنيا عن المقومات التي تحتاجها الأجساد الحيوانية، لا يأكل ولا يشرب، ولا يجوع ولا يعطش رؤ (7: 16) ويسمى بيتا غير مصنوع بيد أبدى ومسكنا من عند الله 2 كو (5: 1، 2) ولا بد من بقائه على صورة الجسد البشرية لأن المسيح ظهر لتلاميذه بعد القيامة بهيئته البشرية ولم تزل فيه آثار الطعنة والمسامير.
ثانيا - يكون مجيدًا وبهيًا في حالة الجمال والكمال فان الله يزيل عنه آثار الخطية ليكون أهلا لسكنى عالم المجد والنور ومعاشرة الملائكة، كما ذكرنا أيضاً هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.قال السيد له المجد: حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم مت (13: 43).
ثالثا - يكون في عدم فساد غير قابل والهوان والمرض والشيخوخة منزها عن الألم والدنس والخطية ولا يتسلط عليه الموت. راجع اش (25: 8، هو 13: 14، 1كو 15: 26، رؤ 21: 4).
خامسا - يكون كالملائكة في كونه لا يقبل الزواج، قال السيد له المجد في رده على الصدوقين أنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء مت (22: 30).
سادسا - انه يتغير حتى لا يكون بعد لحما ودما 1 كو (15: 50) في حالة الخفة واللطافة كالنور.
سابعا - يكون مثل جسد المسيح. قال يوحنا الرسول "أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا ظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" 1 يو (3: 2) وقال بولس الرسول "الذي سيتغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" في (3: 21) وقيل عن المسيح في وقت تجليه أن هيئته تغيرت وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور مت (17: 2) لو (9: 29).
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
ومما يجب أن نعلمه أيضاً:
1 - أن الجسد الخاص بكل واحد ولو بلى واستحال إلى تراب هو هو بعينه الذي يقوم من الموت. لأن الرسول يقول: لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت، وهذا معنى القيامة إنما هي الرجوع إلى الحالة التي كان عليها الإنسان قبل موته في حالة مجد.
2 - أن الجسد لا يقوم فقط بل يعود إليه كل ما يخصه من الجمال ولا يبقى فيه شيء من العيوب، فمن كان قد أصيب بعاهة من العاهات: مرض أو هرم أو نحول أو ضخامة لا تبقى فيه. لأن المسيح لا يصلح فقط أجسادنا بل يزيل عنها كل ما طرأ عليها من أسوأ هذه الحياة، ومن كان أعمى منذ مولده أو فقد البصر بمرض أو من كان أعرج أو أعسم أو ضعيفا بأي عضو من أعضائه سيقوم من الموت بجسد صحيح كامل، وأجساد الشهداء التي تمزقت وتجرحت ستقوم مجيدة وفيها آثار تلك الجراح، تلمع أفضل من الذهب والدرر الثمينة كسماة جراح المسيح.
وينتج مما تقدم أن أجسادنا في القيامة ستحصل على قوى جديدة وتتغير تغيرًا عظيمًا حتى أننا نستطيع بسهولة ما لا نستطيعه في هذه الحياة. فإننا نعلم ضعفنا هنا ونقص أفعالنا، وضعف حواسنا ومحدودية عقولنا. وعدم إدراكنا كل شيء، ولكننا هناك سنرى كل شيء على حقيقته، وسيكون لنا القدرة على إدراك الأمور، وسنعتاض هناك بدلًا عن الانتقال البطيء المتعب الذي نحن مقيدون به بالقدرة على الانتقال بسرعة النور أو الفكر من أول الكون إلى آخره، ونظرنا المحدود سيعوض بنظر أحد وأكبر من أقوى المناظير، بل أن كل التخيلات والتصورات التي يمكن أن تجول في أذهاننا والصور المجيدة التي نتصورها عن تلك الأمجاد ونحن في هذه الحياة سنرى إنها لا تساوى شيئا بالنسبة لنا نراه ونكون عليه لأن "ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" 1كو (2: 9).
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 02:58 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

هل نعرف بعضنا بعضا في السماء

كثيرون يتساءلون هذا السؤال: هل نعرف بعضنا بعضا بعد القيامة هل يعرف الأب ابنه والأم أولادها والأخ والديه وإخوته وأقاربه وأصدقاءه. إن هذا السؤال مهم، ويتوقف على هذه المعرفة شيء كبير من سعادتنا، إذ فيها كمال لسرورنا في السماء، ولا نعرف أخوتنا وأقاربنا فقط. بل هناك نعرف تماما الأنبياء والرسل والقديسين وكل المشاهير في التاريخ الذين سمعنا أنباءهم أو قرأنا أخبارهم ونحن في هذه الحياة الدنيا.
ومما يؤيد هذه الحقيقة الدلائل الآتية:
1 - إن نفوسنا هي هي، وجواهر أجسامنا تبقى كما كانت، وأن الجسد الذي نقوم به في القيامة هو الجسد الحاضر عينه، حافظا وحدة الهيئة وصفات الذات الظاهرة. فما الذي يمنع إذا معرفتنا بعضنا بعضا؟

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
2 - إن تلاميذ المسيح عرفوا موسى وإيليا لما ظهرا وقت التجلي على الجبل. لعازر عرف إبراهيم وإبراهيم عرف لعازر والغنى. وما كان من أمر كل منهما في حياته، وعرف ما حدث على الأرض بعد انتقاله وذلك ينتج من قوله للغنى "عندهم موسى والأنبياء" لو (16: 23-30) مع أنه انتقل قبل ذلك بزمن طويل. وقيل عن الملائكة أنهم يفرحون بخاطئ واحد يتوب لو (15: 10) ففرحهم دليل معرفتهم. ونفوسنا في السماء لا تكون أقل معرفة من معرفة الملائكة. فان نفوسنا الآن محصورة ضمن الجسد الكثيف الذي يمنعنا من رؤية ومعرفة الأشياء كما هي، ولكن حين نكون في أجساد روحانية لا يوجد ما يحجز عن نفوسنا رؤية ومعرفة كل شيء على حقيقته بل أننا سنعرف أكثر مما نعرف في هذه الحياة، فان معرفتنا هنا قاصرة وإدراكنا ضعيف، ولكننا في السماء سنوهب قوى جديدة كاملة، بها نستطيع أن نعرف كل شيء وندرك ما لا نستطيع إدراكه ونحن على الأرض. قال الرسول "لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ، ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض، لما كنت طفلًا كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن وطفل كنت أفتكر ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل، فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجها لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت " 1كو (13: 9-12) وكل ما نعرفه هنا بالنسبة لما يعلن لنا في السماء، ليس إلا كالمصباح نحتاج إليه ليلًا ولا نكترث به عند شروق الشمس عندما نصل "إلى إنسان كامل إلى قياس قامة ملء المسيح" اف (4: 13) "نعلم أنه إذا ظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو" ايو (3: 2).
3 - قال الرب بأننا سنجلس مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وهذا يقتضى معرفتهم وإلا فما فائدة جلوسنا معهم. وإذا كنا نعرفهم فلا شك أننا سنعرف غيرهم أيضا ممن يكونون معنا.
4 - لنا وعد بأننا ننال كمال السرور وملء السعادة، وفرحنا لا يتم إذا انقطعت كل صحبة في السماء بيننا وبين الذين نحبهم في هذه الدنيا. فان الإنسان خلق محبا ألوفا. ونفوسنا تميل كل الميل إلى الألفة، والمحبة أعظم عاطفة وأسمى إحساس فينا. وبما إننا سنبقى في السماء كما نحن هنا فلا ريب أن محبتنا ستدوم. بل تكون هناك كاملة بلا نقص ولا ألم ولا فراق. ولا ما يغيرها ويؤثر عليها. وان لم تشبع نفوسنا هناك بالألفة وتتمتع بالمحبة فلماذا وضع الله فينا هذه العاطفة الشريفة إن لم يكن قاصدًا أن يعطيها ما يشبعها ويكفيها فيما بعد، بل أن المحبة هي وحدها التي نحتاجها هناك قال الرسول "المحبة لا تسقط أبدا. وأما النبوات فستبطل والألسنة ستنتهي والعالم فسيبطل" 1كو (13: 8) هناك تبطل النبوات إذ لا حاجة إليها. هناك لا نحتاج إلى الإيمان لأننا سنعاين كل شيء وجها لوجه. هناك ينتهي الرجاء لأننا نحصل على كل ما رجوناه وانتظرناه، وأما المحبة وحدها فتكون كمال سعادتنا، هناك يفوض القلب في بحر حب لا تدركه الألباب ولا يخطر على بال، هناك تتجلى المحبة وتلألأ وكل القلوب الحزينة شعرت وتشعر بأنها ستلتقي بمن فارقت، ولما ندب داود قال: "هل أقدر أن أرده بعد، أنا ذاهب إليه أما هو فلا يرجع إليَّ" (2 صم 12: 23).
5 - إننا في السماء نبقى حاصلين على كمال القوى، والذاكرة من أعظم وأهم هذه القوى، قوة التمييز من ضروريات حالنا الأدبية ونستلزم بقاء الذاكرة وإلا كنا ناقصين لا يبقى للماضي اثر عندنا وندخل السماء جديدة، ولا نذكر شيئا من اختبارنا الماضي، لكن الأمر ليس كذلك، بل أن الذاكرة ستكون هناك قوية، حتى أنها لا تنسى شيئًا مما مضى بل تذكر كل شيء،هناك نتذكر ما صادفناه من الآلام وما نلناه من المعونة الإلهية. حتى يزداد الشكر لله. نذكر فداءنا وتصرفات الله معنا. وإذا كان الأمر كذلك وبقيت لنا معرفتنا في السماء. فما الذي يمنع من تذكر ومعرفة علاقاتنا الحبيبة وربط الألفة التي كانت تربطنا بالأولاد والجماعات والأصدقاء.
6 - هذه الحقيقة وهى أننا نعرف بعضنا بعضا في السماء ونلتقي بجميع الذين فارقونا كانت موضوع إيمان جميع البشر، وهو أمر مسلم به في الكتاب في العهدين القديم والجديد. فان جميع الآباء صرحوا عند موتهم بأنهم ذاهبون إلى آبائهم.
والخلاصة أننا نحيا بعد الموت حياة حقيقية بقوى الإدراك والتميز. وأن نفوسنا وأجسادنا هي هي. سنعرف هناك كل من كنا نعرفه في هذه الحياة. ونلتقي بجميع أحبائنا الذين سبقونا. فيا معشر الحزانى: إن الذين تبكونهم هم الآن في خضرة الرب متمتعين بملء المجد في موطن الأمن ومقاصير السعادة: إن الله لم ينقلهم إلى أماكن لا تعلمونها: فهم هناك مع الملائكة ونفوس الأبرار يتمتعون. وسترونهم وتجتمعون معهم يوما ما وتعرفونهم ويعرفونكم في حياة لا فراق ولا دموع ولا حزن فيها حيث الاجتماع الدائم والمجد الأبدي أمام عرش الله المجيد.
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 02:59 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

الحياة الأبدية في ملكوت السموات


إن الله تعالي وعدنا بالحياة الأبدية في ملكوت السموات. قال الرسول يوحنا: "وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (1يو2: 25) "وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ" (1يو5: 11، 12) وقال بطرس الرسول: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ" (1بط1: 3، 4) "وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ" (2بط3: 13) وقال بولس الرسول "مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ" (أف1: 18).
"لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!.... لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رو5: 10، 17). وهوذا وعد الرب لنا: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ" (يو6: 47). «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، 26وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ" (يو11: 25، 26). وقال في صلاته "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ" (يو17: 24). فما أثمن هذه المواعيد، وما أسعد الحياة الأبدية، وما أشهي انتظارها... الحياة السعيدة الأبدية التي يضئ فيها الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم ويضيئون فيها كالكواكب إلي الأبد. الحياة التي فيها يتخلصون من كل كرب وتعب ويسكنون مع الله. "وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. ، وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ" (رؤ3:21، 5) وهناك "الْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا، لأَنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا، وَالْخَرُوفُ سِرَاجُهَا" (رؤ21:23) "وَلاَ يَكُونُ لَيْلٌ هُنَاكَ، وَلاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى سِرَاجٍ أَوْ نُورِ شَمْسٍ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ يُنِيرُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ سَيَمْلِكُونَ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ" (رؤ22:5). من يستطيع أن يصف تلك الحياة وسعادة ذلك الملكوت الذي أعده الله لمختاريه؟ إذا كان بولس الرسول المطلع علي أسرار الله اختطف إلي السماء لم يقدر أن يعبر إلا بقوله "أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا" (2كو12: 4). وقال "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (1كو2: 9). فمن يتجاسر إذا ويتصور أنه يستطيع أن يصف مجد ذلك الملكوت؟ هل يصف مالا يوصف؟ لا يمكن للغة البشر العاجزة، لغة المائتين، أن تعبر عن أفراح وأمجاد سامية لم ترد قط علي ذهن ولم تخطر علي بال إنسان،يكفي أن نعرف أن ذلك المكان هو المكان المحبوب والأمجد والأبهى والأشهى، وأنه غاية آمالنا ومحط رجائنا، ومهما وصفت واستظهرت كل كلمات اللغة المجيد الدالة علي السرور والبهجة فلا يمكنك قط أن تصف ذرة من بهاء ذلك المجد الذي لا ينعت. إذ لا تري حواليك شيئًا علي الأرض حتى تستعيره لتعبير ما في السماء. فليس هناك مصيبة أو بلية. ليس هناك مرض ولا تعب ولا ملل ولا ضجر. ليس هناك ألم ولا انفعال ولا هرم ولا شيخوخة ولا فناء ولا موت. إن التمتع بتلك الأمجاد لحظة واحدة لهو أثمن وأسعد من جميع أمجاد العالم كله يكفينا أن نعرف أن لا شيء هناك نكرهه ولا مما يؤلم النفس بل كل ما نحبه ونشتهيه ونتوق إليه.

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
يا لأمجاد عالية ويا لأفراح لا تدرك ولا توصف سوف ننالها في الوطن السماوي السعيد حين ندخل راحتنا الأبدية. هناك لا فقر ولا شدائد ولا ضيقات ولا جهاد ولا ليل. هناك نهار أبدي ونعيم خالد. هناك لا حسد ولا شر بل حب نقي مستمر لا تغير فيه. هناك ترنيمات شجية تزري بكل أغاني العالم. هناك لا توجد آلام ولا استقام ولا خوف ولا انزعاج ولا شقاء ولا عناء ولا نصب. ليس هناك مقاومات ولا معارضات ولا خصومات ولا شكوى ولا اكتئاب. ليس شيء من أمور هذه الدنيا التي تعذب البشر كل يوم، بل هناك نصرة أبدية وسعادة تامة. هناك الراحة والمجد، هناك خيرات لا نخاف من فقدانها. هناك المكافأة والجزاء بالمجد، وحلل البر، والارتواء من العطش والشبع بالسرور. هناك السلوان والعزاء والبهاء والسلام الدائم هناك التمتع برؤية وجه المخلص والإتحاد الدائم بالله إلي الأبد. هناك تكلل الفضيلة وتتلألأ ويشرق البر الكامل. هناك يفرج عن الأسري ويستغني الفقير "هُنَاكَ يَكُفُّ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الشَّغْبِ، وَهُنَاكَ يَسْتَرِيحُ الْمُتْعَبُون. الأَسْرَى يَطْمَئِنُّونَ جَمِيعًا، لاَ يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْمُسَخِّرِ. الصَّغِيرُ كَمَا الْكَبِيرُ هُنَاكَ، وَالْعَبْدُ حُرٌّ مِنْ سَيِّدِهِ". (أي3: 17، 19) هناك تستحيل ضيقاتنا إلي راحة ويتبدل نوحنا بفرح لا ينطق به ومجيد. هناك سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. (رو8: 21) هناك نظهر مع المخلص في المجد (2كو3: 4) ونراه كما هو (1يو3: 2) وننظر وجه الرب بوجه مكشوف ونتغير إلي تلك الصورة عينها من مجد إلي مجد (2كو3: 18) هناك ننال شبع سرور (مز16: 11) هناك نكون كل حين مع الرب (1تس 4: 17) حينئذ تتوطد قواعد السلام والأمان ويزول كل أثر للغم والاكتئاب، ويدوم الفرح والمجد والصحبة اللذيذة المفتنة العقول والألباب. طوباهم الذين جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعي وحفظوا الإيمان. الآن يلبسون لباس البر وإكليل المجد. طوباهم فإنهم الآن يتعزون ويفرحون يا لسوم غبطتهم لأنهم يستريحون ويطمئنون الآن يعززون ويدللون ويتنعمون ويبتهجون. طوبي لأولئك الذين نجوا ووصلوا إلي الميناء بسلام، طوبي لمن استحقوا الوصول إلي شاطئ الأبدية بأمان وخلصوا من أخطار بحر هذا العالم. طوبي لمن رجعوا من منفاهم إلي وطنهم الأبدي. طوبي بمن خرجوا من السجن وجلسوا في دار الملك يتمتعون معه بالمجد. ما أمجد الأكاليل المتوجة بها رؤوسهم. وأما نحن فإننا لا نزال في بحر هذا العالم المضطرب بالأمواج والزوابع. ونسير بين الأشواك والأخطار. وكأننا جالسون في الأسر علي "أنهار بابل نبكي كلما تذكرنا صهيون".
أيتها النفوس المتألمة ضعي ملكوت الله ومجد القديسين إزاء عينيك، وحين تثقل علينا يد التجارب فلنرفع أعيننا إلي فوق، ونتطلع إلي الرجاء الموضوع لنا "وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. 17لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا" (2كو4: 16، 17) "يوم الرب قريب، هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ... يَقُولُ الشَّاهِدُ بِهذَا:«نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ" (رؤ22:12، 20).
«أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ» (أش51: 12).
«الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ، وَعَلَى بَائِسِيهِ يَتَرَحَّمُ» (أش49: 13).
«رَأَيْتُ طُرُقَهُ وَسَأَشْفِيهِ وَأَقُودُهُ، وَأَرُدُّ تَعْزِيَاتٍ لَهُ وَلِنَائِحِيهِ» (أش57: 18).
«كَإِنْسَانٍ تُعَزِّيهِ أُمُّهُ هكَذَا أُعَزِّيكُمْ أَنَا» (أش66: 13).
«لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ» (يو14: 18).
«مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، 4الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ» (2كو1:3، 4).
«عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَمِ» (1تس4:18).
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 03:00 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

الباب الثالث: موت الأهل والأقارب


  • عناية الله في نقل الأولاد
  • أمثلة معزية
  • أولاد لم يموتوا بل هم في حياة في السماء
  • موت الشباب
  • موت الزوجة
  • موت الزوج
  • موت الوالدين
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 03:06 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

عناية الله في نقل الأولاد

"اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ... لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَار" (مت18: 10، 14).
"دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت19: 14).

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
الأولاد الصغار ملائكة أطهار يمشون علي الأرض فبطهارتهم وبساطة قلوبهم ومحبتهم العجيبة وخلوهم من الشر والدنس يمثلون الحياة الطاهرة. فهم كأزهار يبهجنا منظرها. ولكن الغاية من الزهرة الثمرة، والأطفال إن بقوا في العالم وكبروا وصاروا شبانًا فرجالًا. فآمل أن يكونوا بركة أو لعنة. أما أن يكونوا صالحين أو أشرار. وعلي كل حال فلابد حينئذ أن يجوزوا أتعاب وجهاد هذه الحياة. ويقفوا أخيرا للدينونة أمام الديان لينال كل واحد منهم بحسب ما صنع خيرا كان أم شرا. ولا يعلم أحد ماذا يكون مستقبل الولد؟ أيكون فرحا لوالديه أو حزنا؟ وهل ينفع العالم أن يضره؟ يكرم أو يهان؟ يسعد أو يشقي؟ وماذا يكون نصيبه في العالم؟ وماذا يصادف من الأتعاب التي تنتظره. والتي لابد من مقاساتها. هذه كلها أمور خفيت وتخفي علي جميع البشر. وإنما الذي نعرفه أن ذلك الولد ومهما كبر، ومهما كانت منزلته ودرجته في العالم ومهما عمل فلا بد أن يموت أخيرا كغيره من بني البشر. لأن قضية الموت محكوم بها علي الجميع. ولا يستثني منها أحد وكل إنسان رهين الموت. ولكن البعض يسألون بجسارة قائلين: ما الحكمة في إيجاد أطفال زمنا قصيرا ثم يموتون؟ لا هم انتفعوا من العالم، ولا العالم انتفع منهم. فإن كنا لا نستطيع أن ندرك مقاصد الله العليا. ولا ما هي أحكامه العالية فوقنا إلا أننا نجيب علي ذلك بأن الله خلقهم لتكميل مقاصده خالق البشر. فلو لم يولدوا لبطل مقصد الله. وعدمهم يجعل عدد المخلوقات المعين ناقصًا. والوجود نعمة كبري خلاف العدم الذي هو لا شيء فقد وجدوا واعتبروا كائنات حية وذرات عاقلة أمام الله. وبقائهم علي الأرض زمنًا قليلًا وفق مقاصد الله العليا. لأنه لم يشأ عدمهم ولا هلاكهم بل خلاصهم. وهو القائل له المجد: "ليست مشيئة أما أبيكم أن يهلك أحد هؤلاء الصغار" و"دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات" فإن شاء الله أن ينتقل الأطفال والأولاد إليه وهم صغار. فكفي بهذا القول تعزية. وكما أنه يحق لصاحب الكرم أن يقطف ثمر كرمه في أي وقت شاء قبل أوان نضجه ليأكل حصرما، أو يصنعه شرابا أو بعد نضجه ليصنعه خمرا. وكما أنه في يد البستاني أن يجني زهور بستانه ليزين بها بيته أو يتركها لتصير ثمرا. هكذا الله تعالي له السيادة والسلطان علي خليقته ليتصرف بها كيف شاء وحسبما أراد ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل؟ فهو يتصرف تصرف البستاني وصاحب الكرم. فينقل بعض أولاده أطفالا وأولادا وشبانا كما يشاء والأولاد وديعة من الله عند الآباء، له أن يستردها متى شاء. لا ملكا خاصا لهم حتى يعارضوا في تسليمها ويتذمروا متى أراد استردادها، لا سيما متى عرفنا أن الله نقل هؤلاء الصغار لا إلي الموت والهلاك. بل لكي يقفوا مع الجمع الكثير الذي لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة الواقفين أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: "الْخَلاَصُ لإِلهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ" (رؤ7: 9، 10) فلو لم يولدا لما استحقوا أن يحوزوا هذا النصيب، ومتى تأملنا ذلك مجدنا الله وقلنا مع أيوب: "الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا (أي 1: 21) ونبارك تلك اليد الحنونة التي اختطفتهم باكرا قبل أن يتلطخوا بأوزار وأقذار العالم وشروره، وقبل أن يتحملوا بالأتعاب والآلام. وقبل أن يعرفوا الخطية وفساد الطبيعة البشرية.
وندرك كيف أن الله أنقذهم من الأخطار التي كانت تنتظرهم، وأورثهم كمال الفرح في ملكوته. فهم أغراس نقلهم من عالم الفساد وغرسهم في فردوسه السماوي.
إذا طلب ملك أحد الأولاد لينظمه في سلك عائلته الكريمة ليربيه ويؤهله للميراث الملكي. فمن يستطيع أن يمنع ولده هذه المنحة؟ ومن لا يرضي له هذا النصيب السامي؟ أما كنا نحسب ذلك رفعة كبري لنا ولأولادنا؟ فلماذا نتذمر اذاً علي عناية الله التي شاءت أن تأخذ ذلك الولد ليحصل علي نعمة ونصيب أفضل من أي نصيب ملكي علي الأرض. أما هي نعمة كبري أن الله اختار هذا الولد وأحبه ونقله إليه ليقف مع الملائكة أمامه تعالي، ولماذا نأسف علي هذا النصيب الصالح الذي حازه ولدنا؟ لاشك أن حزننا ما هو إلا نوع من محبتنا لذواتنا، فإننا بذلك نفضل خيرنا وسرورنا بمرآه وتمتعنا به أمام أعيننا علي حصوله علي ذلك النصيب السعيد المجيد،ليتنا نصمت ونضع أيدينا علي أفواهنا أمام كل ما يعمله الله متذكرين قول السيد لبطرس: "لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ" (يو13: 7) ونبارك الله ونقول:"صَمَتُّ. لاَ أَفْتَحُ فَمِي، لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ" (مز39: 19) "هُوَ الرَّبُّ. مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ يَعْمَلُ" (1صم3: 18) "لتكن مشيئتك" (مت6: 10) "لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو22: 42).
أذكر أنك مرارًا أدبت أولادك لا حقداً ولا غضبا ًبل قصد نفعهم وخيرهم. وما حملك علي ذلك إلا محبتك لهم، قال الرسول بولس "كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلاَ نَخْضَعُ بِالأَوْلَى جِدًّا لأَبِي الأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لأَنَّ أُولئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ اسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هذَا فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ" (عب12: 9، 10) فإذا أدبنا الآب السماوي بأن أخذ ولدنا وأبعده عنا فهو تعالي قد أحبه وأحبنا، وهو أعطي فلاسمه الشكر، وأخذ فيحق له الشكر أيضاً. فإن كنت باركته وشكرته عندما أرسل الولد إلي عالم الأحزان. أفلا يستحق الشكر والتمجيد علي نقله إياه منه إلي عالم المجد. فإن محبة الله في أخذه أعظم بكثير من محبته في أعطائه. فله الشكر علي كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال.
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 03:09 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

أمثلة معزية

من قصص اليهود الواردة في كتبهم أنه كان للحاخام ما ير ولدان بارعان في الجمال والعلوم والشريعة فماتا في يوم واحد أثناء غيابه فحملتهما أمهما إلى حجرتها ووضعتهما على السرير. فلما عاد زوجها سألها عن ولديه فقدمت له كأسا فشكر الله وشرب ثم سأل أين ولدى قالت إنهما ليسا بعيدين. ثم وضعت أمامه طعاما فصلى وشكر ثم تناول منه حاجته: وحينئذ قالت له أتسمح لي يا سيدي العزيز أن أسألك سؤالا واحدا. قال قولي ما بدا لك أيتها العزيزة. فقالت منذ بضعة أيام أودع عندي إنسان شيئا من الجواهر ثم حضر الآن يطلبها منى فهل ينبغي أن أردها له؟ قال: ما كنت أظنك تسألين سؤالا كهذا. ألم تعلمي أنه يجب رد الوديعة إلى أصحابها وإعطاء كل ما له. قالت نعم إنما ظننت الأفضل أن لا أعيدها قبل أن أسالك. ثم دعته إلى المخدع الذي فيه جثتا الولدين وأزاحت الغطاء الأبيض عنهما. فصرخ بلوعة وحزن شديد وأخذ يندب ولديه. أما هي فقد التفتت إلى غير الجهة وبكت بمرارة ثم أمسكت بيدي زوجها قائلة: ألم تقل لي انه ينبغي رد الوديعة إلى صاحبها وإعطاء كل حقه. فالرب أعطى والرب اخذ فليكن اسم الرب مباركًا. فقال نعم ليكن اسمه القدوس مباركا من الآن والى الأبد.
روى الكتاب عن الملك والنبي داود أن الرب ضرب ولده الذي ولدته امرأة أوريا فسأل داود الله من أجل الصبي وصام واضطجع على الأرض. وقام شيوخ بيته عليه ليقيموه عن الأرض فلم يشأ ولم يأكل معهم خبزا وكان في اليوم السابع أن الولد مات فخاف عبيد داود أن يخبروه أن الولد قد مات. لأنهم قالوا هوذا لما كان الولد حيا كلمناه فلم يسمع لصوتنا. فكيف نقول له قد مات الولد. يعمل أشر. ورأى داود عبيده يتناجون ففطن داود أن الولد قد مات فقال داود لعبيده: هل مات الولد؟ فقالوا مات. فماذا فعل داود؟ قام عن الأرض واغتسل وادهن وبدل ثيابه ودخل بيت الرب وسجد. ثم جاء إلى بيته وطلب فوضعوا له خبزًا فأكل. فاندهش عبيده وسألوه ما هذا الأمر الذي فعلت! لما كان الولد حيا صمت وبكيت ولما مات الولد قمت وأكلت خبزا! فقال لما كان الولد حيا صمت وبكيت لأني قلت من يعلم ربما يرحمني الرب ويحيا الولد. والآن قد مات. فلماذا أصوم؟ هل أقدر أن أرده بعد؟ أنا أذهب إليه أما هو فلا يرجع إلى 2 صم (12: 15 -23).

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
فالولد وديعة استردها الرب لا يمكن للدموع ولا للأحزان أن ترجعه. هل تقدر أن ترده بعد؟ لو أن الدموع تقدر أن ترده لبكى الوالدون ليلًا ونهارًا بل الحياة كلها. وأجروا من عيونهم أنهارا ولكن ذلك لا فائدة منه. وليس من الحكمة أن يهلك العاقل قواه عبثا. وما أحسن التعزية بتسليم الإرادة للمشيئة الإلهية التي قضت بذلك ولا مرد لقضائها. فخير لنا أن نتعزى بأن الولد في السماء.
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
وفي القصة الآتية تعزية كبرى فيما نحن بصدده:
مات لبستاني ولد عزيز كلن يحبه جدا. فأبى أن يتعزى وصرف أيامه في الحزن والتذمر على العناية الإلهية، ففي أحد الأيام رأى وردة جميلة أحسن من كل الزهور التي في بستانه فأخذ في الاعتناء بها ليقدمها أخيرا ً لسيده وجاء مرة ليفتقدها فلم يجدها فاستشاط غضبا واحتدم غيظا ظانا أن أحد الخدام سرقها. واجتهد ليفحص أين هي؟ وبينما كان يبحث عنها رآها في مخدع سيده وعلم أنه هو الذي قطفها لاستحسانه إياها. فتحول غيظه سرورا وسكن باله إذ رأى أن سيده قد سر بمرآها واستحسنها فقطفها. أما السيد فقال له: قد سرك إني قطفت تلك الوردة وزينت بها منزلي فلماذا لا يسرك أن أباك السماوي شاء بحكمته أن يقطف ولدك وهو صغير وينقله من تربة الأرض، عالم الخطية والإثم، إلى دار السرور في جنة الخلد والنعيم حيث يكون هناك مع الملائكة الأطهار فتعزى الرجل تعزية كبرى وسلم نفسه لمشيئة الله.
فيا أيها الوالدون لا تتذمروا على عناية الله لأنكم لا تعرفون أحكامه ولا ما هي مقاصده فربما كان في نقله أحد أولادكم خير لكم ولأودكم.
كم من الناس كادوا أن يموتوا لمرض أولادهم وبذلوا ما في وسعهم لنجاتهم وعاشوا، ولكن عيشه السوء والشر. وكانوا ضربة لأنفسهم ولوالديهم ولوطنهم للعالم، ولم عرف والدوهم مستقبلهم لتمنوا أن تقطع الأحزان أفئدتهم وتمزق الأوجاع نياط قلوبهم على أن يروهم على تلك الحال التعيسة،وقد ألجأت التجارب أحد الصالحين أن يقول: خير لك أن تبكى على عشرة أولاد موتى من أن تبكى على ولد حي. تذكر حزن داود الذي أذاب فؤاده بأن طلب ابنه أبشالوم يهلكه 2 صم (17) ولا شك أن محبة الوالدين لأولادهم تحملهم على أن ينكروا أن يكون أحدهم كابشالوم لأن محبتهم لهم تظهرهم أبرار في أعينهم، حتى في مستقبلهم الذي لا يعرفه إلا الله. ولكن الذي يعرف الخفايا، والمكشوف أمامه كل شيء، والمطلع على الخفيات والمستقبل هو الله الذي وحده يجب أن نسلم نفوسنا لمشيئته الصالحة ونخضع لإرادة أحكامه العادلة.
لقد روى أن طيب الذكر المرحوم إبراهيم الجوهري كان رجلا تقيا صالحا وكان من عادته سنويًا أن يرسل الزاد والمؤونة لجميع أديرة الرهبان. كان لهذا الرجل ابن وحيد اختطفته يد المنون فحزن حزنا شديدا، وأفرطت زوجته أيضا في حزنها وألبست كل شيء في بيتها علامات الحداد وفي تلك السنة امتنعا أن يقدما عادتهما السنوية للأديرة قائلين أننا قضينا حياتنا كلها في خدمة الله ورجاله وكنائسه. وهذا الولد الوحيد لا يرضى الله أن يتركه لنا لنتعزى به! ويكون ذكرا لنا في هذه الدنيا! ففي ليلة ما رأت زوجته في حلم القديسينالأنبا أنطونيوس والأنبا بولا وقالا لها ما بالك هكذا حزينة تعترضين على أحكام الله؟ ألم تعلمي أن الله لفرط حبه لك ولزوجك وانه مكافأة لكما على أعمالكما الطيبة نقل ولدكما إليه؟ وان هذا الوالد لو عاش لفسد وهلك واسقط اسمكما من الدنيا. فذكر الله لكما حسناتكما وأمات هذا الولد ليخلصه. وبذلك منحكما مكافأة عظمى بينما أنتما تظنان أنه تعالى أساء إليكما. فاستيقظت تلك المرأة الصالحة وتعزت عزاء وافرا. وأبدلت ثيابها السوداء بثياب بيضاء. ولما استيقظ زوجها رأى كل شيء في حالته الأصلية، وعلامات السرور بادية على وجهها. فسألها ما الخبر؟ فقصت عليه حلمها. فتعزى هو أيضا وشكر الله على أعمال عنايته العجيبة. فعلينا أن لا نتذمر على قضاء الله لأننا لا نعرف مشيئته. على ما نراه محزنا لنا ربما كان علامة محبة الله لنا ونحن لا ندرى.
قال الأسقف فنيلون "في الحياة الأخرى نرى ونفهم عظائم وجود الله وعجائبه. ونسر بما أحزننا به على الأرض. ويلاه إننا في ظلامنا الحبالى لا نقدر أن نرى خيرنا من شرنا. ولو سمح الله لنا بكل مشتهياتنا لأدت بنا إلى كل الويل. ولهذا ينقذنا بقطع القيود والربط التي تربطنا بهذه الديار فنكتئب لأننا لا نتذكر أن الله يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا. ونبكى لأنه يأخذ من نحب من منازل التجارب والآثام. يأخذ من يدنا كأس السم الزعاف فنبكى كولد أخذت منه أمه السكين اللامعة لئلا يثخن نفسه بالجراح. أتدرى أيها المصاب يا من لأجل تلك النازلة قد تذمرت على العناية الإلهية أن ذلك الموت الذي تظنه قبل وقته هو الدليل الأعظم على رحمة الله ومحبته لك! ولعل موت ذلك المحبوب لديك كان فداء من شر مصيبة أو ذنب عظيم سيرتكبه فيجعل خلاصه عرضه للإخطار فأخذ الله من معرض التجارب أمنا لذلك الخلاص.
نعم أن كأس الفراق أمر الكؤوس ولكن أباك الرحيم لا يحزن خليقته عبثا فلا يجرح إلا لبرء أمراض النفوس فلنتيقن ذلك زمن المصيبة ولنقل مع أيوب "أنه وان قتلني هو متكلي. رحمته هنا عمادي وفي النهاية ثوابي" هذا ما يجب على المسيحي الخاضع لمشيئة الله أن يردده في زمن امتحانه ويقول من قلبه: "لتكن مشيئتك" وهذا ما سلكه فنيلون صاحب القول السابق ذكره إذ وقف أما نعش أعز أحبائه الذي ود لو مات عنه قائلًا: "قضى واضطجع على سرير الفناء فهلكت واضطجعت معه كل سعادتي الأرضية ولكن لو أمكن رده إلى الحياة برد غرس من فردوس سعادتي العالمية ما عاندت المشيئة الإلهية برده، لو كانت قيمة ثمر ذلك الغرس تعادل سعادة عشرة آلاف عالم" فطوبى لمن يسلم أمره لإرادة سيده ويعيش أمنا تحت ظل عنايته الرؤوفة فان في ذلك كل العزاء والاطمئنان.
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 03:10 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

أولاد لم يموتوا بل هم في حياة في السماء

من أكبر الخيرات أن الأولاد يتخلصون وهم صغار من عالم الإثم وشر الخطية بانتقالهم سريعا إلى صروح الأمجاد العلوية ومقر الراحة الأبدية. فما أحسن الإيمان أن نتحقق أو أولادنا في السماء ونتأكد سعادتهم. ومن يعلم ماذا يصيب الأولاد الباقين في الدنيا عندما يكبرون؟ ربما يعيشون ويفقدون تلك الحياة المجيدة في عالم الأبدية. أما ذلك الولد الذي نقله الله إليه. فلا شك أنه ملاك طاهر ضمه إلى صفوفه الأطهرين، فالولد لم يفقد بل هو حي في السماء عند الرب.
أيها الوالدون أنكم تودون كل السعادة لأولادكم وتصلون لأجل نجاحهم وخلاصهم. وتسعون بكل قوتكم لإيصال كل خير لهم. وإذا عرض لأحدهم مرض تنسون أنفسكم وتسهرون عليه وتبذلون أنفسكم. ولا تبالون بحياتكم لأجله. لأنكم ترغبون كل الرغبة في أن يحصل على أسمى سعادة. ألم تنذر أيها الوالد ولدك عند المعمودية بأنه يجحد الشيطان وينكر الإثم ويعيش لله؟ فما بالك تغضب الآن وقد حصل على نصيب أحسن مما تمنيته له، وحاز مجدا وسعادة أبدية وتخلص من أتعاب الحياة ومشاهدها المملوءة بالأوجاع. ربما يقول والد أن ولده كان ذكيًا عاقلًا وكانت آثار النباهة بادية عليه منذ طفولته: ولو عاش لعد من الرجال الحقيقيين ونال كذا وكذا: لنفرض أنه عاش وظهرت علامات حذقه ومهارته وبلغ شأوا كبيرا في الحكمة والعلم والمجد: فهل تقيسون حكمة الأرض بما حصل عليه من الحكمة في السماء؟ هناك تكشف له أعمال السرائر: وتظهر له المكنونات: ويدرك ما لا يستطيع أن يدركه أكبر الفلسفة هنا: فهو الآن في مدرسة المخلص يعرف مقاصد الله ويطلع على حكمة عنايته: هناك يرافق موسى وصموئيل وداود وإشعياء وباقي الأنبياء والرسل، ويدرك كل شيء. وما هي مراتب المجد العالمي بالنسبة لبهاء ذلك المجد الذي حصل عليه في السماء؟ كان بالأمس ولدا صغير على ذراعي أمه يتلهى بألعابه: أعمى عن إدراك أقل شيء. لا يعرف ما ينفعه مما يضره: فأصبح الآن ملاكا بين زمرة الأطهار. وقواه العليقة التي كانت لا تزال في بدء نموها أضحت الآن كاملة. هل تود أيها الوالد أن يرجع ولدك ويطرح من يده قيثارة الذهبي ويعود إلى ألعابه الأرضية: أتريد أن يعود طفلا يمرض ويتألم ويعيش في الجهاد والألم ثم يموت؟ أنه لا يريد أن يبدل عشرة الملائكة والقديسين بعشرة سكان الأرض، ولا يعود أن يغير منظر الأمجاد السماوية بالنظر إلى شقاء وتعاسة هذه الدنيا: بل لا يريد أن يبدل ساعة واحدة من ساعات مجده بعشرة آلاف عالم مثل هذا العالم.

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
اعلم أيها الوالد أن ولدك الذي خطف من بين يديك لم يسرقه سارق، ولأذهب إلى أرض موحشة. بل أن الرب نقله من ميدان الحروب ومعمعة الشر والخطر إلى حصن الأمن والسلام، حيث يتمتع بالمجد في النعيم. ولم بقى الأرض لصرف أيامه في الشقاء والتعب والجهاد كما تشعر أنت الآن. قد تخلص من آلام الدنيا وخرج من قفارها حيث لا تقدر مصائبها أن تصل إليه. نقل من تربة الدنيا المعرضة للزوابع وريح السموم وغرس في جنة الله فهل هو عزاء قليل أن تعرف وتتحقق أن ابنك في السماء؟
إن تلك الإزهار اليانعة التي كانت تزهو وتزهر في رياض العالم وذبلت من الدنيا قد أزهرت الآن في فردوس الله. وهاتيك الشهب الصغير التي غابت عيوننا ونظن أنها أطفئت. ليست إلا محتجبة وراء الأفق وتضيء الآن بلمعان ساطع في ديار المجد والنعيم. وتلك الجواهر التي كانت مرصعة على أعناق الوالدات رصعت بالمجد في ذلك الملكوت الأبدي، وتلك الشفاه الصغيرة التي ما كانت تقدر أن تنطق بتسبيح اسم الربتنادى الآن بألذ أناشيد الحمد والخلاص، وترنم ترنيمات الشكر والسعادة للجالس على العرش. فكف عن أحزانك أيها الوالد (أو أيتها الوالدة) وامسح عبراتك فان ابنك الذي انفصل عن ذراعيك الأبوية هو الآن على ذراعي المخلص. هل كنت تود لولدك الوقوع في الآلام التي تعانيها أنت الآن والمرور في تجارب كالتي تصيب باقي البشر؟ هل كنت تريد أن يتمزق قلبه كما يتمزق قلبك الآن، ويشاهد ما تشاهده من مناظر الشقاء والتعاسة التي تراها في الدنيا كل حين. أليس أن مسيره إلى السماء بدون دخوله جحيم الآلام ونيران عذاب هذه الحياة مما ينبغي أن تقدم لأجله الحمد والشكر للعناية السامية التي أنقذته من الأوجاع. تذكر الجهاد الذي جاهدته في العالم والأخطار المحيطة بك، وحينئذ تشكر الله على وصول ولدك إلى مواطن السلام بلا مشقة ولإجهاد: وان قلت أن فراق الولد خطب صعب لا يحتمل: أجبتك نعم. لكن مصائب العالم وأتعابه خطب أصعب. لعلك وضعت كل محبتك في ولدك فاختطفه الله منك لتوجه قلبك إليه تعالى، ورفعه إلى السماء لترفع أنت أيضا أفكارك إلى فوق حيث المسيح جالس.
قال السيد لتلاميذه: "خير لكم أن أنطلق" يو (16: 17) لأنه لو بقى على الأرض لبقيت أفكار التلاميذ معلقة به على الأرض، ولكن لما ارتفع عنهم إلى السماء ارتفعت أفكارهم إلى فوق. لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك. فطالما أحباؤنا الذين نحبهم معنا على الأرض فلا تزال أفكارنا فيهم، ولكن إذا امتدت يمين العلى ونقلتهم إلى مقاصير السعادة الأبدية صعدت أفكارنا إليهم وفكرنا في نصيبهم ومجدهم وطلبنا أن نسلك طريقهم للوصول إليهم أخير، وكثيرا ما يخطف أعز ما تتعلق به قلوبنا، وأهم ما نتكل عليه سواء من الوالدين أو الأولاد أو الأصدقاء حتى يبقى هو وحده تعالى ركن إيماننا، وموضع اتكالنا ورجائنا، وأعز ما يملك على قلوبنا.
قال بعضهم: رأيت راعيا يسوق قطيعه إلى الحظيرة، والقطيع يأبى الدخول مفضلا التيه في الوعور والقفار حيث زوائر الوحش ومخالب الأسود. فكَلَّ الراعي. ثم أخذ خروفا صغيرا على ذراعيه وضمه بلطف إلى صدره ودخل به إلى الحظيرة فتبعته أم الخروف فتبعها القطيع جميعه فبات الكل في أمن وسلام، كذلك الله يقودنا إلى الحظيرة السماوية فنأبى إلا التيه في قفر الغرور، فيأخذ صغارنا ويدخلهم السماء فنتبعهم كلنا، ويقتدي بنا الآخرون فتقيم هنالك في أحسن أمن وخير وسلام. عناية لا يبصر جمالها إلا من أنارت عينيه أشعة الروح القدس، ولا تدرك فوائدها إلا الألباب التي لم تسكر بخمره هذا العالم الباطل.
لا شك أن هذه التأملات بل الحقائق بل الحقائق السامية من شأنها أن تمسح دموع الوالدين، وتملأ قلوبهم بالصبر والتسليم وتحول أحزانهم إلى أنهار تعزيات.
ولو أمكن للأولاد المنتقلين أن يخاطبونا وأمكن لنا أن نسمع أصواتهن لسمعناهم يقولون بنغمة الفرح: إن الذي خلقنا يحبنا ولم يرض أن نذوق مرارة شقاء الدنيا، ودعانا سريعا إلى مجده فلبينا الدعوة فرحين وخضعنا لإرادته شاكرين، ونحن الآن في غبطة لا تخطر على بال أحد من سكان الأرض. لقد أصبحنا أنقى من ذرات النور وأبهى من الشمس حيث ننتقل من مجد إلى مجد، ومن نعيم إلى نعيم ونتردد على سعادات لا توصف. فلا تبكوا علينا بل ابكوا على أنفسكم لأنكم لا تزالون في شقاء أرض المنفى. أما نحن فقد رجعنا إلى وطننا الدائم. مساكين أنتم الآن فيما تعانون، وماذا كنا نصادف في العالم لو عشنا على الأرض كما أنتم الآن عائشون. فالحمد لله على النصيب الذي منحه لنا. فلماذا نراكم أيها الوالدون تحزنون وتبكون على نصيبنا السعيد الذي سبقنا فنلناه. قد سبقانكم إلى المجد فان كنتم تحبوننا فافتكروا في نصيبنا، وليكن همكم وأنتم على الأرض أن تحصلوا على مثل ما حصلنا إلى أن يقضى الله بمجيئكم إلينا وحينئذ تقدرون أن ترونا ونراكم ونكون معا إلى الأبد بلا افتراق ولا انفصال. لا تبكوا علينا بل اخضعوا لما رسمته المشيئة الإلهية. لأنه هكذا أنعم الله علينا فالحمد لاسمه العظيم، ومتى تأملتم خساسة الدنيا وتغير الزمان وقصر الحياة وقابلتموه بأمجادنا الأبدية وأدركتم عناية الله اعترفتم بمحبته التي نقلتنا من أحضانكم إلى أحضان الرحمة الأبوية. قبلاتكم التي كنتم تقبلوننا بها لا تساوى شيئا مما نشعر به الآن من محبة. فخلوا عنكم الحزن والألم وإياكم والاعتراض على أعمال الله فان ما يتراءى لكم أنه قساوة نراه نحن عطفا، وما ظننتموه غضبا حسبناه نحن رحمة ومحبة، ولا تقولوا أننا خرجنا من العلم في أوائل الحياة. فإننا قضينا الغاية من الوجود وهى الحصول على السعادة والمجد والتمتع بالله إلى الأبد. تلك الغاية التي لم تبلغوها أنتم بعد والتي نرجو أن تحصلوا عليها. وها نحن الآن نرتل مع الملائكة ترنيمة جود الله ونسبحه كل حين على هذه النعمة. فلا تنكروا أنتم هذا الإحسان والجود. بل اشكروا الله وتعزوا بأن لكم أولادا في السماء يقفون أمام الله ويرون وجهه كل حين.
  رد مع اقتباس
قديم 17 - 07 - 2014, 03:12 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,264,140

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس

موت الشباب

خلاصة عظة على إقامة ابن الأرملة في نايين
"وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة تدعى نايين: وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمع كثير. فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول ابن وحيد لأمه وهي أرملة ومعها جمع كثير من المدينة فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبكي. ثم تقدم ولمس النعش فوقف الحاملون. قال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه. فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" لو (7: 11-16).
إن تشييع الجنازة إلى القبر من أكبر المشاهد المحزنة التي يتوجع لها القلب. فإنه منظر يرينا مصير الإنسان ويذكرنا بزوال الحياة وبطلان العالم، وينصب أمام عيوننا تمثال الموت المريع وسطوته وبأسه حيث نرى من كان يتكلم معنا بالأمس جثة صفراء خرساء هامدة أعدت طعاماً للدود والحشرات. هناك ترى المشيعين وقد خيم الحزن والأسى عليهم، يسيرون بالجنازة مطرقين بوجوه حزينة، وقلوب منكسرة، وعيون تذرف الدموع، والسكوت مستول على الألسنة والشفاه. لاسيما إذا كان الفقيد شابا عاجلته المنية في ريعان صباه وعنفوان شبابه وهدت به أركان رجاء عائلته. فهناك المصاب الأليم والخطب الجسيم.
والموت أكبر عدو للإنسان. ليس كأس أمر من كأسه. ولا سلطان أقوى من سلطانه. يغتال الكل على السواء الكبار والصغار. الأغنياء والفقراء يهجم على الملوك في قصورهم كما يخطف المساكين من أكواخهم. لا يراعي حرمة كبير ولا يشفق على صغير. لا يرأف بالشباب. ولا يرق للأجسام النضرة. ولا ينظر إلى دموع الأمهات ولا يراعي شعور الأولاد. ولا ينعطف إلى وداد الأصدقاء.
ومن يستطيع أن يصف مقدار الأحزان التي جلبها الموت على البشر. ما أكثر الآلام التي يجلبها كل يوم. فهوذا أصوات البكاء والعويل والنحيب تتصاعد في كل مكان على توالي الزمان. وكل ذلك مسبب وناتج في الأصل عن الخطية. لأن الله تعالى عمل كل شيء حسناً. ولكن خطية آدم ومعصيته جلبت الموت على الجميع. قال الرسول بولس "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" رو (5: 12).
ولا يخفى أن العالم الذي نحن فيه مملوء بالأوجاع والأحزان والنكبات والشرور، فأينما توجهنا وحيثما التفتنا نرى مشاهد الفقر والأمراض والرزايا والأحزان. وكيف يقاسي أصحابها المشاق والأكدار ولم يبطل صوت النحيب والولولة من العالم لحظة واحدة وكل ذلك مصدره في الأصل الخطية، فكم هي دنسة ومكروهة تلك الخطية التي جلبت كل هذه الشرور والويلات. ولولاها لما شاهدنا هذه المناظر المؤلمة المحزنة. فهذه هي أحوال العالم منذ القديم إلى الآن في عالم انقراض الحياة، لا مكان لتعييرها ولا سبيل للفرار منها بل نحن عائشون في عالم ملآن بالأوجاع وكله بطلان. وهذا ما يعلمنا أن نعمل للحياة الباقية ولا نضع آمالنا في هذه الدنيا الفانية.
وفي الفصل الذي بدأنا به مقالنا هذا نرى جنازة حارة ومشهداً محزناً للغاية يستدر الدموع من أجمد العيون. حيث نرى الموت وفعله في أقسى صوره وأشكاله. وقد كانت تلك الجنازة مؤثرة جداً لثلاثة أسباب:

كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
السبب الأول -أن الفقيد كان شاباً- أذوى المنون غصنه الغض وهو لا يزال في مقتبل العمر وفجر الحياة. والموت لا يظهر في معظم قساوته أكثر مما يظهر وقت اغتياله الشبان وهم في شرخ الصبا. فموت الطفل الصغير باكراً يبعث إلى الحزن والأسى، ولكن عندما نبصره مدرجاً بأكفانه، ونلتفت إلى وجهه الملائكي. ونتأمل حياته القصيرة الطاهرة المنزهة عن كل عيب. نتعزى ونبارك العناية الإلهية التي مدت يدها وانتشلته من عالم الإثم قبل أن يتلطخ بأوزار وأقذار العالم،وخلصته من أتعاب وجهاد الدنيا. لينجو من شرور ومخاطر العالم ونقلته إلى ديار السعادة والهناء. كذلك عندما نرى شيخاً صالحاً راقداً في تابوته ليشيع إلى بيته الأبدي تكف عيوننا عن الدموع. لأننا نفكر في جهاده وتعبه من السفر في غربة هذه الدنيا. وأنه شبع أياماً وتعب فيها وأصبح مشتاقاً للراحة ويتوقع الانطلاق إلى وطنه الدائم: ولسان حاله يقول مع سمعان الشيخ: "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك " لو (2: 29).
ولكن عندما يهجم الموت ويختطف من هم في عنفوان الشباب يحسب ذلك مصيبة أليمة. ليس هذا بالأمر النادر الوقوع فإننا نرى الموت في كل يوم يهجم على بني البشر. ويحصد بمنجله الحشيش اليابس والعشب الأخضر ويختطف شبانا وشابات في زهرة الصبا.
السبب الثاني - الذي جعل تلك الجنازة مؤثرة للغاية. هو أن ذلك الشباب كان وحيداً. مهما اتسعت دائرة العائلة وكثر عدد أفرادها فلا يهون عليها فقد أحد أعضائها. ومهم كان الوالدين في غاية الفقر فلا يهون عليهما ليس فقط فقد ولد من أولادهما بل بعده عنهما زماناً طويلاً فماذا يكون بفقد ابن وحيد تعلقت عليه آمال الوالدين. هو لديهما قرة أعينهما، وموضوع بهجتهما، وتعزيتهما الوحيدة في هذا العالم. وقد ضرب المثل منذ القديم بعظم بلاء هذا الخطب وشدة مرارته (ار6: 26، زك12: 10).
السبب الثالث - الذي جعل تلك المصيبة فادحة هو أن والدة ذلك الفقيد الوحيد كانت أرملة. لا يقدر اللسان ولا القلم أن يعبر عن عواطف وحساسيات الأمهات ومحبتهن لأولادهن. فمن يقدر أن يصف أحزان تلك الأرملة الثكلى التي تبددت الآن أفراحها وسقط كل رجائها، خاب أملها، وانطفأ مصباحها. ما أوجع الآلام وأشد الأوجاع التي كابدتها هذه المسكينة. مات زوجها الذي كان سندها الوحيد فبقى لها أمل تحيا به وهو ولدها. ربته وعلقت عليه آمالها فهجم الموت واختطفه منها وقضى على بقية رجائها. أصبحت كشجرة علق فيها عنقود واحد فجاء العدو واقتلعه وصارت بلا ثمرة. وكبيت مستند على عمود واحد فانهدم. ولم يوجد في المدينة من سمع بمصابها إلا توجع لألمها. لهذا كان معها جمع كثير من المشيعين عساهم يخففون شيئاً من أحزانها ولكن هيهات ذلك فإن القلب الحزين يعرف مرارة نفسه. والله وحده هو الذي يدري مقدار ألمها ولوعة حزنها لاشك أن المشيعين كانوا متوجعين متألمين، واحد يبكي وآخر يتنهد وغيره يئن. ومن يشاهد منظراً كهذا ولا تغرق عيناه في دموعه. ومن شأن هذه المناظر المؤلمة أن تؤثر في نفوسنا ولها قوة ولا نستطيع دفعها وكأن صوت العالم في تلك الساعة يسكت وكل ما حولنا يصمت حيث نسمع صوتاً آخر يتردد في آذاننا من كل ناحية قائلاً "باطل الأباطيل الكل باطل" ونشعر كأننا واقفون أمام الحقيقة، وأن كل ما نحتاج إليه ليس الغنى ولا الشهرة ولا المجد ولا أتباع شهوات النفس. بل شيء آخر هو معرفة أننا زائلون، أننا في الدنيا غرباء وعنها راحلون.
بعدما سار المشيعون بالجنازة من منزل تلك الأرملة إلى خارج باب المدينة (نايين) وتلك الأرملة تندب وحيدها إذا بالرب يسوع الذي له سلطان الحياة والموت تحنن عليها وقال لها "لا تبكي"، كيف لا تبكي ومنتهى جهدها الدموع والبكاء؟ ومن يستطيع أن يوقف جريان دموع أرملة تبكي وحيدها وسندها؟ أن يسوع الذي تحنن مرة على الجموع لما رآهم مشتتين كغنم لا راعي لها وبكى عند قبر لعازر. تحنن عند رؤيته حزن هذه الأرملة ووقف بجانب النعش وقال للأرملة لا تبكي!! لو قال هذا القول شخص آخر غير الرب يسوع لكان كلامه مخالفاً للطبيعة. لأن لا أحد اختبر الطبيعة البشرية وعلم ما هو الحزن وما هي قوة الدموع يحاول إطفاء تلك النار المتأججة في ذلك القلب الحزين ولكن الذي قال لها لا تبكي يستطيع وحده أن يحول مجاري تلك الدموع إلى تعزيات لا تخطر على بال وهو العطوف الشفوق المتحنن مصدر كل خير، ونبع كل إحساس، تقدم من تلقاء نفسه ولمس النعش فوقف الحاملون: يا لها من لحظة انتظار رهيبة: إنها دقيقة ترد فيها الحياة أو يتسلط الموت.
لم يكن أحد من المشيعين يرتاب في موت الشاب لأنهم لم يكونوا حاملين تابوتاً بل نعشاً مكشوفاً عليه جثة الفقيد في أكفانه ولكن الرب يسوع نادى قائلاً: "أيها الشاب لك أقول قم" فبقوة تلك الكلمة عادت الروح إلى الجثة المائتة وانبثت الحياة في ذلك الجسد الفاقد الحس والشعور "وجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه" وهكذا تحول الموت إلى حياة، والحزن إلى فرح. ومن يستطيع أن يصف حالة تلك الأم. وكيف استحالت للحال أحزنها إلى مسرات، ومرارتها إلى ينابيع أفراح وشاهدت موضوع رجائها وقد عاد يتكلم معها! لا شك أن الرب يسوع أرجع إليه مع الحياة الجسدية حياة جديدة روحية لأن الذي أرجع الروح إلى الجسد وأعاد إليهما حياتهما السرية. الذي جعل الحرارة تدب في الدم ليجري في العروق. الذي رد للعضلات قوتها. وللأعصاب إحساساتها. سهل عليه أن يرد لذلك الشاب الصورة الحقيقية إلى نفسه التي فسدت بالخطية. ويمنحه الضمير الحي والعقل الروحي ويبعث النفس من موت الآثام إلى الحياة الجديدة.
كتاب عزاء المؤمنين - القديس الأرشيذياكون حبيب جرجس
أما ما يجب أن نتعلمه من هذه الحادثة فهو الحقائق الآتية:-
الحقيقة الأولى: أن الموت مسلط على الجميع كباراً وصغاراً وهو يختطف الشيوخ والشبان والأولاد والأطفال. وحياتنا ما هي إلا بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل يع (4: 14) قال المرنم: عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي فاعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشباراً وعمري كلا شيء قدامك. إنما نفخة كل إنسان قد جعل إنما كخيال يتمشى الإنسان. مز (39: 5و6) وقال أيوب الصديق أليس جهاد للإنسان على الأرض وكأيام الأجير أيامه أي (7: 1) الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعباً يخرج كالزهر ثم ينحسم ويبرح كالظل ولا يقف أي (14: 1، 2) وقال الرسول بطرس: كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبس وزهره سقط 1بط (1: 24) ليتنا ننصب تمثال الموت أمام عيوننا ونذكره كل حين فان الافتكار فيه حكمة بالغة لئلا ننساه ونسكر بخداعات وغرور هذه الحياة. إننا غرباء على هذه الأرض. ومسافرون إلى طريق الأبدية فهل يليق بالمسافر أن يتوانى في طريقه ولا يفتكر كل حين في السبيل الموصل إلى وطنه. لقد حكم علينا كلنا بالموت. وسمعنا صدور الحكم ورأينا تنفيذه في كل الذين سبقونا. وكخطوة بيننا وبين الموت فطوبى لمن نظر إلى آخرته وعمل لمستقبله. فإنه يكون كالبحَّار الماهر الذي يجلس في مؤخر سفينته ويمسك دفتها لكي تسير حسناً وفي أمان.
أيها الشيخ الكبير الذي وقفت رجلاه على أبواب الأبدية. اذكر أن الموت قريب منك: فاستعد للقاء ربك. وأنت أيها الشاب لا تنس أن الموت كل يوم يختطف شباناً لا يزالون في عنفوان قوتهم، واذكر أن قوتك ستفنى وجمالك سيذبل. وجسدك الصحيح سوف يأكله الدود، وأولئك الذين يحبونك ويشفقون عليك سوف يقدمونك إلى القبر، حينئذ لا شيء ينفعك إلا فضائلك وأعمالك.
الحقيقة الثانية: كثرة تحنن المسيح وأنه المعزي الوحيد الذي عليه نلقي رجاءنا. إن السيد لما رأى تلك الأرملة تحركت عواطف قلبه وظهرت شفقته العظيمة عليها أن يتأخر عن مساعدتها، مع أنها لم تطلب منه ذلك ولا خطر ببال أحد في ذلك الوقت أنه قادر على مساعدتها: لكنه تقدم وقال للمرأة: "لا تبكي" وأقام ابنها من الموت ورده إلى أمه الحزينة حياً، وحول أحزانها إلى أفراح فالسيد الذي عمل ذلك قديماً على الأرض. لا يزال اليوم وغداً وإلى الأبد: وهو قادر أن يعزينا في أوقات ضيقتنا لاسيما في وقت الأحزان فهو ينظر إلينا دائماً ويتحنن علينا ويرى كل قلب وما فيه من الأوجاع يعرف كيف يجرح ويعصب: يسحق ويداه تشفيان، وليس لنا محب شفوق ومعز رءوف يعرف أوجاعنا ويشعر بآلامنا نظيره، وهو حي إلى الأبد في السماء يرثى لضعفاتنا فلنأت إليه بالإيمان وندعوه ليخفف أوجاعنا. أنه مستعد دائماً لأن يكون طبيباً لأمراضنا، معزياً لأحزاننا، شافياً لجراحنا. جابرًا لمنكسري القلوب. وحبيباً وصديقاً يهبنا كل شيء.
الحقيقة الثالثة - قدرة المسيح الفائقة- فإنه بكلمة واحدة أعاد الحياة إلى ذلك الميت عندما قال له "أيها الشاب لك أقوم قم". فللحال تحرك الميت وجلس وانفتحت عيناه وانحل لسانه وعاد كل عضو في جسده إلى مباشرة وظيفته. فلنتذكر أنه كما أقام هذا الشاب سوف يقيم أجساد المائتين في القيامة إلى حياة جديدة. فإنه "تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة" يو (5: 28، 29). حينئذ يجازي كل إنسان حسب أعماله.
الحقيقة الرابعة: إن الموت يأتي كلص فيجب الاستعداد له، إننا لا نعرف متى نفارق هذه الحياة. في سن الشباب أم الشيخوخة. أما رأينا كثيرين ممن كانوا أصحاء أقوياء عاجلهم الموت على غرة بدون أدنى إشارة أو مرض، وكان لسان حال الموت يقول لكل منا: هذه نهاية كل حي وعما قليل ستكون نهايتك. فاستعد للقاء إلهك (عا 4: 12) والسيد له المجد حذرنا كثيراً وقال: اسهروا إذاً لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم، واعلموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أي هزيع يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب. لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان (مت 24: 42- 44) وساعة الموت هي ساعة مجيء الرب، وفي تلك الساعة تنتهي حياة الإنسان على الأرض وتبتدئ حياته الأبدية. أما في سعادة دائمة أو في شقاء أبدي.
إن الإنسان في حالته الطبيعية وهو بعيد عن معرفة الله لا يقدر أن يستعد للموت لأنه لاصق بالتراب، وعقله منشغل في الدنيا. وقلبه متعلق بالأباطيل، ولكن الموت يفاجئه بغتة، وفي ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره مز (146: 4) "وحينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون" 1تس (5:3) فإن ذلك الغني الذي قال لنفسه: يا نفسي لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. سمع الصوت يقول له: يا غبي في هذه الليلة تطلب نفسك منك. فهذه التي أعددتها لمن تكون؟ لو (12: 19، 20) ويا له من أمر مزعج ومخيف إذا جاء الموت لإنسان وهو على هذه الحالة. فإنه يفصل بينه وبين كل آماله في الدنيا وحينئذ لا يرى إلا ظلمة كثيفة تعقبها دينونة مخيفة، وما هو رجاء الفاجر عندما يقطعه الله عندما يسلب الله نفسه أي (27: 8) أما المؤمن الملآن بالنعمة، السالك في طريق الرب، الحافظ وصاياه. فإنه متى جاءه الموت لا يرعبه بل يخلصه من أتعابه ويدخله إلى الراحة الأبدية فيستطيع أن يقول من ملء قلبه وهو ناظر إلى الرب يسوع: الآن يا سيد أطلق عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك (لو 2: 30) "إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي" مز (23: 4).
فطوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده يجده مستعداً لقدومه. لذلك كونوا أنتم أيضاً مستعدين لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب عزاء المؤمنين - الأرشدياكون حبيب جرجس
كتاب الكنز الأنفس - الأرشدياكون حبيب جرجس
كتاب الصخرة الأرثوذكسية - الأرشدياكون حبيب جرجس
كتاب الصخرة الأرثوذكسية للإرشيدياكون حبيب جرجس
بيان المتنيح حبيب جرجس عن صدور كتاب مارمرقس


الساعة الآن 10:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024