منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15 - 02 - 2014, 12:55 PM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

أبونا يعقوب مع مشاكل أولاده

تحدثنا عن مشاكل زوجتيه، وصراعهما في إنجاب الأبناء. ونود الآن أن نتحدث عن مشاكل هؤلاء الأبناء، وقد كبروا وصاروا رجالًا، بعد عشرين سنة قضاها مع خاله لابان (تك 31: 41)، وسنوات أخري بعد انفصاله عن لابان حتى أن يوسف إبنه الأصغر حينما حدثت مشكلته مع أخوته كان عمره 17 سنه (تك 37: 2). وكانت لهم أيضًا أخت اسمها دينه، وصارت في سن يسمح لها بالزواج (تك 34: 8)..
فماذا كانت مشاكل هؤلاء الأبناء لما كبروا. نذكر هنا أهمها:
1 عدم عدله في محبته لأولاده.
2 مشكلة روابين البكر مع سرية أبيه.
3 مشكلة دينة. وقتل شمعون ولاوي لكل بيت شكيم.
4 مشكلة يوسف واضطهاد اخوته له.
5 مشكلة يهوذا مع كنته ثامار.
وقد كان موقف أبينا يعقوب مع كل مشاكل أبنائه موقفًا ضعيفًا..
مشاكله مع أخيه عيسو، ومع خاله لابان، كان يحلها مع الاحتفاظ بضعفه سواء في الحيلة التي اشتري بها بكورية عيسو. وفي هذه أيضًا كان يعقوب ضعيف أمام أمه رفقه (تك 27). وكذلك بالحيلة اخذ الغنم من لابان، وليس بالقوة (تك 30).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
مشكلة دينية

حدث أنه لما نجا من أخيه عيسو، أنه "أتي إلي مدينة شكيم التي في أرض كنعان.. وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم" (تك 33: 18، 19). "وأقام هناك مذبحًا".. من المعروف أن الكنعانيين كانوا أشرارًا، ويعبدون الأصنام. فلماذا يا يعقوب تذهب ألي هناك لتستقر؟ لعله يقول: قد أقمت هناك مذبحًا..! لعله أراد أن يجمع بين عبادة الله ومعاشرة الناس الأشرار!! ولم يأخذ درسًا من قصة لوط في سادوم، والقياس مع الفارق.. فماذا حدث له ولأبنائه في شكيم؟
خرجت ابنته دينه، لتنظر بنات الأرض، فنظرها شكيم وأحبها.. (تك (34: 1، 2).
إنه واجد من أولاد الأرض. رآها وأحبها. وأخطأ أليها ونجسها وأذلها. وكانت مشكلة اصطدام بها يعقوب. ولما سمع بالخبر، يقول الكتاب أنه سكت إلي أن جاء أبناؤه من الحقل. أما أبناؤه فعزموا علي أن يقتلوا شكيم وأباه وكل آهل بيته.. حمور عرض أن يعطوا دينة لابنه شكيم زوجة، ووافق علي كل ما يعرضونه من شروط، قائلًا "دعوني أجد نعمة في أعينكم. فالذي تقولون لي أعطي".. أما أبناء يعقوب فبمكر اشترطوا أن يختتن كل ذكر في المدينة، لأنهم لا يمكنهم أن يعطوا أختهم لرجل أغلف.. وقبل حمور وشكيم هذا الشرط..اختتن كل ذكور المدينة. وإذا كانوا متوجعين، أخذ شمعون ولاوي كل منهما سيفه وأتيا علي المدينة بأمن. وقتلا كل ذكر، وقتلا حمور وشكيم بحد السيف. ونهبوا كل ما في المدينة..
فماذا فعل يعقوب؟.. مجرد توبيخ لشمعون ولاوي!

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
قال لهما "كدر تماني بتكريهكما أياي عند سكان الأرض الكنعانيين والفرزويين وأنا نفر قليل. فيجتمعون علي ويضربوني أنا وبيتي" (تك 34: 30).. لم يوبخهما علي الغدر والمكر وقتل أناس بينهم عهد وأمان!! إنما كان سبب توبيخه لهما هو ضعفه وخوفه.؟أما هما فلم يعترفا بما ارتكباه من خطأ، أنما بررا ذلك بقولهم لأبيهما "أنظير زانية يفعل بأختنا؟! مع أن الناس سلكوا معهم بأسلوب ارقي من أسلوبهم!!
وكان لابد ليعقوب أن يترك تلك الأرض ويرحل.
علي أنه قبل أن يموت، وحينما حان الوقت ليبارك أولاده، تذكر خطيئة شمعون ولاوي. فقال "شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمعهما لا تتحد كرامتي. لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا،وفي رضاهما عرقبًا ثورًا ملعون غضبهما فإن شديد، وسخطهما فإنه قاس.." (تك 49: 5-7). فقال له اله "قم اصعد إلي بيت إيل، وأقم هناك واضع هناك مذبحًا لله الذي ظهر لك، حين هربت منت وجه عيسو أخيك" (تك 35: 1). لو كان يعقوب من بادئ الأمر قد ذهب إلي بيت إيل، ولم يسكن في شكيم في أرض الكنعانيين، ما كانت دينه قد تنجست، وما كان شمعون ولاوي قد ارتكبا ما ارتكباه من غدر وقتل.. كل هذا يعطينا درسًا في اختيار البيئة التي نسكن فيها.. لأنه نتيجة السكني في بيئة لابان الذي يعبد الأصنام (تك 31: 30) وفي بيئة للكنعانيين.. نسمع عبارة عجيبة سجلها الكتاب، استعدادًا للذهاب إلي بيت إيل.. وهي:
"فقال يعقوب لبنية ولكل من كان معه: اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وابدلوا ثيابكم" (تك 35: 2).
إنها عبارة روحية يقولها لأبنائه، وهو ذاهب إلي أرض مقدسة. ولكن لماذا لم يقلها "فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيديهم، والأقراط التي في آذانهم. فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم" (تك 35: 4)،فلما تخلص من أصنام أفراد أسرته، ولما ذهب إلي بيت أيل وبني مذبحًا للرب هناك نقرأ بعد هذا أنه ظهر الله ليعقوب أيضًا.. وباركه" (تك 35: 9). فدشن يعقوب مكانًا للرب هناك: نصب عمودًا في المكان الذي تكلم معه الرب، وسكب عليه سكيبًا وصب عليه زيتًا. ودعا أسم المكان بيت إيل.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
خطية رأوبين

حدث بعد موت راحيل، أن رأوبين بكر يعقوب "ذهب وأضطجع مع بلهة سرية أبيه" (تك 35: 22). وبلهة هذه تعتبر في درجة أمه، لأنها امرأة أبيه، وهي أم أخويه دان ونفتالي (تك 35: 25).
يسجل الكتاب أن يعقوب سمع ما فعله رأوبين (تك 35: 22).. ولكنه لم يفعل شيئًا، ولم يؤدب رأوبين..!
كل ما في الأمر أن أبانا يعقوب قبل موته. وفيما هو يخبر أبناءه بما يصيبهم في آخر الأيام قال "رأوبين، أنت بكري قوتي وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز. فائرًا كالماء، لا تتفضل. لأنك صعدت علي مضجع أبيك حينئذ دنسته. علي فراشي صعد" (تك 49: 3، 4).
وهكذا نري أن مجد البكورية، لم يكن مقياسه بالسن. رأوبين هو البِكر حسب السن، ولكنه لا يتفضل.. ما كان له ولا لنسله نصيب في عظمة الكهنوت ولا في عظمة الملك. ولم تكن له الهيبة التي يقود بها أخوته، لما أرادوا التخلص من يوسف (تك 37: 22- 29).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يهوذا وكنته ثامار

"أخذ يهوذا زوجه لبكره عير، أسمها ثامار. وكان عير بكر يهوذا شريرًا في عيني الرب، فأماته الرب" (تك 38: 6، 7). ورفض ابنه الثاني أونان أن يقيم نسلًا لأخيه من ثامار، فأماته الرب أيضًا (تك 38: 8-10). ولما لم يعط يهوذا لثامار ابنه الثلث شيله، دبرت له حيلة لتسقطه معها، وتنجب منه نسلًا!! بعد موت امرأة يهوذا، ذهب إلي تمنه. وفي الطريق راي امرأة حسبما زانية فدخل إليها وزني معها، وهو لا يعرف أنها كانت تغطي وجهها (تك 38). وانكشف الأمر أخيرا"ً، وأنجبت منه توأمين هما فارص وزارح. واعترف يهوذا وقال "هي أبر مني، لأني لم أعطها لشيله ابني".
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
تمييزه في محبته لأولاده

كما كان أبونا يعقوب يحب راحيل أكثر من محبته لأختها ليئة وقد سبب هذا صراعًا بين الأختين ومشاكل عديدة..
كذلك أحب ابني راحيليوسف وبنيامين أكثر من أبناء ليئة، وخمن باقي الأبناء. وقد سبب هذا مشاكل سوف نرويها أحب يوسف فمنحه قميصًا ملونًا سبب حسد أخوته. وأحبه فبكي عليه كل أيامه. وأحبه حتى في ميراثه، فمنحه الضعف، سبطين هما افاريم ومنسي. وأحب بنيامين بعد يوسف، وظهر ذلك في قصة إرساله إلي مصر. ولكن محبته لبنيامين لم تسبب مشاكل مع أخوته، بل دافعوا عنه بكل قوتهم أمام يوسف.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف وأخوته

أما مشكلة يوسف بن يعقوب مع أخوته الذين تحايلوا لكي يقتلوه، فسوف نخصص لها فصلًا خاصًا من هذا الكتاب(من ص 70: -إلي ص 77)..
وحينما نتحدث عن يوسف، نتحدث عن فاصل في حياة يعقوب يقسمها إلي قسمين:
حياة يعقوب قبل أن تبدأ قصة يوسف، والنصف الثاني من حياته حينما بدأ طريق لقائه مع يوسف، بل إن هذا النصف الثاني أصبح جزءًا من حياة يوسف.
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 12:58 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

يوسف الصديق

بإنجاب البنين استراح أبونا أبو الآباء من الصراع بين زوجتيه ليئة وراحيل ولكنه دخل في مرحلة صراع أخري في محيط الأبناء.
نلاحظ أنه كما أن يعقوب أحب راحيل أكثر من ليئة، كذلك أبني راحيليوسف وبنيامين، أكثر من جميع أبناء ليئة. علي أن الله -تبارك اسمه- عوض ليئة عن هذا الأمر، فجعل السلطة كلها في نسل ليئة. إذ جعل الكهنوت في سبط لاوي وهو ابن ليئة، وجعل الملك في سبط يهوذا، وهو أيضًا ابن ليئة. بل أن السيد المسيح نفسه ولد من سبط يهوذا، أي من نسل ليئة كذلك. يوسف هو أول ابن ولد ليعقوب من راحيل. وبولادته بدأت مرحلة هامة في تاريخ هذه الأسرة، بحيث تحول تاريخها من أبينا يعقوب إلي أنه يوسف.
وأصبح علينا أن نتحدث عن يوسف باعتباره عنصرًا أساسيًا، ثم نعود أخيرًا إلي أبينا يعقوب.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
شخصية يوسف

تميزت شخصية يوسف بعدة أمور منها:
1 كان إنسانًا محبوبًا.
2 كان ناجحًا وحسن التدبير. وكان الرب معه.
3 كان مثالًا في العفة.
4 كان رجل أحلام، كما كان مفسرًا للأحلام.
5 كان صبورًا، حتى حول الله الشر إلي خير.
6 كان بارًا بأبيه، وبأخوته الذين ظلموه.
7 كان أفضل (وزير تموين) عرفته مصر.
وسنتناول الآن الصفات واحدة فواحدة..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف الشخصية المحبوبة

1- كان يوسف هو الابن المحبوب لأبيه. فلماذا؟
· كان كما قلنا أنه ابن الزوجة المحبوبة راحيل.
· قد ولد بعد فترة طويلة من الانتظار، حينما فتح الله رحم راحيل فولدته، وقالت "قد نزع الله عاري. ودعت أسمه يوسف" (تك 30: 22- 24). ودائمًا يكون الابن محبوبًا، إذ ما ولد بعد طول اشتياق: مثل إسحق بالنسبة إلي إبراهيم (تك 22: 2)، ومثل صموئيل بالنسبة إلي حنة أمراه ألقانه (1صم 2: 1). ومثل يوحنا (المعمدان) بالنسبة إلي أبيه ذكريا (لو 1: 67: 69).
· وبالنسبة إلي أبينا يعقوب إسرائيل كان يوسف محبوبًا منه، لأنه ابن شيخوخته. وهكذا يقول الكتاب "وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر أبنائه، لأنه أبن شيخوخته (تك 37: 3).

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
· وكان يوسف أيضًا جميلًا. قال عنه الكتاب إن كان "حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6). وهذا الجمال صفه خص بها الله بعض شخصيات الكتاب المشهورة: مثل موسي النبي (عب 11: 23) وداود النبي أيضًا (1صم 16: 18).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
2- وكما كان محبوبًا من أبيه كان محبوبًا في بيت فوطيفار.
· كان محبوبًا من فوطيفار "فوكله علي بيته، ودفع إلي يده كل ما كان له... فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل" (تك 39: 4، 6)
· وامرأة فوطيفار أيضًا، أحبت يوسف. ولكنها انحرفت له.. (تك 39: 7- 10).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
3- وحتى في السجن. كان يوسف محبوبًا كذلك.
"فدفع رئيس بيت السجن إلي يد يوسف جميع السري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا ألبته مما في يده" (تك 39: 22، 23). وفي السجن أيضا كان موضع محبة وثقة المسجونين. وهكذا وثق به رئيس سقاة فرعون ورئيس خبازيه، وقصًا عليه حلميهما لكي يفسرهما لهما..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
4- وكان يوسف محبوبًا من فرعون أيضًا:
" ومحسن كلام يوسف في عيني فرعون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده: هل نجد مثل هذا، رجلًا فيه روح الله "ثم قال فرعون ليوسف: انظر قد جعلتك علي كل أرض مصر. وخلع من يده وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، ووضع طوقًا من ذهب عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه أركعوا "وقال فرعون ليوسف: بدونك لا يرفع إنسان يده لا رجله في كل أرض مصر (تك 41: 37-44).
· وعن هذا الأمر قال يوسف لأخوته فيما بعد أن الله "جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا علي كل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8)..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
5- علي أن محبة يعقوبليوسف، سبب له حسدًا في قلوب أخوته!
ذلك لأنه "صنع له قميصًا ملونًا. فلما رأي أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، ابغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 3، 4). وهنا نلمح خطأ في أبينا يعقوب: فكما أنه لم يعدل بين أبنائه. وكان لذلك أثره الذي تسبب في عداوة يوسف له، وصلت إلي محاولتهم قتله (تك 37: 18). وهكذا صار يعقوب عثرة لبنيه في تصرفه..
موضوع القميص الملون درس يقدمه لنا الكتاب:
درس في أن الأب يجب ألا يثير الأخوة بمعاملة واحد منهم أفضل من الباقين، حتى لا يحقدوا عليه. كذلك علي الأم أن تكون عادلة في معاملتها لأبنائها. فأن أنجبت أبنا جديدًا لا يصح أن تعطيه حنانًا مبالغًا فيه أمام الطفل الأكبر منه، بل تعطي الطفل الأكبر فرصة أن يحب الصغير، وكأنه لعبة جديدة أحضرها له والداه.
لا تظنوا أن الأطفال ملائكة لا يتأثرون ولا يغيرون؟
ما أكثر العراك الذي يقوم بين الأطفال من أجل لعبة يتميز بها أحدهم، أو بسبب ملابس، أو نوع من الحلوى، أو لون من التدليل أو المعاملة المفضلة.. لذلك أن كان لك طفلان، وأحضرت لهمًا لعبًا، اشتر من كل لعبة اثنتين متشابهين، لكل واحد منهما واحدة تشبه الأخرى. وأن قلت لواحد منهما كلمه مديح، قل مثلها أو ما يشبهها للأخر حتى لا تثير أحدهما الآخر..
تصوّروا، حتى رسل المسيح تعبوا من هذه النقطة ذاتها، وبلا سبب من جهة المسيح!!
فلما أتت أم أبني زبدي إلي السيد المسيح وقالت له "قل أن يجلس ابناي هذان: واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك"،ومع أن السيد لم يستجب لهذه الطلبة قال لها، "أما الجلوس عن يميني وعن يساري، فليس لي أن أعطية إلا للذين اعد لهم من أبي (مت 20: 21- 23).. إلا أنه علي الرغم من هذا يقول الإنجيل "فلما سمع العشرة (الرسل)، اغتاظوا من اجل الآخرين الأخوين" (مت 20: 24).. فإن كان هذا قد حدث مع الرسل، فلماذا إذن عن باقي الناس! إن الإنسان الكامل هو الذي يحب الكل. أن الله يشرق علي الصالحين والطالحين، ويمطر علي الأبرار والشرار. أن أنجح مربي، هو الذي يشعر كل واحد أن له محبة خاصة في قلبه هو بالذات.. وهذا ما ينبغي أن يراعيه خدام التربية الكنسية سواء مع الأطفال أو مع الشبان.. لقد فرح يوسف بالقميص الملون، ولم يدر أنه سيكون سببًا لمشاكله. وأبوه يعقوب ظن أنه بهذا القميص يقدم خيرًا لإبنه، ولم يدر أنه سيقدم به التجارب والضيقات لهذا الابن الصغير المحبوب!
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
خطأ في طفولة يوسف

لم يكن القميص الملون هو السبب الوحيد لتجارب يوسف..
إنما كان حديثه عن أحلامه هو سبب آخر..
ربما كان إنسانًا بسيطًا من النوع الذي يقال عنه "أن "الذي علي قلبه، هو علي لسانه" ولكن في الواقع إن أحاديثه عن أحلامه سبب حسدًا من أخوته له، بل أيضًا سببت لهم غيظًا له، وتقدمًا له عليهم!! وهكذا يقول الكتاب:
" وحلم يوسف حلمًا وأخبر أخوته، فازدادوا أيضًا بغضًا له (تك 37: 5).
قال حلمت "هنا نحن حازمون حزمًا في الحفل، وإذا حزمتي قامت وانتصبت. فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي "فماذا كان رد الفعل عند أخوته لما سمعوا حلمه هذا؟ لقد قالوا "له "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط؟ "وازدادوا أيضًا بغضًا له من أجل أحلامه ومن أجل كلامه" (تك 37: 6-8).
لم تكن حكمة منه أن يخبر أخوته بحلم يخضعهم فيه له.
والأسوار من هذا أنه حلم حلمًا أخر له نفس المغزى، وقصه علي أخوته أيضًا (تك 7: 9): قال إني قد حلمت حلمًا أيضًا. وإذا الشمس والقمر واحدًا عشر كوكبًا سأجده لي "فحسده أخوته. أما أبوه فحفظ الأمر في قلبه. غير أنه انتهر أمام أخوته، وقال له "ما هذا الحلم الذي حلمت؟!" هل نأتي أنا وأمك وأخوتك ونسجد لك؟!".
أحلام التمجيد يليق بها الإخفاء، حتى لا تثير حسًا.
بل من الصالح أن يخفيها الإنسان عن نفسه، أي لا يعود يتذكرها، حتى لا تسبب له ارتفاع القلب من الداخل. ربما أن يوسف لم يضع في قلبه مثل لك النتائج.. أو أنه لم يستطيع أن يحتمل إخفاء الحلم، دون أن يخبر به غيره وببساطه فعل، ولكنها بساطة غير حكيمة.. علي أن أمر هذه الأحلام لم يكن بسيطًا علي أخوته. فلما ذهب لكي يفتقدهم في المرعي. ورأوه من بعيد، واحتالوا أن يميتوه "قال يعضهم لبعض: هوذا هذا صاحب الأحلام قادم" (تك 37: 18، 19).
خطأ أخر وقع فيه يوسف، وهو توصيل النميمة.
كان ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعي الغنم مع أخوته أبناء امراتي أبيه (جاريتيه بلهفة وزلفة. يقول الكتاب "وأتي يوسف بنميمتهم الرديئة إلي أبيهم" (تك 37: 2). كان خطأ أن يفعل هذا، ولو أن الكتاب لم يذكر لنا النتائج السيئة لهذا الخطأ.. نقطة اخري في شخصية يوسف، وهي أنه:
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
كان ناجحًا، وكان الرب معه

ينطبق عليه ما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار إنه "كل ما يعمله ينجح فيه (مز 1: 3). كان ناجحًا كغلام يرعي الغنم. وقد نجح في افتقاده لأخوته وطلب سلامتهم (تك 37: 12- 17). وكان يوسف ناجحًا في بيت فوطيفار. فقيل عنه "وكان الرب مع يوسف، فكان رجلًا ناجحًا. وكانت بركة الرب في بيت المصري.
وكان يوسف أنجح سجين، وأنجح وزير تموين.
قيل عنه "أن الرب كان معه ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 23). لذلك ترك رئيس بيت السجن كل شيء في يده. أما نجاحه كوزير تموين، فواضح من أنه أنقذ مصر من المجاعة، في حكمة مدي سبع سنين، وكذلك البلاد المجاورة.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
فضائل أخرى

1 كان أنسانًا مثالًا للعفة والطهارة الجسد. وهذا ما سوف نتحدث عنه، حينما نذكر قصته مع امرأة فوطيفار.
2 كان لا يكافئ الشر بالشر، ولا ينتقم لنفسه، وهذا ما سوف نتحدث عنه في لقائه في مصر مع أخوته.
3 كان إنسانًا بارًا بأبيه. وهذا ما حدث حينما استضافه في مصر، وقدمه لفرعون، واعتني به طول فترة المجاعة. واهتم به وبإكرامه بعد موته.
4 كان إنسانًا حكيمًا حسن التدبير. وقد ظهر هذا في حسن تدبيره لبيت وأملاك فوطيفار، وأيضًا في حسن تدبيره لتموين مصر أثناء المجاعة. وقد شهد فرعون لحكمته، ولذلك قلده شئون مصر.
5 كان أمينًا من نحو الله، واسم الله علي لسانه في أرض غربته.
6 كان بارًا بأبيه وأسرته. ولم يستح -وهو في علو رتبته- من أن أباه وإخوته مجرد رعاة. وقدمهم هكذا لفرعون.
7 كان حساس المشاعر. وقد بكي تأثرًا وحبًا في مواقف متعددة كما نري في قصة حياته.
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:01 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

يوسف الصديق، وكم قاسى من إخوته

يتحدث الناس عن محبة الأخوة، ولكنها ليست قاعدة ثابتة. فلم توجد هذه المحبة عند قايين الذي قتل هابيل أخاه. ولم توجد عند عيسو الذي قال: أقوم وأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). كذلك لم توجد عند أبشالوم الذي قتل أخاه آمنون (2صم 13: 28- 32). وحدث هذا أيضًا بالنسبة إلي أخوة يوسف الذين أرادوا أن يقتلوه (تك 37: 18- 20).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
تدرج إلى أسوأ

بدأت القصة بحسدهم له بسبب قميصه الملون.
قال الكتاب أنهم أبغضوا لأن أباهم أحبه أكثر منهم "ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 4). كان يمكنهم أن يكسبوا محبة أبيهم بأعمال فاضلة وبطريقة سليمة. ولكنهم لم يفعلوا. وكان رد فعلهم هو بغضتهم لأخيهم!! وكان بإمكان يعقوب أبيهم أن يعالج الأمر بأن يهديهم قميصانًا كأخيهم، في يوم عيد مثلًا. ولكنه لم يفعل، وبدأت الأمور تتعقد
وزادت بغضتهم لأخيهم بسبب أحلامه وكلامه.
حلم يوسف حلمًا ان حزمهم سجدت لحزمته. واخبر أخوته بذلك الحلم. وهنا لم يقابلوه بالبغضة الصامتة، وأنما واجهوه بمشاعرهم، وقالوا له: ألعلك تملك علينا ملكًا وتتسلط علينا تسلطًا. وازدادوا أيضًا بغضًا له بسبب أحلامه، ومن أجل كلامه" (تك 37: 5- 9). وهنا أخطأ يوسف بحديثه عن حلمه.
هناك أمور حسنة. إن تحدثنا عنها، تجلب لنا حسد الناس وأيضًا حسد الشياطين.
وبخاصة لو كانت الأمور تحمل مقارنة بيننا وبين الغير. مثل حلم يوسف الذي يعني سجود أخوته له. كان ينبغي أن يكتمه، فلا يحدثهم عنه. وأن لم يستطيع الكتمان كان يمكنه أن يقص الحلم علي أبيه وحده.. ولكنه لم يفعل. بل إنه لما حلم حلمًا آخر والقمر واحد عشر كوكبًا ساجدة لي". وفي هذه المرة انتهره أبوه وقال له: ما هذا الحلم الذي حلمت. هل نأتي أنا وأمك ونسجد لك؟! وحسده أخوته (تك 37: 9-11).
لم يأخذ يوسف درسًا من مشاعر أخوته بسبب حلمه الأول.وأضاف حطبًا علي النار كلها دروس لنا، لكي لا نتحدث عن الأمور التي يكون فيها مظهر عظمة لنا، حتى لو كانت من الناحية الروحية، كما يتحدث البعض عن اختبارات روحية تحمل لونًا من الفخر! ما أعظم السيدة العذراء التي لم تتحدث إطلاقًا عن أمجاد البشارة بالحبل المقدس، وما كان فيها من ظهورات ملائكة، ووعود إلهية، وتطويب القديسة أليصابات لها، ومباركة سمعان الشيخ وحنة النبية... بل "كانت تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" (لو 2: 51). رؤي العذراء وأحلام يوسف النجار (مت 1، 2) كانت كلها من الله، كما كانت أحلام يوسف الصديق. ولكن حديث يوسف الصديق. ولكن حديث يوسف أحلامه سبب له ضررًا، لأنها كانت تحمل تفوقه علي أخوته الذين حدثهم بها.. تضايقوا منه حتى أسموه (صاحب الأحلام) استهزاء به (تك 37: 19)..
يوسف أبغضه أخوته، ولكنه لم يبغضهم.
علي الرغم من أنهم "لم يكلموه بسلام "ثم أظهروا بغضهم بعد حديثه عن حلمه الأول.. كانت وصية الرب "أحسنوا إلي مبغضيكم" (مت 5: 44) موجودة في قلب يوسف قبل أن يقولها السيد المسيح بحوالي ألفي عام! كما نفذ وصية "لاتزن "قبل أن تكتب علي لوحي الشريعة بألف وأربعمائة عام. لأن قلبه كان نقيًا، يعمل بوصية الله قبل ان يقولها الله علانية!! كان يتفهم مشيئة الله، بضميره بالشريعة الطبيعية.،
فلما أوصاه أبوه بافتقاد أخوته، خر ج يسأل عن سلامتهم.
كانوا يرعون الغنم وتأخروا. فخرج يفتش عليهم في الجبال والتلال ووصل من حمور إلي شكيم، حتى تاه وضل الطريق. ولم يعتذر بصعوبة الأمر (تك 37: 15). وأرشده رجل إلي الطريق ووصل إلي أخوته. فلم يقدروا له هذا الجميل، بل حينما ابصروه قالوا: "هوذا صاحب الأحلام قادم. هوذا صاحب الأحلام قادم. هلم نقتله" (تك 37: 20)
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
مجموعة خطايا

فكروا في قتله، وتحايلوا علي ذلك. وقالوا "نطرحه في أحدي الآبار، ونقول إن وحشًا ردئيًا قد أكله. فنري ماذا تكون أحلامه "!! وهكذا يكونون قد فكروا في القتل، وفي الخديعة وفي الغش، وفي الإساءة إلي أبيهم الذي كانت نفسه متعلقة بابنه يوسف، بالإضافة آبى حسدهم لأخيهم، وبغضتهم له.. وبهذا يكونون قد وقعوا في مجموعة من الخطايا..
بل أكثر من هذا يكونون قد قاوموا مشيئة الله!
لأنه إن كان الله قد أعلن مشيئته في الحلم، أن يسجدوا ليوسف فلابد أنهم سيسجدون له، مهما فكروا في قتله.. وعبارة "نري ماذا تكون أحلامه، معناها أيضًا "ماذا ستكون مشيئة الله؟!". أي أنهم سوف يعطلون تلك المشيئة الإلهية بقتلهم يوسف!! يشبه هذا الأمر قول عيسو "أقتل يعقوب أخي". بينما كانت مشيئة الله أن يصير كل منهما شعبًا. والكبير (أي عيسو) يستعبد للصغير (أي يعقوب) (تك 25: 23). إن أخوة يوسف لم يكونوا فقط ضد يوسف، بل كانوا بالأكثر ضد الله. ولم يضعوا الله أمامهم ولم يؤمنوا أنه قادر علي تنفيذ مشيئته مهما فعلوا بأخيهم، ومهما تحايلوا. غير أن رأوبين أخاهم حاول أن ينقذ يوسف. فقال لهم "لا نقتله.. لا تسفكوا مًا. اطرحوه في هذه البئر التي في البرية.. وكان يفكر أن ينقذه من أيديهم ليرده إلي أبيه (تك 37: 21، 22).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
ضمير نقي ضعيف

رأوبين كان هنا يمثل هنا القلب النقي، ولكنه ضعيف.
علي الرغم من أن رأوبين كانت له أخطاؤة الأخرى، إلا أنه هنا لم يكن موافقًا لأخوته علي جريمة القتل. وكان في قلبه حنو أخيه، ووفاء نحو أبيه. ولكن لم تكن له القوة التي بها يصرح بذلك، ولا القوة التي يقول بها لأخوته إنهم مخطئون، علي الرغم من أنه كان البكر، وله بذلك سيطرة علي أخوته. ولكنه كان أضعف من أن يقول الحق، وأضعف من أن يدافع عن يوسف.
كان ضعيفًا مع أن الموقف كان سهلًا.
كانوا أحد عشر أخًا (لأن بنيامين الصغير لم يكن بينهم). ويبدوا أن يهوذا أيضًا كان رافضًا لعملية القتل، كما ظهر فيما بعد بقوله "ما أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟! تعالوا فنبيعه للأسماعيليين. ولا تكن أيدينا عليه، لأنه أخونا ولحمنا. فسمع له أخوته" (تك 37: 26، 27). فلو أن رأوبين رفض قتل يوسف، ومعه يهوذا، وطبعًا يوسف، تصبح هناك ثلاثة آراء ضد ثمانية. وكان ممكنًا إقناع أثنين آخرين، وتكون الآراء مناصفة تقريبًا.. وعلي آيه الأمور كانوا سيخافون من أنكشاف جريمتهم، حتى لو كان رآوبين وحده ضدهم أو رأوبين ومعه يهوذا.
وهكذا كان رآوبين يمثل الحق الضعيف، والمتناقض. ويمثل الحلول المتوسطة غير الروحية.
لأنه إن كان قتل يوسف خطية، فإن إلقاءه في البئر خطية أيضًا، وربما تؤدي أيضًا إلي موته في البرية، أن لم يجد فرصة لإنقاذه. وأيضًا موت يوسف ربما يؤدي إلي حزن أبيه وموته. وعلي الأقل فقدان بركته. أن رأوبين يقدم حلًا متوسطًا ضعيفًا، ليست فيه قوة الحق، ولا قوة الصدق، ولا قوة البر، فلو مات يوسف في البئر (مع أنها كانت فارغه) يكون قد وصل معهم إلي أغراضهم. ولو خرج يوسف حيًا وأخبر أباه تكون فضيحة لهم.. علي آيه الحالات، وافقوا علي رأيه. وخلعوا عن يوسف قميصه الملون وألقوه في البئر (تك 37: 23، 24).
"ألقوا يوسف في البئر وجلسوا ليأكلوا طعامًا".
لست أدري بأي ضمير جلسوا ليأكلوا، وأخوهم في البئر؟! بل لعلهم كانوا مسرورين بما فعلوه!! أما رأوبين فكان قد تركهم إلي حين. وهذه كانت نقطة ضعف أخري فيه، إذ كيف يترك الغلام في أيدي من يبغضونه.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
ضمائر ضالة رخيصة

وفي غيبة رأوبين باعوا يوسف للأسماعلين بعشرين من الفضة، فأتي الإسماعليون به إلي مصر.
بعشرين من الفضة؟ توزع علي عشرة أخوه: أي أن كل واحد منهم يأخذ قطعتين فقط مقابل بيع أخيه!! قطعة تقلقه نهارًا، وقطعة تؤرقه ليلًا!! ويكون ماذا قد انتفع؟ وكيف يوازن بين ضميره وثمنه؟! حقًا ما أرخص الإنسان؟! خما أرخص البائع والمباع؟! إن الشيطان حينما يجد ضمير الإنسان رخيصًا، يمكن أن يشتريه بأتفه الأثمان،هكذا كان ضمير يهوذا رخيصًا فباع سيده بثلاثين من الفضة، وكان ضمير أخوة يوسف رخيصًا فباعوا اخاهم بعشرين من الفضة!!
وهل هذا كان ثمن من قالوا عنه أنه أخونا لحمنا (تك 37: 27)؟!
أقصي ما وصلوا إليه من الرحمة والحنو، أنهم باعوه بدلًا من أن يقتلوه. كانت هذه هي مقاييس الرحمة عندهم. وكان هذا هو معني الأخوة عندهم، حينما قالوا عن أخيهم إنه لحمنا!! هل هذا هو ثمنه ومعاملته؟!
فكروا أن يستبدلوا خطية كبيرة بخطية صغيرة.
أو ما يعتبرونها صغيرة في نظرهم، أن يباع أخوهم كعبد، ويصير عبدًا عند من يشتريه فاقدًا لحريته!! وبدأ بهذه تجارة للرقيق! بل أن ضميرهم قد استراح إنهم فعلوا خيرًا! ولم يفكروا مطلقًا ماذا سيكون مصير يوسف بعد هذا: أين سيعيش، ومع من؟ وكيف يكون مصيره؟
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف في التجربة


كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
أما يوسف فكان صامتًا خلال كل ذلك. ولم يقاوم الشر حسب وصية السيد المسيح بعد ذلك (مت: 5: 39)
خلعوا عنه قميصه وألقوه في البئر. وترك نفسه فريسة في أيديهم. لم يقاوم ولم يناقش. كان "كشاه تساق إلي الذبح، كنعجة صامتة أمام جازيها. لم يفتح فاه: (أش 53: 7). ولما باعوه أيضًا، ظل صامتًا ولم يقاوم. وعلي رأي أحد القديسين، حينما سأل بعض الأخوة "من باع يوسف؟". فأجاب "كلا. بل باعه تواضعه لأنه لو قال أنا أخوهم "ما كان قد بيع.."
يوسف يمثل الشخص الذي لا يدافع عن نفسه.
لم يدافع عن نفسه أمام اخوته، لما نزعوا قميصه، ولما ألقوه في البئر، ولما باعوه كعبد.؟ ولم يدافع عن نفسه أمام فوطيفار لما ألقاه في السجن، وقد اتهمته المرأة ظلمًا. بل في كل ذلك ترك الله لكي يدافع عنه. كما قال موسى فيما بعد "الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون" (خر 14: 14). وفعلًا دافع الرب عنه..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
نتائج الخطية

وبعد بيع يوسف عاد رأوبين، ولم يجد يوسف في البئر، فمزق ثيابه وقال "أنا إلي أين أذهب؟" (تك 37: 29، 30).
أستيقظ أخيرًا ضميره الضعيف. ورأي البشري لم ينفعه في إنقاذ أخيه. فبأي وجه سيقابل أباه، وهو البكر المسئول عن قيادة أخوته في غيبة أبيهم. إلي أين يذهب إذن؟ كيف سيواجه أباه. ماذا يقول له؟ خطيتهم نحو أخيهم نحو أخيهم قد تمت. وها. هو يواجهون نتجتها أو احدي نتائجها.
تمزيق رأوبين لثيابه، يذكرنا بغسل بيلاطس ليديه!
وذلك حينما غسل يديه وقال عن السيد المسيح"أنا برئ من دم هذا البار".. لم يكن بريئًا. وتمزيق الثياب كان يتم في الأمور الخطيرة جدًا. مثلما مزق عزار ثيابه لما رأي شعب الله قد خان خيانة وتزوج بالأجنبيات اللائي يقدنه بعيدًا عن الله (عز 9: 3). ومزق رئيس الكهنة ثيابه. لما اعتبر كلام المسيح تجديفًا حينما اعترف أنه الله" (مت 26:63- 65). ولكن ماذا ينتفع رأوبين بتمزيق ثيابه ؟ لابد من حل عملي.
وهنا اشترك معهم في خطية أخري يغطون بها خطيتهم في بيع يوسف.
فعلموا علي أن أباهم: أخذوا قميص يوسف الملون. وذبحوا تيسًا من الماعز، وغمسوا القميص في الدم. وأحضروه إلي أبيهم. وقالوا له "وجدنا هذا حقق أقميص أبنك أم لا. فتحقق وقال: هو قميص أبني. وحش رديء قد قتله. افترس يوسف افتراسًا.." (تك 37: 31- 33).
إن كثيرون إذا وقعوا إلي التورط في خطايا أخري.
وهكذا وقع أخوة يوسف في الكذب وخديعة أبيهم. وبهذا بعدما تخلصوا من يوسف تخلصوا من قميص الملون الذي كان يثير حسدهم. ولم تنكشف خديعتهم لأبيهم يعقوب الذي سبق من قبل وخدع أباه إسحق، حينما ألبسته أمه رفقه شبه قميص من جلد الماعز (تك 27: 16).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
مشاعر الأب

"مزق يعقوب ثيابه، ووضع مسحًا علي حقويه. وناح علي ابنه أيامًا كثيرة. فقام جميع بنيه ليغزوه،. فأبي أن يتعزى.." (تك 37: 34، 35).
لاشك أن أبانا يعقوب فكر في قلبه أنه كان السبب في موت ابنه يوسف.. وكيف أنه أرسله في البرية وحده ليفتقد أخوته، وهو فتي صغير في السابعة عشر من عمره وليس في السن الذي يحمل هذه المسئولية الكبيرة، بينما أخوته الكبار قد تأخروا في المجيء، فإن كان الكبار في خطورة، فكم بالأولي أخوهم الأصغر منهم.. لذلك ناح علي أبنه وأبي أن يتعزي.. نسي يعقوب أحلام يوسف التي فيها سيسجد أخوته له. وفي نسيانه صدق أن يوسف قد مات وافترسه وحش رديء، فبكي ومزق ثيابه. ومن قبل كان أبوه إسحق قد نسي وعد الله لرفقه أبنها الكبير سيستعبد للصغير (أي يعقوب). فوعد بمباركة عيسو بدلًا من يعقوب. ولما تذكر قال: نعم، وليكن مباركًا" (تك 27: 4، 33).
العجيب آن أبناء يعقوب جاءوا ليعزوه، وهم الذين تسببوا في كل حزنه وبكائه، وهم الذين دبروا الخديعة، ويعرفون تمامًا أن يوسف حي في عبوديته ولم يمت حتى يعزوا أباه فيه.لاشك أن ينطبق عليهم المثل القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته".. أي أنهم تسببوا في حزن ابيهم وجاءوا يعزونه في حزنه!وهكذا أضافوا إلي خطاياهم الكثيرة السابقة خطيئة الرياء..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
التدبير الإلهي

وفيما كانوا يفعلون هذا الشر كله، كان الرب يدبر الخير ليوسف.
وقد لخص يوسف هذه القصة في قوله لأخوته فيما بعد أنتم قصدتم لي شرًا. أما الله فقصد به خيرًا.. ليحي شعبًا كثيرًا (تك 50: 20). أن الله كان يريد أن يجعل يوسف متسلطًا علي كل أرض مصر يدبر أمورها أثناء المجاعة لإحياء أهلها والشعوب المحيطة. ولكن يوسف كان فتي صغيرًا مدللًا محبوبًا من أبيه، محسودًا من أخوته. فأراد الرب أن يدربه بالتجارب حتى يصلح لتلك المسئولية التي أعدها له.. وهكذا سمح الله أن يفعل أخوة يوسف به كطل ما فعلوه، إذ أصبح ذلك جزءًا من الخطة الإلهية التي أعدها لتدريب يوسف.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف رمز المسيح

وكان يوسف في كثير من هذه الأمور رمزًا للسيد المسيح.
يوسف كان محبوبًا من أبيه، والمسيح قال عنه الآب: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (مت 3). يوسف ذهب لافتقاد سلامة اخوته. والسيد المسيح جاء لخلاص العالم يوسف جاء لاخوته فلم يقبلوه. وقالوا هلم نقتله. والمسيح جاء إلي خاصته وخاصته لم تقبله بل أسلموه للقتل. يوسف خانه أخوته وباعوه بعشرين من الفضة. والمسيح خانه تلميذه وأسلمه بثلاثين من الفضه. يوسف صار عبدًا. والمسيح أخذ شكل العبد (في 2: 7). يوسف خرج من كل ذلك منتصرًا ممجدًا. والسيد المسيح صعد إلي السماء وجلس عن يمين الأب".
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
فوائد روحية

نستفيد من مؤامرات أخوة يوسف ضده دروسًا كثيرة نذكر من بينهما 3 نقاط:
1- حياة الإنسان هي في يد الله، وليست في يد الناس.
لا يهمنا ما يدبره الناس لنا، إنما ما يريده الله لنا. لم يكن المهم بالنسبة إلي يوسف مشاعر أخوته من نحوه، وما يدبرونه ضده مؤامرات. لقد حسدوه، وأبغضوه، وأرادوا قتله، وألقوه في البئر، وباعوا كعبد. ولكن كل ذلك يؤثر علي مصير حياته. ذلك لأن الله كان يريد الخير له. وهكذا أنت، آمن بأن حياتك في يد الله، وثق أنه "لن يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).
2- درس أخر: هو أننا لا تتعبنا البداية المؤلمة المهم هو النهاية السعيدة.
وكما قال الكتاب"نهاية أمر خير من بدايته" (جا 7: 8). كانت البداية بالنسبة إلي يوسف تآمر أخوته عليه، وبيعه كعبد، واتهام ظالم من أمراه فوطيفار، وإلقاؤه في السجن لمدة طويلة. أما النهاية فكانت سعيدة. خرج من السجن إلي القصر، وصار أبًا لفرعون ومتسلطًا علي كل أرض مصر" (تك 45: 8).
3- ما حدث ليوسف كان بركة له، وتأديبًا لأبيه.
فكما خدع أباه إسحق، خدعه أولاده. وكان هذا تأديبًا له، إذ بقي نائحًا. وكانت أيام غربته علي الأرض قليلة وردية (تك 47: 9).
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:03 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

يوسف الصديق في بيت فوطيفار وفي السجن

يوسف في بيت فوطيفار

أخذ يوسف إلي مصر، عبدًا في بيت فوطيفار رئيس الشرطة. وهنا يقول الكتاب:
"وكان الرب مع يوسف" (تك 39: 2).
ولعلك تسأل: كيف كان الرب معه، وقد أصابه، وقد ترك الرب أخوة يوسف يفعلون به ما فعلوه حتى صار عبدًا. ونفس هذا الأمر تعجب منه جدعون، حينما قال له ملاك الرب "الرب معك يا جبار البأس.." فأجاب جدعون "أسألك يا سيدي: إذا كان الرب معنا، فكيف أصابتنا كل هذه (البلايا)؟! وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا؟! (قض 6: 12، 13). أما الإجابة علي مثل هذا التعجب، فهي:
إن الرب لم يمنع التجارب عن يوسف، إنما كان معه فيها. لم يخرجه منها، وإنما حفظه داخلها. كان الرب معه، حينما فكر أخوته في قتله. لم يمنع عنه تآمرهم، بل حفظه من القتل، فتحول إلي الإلقاء في البئر. وكان معه في البئر، فأخرجوه منها وباعوه للإسماعلين. وكان معه إذ باعه الإسماعيليون إلي فوطيفار، لأن خيرًا كثيرًا كان ينتظره هناك.. فيقول الكتاب:
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
البركة

"بارك الله في بيت فوطيفار، من أجل يوسف".
"وكانت بركة الرب علي كل ما كان له في البيت وفي الحقل" (تك 39: 5). وهكذا عندما دخل يوسف بيت فوطيفار، دخلت البركة بيت فوطيفار. وهذا ما اعتدنا أن نقرأه في سير القديسين. إذ كانت حياتهم بركة لغيرهم. بل كانوا هم أنفسهم بركة حيثما حلوا. كما قال اله لأبينا إبراهيم: "أباركك.. وتكون بركه" (تك 12: 2). بنفس المنطق نقول إن إيليا النبي كان بركه في بيت أرمله صرفة صيدا، وملأ الخير بيتها أثناء المجاعة (1 مل 17: 15، 16). وكان أليشع النبي بركة في بيت المرأة الشونمية. وبسببه أعطاها الله إبنًا، وأقام الإبن من الموت (2مل 4). ولكن كيف ولماذا كان يوسف بركة في بيت فوطيفار؟ يقول الكتاب:
"ورأي سيده أن الرب معه، وأن كل ما يصنع كان الرب ينجحة" (تك 39: 3).
إنها بركة من الله أن يجعل أولاده ناجحين في كل شيء. ويكون كل منهم حسبما ورد في المزمور الأول "وكل ما يعمله ينجح فيه" (مز 1: 3). كذلك يليق بأولاد الله أن يعرفوا ويعترفوا أن الله هو سبب نجاحهم. هو الذي ينجحهم. وليس ذكاؤهم أو قدرتهم أو خبرتهم.. وماذا كانت نتيجة إنجاح الرب ليوسف. يقول الكتاب إن يوسف وجد نعمة في عيني سيده "فوكله علي كل بيته وعلي كل ما كان له" (تك 39: 4).
أي أن يوسف لم يصبح مجرد عبد، بل صار الوكيل المتسلط علي كل شيء.
إذن الله لم يمنع عنه التجربة التي جعلته عبدًا. ولكن داخل التجربة جعله سيدًا وهو عبد! أما سيده فقد "ترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل" (تك 39: 6).. وطبعًا لم يشعر يوسف مطلقًا بذل العبودية التي يشعر بها عبيد آخرون. لأنه صار وكيلًا لا عبدًا..
إنه درس لنا: أننا لا نفكر في الوضع الذي نحن فيه، مادام الرب معنا في هذا الوضع.
دانيال النبي أيضًا، كان أحد أسري الحرب في بابل في قصر نبوخذ نصر الملك. ولكن الله كان معه. ومع ذلك جاء الوقت الذي حدث فيه ان "نبوخذ نصر خر علي وجهه وسجد لدانيال.." (دا 12: 46). ونال دانيال كرامه بعد أن أخرجوه من جب الأسود "ونجح في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي" (دا 6: 28). ونفس الوضع بالنسبة إلي نحميا الذي كان أيضًا أسير حرب وساقيًا في قصر الملك ارتحشتا. ونال نعمة في عينيه فساعده علي بناء أسوار أورشليم (نج 2). وبصورة مشابهة تقريبًا، كان يوسف عبدًا ذا كرامة في بيت فوطيفار.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف العفيف

ولكن وسط هذه الكرامة، حسده الشيطان، وبدأ يعمل..
نعم، عن وجدت نفسك في راحة، أحترس من حسد الشياطين، فالشيطان لم يسترح حينما وجد يوسف في راحه. وبدأ يحيك له تجربة لم يتعرض لها يوسف من قبل. كان يوسف شابًا في عنفوان شبابه. حينما ألقاه أخوته في البئر كان عمره 17 سنه تقريبًا (تك 37: 2). وعندما حدثت له التجربة في بيت فوطيفار كان العشرين أو العشرينات من عمره "وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر" (تك 39: 6). وهنا بدا الشيطان يحيك له الشباك من جهة امرأة فوطيفار خصي فرعون (تك 39: 1).
"وحدث أن امرأة سيده رفعت عينيها إلي يوسف" (تك 39: 7).
بدأت تشتهيه وتطلب منه الخطية، وتلح في ذلك. وتكلمه يومًا فيومًا.. ولم يسمح لها" (تك 39: 10). وهنا كانت نقاوة يوسف دراسًا لجميع الأجيال.. إن الشهوة قد تكون صعبة المقاومة في هذه السن. وحينما يسعي هو إليها، يحتاج إلي جهاد نفسه. ولكن حينما تسعي الشهوة إليه، وتلح عليه، تكون المقاومة اصعب..
أما يوسف فقد حفظ عفته وطهارته، ولم يلتمس لنفسه الأعذار في الخطأ..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
وما أكثر الأعذار: المرأة هي سيدته ولها سلطان عليه، ويمكن أن تسبب له مشاكل وأضرارًا إذا رفضها وشعرت أن كرامتها قد أهينت. ومع ذلك فقد رفض، ولكنها ألحت عليه يومًا فيومًا. فأعتذر أولًا بوفائه نحو زوجها الذي هو سيده وقال لها "هوذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت. وكل ما له قد دفعه إلي يدي. وليسهو في هذا البيت أعظم مني. ولم يمسك عني شيئًا غيرك، لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم..؟!" (تك 39: 8، 9). ولكن المرأة لم تأبه بحق زوجها علي يوسف، ولا بحق زوجها عليها، واستمرت في إلحاحها. وهنا ارتفع يوسف إلي مستوي أعلي في الحوار، وهو حق الله. فقال:
" كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلي الله" (تك 39: 9).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
هذا هو يوسف البار الذي في طهارة قلبه وعفة جسده أرتفع فوق مستوي الخطية، وقال عبارته الخالدة: "كيف اصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله؟!" (تك 39: 9).
أعتبر أن الخطية موجهة أصلًا إلي الله، وليست فقط ضد امرأة فوطيفار، ولا ضد زوجها. وهذا هو المستوي العالي في الروحيات، الذي عرفه داود بعد سقوطه، فقال للرب في مزمور التوبة "إليك وحدك أخطأت. والشر قدامك صنعت" (مز 50: 4). أما يوسف فقد كانت هذه الحقيقة أمامه قبل السقوط، فمنعته عن السقوط. فاعتبر الخطية شرًا عظيما واعتبرها موجهة إلي الله.
كان هذا الشاب البتول أكثر عفة من داود الذي كانت له ثماني زوجات!!
كانت الطهارة التي في قلبه، اقوي من الإغراء الذي عرف بضميرة النقي أن الزني شر عظيم، قبل أن يسلم الله لوحي الشريعة إلي موسى النبي، وفيها الوصية السابعة "لا تزن" (خر 20: 14). لقد نفذ الوصية قبل أن تكتب في التوراة بمئات السنين. وكان في ذلك شاهدًا علي الشريعة الطبيعية، شريعة الضمير النقي التي سبقت الشريعة المكتوبة بآلاف السنين..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
دفع ثمن بره

لقد فضل يوسف نقاوة القلب والجسد، مهما تكون النتائج، أو نقول:
فضل أن يكون أمينًا لله، ولو ألقي في السجن!
فضل العار والسمعة الرديئة، والاتهام الظالم الذي اتهمته به امرأة فوطيفار، عن أن يخطئ إلي الله.. فضل أن فقد محبة سيده، الذي يثق أن يد الله معه، وكان يعتقد أنه بركة لبيته..! من أجل ان يستمر طاهرا، فقد مركزه، وفقد حريته.. فقد الراحة والغني، وألقي في السجن..
حقًا إن البر له ثمن يدفعه الأبرار.
ولم يكن يوسف مجرد درس في الطهارة والعفة بل هو أيضًا في اتباع الموقف السليم مهما كانت النتائج صعبة. ومثله كان يوحنا المعمدان، حينما قال لهيرودس "لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك.." (مت 14: 4)، ولو كانت النتيجة قطع رأسه.
الغريب أن تلك المراة الفاسدة، أخذت موقف المتعدي عليها!!
لما أمسكته من ثوبه، فترك ثوبه في يدها وهرب، "نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: انظروا قد جاء إلينا برجل عبراني ليداعبنا. دخل إلي ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيم. وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت، أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب وخرج إلي خارج "!! ولما رجع زوجها إلي بيته، كلمته بنفس الكلام (تك 39: 13- 18)!
وانطبق عليها المثل القائل "ضربني، وسبق فاشتكي"!
حاولت إغراءه فلم تستطيع. فأرادت أن تنتقم منه من جهة، وتغطي خطيتها من جهة أخري،وهكذا أضافت إلي فسادها الظلم والقسوة والكذب والرياء.. وما أكثر ما تعرض بعض القديسين.
لم لمثل هذا اتهام.. مثال ذلك القديس مقاريوس الكبير والقديس افرام السرياني.. حقًا إن الباطل له طرقه وحيله وقوته!!
وبدأ ان الباطل قد انتصر علي الحق، من جهة فوطيفار أيضًا.
نعم، من العناصر المؤلمة في هذه الماساه: أن فوطيفار لم يفحص المر. لم يحقق لم يدقق، لم يسأل يوسف عما حدث. بل صدق كلام إمرأته. ولم يذكر بركة يوسف السابقة وأمانته، وكيف أن الله كان معه. وكانت اذنا فوطيفار أكثر تأثيرًا عليه من عقله وهنا يقول الكتاب:
"فحمي غضبه.. وأخذ يوسف ووضعة في بيت السجن" (تك 39: 19، 20).
إنه رئيس شرطة فرعون (تك 39: 1)، في مركز كبير يماثل وزيرًا للداخلية أو مديرًا للأمن العام له سلطان أن يلقي في السجن.." وضع يوسف في المكان الذي كان أسري الملك محبوسين فيه". ولم يدافع يوسف عن نفسه. وللمرة الثانية كان كشاة تساق للذبح، وكنعجة صامته أمام جازيها، فلم يفتح فاه" (أش 53: 7).. بل ربما كان احتقار سيده له، أقسي عليه من السجن الذي يدخله! احتقاره له كشاب فاسد، خان الأمانه والثقة، وتجرأ علي امرأة سيده الذي احسن إليه!!
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف في السجن

ألقاه رئيس الشرطة في السجن. وتصوروا سجينًا موصي عليه من رئيس الشرطة، ومتهمًا بانه أن يدنس شرف زوجة رئيس الشرطة!! مثل هذا كيف تكون معاملته في السجن؟! أتري كان يجول في ذهنه وقتذاك، أهذه عاقبة الطهارة والعفة؟ وأين حماية الله له؟! والعجيب أنه بعد إلقائه في السجن، يقول الكتاب:
"وكان الرب مع يوسف، وبسط إليه لطفًا" (تك 39: 21). وربما يتساءل البعض منا في عجب: أي لطف هذا يارب، الذي تحمل فيه يوسف الإتهام الظالم، والسمعة الرديئة، والسجن، مع الطرد من وظيفته؟! وكأني بالله المحب يهمس في قلب يوسف.
لا يهم أين توجد. المهم أن أكون معك حيثما توجد.
إن دخلت السجن، فأنا فيه معك: أرعاك وأحفظك، وأبسط لك لطفًا. وكأني بيوسف الوديعيجيب: مبارك أنت يارب. أنا بالإيمان مطمئن لرعايتك. ليس فقط داخل السجن، بل أيضًا "أن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز 23). إن الحرية خارج السجن، هي السجن الحقيقي، إن كنت لست معي وأنا معك، إن كنت قد أطعت تلك المرأة وبعدت عنك. أما السمعة الرديئة التي ألصقوها بي، وما يقوله بيت فوطيفار عني، فكلها أمور لا تهمني. لأن كل ما يهمني هو ما تقوله أنت يا رب عني.. وفعلًا عاش يوسف في السجن في وضع ممتاز وعجيب. وربما لم يتمتع به سجين من قبل. وفي ذلك يقول الكتاب:
"ولكن الرب كان مع يوسف، وبسط إليه لطفًا. وجعل نعمه له في عيني رئيس بيت السجن. فدفع رئيس بيت السجن إلي يوسف جميع الأسري الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة مما في يده. لن الرب كان معه. ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 21- 23).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
الله معه في السجن

وكما كان يوسف في بيت فوطيفار، هو العبد المتسلط علي كل شيء.. هكذا صار في بيت السجن، هو السجين المتسلط علي كل شيء..
وكما كان فوطيفار قد ترك كل شيء في يديه، هكذا أيضًا رئيس بيت السجن قد ترك كل شيء في يديه. وكما كان في بيت فوطيفار، كل ما يعمله ينجح فيه، هكذا كان في بيت السجن كل ما يعمله ينجح فيه. والسبب في كل ذلك أن الرب كان معه. وسنري نفس الوضع حينما يلتقي بفرعون: سيترك فرعون أيضًا كل شيء في يديه. وأيضًا كل ما يعمله سينجح فيه..
لم يكن يوسف السجين الوحيد، الذي كان الرب معه في سجنه...
كان القديس بولس الرسول سجينًا، وكان يصلي ويسبح الله في سجنه. وقد نجاه الله من السجن (أع 16: 25، 26). وقد كتب كثيرًا من رسائله في السجن.. وإن كان بولس الرسول قد كتب بعض. ورسائله أملاها عليه الروح القدس الناطق في الأنبياء، إذن روح الله كان معه في السجن. وكان القديس بطرس الرسول سجينًا. وكان مطمئنًا جدًا لدرجة أنه نام نومًا ثقيلًا. حتى أن الملاك الذي انقذه، ضربه في جنبه ليوقظه (أع 12: 6،7). وكان القديس يوحنا الرسول منفيًا في جزيرة بطمس. وكان الله معه. ورأي في منفاه عرش الله وملائكته، وكشف له الرب في المنفي أشياء كثيرة. إن أولاد الله لا يخافون السجون، لأنها لا تسجن أرواحهم. لأن أرواحهم تكون مع الله، يعزيها الله في سجنهم. حياة يوسف الصديق فيها آلام. وكانت فيها أيضًا تعزيات، وكان فيها عمل الله معه. والسجن كان هو الطريق الذي تعرف فيه يوسف علي رئيس سقاه فرعون الذي كان معه في السجن، وعن طريقه تعرف علي فرعون الذي أحبه وجعله متسلطًا علي كل أرض مصر. فكيف حدث هذا؟!
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:05 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

يوسف والأحلام

كان يوسف الصديق رجل أحلام، ولكن أيضًا مفسرًا للأحلام.
أحلام كانت بدء مشكلته مع أخوته حتى أنهم لما رأوه قادمًا لافتقادهم -في بدء تآمرهم عليه- قالوا "هوذا صاحب الأحلام قادم. قادم. فالآن هلم نقتله.. فنري ماذا تكون أحلامه!" (تك 37: 19، 20). وفعلًا كانت أحلامه من الله، وقد تحققت..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
أحلام من الله

والكتاب المقدس يرينا أن هناك أحلاما كثيرة من الله.
في مشكلة أبينا إبراهيم، لما قال عن سارة إنها أخته، وأخذها ابيمالك، يقول الكتاب"فجاء الله في حلم الليل. وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل.." (تك 20: 3).." وقال له الله في الحلم: أنا أيضًا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا.. فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا" (تك 20: 6، 7).
وفي (تك 28: 12) أثناء هرب أبينا يعقوب من وجه أخيه عيسو، قيل عنه إنه "رأي حلمًا. وإذا سلم منصوبة علي الأرض، ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها فقال..".
ونلاحظ في هذين الحلمين، أن الله كلم أبيمالك في حلم، وأنه كلم يعقوب في حلم وتحقق ما قيل في الحلمين.
وفي (تك 31: 10-13) نري أن الله قد كلم يعقوب في حلم بخصوص الفحول المخططة والرقطاء. وفي نهايته قال له "أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودا، حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم وأخرج من هذه الأرض، وارجع إلي أرض ميلادك".
وفي نفس الإصحاح، لما أراد لابان أن يؤدي يعقوب، ظهر الله للابان في حلم الليل لينذره. وفي هذا يقول الكتاب "وأتي الله إلي لابان الأرامي في حلم الليل.. وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 24).
والسيد الرب قد صرح بأنه كان يكلم البعض في الأحلام. فلما انتقد هارون ومريم أخاهما موسي، وقال لهما الله مفصلًا موسي عليهما "إن كان منكم نبي للرب، فالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسي فليس هكذا: بل هو أمين في كل بيتي. فما إلي فم وعيانا أتكلم معه" (عد 12: 6- 8).
نعلم أيضًا أن الله كلم سليمان في حلم، إذ يقول الكتاب إنه "في جبعون تراءي الرب لسليمان في حلم ليلًا. وقال له أسأل ماذا أعطيك.." (1مل 3: 5). فطلب سليمان الفهم والحكمة..
وسفر دانيال النبي يعطينا فكر عن أحلام نبوخذ نصر الملك التي فسرها له دانيال النبي (دا 2، 4). بل الأحلام التي رآها دانيال نفسه كما ورد في (دا 7، 8) وغيره، وكانت وكلها من الله.
وسفر يوئيل النبي يعتبر هذه الأحلام من مواهب الله ومن عطايا الروح القدس فيقول: "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي علي كل بشر. فيتنبأ بنوكم وبناتكم. ويحلم شيوخكم أحلًامًا، ويري شبابكم رؤي" (يوئيل 2: 28).
وفي العهد الجديد نقرأ عن أحلام يوسف النجار التي هي وحي من الله: "ملاك الرب به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20). كذلك "ملاك الرب ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر" (مت 2: 13) ثم "أذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلًا: قم وخذ الصبي وأذهب إلي أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفسي الصبي" (مت 2: 19، 20).
نقرأ أيضًا عن المجوس أنهم "إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا ألي هيرودس انصرفوا في طريق أخري إلي كورتهم" (مت 2: 12).
نعرف أيضًا أن زوجة بيلاطس البنطي أرسلت إليه أثناء محاكمته للسيد المسيح قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت كثيرًا جدًا في حلم من أجله" (مت 27: 19).
كل هذه وغيرها أحلام من الله، لها هدف إلهي.
ولكن ليس معني هذا أن كل الأحلام من الله، وأنها تتحقق!
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
أحلام ليست من الله

هناك أحلام كثيرة ليست من الله: أحلام من أمور مترسبة في العقل الباطن. وأحلام من حالة الجسد أثناء النوم. وأحلام من الشياطين. وفي بستان الرهبان أمثلة كثيرة من الأحلام التي ليست من الله، ومن التي يراد بها تضليل من يسير وراءها..
وقد قيل في سفر ذكريا النبي لأن الترافيم قد تكلموا بالباطل. والعرافون رأوا الكذب وأخبروا بأحلام كتب" (زك 10: 2).
والرب نفسه أوصي من جهة تلك الأحلام المضللة قائلًا: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت تلك الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها، قائلًا لنذهب وراء آلهة أخري لم يعرفها وتعبدها. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم.." (تث 13: 1-3).
أما عن ذلك الحالم حلمًا، فيقول الرب في نفس الإصحاح: "وذلك النبي أو الحالم حلمًا يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم.. فتنزعون الشر من بينكم" (تث 13: 5).
يوحنا الدرجي (كليماكوس) يحذر أيضًا من الأحلام الكاذبة.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف والأحلام

ما حلم به يوسف كان من الله. كان نبوءة. وقد تحققت.
حلم يوسف أن حزم أخوته سجدت لحزمته. فقال له أخوته "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط علينا تسلطًا؟!" (تك 37: 8). لم يصدقوا الحلم، ولم يعتبروه من الله. إنما ازدادوا بُغضًا ليوسف.

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
ولما حلم أن الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة له، لم يصدق أخوته هذا الحلم، ولم يعترفوا أنه من الله، بل حسدوا يوسف.
كان الحلمان رسالة من الله. لكنهم لم يتقبلوها. بل قاوموها!
وهكذا فكروا أن يقتلوا يوسف، باعتباره صاحب الأحلام (تك 37: 19، 20). أما أبوه فحفظ الأمر (تك 37: 11). ولكن عندما أخبروه أبناؤه بأمر القميص الملون الملطخ بالدم، وقالوا له "حقق أهو قميص أبنك. تحققه وقال "قميص أبني هو. وحش رديء أكله. افترس سوف افتراسًا. ومزق ثيابه ولبس مسحًا وناح علي أبنه (تك 37: 32- 34). ورفض أن يتعزي. وقال أني انزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية..
لقد نسي يعقوب حلمي يوسف وقتذاك. أما الله فاستمر يذكرهما.
هل يوسف أيضًا كان قد نسي الحلمين، حينما بيع كعبد، وحينما ألقي في السجن ظلمًا وطالت مدته فيه؟! أم اعتبرهما مجرد حلمين لا علاقة لهما بالواقع!! حينما باعه أخوته كان عمره 17 سنة (تك 37: 2). "وكان يوسف أبن ثلاثين سنه لما وقف قدام فرعون ملك مصر" (تك 41: 46).. أي أنه قضي 13 سنه في العبودية وفي السجن.
فهل آنسته الـ13 سنة وعود الله في الحلمين؟
كل ما طلبه من رئيس السقاه زميله المسجون معه في بيت السجن أن يذكره أمام فرعون ليخرجوه من بيت السجن الذي وضعوه فيه ظلمًا، قائلًا له "تصنع إلي إحسانًا وتذكرني لفرعون، وتخرجني من هذا البيت، لأني.. لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن" (تك 40: 14، 15). ولن سوف طلب هنا معونة بشرية، قيل في الرد عليها:
ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف، بل نسيه" (تك 40: 33).
ربما يوسف أرهقته سنوات الألم الثلاث عشرة، فضعف أمامها وطلب من رئيس السقاه أن يذكره رئيس السقاة،ولكن الملائكة كانت بلا شك تذكره أمام الله. وإن كان رئيس السقاه تذكره بعد سنتين (تك 41: 1) في مناسبة أعدها الله بنفسه، بحيث يكون لها تأثيرها. فكيف كان ذلك؟
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
خطة الله الحكيمة

كانت خطة الله أن يجعل يوسف متسلطًا علي كل أرض مصر. وأن يأتي أخوة يوسف ويسجدوا له، حسب وعده في الحلم.
ولكي يحدث هذا، كان لابد أن يتعرف فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا، أرسل الله إلي فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا أرسل الله إلي فرعون أحلامًا، وأعطي يوسف موهبة لتفسيرها. ولكي يرسل فرعون طالبًا يوسف، سمح الله ليوسف أن يفسر حلمين لاثنين يخدمان فرعون: أحدهما رئيس سقاته وثانيهما رئيس خبازيه. وقد دبر الله أن يكون يوسف زميلًا لهما في السجن. ولكي يدخل يوسفالسجن ويلتقي بهما سمح الله أن تكيد ليوسف زوجة فوطيفار رئيس الشرطة. ولكي يتمكن يوسف من لقاء هذه المرأة، سمح الله أن يباع يوسف عبدًا لفوطيفار. ولكي يباع يوسف، سمح الله لأخوه يوسف أن يتآمروا ضده. وكسبب للتآمر أرسل الله أحلامًا ليوسف حسده بها أخوته، وفكروا أن يقتلوه، ثم خففوا المر فباعوه كعبد..
وهكذا اجتاز يوسف في ضيقات كثيرة، بدأت بأحلامه، وانتهت بتفسيره لأحلام، وانتهت بتفسيره لأحلام فرعون. وكانت هذه الضيقات هي الوسيلة التي أدت إلي تمجيد يوسف.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف مفسر الأحلام

لا شك أنها موهبة من الله ليوسف.وقد نسبها يوسف إلي الله.
· عندما حلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين، كل منهما حلمًا ولم يجد من يعبره (أي يفسره). "قال لهما يوسف: أليست لله التعابير؟ قُصًّا عليّ" (تك 40: 8). فلم ينسب لنفسه المعرفة أو القدرة علي تفسير الأحلام. إنما قال أنها لله.
· وكان صريحًا صادقًا في تفسيره.

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
قال لرئيس السقاه "إنها ثلاثة أيام، ويردك فرعون إلي مقامك، فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولي حينما كنت ساقيه" (تك 40: 13)." فلما رأي رئيس الخبازين أن وسف قد عبر جيدًا "أي أتي لرئيس الساقيين بخبر طيب، قص عليه أيضًا حلمه، ظانًا أنه سيسمع نفس البشري. ولكن يوسف لم يجامله، بل كلمه بصراحة قائلًا "في ثلاثه أيام أيضًا، يرفع فرعون
رأسك عنك، ويعلقك علي خشبة، وتأكل الطيور لحمك عنك (تك 40: 19).. وقد كان. ولما حلم فرعون حلمين: أحدهما السبع بقرات السمينات التي أكلتها السبع بقرات الهزيلات. والثاني السبع سنابل الممتلئة التي ابتلعتها السبع سنابل الرقيقة المفلوجة.. ولم يستطع كل سحره مصر وحكمائها تفسير الحلمين. حينئذ تذكر رئيس السقاة يوسف، وقص خبره علي فرعون، فاستدعاه فرعون.
ونجد أن اسم الله استمر علي لسان يوسف، في حديثة مع فرعون. ونسب لله تفسير الحلمين، خمس مرات.
· لما قال له فرعون "أنا سمعت عنك قولًا إنك تسمع أحلامًا لتعبرها "أجاب يوسف فرعون قائلًا "ليس لي. الله يجيب بسلامة فرعون" (تك 41: 16).
· ولما قص عليه فرعون الحلمين. قال له: "حلم فرعون واحد. قد أخبر الله فرعون بما هو صانع" (تك 41: 25). وفسر حلم البقرات.
· وتفسيره لحلم السنابل، كرر نفس العبارة "قد أظهر الله لفرعون ما هو صانع" (تك 41: 28).. فأجع كل ما سيأتي في المستقبل إلي تدبير الله. أما تفسير الحلم فهو ما أراد الله أن يظهره لفرعون. وهكذا اختفي يوسف، لكي يظهر الله في الصورة أما فرعون.
· أما عن تكرار الحلم مرتين بنفس المعني. فقد قال عنه يوسف "لأن الأمر مقرر من قبل الله. والله مسرع ليصنعه" (تك 41: 32).
· ولم يكتف يوسف بتفسير الحلمين، بل قدم أيضًا النصيحة لفرعون فيما ينبغي أن يعلمه، من جهة أن يبحث عن رجل بصير وحكيم يجعله علي أرض مصر: ليخزن في سني الرخاء ما يصبح ذخيرة في سني الجوع (تك 41: 33- 36).
· وتكرار إسم الله 5 مرات في حديث يوسف مع فرعون، جعل إسم الله يكون أيضًا علي لسان فرعون، فقال لعبيده عن يوسف "هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله! ثم قال ليوسف "بعد ما أعملك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك" (تك 41: 38، 39). وسلمه كل السلطة في مصر.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
انقلب الهوان مجدًا

وذلك بأن تحول يوسف السجين إلي ملك علي كل مصر.. وقال له فرعون "بدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر"، "أنظر قد جعلتك علي كل أرض مصر"، "وخلع فرعون خاتمه من يده، وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، وجعل طوق ذهب في عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه اركعوا. وجعله علي كل أرض مصر" (تك 41: 43). ولعل من الذين ركعوا له، فوطيفار سيده الأول!
كل ما كان يريده يوسف أن يخرج من السجن. وما كان يحلم بكل هذا. ولكن الله الكريم في عطائه، أعطاه ما لم يطلب.
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:08 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

كيف التقى يوسف مع أخوته وأبيه

كان في خطة الله، أن ينقذ يوسف من كل متاعبه. ولكننا نلاحظ في كل أحداث القصة أن الله يسمح بأن تأتي التجربة، ثم ينقذ منها بالطريقة الإلهية في الوقت المناسب.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
عمل الله في الوقت المناسب

طلب يوسف من رئيس السقاة أن يذكره أمام فرعون ليخرجه من بيت السجن (تك 40: 14). ولكن رئيس السقاة "نسيه" (تك 40: 23). واستمر نسيانه لمدة سنتين.. والعجيب أن هذا النسيان كان في صالح يوسف.. إلي أن أرسل الله حلمين لفرعون. وجمع فرعون كل الحكماء والسحرة، فلم يستطيعوا تفسير الحلمين. وهنا تذكر رئيس السقاة يوسف الصديق، وقص علي فرعون حكمة يوسف في تفسير الأحلام. وكان ذلك بتدبير إلهي لكي يرفع شأن يوسف ويعوضه عن أيام التعب.
وهنا نري حكمة الله في العمل في الوقت المناسب.
· لو أن رئيس السقاة ذكر يوسف أمام فرعون، حالمًا رجع إلي منصبه، كان أقصي ما يصل إليه يوسف أن يخرج من السجن، ثم لا يعلم إلي أين يذهب بعد ذلك.
· كذلك لو أن فوطيفار لم يصدق امرأته في اتهامها الكاذب ليوسف، وقال لها إن هذا الشاب إنسان مبارك.. ولو أنه حقق في الأمر جيدًا واتضحت له براءة يوسف، لكانت النتيجة هي بقاء يوسف عبدًا أمينًا في بيت فوطيفار! وما كان قد أصبح الثاني في المملكة: يركع الكل أمامه، ومن ضمنهم فوطيفار طبعًا.." وبدونه لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر" (تك (40: 44). وطبعًا فوطيفار أصبح كالباقين لا يرفع يده ولا رجله إلا بأمر يوسف.
· كذلك أخوة يوسف: لو أن الله أنقذه من أيديهم وقتذاك، فلم يلقوه في البئر، ولم يبيعوه كعبد.. لبقي يوسف طول عمره مجرد راع للغنم.
· لذلك فإن تمنيات الإنسان شيء.. وما يعده الله له أعظم بكثير مما يتمني، ولو عن طريق التجارب والمتاعب.
· عن الله قد يسمح للخطاة أن يرتكبوا كل ما يشاءون ضد أولاده. ويبدوا كما لو كان الله ساكتًا لا يعمل..!! أو كما شكا داود قائلًا للرب في المزمور "لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!" (مز 10: 1).. ولكن في نفس الوقت الذي يظن فيه الإنسان المجرب أن الله بعيد عنه، يكون الله يدبر كل شيء في صالحه. وكما قال الرسول "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الله" (رو 8: 28).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف وشهادته لله

وكما أن الله لم يتخل عن يوسف، كذلك يوسف لم يتخل عن الله.
ظل متمسكًا بالرب في كل المتاعب التي أصابته. وظل ثابتًا علي إيمانه. وكان اسم الله علي شفتيه في كل حديثه مع فرعون. لقد ذكر اسم الله أكثر من مرة أمامه (تك 41: 16، 25، 28، 32).. قال هذا وهو يعرف أن فرعون يعبد رع وآمون وأيزيس وأوزوريس وفتاح وغيرهم.. لكنه لم يقل أمامه سوي اسم الله (ألوهيم ويهوه). علي عكس أولئك الذين لا يذكرون اسم الله أمام الذين يعبدون غيره غما خجلًا أو خوفًا أو ضعفًا. لعل هذا يذكرنا بقول داود النبي للرب:
"تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز" (مز 119).
أما الإنسان المخلص لإلهه، أسم الله علي لسانه أما الكل.. هكذا كان يوسف. ونري أن يوسف فيما بعد: لما رزقه الله بابنين، دعا اسم البكر منسي قائلًا: لأن الله أنساني كل تعبي." فلم ينس اسم الله في تسميه أبنه البكر. وكذلك بالنسبة إلي أبنه الثاني، دعاه افرايم قائلًا لأن الله جعلني مثمرًا في أرض مذلتي" (تك 41: 51، 52). ذلك لأن معني كلمي (إفرايم) هو الثمر المضاعف. هناك أشخاص إذا حلت بهم المشاكل أو المتاعب يتذمرون علي الله أو يجدفون عليه أو يشكون قائلين: لماذا يفعل الله بنا هكذا؟ وأين هي رحمته؟! وأين استجابة الصلوات؟! أما يوسف، وكذلك أيوب الصديق، لم يفعل أحد منهما هكذا..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف المدبر

يوسف لم يفسر فقط الحلمين لفرعون، بل قدم له الحل أيضًا.
لم يكن مثل الكثيرين الذين يتحدثون عن المشاكل الذين يتحدثون عن المشاكل، دون أن يساهموا في ذكر الحلول، وكان الحل الذي قدمه حلًا عمليًا وحكيمًا، أعجب به فرعون، واعترف أن يوسف "رجل فيه روح الله "وأيضًا "بصير وحكيم". لذلك منحه كل السلطات لكي يقوم بنفسه بهذا الحل. فقام بذلك وأنقذ الشعب من المجاعة.
كان يوسف أمينًا في عمله ومدبرًا حكيمًا. كان انجح وزير تموين في كل تاريخ مصر.
كان مدبرًا ميدانيًا. لا يجلس علي مكتب ويصدر الأوامر. إنما كان ينزل إلي ميدان العمل ويشتغل. كان يخزن القمح بنفسه. وكان يبيع أحيانًا بنفسه. لقد أعطانا مثالًا عمليًا عن رجل العمل الناجح. قد يظن البعض أن الديانة مجرد صوم وصلاة وباقي أمور العبادة. أما يوسف فقدم لنا النموذج للديانة المخلصة في العمل، سواء في عمله مع فوطيفار، أو مع فرعون. وهكذا نفذ بكل دقه وبكل نجاح الخطة التي وضعها لإنقاذ مصر من المجاعة، بل إنقاذ كل البلاد المحيطة أيضًا. فأخوته أتوه من بلاد أخرى..
بقيه قصة مع أخوته.كيف قابلهم؟ وكيف تصرف معهم؟
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف مع أخوته

البلاد المجاورة جاعت هي أيضًا. فقال يعقوب لأبنائه "قد سمعت أنه يوجد قمح في مصر. أنزلوا إلي هناك، واشتروا لنا من هناك قمحًا ولا نموت" (تك 42: 1).
" فأتي أخوة يوسف وسجدوا بوجوههم إلي الأرض" (تك 42: 6).
سجدوا كما كان يسجدون الباقون أيضًا له.. بل سجدوا له بعد ذلك مرات عديدة. وتحققت أحلام يوسف التي هزأوا بها من قبل، حينما رأوه مقبلًا لافتقادهم وهو شاب "فقالوا بعضهم لبعض: هوذا صاحب الأحلام قادم. فالآن هلم نقتله.. فنري ماذا تكون أحلامه" (تك 37: 18-20).. أتريدون أن تعلموا ماذا تكون أحلامه؟ إنها أحلام من الله، وها هي قد تحققت. لقد عوضه الله عن آلامه، بتحقيق أحلامه..

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
أما يوسف فكان -في لقائه بأخوته- يدبر خطة معينة، يستطيع بها أن يلتقي أيضًا بأبيه وبأخيه الشقيق بنيامين الذي احتجزه أبوه معه فلم يحضر مع أخوته. لو أنه أعطاهم القمح بسهوله ورحلوا، ما كانت ستتحقق خطته. لذلك "تنكر لهم وتكلم معهم بجفاء "حتى يصل إلي ما يريده.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
جفاء يقودهم إلى التوبة

وهنا نلاحظ ثلاث نقاط:
الأولي إنه عرفهم، أما هم فلم يعرفوه (تك 42: 8). كما إنه من سؤاله لهم عرف أنهم من أرض كنعان، وان لهم أخًا مفقودًا، وأخًا صغيرًا يحبه أبوه.. أما النقطة الثانية، فهي أنه كان يتحدث معهم عن طريق "ترجمان كان بينهم" (تك 42: 23). كان يكلمهم بالهيروغليفية التي تعلمها وهو في مصر، وما كانوا هم يعرفونها. أما هم فكانوا يتكلمون بالعبرانية التي يعرفها، ولا يظنون مطلقًا. فكانت أحاديثهم الخاصة مكشوفة كلها أمامه، من حيث لا يعلمون.
أما النقطة الثالثة فهي انه كان يتصرف بجفاء من الخارج، بينما كان قلبه داخله مملوء حبًا.. وكان يتأثر أحيانًا من مذلتهم، ويبكي.
كان يقسو علي أخوته ظاهريًا. بينما لم تكن القسوة من طبعه. وهذه القسوة الظاهرية هي التي قادتهم إلي إدراك خطاياهم السابقة والندم عليها. حتى أنه حينما قال لهم "جواسيس أنتم. جئتم لتكشفوا الأرض.. أحضروا أخاكم الصغير إلي فيتحقق كلامكم" (تك 42: 9- 20).. حينئذ قالوا بعضهم لبعض:
"حقًا إننا مذنبون إلي أخينا، الذي رأينا ضيقة نفسه، لما استرحمنا ولم نسمع. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة "وأجابهم رأوبين قائلًا: ألم أكلمكم قائلًا: لا تأثموا بالولد، وانتم لم تسمعوا، فهوذا دمه يطلب" (تك 42: 21- 23).
"فتحول يوسف عنهم، وبكي" (تك 42: 23). هكذا كان قلبه الرقيق الحساس، علي الرغم من كلامه معهم بجفاء..
كان بكاؤه حبًا وتأثيراً.. إنه لم يبك حينما ألقي في البئر وحينما بيع عبدًا. ولم يبك حينما أتهم ظلمًا، وألقي في السجن بدون تحقيق، وطالت مدته في السجن.. لكنه بكي حينما رأي أخوته مذلولين قدامه..! حقًا إنه هو الذي أذلهم. ولكنه في الداخل كان عطوفًا عليهم ويقودهم إلي التوبة.
أخوته لم يتمكن أبوهم من تربيتهم كما من تربيتهم كما ينبغي، فتولي يوسف تربيتهم. ونجح في ذلك.
كان يسويهم علي نار هادئة، وهادفة.. ولمعرفته بطباعهم وخبرته بهم، وكان يري أنه لو سلك معهم باللين علي طول الخط، لن يصل إلي نتجه معهم،وقد لا يري أخاه بنيامين، ولا يري أباه أيضًا.. ولكنه في حكمة استطاع أن يذكرهم بصورة ما فعلوه من قبل.. أولئك الذين بكل استهانة ألقوه في البئر، وجلسوا يأكلون ويتكلمون..! (تك 37: 24، 25).
وهكذا أخذ شمعون، وقيده أمام أعينهم (تك 42: 24). ولكن لماذا شمعون بالذات؟
ربما لأنه كان أعنفهم. هذا الذي اشترك من قبل مع أخيه لآوي، في قتل أهل شكيم ظلمًا، بعد أن اختنوا جميعًا طبقًا للاتفاق (تك 34: 25- 29). وهكذا أن أباه يعقوب في بركته الخيرة لأولاده قبل وفاته، قال شمعون ولاوي أخوان. آلات ظلم سيوفهما. في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي.. ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس" (تك 49: 5-7)..
لذلك أمر يوسف بتقييد شمعون أمام أخوته، ليريهم أن العنف الذي فيهم، هوذا ضعيف وذليل أمامه. لكي يخفض كبرياءهم، ولكي يخيفهم فلا يتمردون عليه.. كان قلبه يذوب اشتياقًا لرؤية شقيقه بنيامين. ولذلك قال لهم:
ليتحقق أن كلامكم صدق، اذهبوا واحضروا أخاكم الصغير (تك 42: 15، 16).
في الأول أمر بحسبهم جميعًا، وواحد منهم يذهب لإحضار الأخ الصغير. ثم تحنن عليهم وقال: "فليجس واحد منكم. وانطلقوا أنتم وخذوا قمحًا لمجاعة بيوتكم. واحضروا أخاكم الصغير إلي. فيتحقق كلامكم ولا تمتوا" (تك 42: 19، 20). بهذا أعرف أنكم أمناء، ولستم جواسيس (تك 42: 34). ففعلوا هكذا وأخبروا أباهم بكل ما حدث "وإذ كانوا يفرغون عدالهم، إذا صرة كل واحد في عدله" (تك 42: 35).. هذا ما كان قد فعله يوسف.. فخافوا.
ما كانوا يعرفون الحب، لذلك قادهم يوسف بواسطة الخوف.
ورفض أبوهم أن يرسل بنيامين معهم. وقال لهم: أعدمتموني الأولاد. يوسف مفقود وشمعون مفقود. وبنيامين تريدون أن تأخذوه!! وتعهد رأوبين بإعادته إليه، وقال لأبيه: اقتل أبني، إن لم أجي به إليك. ورفض يعقوب. ولكن لما اشتد الجوع في الأرض، عاد أبوهم يرسلهم إلي أرض مصر. وأصروا علي أخذ بنيامين معهم. وقال يهوذا "أنا أضمنه. من يدي تطلبه. إن لم أجي به إليك.. أصر مذنبًا لك كل الأيام.. ورضخ يعقوب أخيرًا. وسلم بنيامين مع هدية ثمينة يقدمونها للرجل. وقال لهم خذوا فضة أخري في أياديكم. والفضة المردودة في أفواه عِدالكم، ردوها. لعله كان سهوا" (تك 43: 12).
عادوا إلي يوسف. وسلموه الهدية. وسجدوا إلي الأرض. سألهم عن أبيهم "أسالم أبوكم الشيخ الذي قلتم عنه؟ أحي هو بعد". وسجدوا (تك 43: 26- 28).
كانوا قد أعادوا الفضة، ولما أروه بنيامين، كان اللقاء طيبًا، وأجلسهم ليأكلوا علي مائدته. أجلسهم علي المائدة بترتيب أعمارهم. فاندهشوا لذلك.
يوسف، لما رأي أخاه بنيامين، استعجل لأن أحشاءه حنت إلي أخيه. فطلب مكانًا ليبكي. ودخل مخدعه وبكي هناك (تك 43: 30).
في الواقع لا نجد في سفر التكوين كله إنسانًا كثير البكاء والتأثر، مثل يوسف الصديق.. علي أنه بعد أن بكي، غسل وجهه، وتجلد وجلس معهم وأكل. وكان قد أعطي بنيامين من حصص الطعام أضعاف ما أعطاهم وأمر لهم يوسف بقمح أخذوه في عدالهم، وصرفهم وبنيامين معهم.
ولكن القصة لم تكن قد تمت فصولا. بقي التأديب الخير لهم، والاعتراف منهم. والإذلال، وشرح القصة كلها..
حيله أخري دبرها يوسف. قبل أن يصرفهم، كان قد وضع كأسه في أمتعه بنيامين. وبعد انصرافهم أرسل وراءهم من يفتشهم. فتعجبوا من اتهامهم بسرقة شيء أن أعادوا الفضة من قبل.. وقالوا: من يوجد معه شيء يموت، ونحن نصير عبيدًا لسيدي. ولما وجد كأس يوسف في أمتعة بنيامين، مزقوا ثيابهم.. واقتيدوا إلي بيت يوسف. ووقعوا أمام علي الأرض، فوبخهم علي (سرقتهم!ّ).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
التوبة والمذلة

فقال له يهوذا: ماذا نقول لسيدي؟ وبماذا نتبرر؟! الله قد وجد إثم عبيدك..طلبوا أن يكونوا كلهم عبيدًا ليوسف، ولكنه قال: الذي وجد الطاس عنده هو يصير لي عبدا. وأما أنتم فارجعوا إلي أبيكم.. وهنا وقف يهوذا متذللًا بكل أنواع التذلل، يكلم يوسف بكلام مؤثر جدًا "استمع يا سيدي. ليتكلم عبدك كلمه في أذني سيدي، ولا يحم غضبك علي عبدك.." ثم شرح ما حدث لهم مع أبيهم. "قال لنا عبدك أبي: أنتم تعلمون أن امرأتي ولدت لي إثنين، فخرج الواحد من عندي، وقلت إنما هو قد أفترس افتراسًا، ولم أنظره إلي الآن. فاذا أخذتم هذا أيضًا من أمام وجهي وأصابته أذية، تنزلون شيبتي بشر إلي الهاوية" (تك 44: 27- 29).
وشدد يهوذا علي هذه النبرة المؤثرة، وهي موت أبيهم في حزن أن لم يرجع بنيامين..
قال: أننا لا نقدر أن ننظر وجه الرجل، واخونا الصغير ليس معنا.. فالآن متي جئت إلي عبدك أبي، والغلام ليس معنا، ونفسه، يكون متي رأي أن الغلام مفقود، أنه يموت، فينزل عبيدك أبينا بحزن إلي الهاوية. لأن عبدك ضمن الغلام"، "فالآن ليمكث عبدك عبدًا لسيدي، وليصعد الغلام مع أخوته. لأني كيف أصعد إلي أبي والغلام ليس معي، لئلا أنظر الشر الذي يصيب أبي" (تك 44: 30- 34).
كلام مؤثر، ومن القلب، وفيه وفاء للأب، وحزن علي ما يحث لهذا الأب الذي يحبه يوسف، لأنه أبوه. حينئذ لم يستطيع أن يضبط نفسه، فأطلق صوته بالبكاء وعرف أخوته بنفسه.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف يظهر ذاته

كان أقدم أوصلهم إلي التوبة والمذلة. ولم يعد هناك مجال آخر للمعاملة الجافة. كما أنه تأثر جدًا من خوفهم علي أبيه. وحسنًا أن الله أوصلهم إلي هذا الوضع المنسحق الذليل. مع أنهم كانوا في هذا الموقف أبرياء، وقد وقعوا تحت ما شعروا به ظلمًا فتذكروا كيف كان يوسف بريئًا، وقد وقع تحت ظلم منهم. وحسنًا قالوا ليوسف "الله قد وجد إثم عبيدك".. ومتى وجده؟ بعد حوالي عشرين سنة..
إن الخطية لا تمحي بالمدة، وإنما تمحي بالتوبة.
فلما وصلوا إلي هذه المذلة، واعترفوا بخطيتهم واستحقاقهم للعقوبة، انفتح أمامهم باب المغفرة. حينئذ بكي أخوهم الذي أساءوا إليه. وصرخ وقال لهم أنا يوسف. احي أبي بعد؟ فخافوا منه. فقال لهم: لا تتأسفوا إذ بعتموني إلي هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله.
وهو قد جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل أرض مصر أسرعوا واصعدوا إلي أبي.." (تك 45: 1-9). "ثم وقع يوسف علي عنق أخيه بنيامين وبكي. وبكي بنيامين علي عنقه". ويبدو أن هذا أمر طبيعي، لأنه شقيقه ويحبه. ولم يكن قد اشترك معهم في إساءتهم إليه.. لكن العجيب هو أن الكتاب يقول عن يوسف "وقبل جميع أخوته وبكي عليهم" (تك 45: 15).
أن وصيه "أحبوا أعدائكم.. أحسنوا إلي مبغضيكم" التي قالهما السيد المسيح علي الجبل، نفذها يوسف قبل أن يقولها الرب بحوالي ألفي عام.
وأيضًا نفذ وصية العفة، قبل أن يكتب الله الوصية في اللوح من لوحي الشريعة السابعة (لا تزن) في أيام موسى النبي. كان ضميره حيًا، ينفذ وصايا الله بطبيعته النقية، قبل الشريعة المكتوبة.
كان مستواه الروحي أعلي من عصره.
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:11 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

يوسف الصديق مع يعقوب أبيه

شوقه إلى أبيه

انتهت فترة التأديب الذي أدب بها يوسف أخوته. وأوصلهم إلي تذكرهم خطاياهم. والشعور بأنهم يستحقون كل ما صدر، لا عن خطية حالية، أنما عن خطايا سابقة (تك 37).
ولم يكن يوسف يريد أن يعاقبهم. إنما كانت حيله منه يصل بها رؤية أخيه وشقيقه بنيامين، وأيضًا لكي يري أباه يعقوب.
فلما رأي أخاه بنيامين، وأشبع عاطفته من هذه الناحية، وأكرمه أكثر من جميعهم، بقي أن يحقق الرغبة الأخرى، وهي أن يري أباه.. فلما عرفهم بنفيه، كانت أول عبارة قالها لهم "أحيّ أبي بعد؟".. سألهم هذا السؤال علي الرغم من أنهم قالوا له قبلًا إن لهم أبًا شيخًا، وأنهم يخافون عليه من الموت إن لم يرجع إليه إبنه الصغير بنيامين" (تك 44: 30، 31)..
ولكنها اللهفة في أن يري أباه، جعلته يسأل: أحي أبي بعد؟ وأيضًا لمزيد من التأكد.
ولا شك أنه حينما تحدث يوسف مع أخوته، وكشف لهم ذاته قائلًا "أنا أخوكم يوسف الذي بعتموه" (تك 45: 3)، إنما كلمهم حينذاك بلغتهم العبرانية، لكي يتأكدوا من كلامه. وواضح ذلك لأنه لم يكن بينه وبينهم مترجم وقتذاك. لأنه قبل أن يكشف نفسه لهم، صرخ قائلًا: أخرجوا كل إنسان عني. "فلم يقف أحد عنده، حين عرف يوسفأخوته بنفسه" (تك 45: 1).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
كان قد تَغيَّر

كان يوسف قد تغير في الشكل والسن واللغة والمَلْبس.
لذلك في كل لقاءاته معهم لم يعرفوه. حينما باعوه كان عمره 17 سنة (تك 37: 1، 13،18). وحينما تقابل مع فرعون كان عمره 30 سنه (تك 41: 47). وبعد سنوات الشبع، أتت سنوات الجوع، في السنة الثانية منها جاء أخوته إليه يطلبون قمحًا. بدليل أنه قال لهم لما عرفهم بنفسه "يكون أيضًا خمس سنين جوعًا" (تك 45: 11).
إذن كان عمره يوسف وقتذاك 39 سنه. وقد مضت 22 سنه منذ ألقوه في البئر.
ملابسه كانت أيضًا ملابس فرعونية. شكله تبدو عليه الهيبة. الناس يركعون أمامه ويسجدون عند قدميه. لغته هيروغليفية، وهناك من يترجم بينه وبينهم. كلامه معهم كلام بسلطان. لذلك لم يعرفوه حتى كشف نفسه لهم. ولم يفعل ذلك إلا بعد أن تأكد من معلوماتهم التي قالوها له إنهم أخوته. كما فهم نفس الحقيقة من أحاديثهم بعضهم مع بعض. وما كانوا يدركون أنه يفهم ما يقولون.
فلما قال لهم: أنا يوسف.." أخوكم الذي بعتموه.. ارتاعوا.
ظنوا ان وقت انتقامه قد اتي. وبخاصة لأنه لم يقل لهم فقط "وأنا يوسف.." وإنما قال أيضًا "يوسف أخوكم الذي بعتموه..". وها هم في يديه يفعل بهم ما يشاء.. ولكن يوسف كان في خلقه أنبل من أن ينتقم.. كان يدرك أنهم في حاله ضعف وذعر، وليس لديهم ما يجيبونه به. كما قال الكتاب "فلم يستطع أخوته أن يجيبوه، لأنهم ارتاعوا منه" (تك 45: 3).. نعم ارتاعوا من هذا الصغير الذي كانوا يهزأون به من قبل..!
ولكن يوسف-في نبل خلقه- طمأنهم. وأراهم مشيئة الله في كل ما حدث..
نعم، الله الذي يحول الشر إلي خير." ومن الجافي يخرج حلاوة" (قض 14: 14).. هو الله الذي وضع يوسف حياته في يديه. ورأي أن كل ما يصيبه، هو بسماح من الله لخيره ولذلك طمأن أخوته قائلًا لهم "والآن لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله"، "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلي هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم. لأن للجوع في الأرض سنتين. وخمس سنين أيضًا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدامكم، ليجعل لكم بقية في الأرض" (تك 45: 5-8).
وهكذا ثلاث مرات كرر عبارة "أرسلني الله".
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يوسف لم يذكر ما في تجربته من ألم، أنما ذكر ما فيها من تدبير إلهي، وما فيها من خير له ولهم وللناس. فإنها "لاستبقاء حياة".. بالحكمة التي وهبها له الله لإنقاذ حياة الناس خلال سني المجاعة، سواء في مصر أو أهله في كنعان.. أما من جهته هو، فقال: الله جعلني أبًا لفرعون، وسيدًا لكل بيته، ومتسلطًا علي كل مصر" (تك 45: 8). وبعد أن طمأنهم، ونزع الخوف من قلوبهم، كلمهم من جهة أبيه وإحضاره إليه في مصر..؟ فقال لهم:
" أسرعوا واصعدوا إلي أبي.. وتستعجلون وتنزلون بأبي إلي هنا" (تك 45: 9، 13).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
وفاء يوسف لأبيه

حمل يوسف أخوته رسالة إلي أبيه قائلًا له: أنزل إلي لا تقف".
" تسكن في أرض جاسان، وتكون قريبًا مني أنت وبنوك وبنو بنيك". "أعولك هناك، لأنه يكون أيضًا خمس سنين جوعًا"، "لئلا تفتقر أنت وبيتك" (تك 45: 9-11).
إذن لم يأت بأبيه لمجرد اشتياقه إليه فقط، إنما أيضًا لكي يعوله وكل بيته.
ويعول أيضًا أخوته الذين باعوه، وكل بينهم.. ولم يجعل ذلك مجرد قرار فردي منه، عنه للدسائس والتغيير، وإنما أخبر فرعون بكل شيء وأخذ أمرًا من فرعون أن يذهب أخوته لإحضار أبيهم، فيعطيهم خيرات أرض مصر ويأكلون من دسم الأرض.. بل أيضًا أمر آخر لهم "خذوا لكم من أرض مصر عجلات لأولادكم ونسائكم، وأحملوا اباكم وتعالوا.." (تك 45: 17- 19).
وكان يوسف كريمًا جدًا مع أخوته وأبيه:
أرسل معهم مركبات تحملهم. وأعطاهم زادًا للطريق، وحلل ثياب حتى يكون مظهرهم لائقًا،وأرسل دوابًا تحمل لأبيه تحمل لأبيه حنطة وخبزًا، وتحمل من خيرات مصر وقال لأخوته "لا تتغاضبوا في الطريق (تك 45: 21- 24).. كان يعرف هذا الطبع فيهم فلقدم لهم نصيحة روحية إلي جوار ما قدمه لهم من خيرات مادية.
لم يكن يوسف مثل الذين يتجاهلون أهلهم الفقراء، إذ صار لهم منصب كبير.
في كل ما وصل إليه من عظمة، لم ينس أباه الراعي، الذي كان شبه ضرير وقد ثقلت عيناه من الشيخوخة (تك 48: 10). أراد أن يفرح أباه في شيخوخته، ويعوضه عن سني التعب والألم التي مر بها... وما كان أبهج الخبر الذي نقله إليه أولاده، حينما رجعوا بالمركبات من مصر، قائلين له:
"يوسف حي بعد، وهو متسلط علي كل أرض مصر" (تك 45: 26).
يوسف الذي رأي يعقوب قميصه الملون ملطخًا بالدم، وبكي عليه، ورفض أن يتعزي. وقال: أني أنزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية (تك 37: 33- 35). ثم يأتيه الخبر أنه لا يزال حيًا، بعد 22 عامًا من الحزن عليه. فكان تأثير هذا الخبر عليه لأول وهله، انه "جمد قلبه ولم يصدقهم" (تك 45: 26). ثم عاد وتقبل الخبر، لما رأي العجلات الفرعونية التي أرسلها يوسف إليه. فردت روحه إليه وقال "يوسف أبني حي. كفي أذهب وأراه قبل أن أموت"..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
الله يطمئن يعقوب

في نزول أبينا يعقوب إلي مصر أثناء المجاعة، اختلف عن جده إبراهيم الذي قال الكتاب عنه "وحدث جوع في ارض. فأنحدر إبرآم إلي مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدًا" (تك 12: 10). إنها نفس الظروف التي دعت يعقوب أيضًا للنزول إلي مصر. ولكن وجه الخلاف أن جده إبرآم نزل بمشيئته الخاصة ليس بمشيئة الله الذي سبق أن قال له "أذهب من أرضك.. إلي الأرض التي أريك" (تك 12: 1).. لذلك وجد متاعب كثيرة في مصر نجاه الله منها (تك 12: 14- 19)..
أما يعقوب فظهر له الله في رؤيا. وقال له لا تخف من النزول إلي مصر.. أنا أنزل معك إلي مصر.." (تك 46: 2).
يعقوب لم ينزل، دون الإتصال بالله أولًا. "فلما أتي إلي بئر سبع، ذبح ذبائح لإله أبيه إسحق" (تك 46: 1).. إنه لا يريد أن يتلقي الدعوة إلي السفر من يوسف فقط. وإنما من المذبح أيضًا. فأتاه الرد إذ "كلمه الله في رؤى الليل "وقال له "أنا الله إله أبيك. لا تخف من النزول إلي مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك. أنا انزل معك إلي مصر".
عجيبة هي علاقة الله بيعقوب..
يعقوب الذي خدعه من قبل خاله لابان. بل خدعه أبناؤه من جهة قميص يوسف الذي غمسوه في الدم. وما كان يحتمل أن يقع في خديعة أخري منهم. فطمأنه الله أن يوسف سيضع يده علي عينيك (تك 46: 4).
حسنًا قيل أن "الله أحب يعقوب" (رو 9: 13).
نعم، أحب هذا الضعيف الذي لم تكن له القوة أن يقاوم الشر.. الذي لم يستطيع أن يقاوم عيسو، بل هرب منه. في رجوعه إلي بيت أبيه صلي إلي الله قائلًا للرب "نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يأتي ليضربني الأم مع البنين" (تك 32: 11). نعم يعقوب هذا الضعيف الذي لم يستطع أن يقاوم خاله لابان لما خدعه وزوجه ليئة بدلًا من راحيل (تك 29: 5)..كذلك لم يستطع أن يقاوم أولاده في موقفهم مع يوسف أخيهم (تك 37). ولا استطاع أن يقاومهم في غدرهم بشكيم وكل قبيلته، فقتلوهم جميعًا بسبب دينة أختهم (تك 34). كما لم استطع ان يقاوم ابنه البكر رأوبين، لما صعد علي فراشه وزني مع بلهة سرية أبية (تك 35: 22). وسمع يعقوب ولم يفعل شيئًا!!
لذلك كان ملاك الرب مع هذا الضعيف باستمرار.
هذا قال عنه في مباركة افرايم "الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين" (تك 48: 16). وقال في عرفانه بعمل الله معه "الله الذي يرعاني منذ وجودي إلي هذا اليوم" (تك 48: 15). الله أيضًا طمأنه في رؤيا الليل. لينزل إلي مصر محاطًا برعاية الله له. فنزل إلي هناك مع كل أسرته. وكانت جميع نفوس بيت يعقوب التي جاءت إلي مصر سبعين نفسًا (تك 46: 27).
ووصل يعقوب إلي مصر في موكب كمواكب الملوك.
وصل راكبًا في عجلات فرعون التي أرسلها إليه إبنه يوسف.. إنها أول مرة في حياته مثل هذه العجلات الملكية، كأب لمن قيل عنه إن الله جعله أبًا لفرعون.. وربما أول مرة في حياته وحياة أولاده يلبسون الحلل الفخمة التي أرسلها معهم يوسف.
وكان من إكرام يوسف لأبيه، أنه ذهب لاستقباله في الطريق.
شد يوسف مركبته، وصعد لاستقبال أبيه إلي جاسان (تك (46: 29). ولو عرفنا أن أرض جاسان في مكان محافظة الشرقية، نعرف مقدار المسافة التي قطعها يوسف من العاصمة، حتى
وصل بمركبته إلي جاسان لاستقبال أبيه.. هذا الثاني في المملكة، لم ينتظر حتى يصل أبوه ويستقبله في مجيئه. إنما هو الذي يذهب إليه، ويقابله في الطريق. لكي يعرف الجميع عظمة هذا الراعي الذي يذهب إليه المتسلط علي أرض مصر.
ولما ظهر له وقع علي عنقه، وبكي علي عنقه زمانًا" (تك 46: 29).
إنها العاطفة المخزونة مدي 22 عامًا، تنفجر الآن في عناق وفي دموع.. هنا اللسان يعجز عن الكلام. إنما الحب هو الذي يعبر عما في القلب من مشاعر. حب الابن لأبيه الذي قضي كل فترة شبابه محرومًا من حنان أبيه الذي أحبه وفضله علي كل أخوته. وحب الأب لأبنه الذي ظن أنه مات. وناح عليه أكثر من عشرين سنة. وأخبر يوسف فرعون بمجيء أبيه وأخوته، وقدمهم إليه يوسف نائب فرعون، لم يخجل من أن أباه وأخوته رعاة.
لم يستح منهم ولا من غنمهم وبقرهم..هناك أشخاص من فقر أقربائهم. أما يوسف فلم يكن هكذا. قد يحدث أن بوابأ بالإنفاق علي إبنه في التعليم حتى يصير طبيبًا. وإذا بهذا الابن الطبيب يستحي من الانتساب إلي أب بواب.. محبته لنفسه ولسمعته تطغي علي محبته لأبيه..
أما يوسف فأدخل أباه الراعي إلي فرعون، وأوقفه أمامه.
فاحترمه فرعون، لآجل إبنه، ولاجل سنه ونعمه الله عليه. وسأله عن سني حياته فأجاب يعقوب "أيام سني غربتي مائه وثلاثون سنه، قليلة وردية، ولم تبلغ إلي أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم" (تك 47: 9). قال هذا لأن أبًا الآباء إبراهيم مات وعمره 175 سنه (تك 25: 28).
وحسنًا ان يعقوب اعتبر حياته أيام غربة.
كذلك قال عن حياة آبائه "أيام غربتهم". ولعل ذلك كان درسًا لفرعون. وفي هذا اللقاء بين يعقوب وفرعون قال الكتاب مرتين "وبارك يعقوب فرعون" (تك 47: 7،10). هنا القداسة أعلي من الملك. فيمكن أن رجل الله يبارك رجل الله يبرك رجل العرش والحكم والدولة كما بارك يعقوب فرعون..
إن إخلاص يوسف لفرعون، جعله يكرم أباه وأخوته.
حكمة يوسف وأمانته في عمله، وإنقاذه لمصر في أيام المجاعة.. كل ذلك جعل فرعون يحترمه، ويحترم أباه، ويستقل أخوته، ويكرم هذه الأسرة كلها.. ويقول ليوسف "أرض مصر قدامك، في أفضل الأرض اسكن أباك وأخوتك. ليسكنوا في أرض جاسان. وإن علمت أنه يوجد بينهم ذوو قدرة، فإجعلهم رؤساء مواش علي التي لي" (تك 47: 5، 6).
وعال سوف أباه وأخوته وكل بيت أبيه.
"وسكنوا في أرض جاسان، وتملكوا فيها، وأثمروا وكثروا" (تك 47: 27) وهناك ملاحظة نقولها عن حياة يعقوب. لما رأي يعقوب إبنه يوسف بعد طول نواحه عليه. قال له -بعد أن بكي علي عنقه- "أموت الآن بعد أن رأيت وجهك أنك حي". ولكنه لم يمت بعد أن رآه، بل عاش 17 سنة مع يوسف في أرض مصر (تك 47: 28). حينما رأي يوسف وفرعون كان عمره 130 سنة (تك 47: 9). إذن كانت كل أيام عمره 147 عامًا.
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
أيام يعقوب الأخيرة

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
لما أحس أن أيامه قد قربت، أخذ عهدًا من يوسف أن يدفنه في مغارة المكفيلة.
هناك حيث دفن إبراهيم جده (تك 25: 9). وكانت قد دفنت هناك جدته سارة (تك 23: 19) "وفي مغارة المكلفية أمام ممرا التي هي حبرون في أر كنعان". وهناك أيضًا دفن أبوه إسحق (تك 35: 27-29). وأمه رفقة وزوجته ليئة (تك 49: 31).
إنه أمر مؤثر أن يطلب إنسان أن ترقد عظامه إلي جوار عظام آبائه.
وهكذا استدعي يعقوب إبنه يوسف، إبنه الذي يأتمنه علي وصيته. وقال له: "اصنع معي معروفًا وأمانه. فلا تدفني في مصر. بل اضطجع مع آبائي. فتحملني من مصر. وتدفني في مقبرتهم "فحلف له يوسف، وسجد يعقوب علي رأس عصاه" (تك 47: 26-31).. لعل في ذلك درسًا للذين يسألون عن شريعة حرق جثث آبائهم وأقربائهم. ليست فقط الأرواح تتجاور، وأنما العظام أيضًا. وهكذا فعل أبنه يوسف أيضًا فيما بعد فأوصي من جهة عظامه (عب 11: 22).
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
بركة ونبوءة

علي أن يعقوب قبل أن يموت بارك أولاده، وابني يوسف(افرايم ومنسي).
افرايم ومنسي: أحضرهما يوسف أمام أبيه لكي يباركهما. ففرح بهما يعقوب واحتضنهما وقال ليوسف "لم أكن أظن أني أري وجهك. وهوذا الله قد اراني نسلك أيضًا" (تك 48: 11). ومنحهما يعقوب نصيبًا كابنين من أبنائه، كرأوبين وشمعون. أي صار ليوسف بإبنيه سبطان من الأسباط الإثني عشر، أي نصيب البكر وسط أولاد يعقوب. لذلك حينما نذكر أسماء الأسباط، نذكر بينهما سبطي افرايم وسبط منسي، بدلًا من قولنا سبط يوسف..
أتي يوسف بإبينه إلي أبيه "وسجد بوجهه إلي الأرض"، "ووضع يعقوب يديه بفطنة "علي رأسيهما. يده اليمني علي الصغير افرايم، واليسري علي الكبير منسي وباركهما. واستاء يوسف. "وأمسك بيد أبيه اليمني، لينقلها من رأس افرايم إلي رأس منسي "قائلًا ليس هكذا يا أبي. لأن هذا هو البكر، ضع يمينك عليه" (تك 48: 17، 18). لا. ليس هكذا يا يوسف. أبوك بروح النبوة تصرف بفطنة.
إن يعقوب في شيخوخته كان قد استعاد شبابه الروحي.
كانت له أخطاء وهو صغير. ولكن عندما حنكته التجارب وصقلته الآلام. كانت صلته بالله قد تعمقت أكثر فأكثر. وكانت شيخوخته فيها بركة ونبوة. بروح النبوة رفض أن يغير وضع يديه علي رأس افرايم ومنسي. وقال ليوسف "علمت يا أبني علمت. هو أيضًا يكون شعبًا وهو أيضًا يصير كبيرًا. ولكن أخاه الصغير يكون أكبر منه.." وقدم افرايم علي منسي" (تك 48: 19، 20). وكانت هذه نبوءة منه وتحققت فعلًا. وهناك نبوءة أخري ذكرهما يعقوب. فقال ليوسف "ها أنا أموت. ولكن الله سيكون معكم، ويردكم إلي أرض آباكم" (تك 48: 21). وتحققت هذه النبوءة، حينما عبروا البحر الأحمر واجتازوا من سيناء إلي أرض كنعان.
وغير هاتين النبوءتين، قال نبوءات أخري عن مستقبل أبنائه (تك 49).
دعاهم وقال لهم "اجتمعوا لأبنئكم بما يصيبكم في آخر الأيام" (تك 49: 1). وحسبما قال لكل واحد هكذا كان. قال لرأوبين بكرة".. لا تتفضل، لنك صعدت علي مضجع أبيك، دنسته". ووبخ شمعون ولاوي لقتلهما أهل شكيم. فقال عنهما "آلات ظلم سيوفهما.. ملعون غضبهما فإنه شديد وسخطهما لأنه قاس". ومدح يهوذا سبط الملك الذي جاء منه المسيح". وقال له "إياك يحمد أخوتك.. يسجد لك بنو أمك "وقال "لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليه، حتى يأتي شيلون، وله يكون خضوع شعوب".. وكلم الباقين أيضًا بما سيكون. يقول الكتاب "هذا ما كلمهم به أبوهم وباركهم. كل واحد بحسب بركته باركهم" (تك 49: 28). وقد كان.
نلاحظ هنا أن البركة لم تمنع العقوبة والتوبيخ.كما حدث بالنسبة إلي رأوبين وبالنسبة إلي شمعون..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
موت يعقوب

ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه.. أسلم الروح، وأنضم إلي قومه يوسف علي وجه أبيه وبكي عليه وقبله" (تك 50: 1).
إن يوسف هو أكثر إنسان قيل عنه التكوين إنه بكي.

كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
بكي لما كشف شخصيته لأخوت (تك 45: 2). وبكي علي عنق بنيامين شقيقه (تك 45: 14)" وقبل جميع أخوته وبكي عليهم" (تك 45: 15). ولما رأي أباه "وقع علي عنقه، وبكي علي عنقة زمانًا" (46: 29). وبكي لوفاة أبيه.
وكان جناز يعقوب مهيبًا جدًا (تك 50)
أمر بكائه استأذن يوسف من فرعون أن يذهب ويدفن أباه في أرض كنعان حسبما أوصاه." وصعد معه جميع عبيد فرعون وشيوخ مصر"، ومركبات وفرسان." فكان الجيش كثيرًا جدًا" (تك 50: 1-9). ولما عبروا الأردن "ناحوا هناك عظيمًا وشديدًا جدًا. وصنع لأبيه مناحة سبعه أيام (تك 50: 10). وحمله بنوه إلي أرض كنعان، ودفنوه في مغارة المكلفية (تك 50: 13). وعاد يوسف وأخوته إلي مصر مع جميع الذين صعدوا معهم.
وخاف أخوة يوسف، لئلا يضطهدهم يوسف بعد موت أبيهم، ولكنه طمأنهم.
طلبوا منه الصفح.. وقالوا له "أبوك أوصي قبل موته قائلًا: هكذا ليوسف: اصفح عن ذنب أخوتك وخطيتهم. فأنهم صنعوا بك شرًا.. فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك" (تك 50: 15-17). ووقعوا أمامه وقالوا له ها نحن عبيدك. فبكي يوسف حين كلموه. وقال لهم: لا تخافوا.. انتم قصدتم بي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا.. فالآن لا تخافوا. أنا أعولكم وأولادكم.. فعزاهم وطيب قلوبهم (تك 50: 17- 21) كانوا يظنون في يوسف ما ليس فيه من انتقام. ما كانوا يعرفون معدن يوسف بعد ونوع نفسيته. أما هو فكان أسمي بكثير مما جال في أفكارهم. كان نبله أقوي من شرهم وكان صفحه أسمي من خطيئتهم ضده..
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
موت يوسف

عاش يوسف مائه وعشر سنين، أي أربعة وأربعين سنة بعد موت أبيه. ورأي الجيل الثالث لأفرايم. استحلف أخوته عظامه من مصر (تك 50: 32- 36). وتنبأ يوسف عن خروج أخوته من أرض مصر (تك 50: 24). وفي ذلك قيل في الرسالة إلي العبرانيين "بالإيمان عند موته، ذكر خروج بني إسرائيل وأوصي من جهة عظامه" (عب 11: 22).
وهكذا تنبأ، وكان أيضًا من رجال الإيمان.
وفي خروج بني إسرائيل من مصر، قيل في سفر الخروج "وأخذ موسى عظام يوسف معه. لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلًا: إن الله سيفتقدكم، فتصعدون عظامي من هنا معكم" (خر 13: 19). بركة يعقوب أبي الآباء، وأبنه يوسف الصديق فلتكن معنا جميعًا.
  رد مع اقتباس
قديم 15 - 02 - 2014, 01:15 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Ƒ̐ὰ̗đƴ Male
..::| VIP |::..


الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1479
تـاريخ التسجيـل : Nov 2013
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : egypt
المشاركـــــــات : 14,151

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ƒ̐ὰ̗đƴ غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

ميرسى كتير ليكى ربنا يعوضك
  رد مع اقتباس
قديم 16 - 02 - 2014, 08:14 AM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,815

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث

شكرا على المرور
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب تأملات في القيامة - البابا شنوده الثالث
كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
كتاب حياة الشكر - البابا شنوده الثالث
كتاب تأملات في حياة القديس أنطونيوس - البابا شنوده الثالث
تأملات فى حياة داود النبى كتاب لقداسة البابا شنودة الثالث


الساعة الآن 04:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024