04 - 09 - 2012, 09:10 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: خميس العهد " روحياً عقيدياً طقسياً "... للقمص مكسيموس وصفي
محبة المسيح وخيانة يهوذا
لقد نوى السيد المسيح أنه بعد العشاء يقضي الليل خارج المدينة، فقد اعتاد أن يقضي الليل يصلي في جبل الزيتون (لو 21: 37)، لذلك ذهب الخائن مع جماعة الأشرار مباشرة إلى البستان لأن يهوذا يعرف المكان. من هو يهوذا! هو يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي نسبة إلى قريوط وهي قرية في تلال اليهودية، فهو التلميذ الوحيد بين الاثنى عشر الذي كان من اليهودية والتي تتفاخر بوجود أورشليم فيها مدينة الهيكل والكهنوت والذبائح والأعياد والذكريات مدينة الملك داود، فربما كان أكثر التلاميذ حماسا لانتظار المسيا، لكن كانت له مآرب دنيئة فقد كان ينتظر ملكا أرضيا سيدا متسلطا فقد كانت ليهوذا آمال ضخمة في مجد العالم ومحبة المال والثراء، وازدادت أطماعه حينما رأى الجموع وهي تزدحم حول المعلم يريدون أن يجعلوه ملكا، بل أن أفكار قلبه قد ازدهرت حينما رآه يدخل أورشليم يوم أحد السعف في موكب عظيم بين هتاف الجماهير وحماسهم وهم يرددون مباركة مملكة أبينا داود، وقد ارتجت المدينة وهي تستقبله، لقد صار مع سيده ثلاث سنوات في انتظار تحقيق آماله الشريرة، وعيد الفصح هذا العام هو أنسب فرصة لذلك ولكن سرعان ما ابتدأت آماله تخيب عندما تحدث المسيح إلى تلاميذه عن آلام وموت ينتظره فأضمر الخائن في قلبه الجريمة، فقد تبددت أطماعه فيوحنا يسميه لصا (يو 12: 6) ومسلمه (يو 13: 11) وابن الهلاك (يو 17: 12). فقد دخله الشيطان (يو 13: 27) لأنه كان مهيأ للشر إذ ملكت الآية على حياته. وذهب الخائن إلى رؤساء الكهنة واتفق معهم على تسليمه، وهؤلاء الأشرار ملأهم السرور بصفقة الخيانة كما تخبرنا الأناجيل الأربعة. وإن كان الإنجيليون لم يوضحوا صورة الخائن وقلبه الأسود لكن القديس متى يضيف أنهم أعطوه ثلاثين من الفضة وهي قيمة ما كان يدفع ثمنا للعبد (خر 21: 32)، (زك 11 : 12-13). |
||||
04 - 09 - 2012, 09:10 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: خميس العهد " روحياً عقيدياً طقسياً "... للقمص مكسيموس وصفي
محبة المسيح الغامرة...!:
إذ كان السيد المسيح يعلم بضعف التلميذ الذي اختاره ومحبته للمال، أراد أن ينقذه فابتدأ يعالج ضعفه ويشجعه على التوبة وكم مدح السيد أمامه التائبين حتى العشارين والزناة قبلهم حين تابوا، ولكن يهوذا قد تسلطت على قلبه أطماع دنيئة ومع هذا لم ي بعده السيد ويرفضه من وسط التلاميذ بل أنه أسند إليه عملا من أعمال الخدمة حيث سلم إليه الصندوق. وإن كان السيد عرف الخائن منذ بدء الخدمة لكنه حاول مرات عديد أن ينقذه فكم من مرة كان يلمح له وقال " منكم قوم لا يؤمنون لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون به ومن هو الذي يسلمه " (يو 6: 64). وفي الليلة الوداعية أحاط السيد تلميذه الضعيف بمحبة غامرة محاولا إنقاذه من هوة السقوط وابتدأ يكشفه له صراحة وينصحه " أنا أعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه " (يو 18: 13) " ولما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني " (يو 21:13). ثم أخذ السيد يحذره ويحاول أن يوقظ ضميره " وحزن التلاميذ جدا وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يارب " (يو 26: 22). ولم يخف السيد الأمر وابتدأ في محبة غامرة ينذره " فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثنى عشر الذي يغمس معي في الصحفة أن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان كان خير لذلك الرجل لو لم يولد " (مر 14: 20-21). بل أن القديس يوحنا أوضح أكثر كيف خصص السيد التلميذ بالذات " أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي " (يو 13: 26). وإن كانت الدائرة أخذت تضيق حول يهوذا وأصابع الاتهام تشير إليه لتفضح نواياه الدنيئة، ولكن أحضان السيد كانت مفتوحة وهو على المائدة يحاول أن ينقذه من الهلاك، فحينما كان التلاميذ يقولون له واحدا فواحدا هل أنا. وآخر هل أنا (مر 14: 19) ووقف يهوذا يقول " هل أنا هو يا سيدي قال له أنت قلت " (مت 26: 25). ويذكر القديس يوحنا أن السيد سبق أن ألمح ليهوذا منذ وقت غسل الأرجل إذ قال السيد: " أنتم طاهرون ولكن ليس كلكم لأنه عرف مسلمه " (يو 13: 10-12). وحينما جلس السيد إلى المائدة وقت العشاء جلس يوحنا إلى يمينه، لأنه استطاع أن يتكئ على صدره ويسأله عن مسلمه، وجلس يهوذا إلى يساره حتى كان من السهل أن يأخذ السيد اللقمة ويعطيه إياها، ولكن الخائن لم ينتفع من محبة سيده فقد دخله الشيطان "فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة " (يو 13: 27)، واختار يهوذا لنفسه الهلاك والظلمة فترك العلية وخرج ليتآمر على سيده ثم خنق نفسه، ويلمح البشير لذلك إذ يقول أن يهوذا خرج وكان ليلا لقد ترك يهوذا السيد مع تلاميذه وسط أنوار العلية وخرج في تلك الليلة المجيدة، وخرج ليلا فابتلعته الظلمة. واتفق البشيرون أن يهوذا اتفق على تسليم سيده بقبلة غاشة، لكن القديس متى يكشف لنا أن محبة المسيح ليهوذا أرادت أن تنتشله حتى هذه اللحظة الأخيرة فقال له: " يا صاحب لماذا جئت " (مت 26: 50). وإثباتا لخيانته وشهادة عن سيده البار، رجع في خزي وعار إلى رؤساء الكهنة ورد الفضة قائلا " قد أخطأت إذ سلمت دما بريئا . .. وطرح الفضة في الهيكل وذهب وخنق نفسه " إذ علق نفسه على شجرة على حافة الممر الضيق لوادي هنوم، وفي الوادي سقط على وجهه وانشقت أحشاؤه وانتهت حياته إلى الهلاك قبل أن يساق سيده للصلب" (مت 27: 3-10)، (أع 1: 15-20). لقد ضعف التلاميذ وهربوا، ولم يتبق سوى يوحنا أصغرهم الذي لازمه حتى المحاكمة والصليب، وبطرس الذي كان يرقب من بعيد، لاشك أن التلاميذ كانت قلوبهم ملتهبة بمحبة سيدهم الذي لازموه السنوات السابقة بكل الحب، وما من شك أنهم هربوا من هول الموقف فضعفت وخارت شجاعتهم ولكن نفوسهم كانت متعلقة به متلهفة قلقة على مصير سيدهم، لذلك سريعا ما عادوا إلى حضن المخلص، حتى بطرس الذي أنكر لم يتركه لئلا ييأس لكنه "نظر إليه " (لو 22: 61) فالتهب قلبه بحبه القديم وندم وخرج إلى خارج وبكى بكاءا مرا. أن المخلص جاء إلى العالم ليخلص الخطاة، ويشجع الضعفاء، ويقيم الساقطين، ولكن يهوذا وقد كان معدودا بين الاثنى عشر عاش مع سيده ثلاث سنوات شاهد المعجزات بعينيه، وسمع تعاليم المسيح بأذنيه، وذهب مع التلاميذ للكرازة، وأعطى خدمة الصندوق، وقد يكون قد أحب سيده مثل باقي التلاميذ، ولكنها الخطية التي ملكت قلبه فلم يستطع أن يعبد سيدين فلازم الواحد وترك الآخر، ما أعظم الفرق بين قيمة المسيح عند المرأة التي سكبت الطيب والذي كان قدر بثلاثمائة دينار (أكثر من ألف جنيه)، وبين قيمة المسيح عند يهوذا الذي باع سيده بثلاثين من الفضة (نحو عشرون جنيها) (يو 12: 1-8). |
||||
04 - 09 - 2012, 09:11 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: خميس العهد " روحياً عقيدياً طقسياً "... للقمص مكسيموس وصفي
المفهوم الروحي للعيد
في هذا العيد إذ تحتفل الكنيسة بيوم خميس العهد إنما ندخل معها إلى داخل العلية فنشاهد ليلة آلام الرب ونسير مع أحداث هذه الليلة الوداعية، فنرى السيد المسيح وقد قام عن العشاء الفصحي ليغسل أرجل التلاميذ وفي هذا يكسر ذاته فيقابل ذاتنا المتكبرة بسر اتضاعه الفائق ويشفي كبرياءنا. في هذه الليلة نجلس في رهبة وخشوع إلى مائدة الرب في سر العشاء الرباني فنرى " الحكمة- ذبحت ذبحها مزجت خمرها أيضا ترتبت مائدتها " (أم 9: 2) ويدخلنا العريس إلى سر محبته ويقدم جسده مكسورا ودمه مسفوكا " غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه " (تك 49: 11)، فنراه يكسر جسده في هذا السر ويعطيه لنا قبل أن يكسره على الصليب " أدخلني بيت الخمر وعلمه فوقي محبة " (نش 4:2). بتجسد المسيح وتداخل الله مع الزمن فصار له يوم ولد فيه ويوم مات فيه ولكنه يعلو فوق الزمان، وإن كان قد مشى على الأرض لكنه لا يحده مكان، لذلك أوضح لتلاميذه أنه وإن كان سيتركهم لكن وجوده سيستمر معهم إنه فوق المكان والزمان، وهذا ما حققه في هذا السر، فإن كان تركهم بالجسد لكنه حاضر في الخبز والخمر في القداس الإلهي حيث يحدث التحول السري فتسمو طبيعة الخبز والخمر فوق الشكل المنظور ليحقق وعده الإلهي " إن اجتمع اثنين أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم " (مت 18: 20). في كل مرة نأكل جسد الرب ونشرب دمه ندخل في بركة ذبيحة الصليب لغفران الخطايا (مت 26: 26)، فنأخذ تلك الجمرة المطهرة التي نالها إشعياء النبي في الرؤيا (إش 6)، فننال قوة القيامة ونحن مازلنا في الجسد (يو 6: 51، 54) فتصير شهادة فينا نبشر بموت الرب ونخبر بقيامته. في كل مرة نأكل جسد الرب ونشرب دمه إنما هو تذكار واقعي متجدد للفداء، قد صنع المخلص الفداء على الصليب مرة ولم يكف عن صنعه، كذلك إذ قدم جسده ودمه على مائدة العشاء الرباني ولم يكف عن ذلك (عب 9: 4)، (1 كو 11: 26) فهو تذكار واقعي لذلك كانت دعوة المخلص (اصنعوا هذا لذكري...). في هذه الليلة تظهر شجرة الحياة، تلك التي حرم منها الإنسان قديما بسبب الخطية إذ حكم عليه بالموت (تك 2: 9) فهو يعطي الحياة لأنه يعطي ذاته، فهو شجرة الحياة التي في وسط فرودس الله (الكنيسة) (رؤ 22: 14). هذا هو الخبز الحي النازل من السماء الذي اشتاق إليه الإنسان منذ أن وضع الله في قلبه وقت أن أكل المن النازل من السماء، والآن له أن يأكل لا من المن القديم بل من المن المخفي (رؤ 2: 17)، أنه خبزنا الذي للغد وهب لنا أن نأخذه اليوم. أعطانا السيد المسيح أن نشاركه في الطبيعة الإلهية (2 بط 1: 3) ونثبت فيه، ونصير من لحمه وعظامه (أف 5: 30)، ففي سر التناول ترتبط الكنيسة وتتحد بعريسها اتحاد الرأس بالجسد فنصير واحدا معه (يو 6: 56) وهي تحقيقا لصلاته الوداعية في البستان أن نصير واحد فيه " ليكونوا هم أيضا واحدا فينا " (يو 17). نطلب من ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أعطانا عهده القدوس جسده ودمه في هذه الليلة الوداعية أن نال منه غفرانا لخطايانا وحياة أبدية، وأن يجعل هذا العيد عيدا مباركا. آمين. |
||||
|