21 - 05 - 2014, 03:25 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
المعمودية عرض لكتاب " المعمودية " "نحن السمك الصغير نتبع مثال سمكتنا (أخثوس IXΘҮΣ) يسوع المسيح، ونولد في الماء ولا نخلص إلا فيه". تحدث ترتليان في كتابه عن المعمودية عن سبب استخدام المياه كمادة لتتميم السر، وهو يرى أن الإنسان يجب أن يوقر المياه أولاً بسبب عمرها وقدمها، وثانياً بسبب كرامتها لأنها كانت كرسي لروح الله دوناً عن كل العناصر الموجودة آنذال، وكانت المياه تمثل نوعاً من القوى المنظمة للخليقة التي تمم بها الله ترتيب العالم، لأن جلد السماء صار بانفصال المياه: "قال الله ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه" (تك 1: 6) واليابسة أيضاً ظهرت باجتماع المياه في مكان واحد: "وقال اله لتجتمع المياه من تحت السماء إلى مكان واحد" (تك 1:9). وبعد أن رتب الله العالم وعناصره، كانت المياه أول من أخذ وصية بإخراج خليقة حية: "وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية"، فكانت المياه أول من أثمر خليقة حية لكي لا يكون أمراً عجيباً في المعمودية أن المياه تعرف كيف تهب الحياة. وكما في البدء كان روح الله يرف على المياه، كذلك سيستمر يرف على مياه المعمودية ويقدسها، ومنه تأخذ المياه قوة التقديس، فبعد الصلاة على المياه المعمودية تأخذ قدرة التقديس السرائرية لأن الروح القدس ينزل ويستقر على هذه المياه مقدساً إياها، وعندما تتقدس، تنال هي نفسها القدرة على تقديس الآخرين. كان من المعتاد قبلاً أن ينزل ويحرك مياه بركة حسدًا، وكان المرضى ينالون من هذا الماء الشفاء، ولكن هذا الشفاء الجسدي كان رمزاً للشفاء الروحي، بحسب القاعدة التي تقول أن الأشياء الجسدية لابد أن تسبق دوماً الأمور الروحية، لتكون رمزاً لها، وهكذا عندما ازدادت نعوة الله بين الناس، أصبح الذين كانوا ينالون قبلاً شفاء من أمراض جسدية، ينالون الآن شفاء لأرواحهم، وبعد أن كانت المياه تهب شفاء زمنياً، صارت تهب شفاء أبدياً، وعندما تغسل خطية الإنسان وجريمته في المعمودية، تلغى العقوبة أيضاً، فيستعيد الإنسان صورة وشبه الله بسكنى روح الله القدوس فيه. ويشهد ترتليان على استخدام الصيغة الثالوثية في المعمودية فيقول أن المعتمد يغسل ويختم إيمانه باسم الآب والابن والروح القدس، لأنه على فم ثلاثة شهود تقوم الكلمة (تث 19: 15 + مت 18: 16 + 2 كو 13:1) وبعد ذكر الآب والابن والروح القدس لابد من ذكر الكنيسة لأنه "حيثما يوجد الثالوث توجد الكنيسة". كما تطرق ترتليان إلى الحديث عن سر المسحة المقدسة، فيقول "عندما نخرج من الجرن نمسح كلياً بالمسحة المقدسة" وهذا طقس قديم عندما كان الكاهن يمسح بزيت منذ أن مسح موسى هارون ودعى "مسيح" من كلمة "مسحة"، وهكذا نحن نمسح جسدياً لكن الفاعلية روحية، بنفس الطريقة كما أن فعل التعميد نفسه جسدي لكن الفاعلية روحية بغسلنا من خطايانا. ورأى ترتليان في رف روح الله على المياه رمزاً للمعمودية، كما رأى في الحمامة التي أرسلها نوح من الفلك بعد الطوفان رمزاً للروح القدس الذي يحل على الإنسان بعد خروجه من الماء: "كما أنه بعد الطوفان الذي به تنقى العالم القديم، أي بعد معمودية هذا العالم، أعلنت الحمامة -التي أرسلت من الفلك وعادت معها غصن زيتون- أن السلام قد صار على الأرض، كذلك على المستوية الروحي، تنزل حمامة الروح القدس على الأرض أي جسدنا عندما يخرج من جرن المعمودية متطهراً من خطاياه العتيقة، لكي تأتى بسلام الله من أعلى السموات إلى حيث الكنيسة التي كان الفلك رمزاً لها". كذلك اعتبر ترتليان أن عبور بنى إسرائيل للبحر الأحمر كان رمزاً للمعمودية، فكما كان اليهود تحت عبودية فرعون الوثني وتحرروا منه وخلصوا بهلاكه في مياه البحر الأحمر،كذلك الموعوظ يظل تحت عبودية الشيطان حتى يتحرر بهلاكه في مياه المعمودية: "عندما خلص الشعب من قوة ملك مصر بعبورهم المياه وتركهم مصر بإرادتهم، أهلكت المياه الملك وكل جيشه، فأي رمز للمعمودية يمكن أن يكون أوضح من ذلك؟ فالشعب خلص من العالم بالماء، والشيطان الذي كان يستبعدهم حتى ذاك الحين تركوه خلفهم هالكاً في الماء". وأيضاً تحولت المياه من المرارة إلى الحلاوة بعصا موسى، وبحسب ترتليان هذه العصا كانت المسيح شجرة الحياة الذي استعاد ما قد تمرر وتسمم إلى مياه المعمودية، كذلك رأى أن المياه التي نبعت لشعب إسرائيل من الصخرة كانت رمزاً للمعمودية لأن الصخرة كانت المسيح. كما شرح ترتليان كيف أكد مخلصنا على أهمية الماء، فقد اعتمد في الماء، وأول معجزاته في قانا الجليل كانت بالماء، وهو يدعو العطاش إلى الماء الحي، وفي حديثه عن المحبة يتحدث عن كأس الماء، وسار على المياه وعبر البحر، بل وفي آلامه يجد ترتليان شهادة للمعمودية، ففي تسليمه نجد الماء، تشهد على ذلك يدي بيلاطس، وفي جراحاته نجد الماء الذي خرج من جنبه، تشهد على ذلك حربة الجندي. ورداً على من يقولون أن المعمودية غير ضرورية للخلاص، بحجة أن إبراهيم آمن فقط بالله فحسب له براً، يجيب ترتليان قائلًا انه قبل تتميم الفداء كان الخلاص بالإيمان فقط، لكن بعد الفداء، لا بد للإيمان بميلاد الرب وآلامه وقيامته أن ينال الختم السرائري، وقد وضع الرب قانون المعمودية وضروريتها إذ يقول "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19) وأيضاً " إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5) وهذا القول يربط بين الإيمان والمعمودية ويجعلها حتمية للخلاص، ولذلك بولس أيضاً بعد أن آمن اعتمد، وهذا هو معنى الوصية التي قالها له الرب عندما فقد بصره " قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل" (أع 9: 6). وبجانب جرن المعمودية المقدسة، يعلم ترتليان بأن هناك جرن ثان من الدم قال عنه الرب "لي صبغة اصطبغها" بينما كان قد اعتمد فعلا، لأنه قد أتى" بماء ودم" (1 يو 5: 6) كما كتب يوحنا الحبيب، كي يعتمد بالماء ويتمجد بالدم، وقد خرجت هاتان المعموديان من جنبه الجريح، كي هؤلاء الذين يؤمنون بدمه يغتسلون بالماء، هؤلاء الذين اغتسلوا فعلا بالماء يشربون دمه، فمعمودية الاستشهاد تحل محل حميم ماء المعمودية عندما لا يكون الإنسان قد نالها بعد. وينصح ترتليان أنه يجب أل تتم المعمودية بتعجل بل بتأني، لأنه قيل "لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم أمام الخنازير" (مت 7: 6) وأيضاً "لا تضع يداً على أحد بالعجلة ولا تشترك في خطايا الآخرين" (1 تيمو 5: 22). ولابد لمن يستعدون لنوال نعمة المعمودية المقدسة أن تكون لهم قوانين صلوات وأصوام وأسهار، ولابد أن يعترفوا بكل خطاياهم السابقة استعداداً لنوال هذا السر. وينصح الموعوظين انه كما خرج ربنا بعد معموديته ليجرب، كذلك هم أيضاً بعد أن يخرجوا من جرن المعمودية يجب أن يرفعوا أياديهم للصلاة في بيت أمهم الكنيسة ويطلبوا مع أخواتهم من الله الآب أن يمنحهم عطاياه. |
||||
21 - 05 - 2014, 03:26 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
الإفخارستيا 6) الإفخارستيا في حديثه عن الأسرار الثلاثة: المعمودية - الميرون - الإفخارستيا، وتأثيرها على النفس، يشرح ترتليان أن الجسد يغسل لكي تتطهر النفس، والجسد يمسح كي تتقدس النفس، والجسد يختم كي تتقوى النفس، والجسد يتغذى على جسد ودم المسيح كي تنمو النفس في الله، والإنسان التائب يأكل طعامه في بيت أبيه. كما وتحدث عن السمة الذبيحية للإفخارستيا، ويرى في هذا السر وتقديسه انطباقاً وتنفيذاً لكلام الرب في سر التأسيس عندما أخذ خبزاً وحوله إلى جسده وأعطاه لتلاميذه قائلاً "هذا هو جسدي". وكان ترتليان مقتنعاً تماماً بالحضور الحقيقي للجسد والدم، ولذا كان يهاجم الهراطقة اتباع مرقيون لأنهم ينكرون حقيقة جسد المسيح المصلوب، ومع ذلك يستمرون في إقامة الخدمات الإفخارستية، فلو لم يكن هناك جسد حقيقي على الصليب لما أمكن أن يكون هناك جسد حقيقي في الإفخارستيا. |
||||
21 - 05 - 2014, 03:27 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
الماريولوجي في اهتمامه بالدفاع عن الناسوت الحقيقي للمسيح، أكد ترتليان على أن جسد رب المجد لم يكن جسداً سمائياً لكنه ولد حقاً من جسد السيدة العذراء، لدرجة أنه يرفض عقيدة دوام بتولية السيدة العذراء في الميلاد وبعد الميلاد، وهنا كان انحرافه الفكري والإيماني إذ يقول "رغم أنها كانت عذراء عندما حبلت به، لكنها كانت زوجة عندما ولدته". ويظن أن "أخوة الرب" هم أبناء العذراء مريم بحسب الجسد، وقد رفض جيروم فكر ترتليان هذا واستنكره قائلاً "أما عن ترتليان فليس لدى شيء أخر أقوله سوى انه لم يكن إنساناً من الكنيسة". كان ترتليان يرفض بدعة الدوسيتيين Docetes أو الظهوريين، وكان يظن أن القول بدوام بتولية العذراء ما هو إلا تأكيد على القول بأن جسد المسيح لم يكن جسداً بشرياً حقيقياً، وانه حبل به وولد فقط بحسب الظاهر. ومريم العذراء بالنسبة لترتليان هي حواء الثانية، فبينما كانت حواء الأولى لا تزال عذراء، تسللت كلمة الشرير إلى أذنيها ونتج عنها الموت، كذلك كان لابد أن كلمة الله يحل في نفس عذراء ليقيم الحياة، لكي ما أفسده هذا الجنس (المرأة) يخلص عن طريق هذا الجنس عينه أيضاً، وكما صدقت حواء الحية، كذلك أمنت مريم بما قاله لها الملاك. |
||||
21 - 05 - 2014, 03:28 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
التوبة 8) التوبة للعلامة ترتليان أهمية خاصة في شرح قوانين التوبة المسيحية الأولى، واستمر تأثيره لعدة قرون من الزمن، وكان أول كاتب يقدم لنا صورة واضحة عن إجراءات وشكل التوبة، وهو يؤكد أن هناك غفراناً ثانياً للخطية بعد المعمودية والذي به يعود الخاطئ إلى حالة النعمة مرة أخرى. وفي توبة الخاطئ تسنده الكنيسة بصلواتها، وكان ترتليان دائم التأكيد على أهمية هذا الملمح الجوهري في عملية التوبة، ويرى أن الخطوة الأخيرة في التوبة هي الحل الكنسي من الأب الأسقف الذي يملك أيضاً سلطان الحرمان، وبصفة عامة، أي إنسان خاطئ -حتى أردأ الخطاة- يمكن أن ينال المغفرة، ويفرق ترتليان بين الخطايا الجسدية والخطايا الروحية، أي بين الخطايا التي تقترف فعلاً وبين الخطايا التي يشتهيها الإنسان فقط، ويعلم ترتليان أن كلا النوعين يقع تحت دينونة الله، فقد قال رب المجد أنه ليس فقط الذي يزنى فعلاً هو فقط زاني بل والذي يشتهى أيضاً، لكن كل هذه التعديات يمكن أن تغفر. والله نفسه الذي وضع العقوبة والدينونة، هو نفسه يهب الغفران عن طريق التوبة "توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة" (حز 18: 30)،فالتوبة هي "الحياة". ولا يستقصى العلامة ترتليان أي خاطئ من نوال نعمة التوبة الثانية "السموات والملائكة تكون هناك، تفرح بتوبة الإنسان، آه أيها الخاطئ فلتفرح وتتهلل". وأيضاً يقدم أمثلة الدرهم المفقود والخروف الضال والابن الضال كتشبيهات توضح مدى فرح الله بالإنسان التائب، ويستشهد برؤيا يوحنا اللاهوتي والرسائل إلى الكنائس الخمس ويذكر خطايا كل منهم مؤكداً أن الروح القدس بالرغم من ذلك يهب هذه الكنائس فرصة للتوبة. ويؤكد ترتليان أن الاعتراف بالخطية يهونها، بقدر ما إن إخفائها يكبرها، لأن الاعتراف قرين الرضى، والخفاء هو قرين التمرد. ولكن لا يكفى فقط الإتيان بالتوبة داخل الضمير، بل يلزم أيضاً التعبير عنها بالعمل، هذا العمل يعبر عنه عادة بالاصطلاح اليوناني Eξομολγησισ أي "الاعتراف"، وبه نعترف بخطايانا للرب، ليس لأنه لا يعرفها بل لأجل أن ننال الرضى بالاعتراف، وبالاعتراف تنشأ التوبة، وبالتوبة نسكن غضب الله. فالاعتراف هو النظام الذي يلزم إنسان أن يسجد ويتضع إذ يفرض عليه حتى أسلوب لبسه وطعامه سلوكاً معيناً يجتذب إليه الرحمة.. لهذا حينما يضع الإنسان نفسه يرفعها الله، وحينما يتهمها، يبررها الله، وحينما يدينها، يحلها الله، و"بقدر ما ترفض أن تشفق على نفسك بقدر ما يشفق الله عليك". |
||||
21 - 05 - 2014, 03:30 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
الصلاة الربانية
عرض لكتاب "الصلاة" يؤكد ترتليان على تعليم الإنجيل بخصوص مبدأ الصلاة في الخفاء وأيضاً الثقة في أن الله ضابط الكل حاضر في كل مكان يرى ويسمع من صرخ إليه، ويعلم أننا يجب ألا نظن أننا نقترب من الله بكثرة الكلمات، ويشرح الصلاة الربانية التي يرى فيها خلاصة الإنجيل كله. أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك على الأرض ليأت ملكوتك خبزنا كفافنا أعطنا اليوم اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر، نحن أيضاً للمذنبين إلينا لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير خاتمة أبانا الذي في السموات تبدأ الصلاة بشهادة لله وأيضاً بجعالة للإيمان عندما نقول "أبانا الذي في السموات" لأن في قولنا هذا اعتراف بإيماننا بالله، وفيه أيضاً جعالة هذا الإيمان الذي هو استحقاقنا لنقول هذه المناداة، ومكتوب "أما كل الذي قلبوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12) وقد علم رب المجد يسوع كثيراً عن أبوة الله لنا بل وأعطانا وصية "لا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السموات" (مت 23: 9) فبهذه الصلاة نطيع الوصية. وقولنا "أبانا" يتضمن في وقت واحد واجب بنوى من أبناء نحو أبيهم وأيضاً شعور بمخافة ومهابة لله، وأيضاً في مناداتنا للآب ندعو الابن لأنه قال "أنا في الآب والآب فيَّ". ليتقدس اسمك اسم الله لم يعلن لأحد ولا حتى لموسى الذي سأله عنه (خر 3: 13-16) أما نحن فقد أعلنه لنا الله الابن إذ يقول "قد أتيت باسم أبى" (يو 5: 43) وبوضوح أكثر يقول "أنا أظهرت اسمك للناس" (يو 17: 6) لذلك نحن نصلى أن يتقدس هذا الاسم، وليس معنى هذا أننا نتمنى أن يصير اسم الله مقدساً، لانه هو مقدس بذاته، هو الذي يقوم حوله الشاروبيم قائلين "قدوس قدوس قدوس" بغير انقطاع، ومن المعروف أنه يليق بالله الصالحة للإنسان، وهذه الطلبة "ليتقدس اسمك" تعطى للإنسان بركة وتعده لشركة الملائكة وهو هنا على الأرض فيحفظ عن ظهر قلب تسبيحهم غير المنقطع "قدوس قدوس قدوس". وتعنى أيضاً هذه الطلبة عند ترتليان أن يتقدس هذا الاسم فينا لأننا نحن فيه، ويتقدس في كل إنسان لا يزال نعمة الله تنتظره، كي نطيع الوصية "صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 44) فنصلى حتى لأجل أعدائنا. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض بحسب ترتليان لا يعنى هذا أن هناك قوة تمنع تنفيذ مشيئة الله، لكن نحن نصلى لكي تكون مشيئة الله منفذة ومطاعة في الكل، ويفسر ترتليان هذه الآية تفسيراً رمزياً فالسماء هي الروح والأرض هي الجسد،وبذا يكون معنى الطلبة هو أن تكمل مشية الله في الروح كما في الجسد أيضاً. ومشيئة الله هي أن نسير بحسب وصاياه لذلك نحن نصلى ونتضرع إليه لكي يهبنا معونة وقدرة على تتميم مشيئته. وهناك أيضاً مشيئة الله التي تممها مخلصنا الصالح بكرازته وعمله وباحتماله، لأنه هو نفسه أعلن أنه لا يصنع مشيئته بل مشيئة الآب،لذلك من المؤكد أن كل ما صنعه كان مشيئة الله الآب، وهكذا نحن المسيحيين مدعوون الآن لنكرز ونعمل ونحتمل حتى الموت، ولكننا نحتاج لمشيئة الله لتتميم هذه الواجبات. وفى قولنا "لتكن مشيئة الله" نتمنى الخير لأنفسنا لأنه ليس هناك أي شر في مشيئة الله، وبهذه الصلاة ندرب أنفسنا على الصبر والاحتمال، فالمخلص نفسه عندما أراد أن يعلمنا عن ضعفات الجسد وحقيقة الألم قال "يا أبتاه إن شئت أن تجيز عنى هذه الكأس ولكن لتكن لا إرادتي أنا بل إرادتك" (لو 22:42) فسلم نفسه لمشيئة الآب ليعلمنا الصبر اللائق. ليأت ملكوتك يربط ترتليان بين "لتكن مشيئتك" وبين "ليأت ملكوتك" فالطلبة الأخيرة أيضاً تعنى "ليأت في داخلنا" إذ نطلب أن يأتي ملكوت الله في داخلنا. ويحث ترتليان قراءه على التضرع لأجل مجيء الملكوت سريعاً، ويذكر نفوس الشهداء الأبرار التي تصرخ من تحت المذبح إلى الرب تطلب الانتقام من الساكنين على الأرض (رؤ 6: 10) ويرى أنها لا تطلب الانتقام إلا لأنه مرتبط بالطبع بنهاية الدهر ومجيء الملكوت. ففي الصلاة الربانية نطلب مجيء الملكوت الذي لأجله نتألم ونصلى ونصبر. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم رتبت الحكمة الإلهية الصلاة ترتيباً رائعاً، فبعد الأمور السمائية "اسم" الله، ومشيئة "الله" و"ملكوت" الله، تفسح مكاناً للاحتياجات الأرضية لأن الرب قال "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33). ثم يفسر ترتليان هذه الطلبة تفسيراً روحياً، فيقول أن المسيح هو خبزنا، لأنه هو الحياة، والخبز هو الحياة، وهو نفسه قد قال " أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 35) و"لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعلم" (يو 6: 33)، وهو يقدم لنا جسده أيضاً في صورة خبز "هذا هو جسدي" (مت 26: 26) وهكذا عندما نطلب "خبزنا كفافنا" إنما نطلب أن نسكن ونثبت دوماً في المسيح ونتحدى مع جسده. اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا من المناسب بعد التأمل في قدرة الله الكلية أن نتوسل بعد ذلك إلى مراحمه ورأفاته فنقول "اغفر لنا ذنوبنا" ويرى ترتليان أنها طلبة للمغفرة مليئة بالاعتراف، لأن من يطلب الغفران إنما يعترف بالذنب اعترافاً تاماً. وهذه هى التوبة التي ترضى الله ويفضلها عن الموت الخاطئ، ويذكر ترتليان هنا مثل العبد الذي تحنن عليه سيده وأطلقه وترك له دينه، أما هو فلم يرحم رفيقه، لذلك سلمه سيده إلى المعذبين حتى يوفى كل ما كان عليه (مت 18: 21)،كما يذكر إجابة الرب على بطرس عندما سأله هل يغفر لأخيه سبع مرات: "لا أقول إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 21 - 22). لا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير من أجل تكملة هذه الصلاة القصيرة، أضاف رب المجد "لا تدخلنا في تجربة" لكي لا يكون قد طلب فقط لأجل مغفرة الخطايا التي اقترفت فعلاً، بل وأيضاً لأجل الهروب والنجاة من احتمالات الخطية. واهتم ترتليان في شرحه لهذه الآية أن يوضح أننا نطلب ألا ندخل في تجربة على يد الشرير المجرب، لكن هذا لا يعنى أن الرب يجرب كما لو كان يجهل إيمان الناس أو يريد سقوطهم، وعندما أمر الله إبراهيم أن يقدم ابنه إسحق ذبيحة، لم يكن ذلك لكي يجربه، بل يثبت إيمانه، ولكي يقدم لنا فيه مثالاً لتلك الوصية التي تعلمنا ألا نخضع لأي عواطف أو مشاعر أقوى من محبتنا لله، ونتفق صلاتنا هذه مع قول الرب "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (لو 12:40). خاتمة فى ملخص قليل الكلمات هكذا، اجتمعت أقوال الأنبياء وأناجيل الرسل وعظات وأمثال الرب، وتحقق العديد من الوصايا: تكريم وتوقير الله في "أبانا" شهادة الإيمان في "أسمك" تقديم الطاعة في "مشيئتك" تذكر الرجاء في "ملكوتك" طلب الحياة في "خبزنا" الاعتراف الكامل بالذنوب في "اغفر" الخوف من الدخول في تجارب "لا تدخلنا" ويقول ترتليان: "أي عجب في هذا؟ فالله وحده يمكنه أن يعرف كيف يريد أن يصلى إليه الإنسان". |
||||
21 - 05 - 2014, 03:33 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
ذبيحة الصلاة الصلاة هي الذبيحة الروحية التي أبطلت كل الذبائح القديمة (لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب، اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما اسر، حينما تأتون إلى لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم؟) (أش 11:1) إذا ما يطلبه الله يوصينا به الإنجيل (تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا) (يو 23:4-24). فنحن العابدين الحقيقيين الذين نصلى بالروح نقدم الصلاة التي يسميها ترتليان (ذبيحة روحية لائقة بالله)، مكرسة من كل القلب، مليئة بالإيمان، كاملة في النقاوة، طاهرة عفيفة، متوجة بإكليل المحبة، لكن يجب أن تتلازم الأعمال الصالحة مع ترتيل المزامير والتسابيح لننال كل الأشياء من الله. ويعقد ترتليان مقارنة بين الصلاة في العهد القديم والصلاة في العهد الجديد، ففي العهد القديم كانت الصلاة تحرر من النار (دا 3) ومن الوحش (دا 6) ومن المجاعة (1مل 18) ومع ذلك لم تكن قد أخذت شكلها وصبغتها النهائية من المسيح (كما هو الحال مع الصلاة الربانية) فكم بالأحرى جداً الصلاة المسيحية, فهي لا تأتى بالملاك وسط النيران ولا تسد أفواه الأسود ولا تعطى للجوعى خبز شعير (2مل 4:4-44) لكنها تهب صبراً وقدرة على احتمال الألم والأحزان. في الأيام السابقة كانت الصلاة أيضاً تجلب الأوبئة وتشتت جيوش الأعداء، أما الآن فصلاة البر ترفع غضب الله، وتطلب لأجل الأعداء ولأجل المضطهدين،ويقول ترتليان (هل من العجب أن الصلاة تنزل أمطار السماء وقد أنزلت يوماً نيرانها؟). إن الصلاة هي الوحيدة التي تصارع الله (مثل صراع يعقوب مع الله)، لكن مخلصنا أراد ألا تكون الصلاة لأجل الشر، بل وهبها كل قدرتها لأجل فعل الصلاح. ويلخص ترتليان عمل الصلاة فيقول أن الصلاة تسترد النفوس التي ذهبت في طريق الموت، تقوى الضعيف، تشفى المريض، تطهر من تتسلط عليهم الأرواح النجسة، تفتح قضبان السجن، تفك قيود البريء، وأيضاً تغسل الخطايا، ترد التجارب، تطفئ الاضطهاد، تبطل الظلم، تعزى صغار النفوس، تحمى المسافرين، تهدئ الأمواج، تغذى الفقير، تقيم الساقط وتسند من سيسقط وتثبت القائم، فهي درع الإيمان ضد العدو الذي يراقبنا من كل ناحية، لذلك لابد أن نتسلح بسلاح الصلاة بالنهار والليل حافظين على الدوام قوام جنديتنا بأسلحة الصلاة. ويختم ترتليان كتابه عن الصلاة بقوله: (كل مخلوق يصلى: الملائكة يصلون، وحتى بهائم الحقل ووحوش الغابة تصلى وتحنى الركب حينما تخرج من أوجارها ومغائرها، ثم تنظر إلى السماء وهى مبتهجة، ليس بأفواه صامته بل كل واحد منها يخرج صوته برعشة ريح زفيره حسب ما وهب من صوت، وحتى طيور السماء حينما تغادر أوكارها ترتفع نحو السماء باسطة أجنحتها كشبه صليب في السماء وهى تخرج من حناجرها ما يمكن أن يكون صلاة.. وماذا يمكن أن يكون أكثر من هذا ليشعرنا بأهمية الصلاة؟ الرب نفسه صلى! هذا الذي له القوة والكرامة والمجد إلى أبد الدهور كلها آمين). |
||||
21 - 05 - 2014, 03:33 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
إلى الشهداء يخاطب ترتليان المعترفين المسجونين استعداداً لنوال إكليل الاستشهاد، ويقول لهم أنه بجانب المعونة التي تقدمها لهم أمهم الكنيسة وأخوتهم وخدمتهم لاحتياجاتهم الجسدية، يريد هو أيضاً أن يقدم بعض المساهمة لأجل مساندتهم روحياً، لأنه ليس حسناً أن الجسد يطعم بينما الروح تتضور جوعاً، وباتضاع يقول لهم العلامة ترتليان أن هذا لا يعنى انه سيعلمهم، بل كمثل المراقبين والمدربين الذين يحمسون المصارعين، وأحياناً تأتى من المشاهدين العاديين أفضل النصائح. ويوصيهم أولاً وقبل كل شيء ألا يحزنوا الروح القدس الذي دخل السجن معهم، لأنه لو لم يكن قد دخل معهم السجن، لما كانوا هم مسجونين فيه الآن، لذلك يحثهم على بذل كل جهد كي لا يحزنوا الروح، وأن يتركوه يقودهم إلى حيث ربنا. ويعتبر العلامة الأفريقي أن السجن هو مسكن الشيطان حيث تقيم أسرته، لكن الشهداء دخلوه لكي يزعزعوا هذا الشرير ويهزموه في مسكنه، أي في عقر داره، وكما هزموه خارج السجن كذلك يجب ألا يعطوه أي فرصة ليقول إنهم الآن في قبضتي وسوف أجربهم برذيلة الكراهية والبغضة، وبالاختلاف وعدم الإنفاق بينهم) لذلك يجب أن يقاومه الشهداء فيهرب من أمامهم ويغرق في هاويته، ويؤكد عليهم ترتليان ألا يجعلوه ينجح في سعيه لصنع الخلاف فيما بينهم وإبعاد روح الوحدة من وسطهم، بل يتسلحوا ضد بالاتفاق والوحدة، (لأن السلام فيما بينكم هو حرب ضد الشيطان). يعلمهم ترتليان أيضاً ألا ينزعجوا لكونهم انفصلوا عن العالم، ويعقد مقارنه بين العالم والسجن فيقول أنهم خرجوا من السجن بدلاً من أن يدخلوه، فالعالم فيه ظلمه أعظم من ظلمة السجن تعمى قلوب الناس، العالم يقيد الإنسان بأثقل القيود، العالم ملئ بأردأ الأدناس أي الشهوات والأهواء، العالم يضم عدداً أكبر من المجرمين، وأخيراً العالم ينتظر قضاء الله وليس قضاء الحاكم. لذلك يجب أن يعتبر هؤلاء الشهداء أنهم قد انتقلوا من السجن إلى مكان آمن أي من العالم إلى الفردوس، وإن كان سجنهم مظلم، لكنهم هم أنفسهم نور، إن كان به قيود، لكن الله حررهم، إن كان به روائح كريهة، لكنهم هو أنفسهم رائحة حلوة، إن كانوا في السجن ينتظرون يومياً مجي القاضي، لكنهم سيدينون القضاة أنفسهم. ويستطرد ترتليان أنه ربما يكون منهم من حزن وتحسر واشتاق لمباهج العالم ومسراته، ولكن المسيحي الحقيقي قد جحد العالم، أما في السجن فقد جحد سجناً أيضاً، ولا يهم في أي مكان في العالم يكون المسيحي لأنه ليس من هذا العالم، وإذا فقد بعض من مسرات الحياة، فلابد أن يعرف أن هذه هي التجارة الصحيحة أي أن يكون هناك خسارة خاضرة كي يكون الربح فيما بعد أعظم. ويبين ترتليان فائدة السجن ونفعه للإنسان المسيحي، ففيه ليست هناك ضرورة لأن ينظر الإنسان لآلهة غريبة، ولا لرؤية صورهم، ولا للاشتراك في الأعياد الوثنية، ولا ينزعج من روائح الاحتفالات الوثنية، ولا تؤلمه ضوضاء العرض والمسرحيات العامة ولا جنون المحتفلين، ففي السجن يكون الإنسان حراً من أسباب الخطية، من التجارب، ومن الذكريات الدنسة، فالسجن للمسيحي مثل البرية للنبي،وربنا نفسه كان يقضى الكثير من وقته في خلوة كي تكون له حرية أكثر للصلاة، وأيضاً في خلوة وعلى جبل أظهر مجده لتلاميذه (التجلي) لذلك كان يدعوهم ترتليان ألا يسمونه (سجناً) بل (مكان للراحة والخلوة)، فرغم أن الجسد مسجون، إلا أن كل الأمور متاحة للنفس، وكلما سارت النفس في الطريق المؤدية لله، كلما كانت خارج القيود، فالقدم لا تشعر بالقيود متى كان العقل في السموات. ويشبه ترتليان الإنسان المسيحي بالجندي، ويقول أن الجندي لا يخرج إلى القتال من حجرته المريحة، بل ينام في الخيام الضيقة حيث لابد أن يكون فيها كل نوع من القسوة والشدة والضيق، بل وحتى في أزمنة السلم، يتدرب الجنود على الحرب بالأعمال الشاقة والحياة في ظروف صعبة، والغرض من هذه الأتعاب هو أن لا تجد الأجساد أو الأذهان صعوبة عندما تضطر للانتقال من الظل إلى الشمس، أو من دفء الشمس إلى البرد (بالمثل أيها المباركون، احسبوا كل شدة وضيقة تمر بكم أنها تدريب وتلمذة لقوى ذهنكم وجسدكم، فأنتم ستجتازون جهاداً نبيلاً، فيه الله هو المراقب والناظر، وفيه الروح القدس هو مدربكم، وفيه الجعالة إكليل أبدى من جوهر ملائكي، مواطنة في السماء ومجد أبدى، لذلك رأى سيدكم يسوع المسيح الذي مسحكم بروحه وقادكم إلى ساحة القتال، انه حسناً -قبل يوم القتال- أن ينقلكم من الظروف المريحة إلى حياة صعبة كي تزداد قدرتكم). وهكذا ينظر ترتليان إلى السجن باعتباره مكاناً للتدريب، فالمصارعون أيضاً يعزلون في تدريب خاص كي تبنى قواهم الجسدية ويبعدون عن كل ترف وترفيه، وكلما ازداد الأمل في انتصارهم، كذلك الحال مع الإنسان المسيحي لأن الفضيلة تبنى بالأتعاب. يقول ربنا (أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف) (مت41:26) لكن ألا نخطئ في فهم هذا القول بضعف الجسد ونستسلم لراحة خاطئة، لأنه قال أولاً أن الروح نشيط كي يظهر أياً من الاثنين يجب أن يخضع للآخر، فالجسد يجب أن يطيع الروح، الضعيف يطيع الأقوى وينال منه قوة. ربما يخاف الجسد من السيف الذي لا يرحم، ومن الصليب المرفوع عالياً، ومن غضب وشراسة الوحوش المفترسة، من ألسنة النار الملتهبة، من العذابات البشعة ومن مهارة الجلادين في التعذيب، لكن من الناحية الأخرى، فلتضع الروح أمامها هي والجسد كيف أن هذه الأمور رغم أنها مؤلمة للغاية إلا أن كثيرين من أهل العالم احتملوها واشتاقوا إليها لا لشيء إلا لتحقيق شهرة أو نوال مجد، ليس فقط من الرجل بل ومن النساء أيضاً، ثم يورد ترتليان أمثلة لهؤلاء الذين ضحوا بحياتهم لأجل أموراً فانية. |
||||
21 - 05 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
الصبر كان ترتليان يهتم بصفة خاصة بفضيلة الصبر، ولذا أفرد لها كتاباً كاملاً (عن الصبر) الذي شرح فيه أن الصبر عند الإنسان المسيحي هو تهذيب سمائي للنفس البشرية. ويقدم ترتليان لنا رب المجد كنموذج فريد للصبر، فقد قبل أن يولد وانتظر مدة الحمل في بطن أمه واحتمل النمو التدريجي بصبر، وبعدما تقدم في القامة لم يسرع ويعلن عن نفسه، وأطال أناته على الخطاة الذين أساؤا إليه ولم يستفيدوا من لطفه وصبره، كما أن كرازته تبين كيف انه اظهر تواضعاً واحتمالاً في السعي وراء الخطاة وزيارتهم في بيوتهم وغسل أقدامهم، بل انه لم يتحامل على المدينة التي رفضت دعوته بينما أراد التلاميذ أن تنزل نار من السماء لتهلكها، ولم يستنكف أن يبقى معه يهوذا الخائن الذي أسلمه، ولكن لم يحتمل صبر الرب اندفاع بطرس حينما قطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة فتقدم برحمته وشفاه، ثم بصبر عظيم جداً احتمل الضرب والإهانة والبصق. وبحسب هذا العلامة الإفريقي، كل من يريد الإقتداء بالرب والخضوع لمشيئته، عليه أن يجتهد في الصبر، ليس لأننا نخشى قسوته وعقابه وبل لأننا بالأكثر نترجى صلاحه. أما رذيلة عدم الصبر فهي -بحسب ترتليان- من الشيطان، الذي لم يحتمل منذ البدء أن يرى الإنسان، وقد أعطاه الله السلطان على كل خلائقه ليخضعها ويتسلط عليها، فحزن وغضب وازداد بُغضاً للإنسان، ومنذ ذاك الحين وهو عدو الإنسان الأول، وأخذ يستخدم سلاح عدو الصبر ليوقع به الإنسان كي ينحرف ويخطئ، ولو كانت حواء قد تمسكت بالصبر إلى المنتهى ما كانت سقطت قط، ولو كانت صبرت بعد أن أكلت ولم تغوى آدم لما سقط هو الأخر وقايين ابنهما لو كان احتمل بتعقل وبصبر رفض الرب لتقدمته لما قتل أخاه. ويرى ترتليان أن عدم الصبر هو السبب الأول وراء سائر الخطايا، فالشر هو عدم الصبر للخير، وكل عدم حياء هو عدم صبر للحياء، وكل عدم أمانة هو عدم صبر للأمانة، وكل فجور هو عدم صبر للتقوى، وكل قلق هو عدم صبر للهدوء، وأي إنسان يرتكب جريمة بدافع العداوة أو بغرض مكسب ما، لابد أنه كان يفتقر إلى الصبر لمقاومة الغضب أو الشهوة، ومهما تكن الدوافع الشريرة فإنها لا يمكن أن تنتج أثاراً رديئة إن كنا نقاومها بصبر. ويرجع ترتليان خطايا بنى إسرائيل إلى افتقارهم للصبر، فقد نسوا ذراع الله القوية وطلبوا من هارون آلهة ليعبدوها لأنهم لم يصبروا على غياب موسى في لقائه مع الرب، وتذمروا على الرب رغم نزول المن لإطعامهم وتفجر المياه من الصخرة لأنهم لم يصبروا أو يحتملوا العطش لمدة ثلاثة أيام، ورفعوا أياديهم على الأنبياء إذ لم يصبروا على طاعتهم، ثم على الرب نفسه إذ لم يصبروا على رؤيته، ولو كان لهم الصبر لخلصوا. ويربط ترتليان بين الصبر والإيمان، فإبراهيم آمن بالله وحسب له براً، ولكن صبره استعلن بالإيمان عندما قبل أمر الله أن يذبح ابنه، وأطاع بصبر ولذلك باركه الله لأنه كان صبوراً، فاستنار إبراهيم بالصبر والإيمان وتباركت الأمم بنسله أي بالمسيح، ويشير ترتليان إلى وصية العهد القديم (عين بعين وسن بسن) ويشرح أن الشر كان يرد بالشر لأن الصبر لم يكن موجوداً بعد على الأرض، أما الآن فيجب أن ننظر إلى صبر المسيح ولنعلم أن وصية المحبة هي أساس منهج الصبر كله. ويتحدث ترتليان عن خبرة الصبر في حياة الإنسان اليومية، وعن حزن الإنسان متى فقد ميراث من أبائه، رغم أن الكتاب المقدس يطلب منا في كل صفحة تقريباً أن نحتقر أباطيل الدهر الحاضر،بل وجاء الرب نفسه مثالاً لنا فعاش متجرداً من كل شيء، ولكي يعيننا على فقدان الخيرات بصبر، دعانا إلى حياة الفقر والكفاف، وفي الواقع نحن لا نملك شيئاً على الأرض بل نحن وكلاء فقط على ما لنا، فإن كنا نحزن على فقداننا ما ليس لنا، نكون بذلك نشتهى ما لا يخصنا. ومن يغضب لأنه لم يحتمل بصبر خسارة ما أنما يخطئ مباشرة إلى الله، وهنا يدعو ترتليان القارئ للتأمل في الخيرات التي من فوق لأن اقتناء الصبر لا يقدر بالدهر الحاضر كله وما فيه، ويتساءل عن كيف يمكن للإنسان الذي لا يحتمل بصبر خسارة نجمت عن سرقة أو إهمال أن يقدم الصبر من تلقاء ذاته وبلا تردد، لأنه إن كان الإنسان لا يحتمل قط أن يجرحه الآخر، فهل سيرفع المشرط ويجرح نفسه؟ ويعتبر العلامة ترتليان أن الصبر مدرسة لتعليم الرحمة، فالمرء يسهل عليه أن يعطى حينما لا يخشى أن يفقد وإلا كيف سيطيع الوصية (من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك اترك له الرداء أيضاً)؟ يجب أن يتحلى خادم خادم المسيح بالصبر لأنه مدعو لاحتمال الكثير لأجل الله، وإن أحد باعتداء ما يجب أن يتذكر وصية الرب (من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً) لأن صبره ينبغي أن يتغلب على ميله للشر. كذلك عند فقد الأقرباء والأحباء يجب ألا يستسلم الإنسان للحزن كوصية الرسول (لا تخزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم) إذ بقيامة المسيح نؤمن أيضاً بقيامتنا التي من أجلها مات وقام، فليس هناك ما يدعو للحزن لأننا متيقنون من قيامة الأموات، وليس م يدعو لعدم الصبر على الحزن إن كنا نؤمن أن من غاب عنا لم يهلك، إذ ليس هو موت بل انتقال. ويكشف ترتليان عن أحد الأضرار الأخرى لعدم الصبر وهو الرغبة في الانتقام، وكثيراً ما يجترئ المنتقم على الرب ويصمم على مضاعفة الشر ليثبت تفوقه على خصمه، لكن الوصية تأمرنا بعدم مقابلة الشر بالشر مطلقاً لأن الأعمال المتشابهة تستحق مجازاة متشابهة، وكيف يقدم الإنسان كرامته للرب ذبيحة، إن كان يدعى إمكانية الانتقام لنفسه بذاته. وعندما يوصى الرب (لا تدينوا لكي لا تدانوا) إنما يطلب منا الصبر لأنه من ذا الذي يتجنب إدانة الآخرين إلا من لديه صبراً ليتخلى عن الانتقام؟ أما من يدين غيره فقد وضع نفسه مكان الله الذي له وحده حق الدينونة. إن تطويب الرب (طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات) إنما يخص الصابرين، إذ لن يكون مسكيناً بالروح إلا من كان متضعاً، ولن يكون متضعاً إلا من يحتمل بصبر التنازل عن حقه أو يرضى بسرور إنكار ذاته. ويطوب ترتليان هؤلاء الذين يذرفون الدموع في أحزانهم، ولذلك تعطى لهم وعود بالتعزية والفرح، ويتساءل عمن يستطيع أن يحتمل ثقل التجارب بدون صبر؟ (طوبى للودعاء) (طوبى لصانعي السلام) تنطق على الصابرين، لأنه لا يمكن أن يكون لغير الصابرين ميل للسلام، والرب عندما يقول (افرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات لأنهم هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم) لا يعد بهذه الجعالة لم لا يصبرون، لأنه ليس من يفرح بهذا الألم إلا من يستهين به وليس من يستهين به إلا من قد اقتنى الصبر. وكيف يتمم الإنسان الوصية (اغفروا يغفر لكم) إن كان بسبب عدم الصبر يظل أسيراً لتذكر إساءة ما؟ ومن ذا الذي يغضب على أخيه ولا يضع قربانه على المذبح إلى أن يجد الصبر ويتصالح مع أخيه؟ وكيف نتمم الوصية (لا تغرب الشمس على غيظكم)؟ إذاً غير مسموح لنا أن نظل ولو يوماً واحداً بدون فضيلة الصبر. والصبر فضيلة يشترك فيها جميع السالكين في طريق الخلاص وهو يساعد على التوبة إذ ينتظر ويترجى ويطلب الخلاص لأولئك المجاهدين يوماً فيوماً في حياة التوبة، وفي نماذج التوبة التي قدمها الرب تتضح أهمية الصبر، فالراعي يبحث بصبر ويجد في طلب الخروف الضال، وبينما لا يهتم عديم الصبر كثيراً بخروف واحد مفقود، يحتمل الصبر الألم في البحث عنه حتى يجده ويحمله على منكبيه، وهذا هو أيضاً صبر الأب الذي يستقبل ابنه الذي ضل حتى يرجع ويلبسه ويغذيه ويلتمس له العذر لدى أخيه عديم الصبر والذي احتد غضبه عليه. والمحبة التي هي رباط الكمال وكنز المسيحيين لا تقوم إلا على أساس الصبر، والرسول يقول (المحبة تتأنى) وهذه الأناة تستمدها من الصبر، والرسول يقول (المحبة تتأنى) وهذه الأناة تستمدها من الصبر، والمحبة (لا تحسد) والحسد هو صفة عدم الصبر، وهى (لا تتفاخر) إذ قد نالت اتضاعاً لما لها من صبر، وهى (لا تنتفخ ولا تقبح) إذ أن هذا ليس من الصبر في شيء، وهى (ولا تطلب ما لنفسها) بل تقبله بقدر ما ينبغي أن تكون نافعة للآخرين بصبر، وهى (لا تحتد) لأن الاحتداد هو عدم الصبر عينه (المحبة تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء)، فلأن لها صبر، لذلك (لا تسقط أبداً)، كل ما عداها سيبطل، أما الإيمان والرجاء والمحبة فستبقى: الإيمان الذي وصله صبر المسيح الرجاء الذي ينتظره صبر الإنسان والمحبة التي يلازمها الصبر. وكما تحدث ترتليان عن صبر النفس، يتحدث عن صبر الجسد، ويأتي هذا من معاناة الضيقات التي من أجل الرب في جهاد الصدقات والأصوام والصلوات، الأمر الذي يجعل الله يميل أذنه ويطيل أناته علينا، فقد عاش ملك بابل سبع سنوات محروماً من آدميته كالحيوانات، ولما قدم ذبيحة صبر جسده استعاد عرشه وارضى الله بذلك. إنه الصبر الذي يعين على ضبط الجسد ويعزى وحدة الأرملة ويختم على عفة العذراء ويرفع نفوس الذين خصوا أنفسهم لأجل الملكوت. ولأنه كان يعيش في زمان الاضطهادات، لذلك يربط ترتليان بين الصبر والاستشهاد، فمعونة الصبر هي التي جعلت الأنبياء والرسل يغلبون الضربات والنار والوحوش والسيف، وبقوة الصبر جاز إشعياء المنشار واحتمل استفانوس رجم الحجارة. ويلخص ترتليان عمل الصبر، فهو يقوى الإيمان وينشر السلام، ويضبط الجسد ويضمد الجروح ويحفظ اللسان، ويأخذ باليد، ويهزأ بالتجارب ويزيل العثرات ويتوج الشهداء، إنه يعزى المسكين ويحكم الغنى ويهدئ المريض ويحفظ القائم ويفرح المؤمن ويجتذب الوثني ويوصى السيد على عبيده، أننا نحبه لدى الطفل ونمتدحه لدى الشاب ونحترمه لدى الشيخ. |
||||
21 - 05 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 19 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
اللاهوت والفلسفة بينما امتدح كلمنضس السكندري كثيراً مفكري اليونان، واعتبر انه كما الناموس لليهود، كذلك الفلاسفة للوثنيين، يؤمن ترتليان على العكس من ذلك بأنه ليس هناك أي شيء مشترك بين الفلسفة والإيمان: (ما علاقة أثينا بأورشليم؟ أي اتفاق بين الأكاديمية وبين الكنيسة؟ أو بين الهراطقة وبين المسيحيين؟) (50). ويرى انه يجب أن تبعد كل حكمة بشرية بعيداً عن الكنيسة لأنها (تدعى أنها تعرف الحق بينما هي فقط تفسده) (51). ويقول: (أهناك أي تشابه بين المسيحي والفيلسوف؟ بين تلميذ اليونان وتلميذ السماء؟ بين من يسعى للشهرة ومن يسعى للحياة؟ بين من يتكلم ومن يعمل؟ بين من يبنى ومن يهدم؟ بين الصديق وبين العدو المخطئ؟ بين من يفسد الحق وبين من يسترجعه وعلمه؟) (52). وحتى سقراط الذي كان القديس يوستين يسميه (مسيحي) ليس بالنسبة لترتليان إلا (مفسد للشباب) (53). ومن ناحية أخرى رأى أن الفكر الوثني كان فيه لمحات من الحق: (لن ننكر بالطبع أن الفلاسفة قد فكروا أحياناً نفس التفكير مثلنا) (54). وفى الواقع لا يمكن الاستهانة بتأثير الفلاسفة الرواقيين Stoics على العلامة ترتليان، فمفهومه عن الله وعن النفس والكثير من مبادئه الأخلاقية يشهد لاعتماده على تعاليمهم. وعندما يتحدث عن بعض التشبيهات بين عقائد الكنيسة وأفكار الفلاسفة الوثنين، يحرص ترتليان على أن يؤكد أن هؤلاء الفلاسفة قد سرقوها من العهد القديم والذي يخص المسيحيين كمصدر من مصادر الاستعلان، والمفكرون والفلاسفة القدماء لم يفعلوا شيئاً إلا تشويه الحقائق المسلمة من الله، وهكذا صاروا مؤسسين للهرطقات فهم (آباء الهراطقة) (55). |
||||
21 - 05 - 2014, 03:36 PM | رقم المشاركة : ( 20 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب العلامة ترتليان، من آباء أفريقيا
اللاهوت والقانون
إذ كان ترتليان محامياً لذا كانت ثقته في القانون أكثر منها في الفلسفة، فالقانون وتطبيقاته هو ما كان يطلبه من المضطهدين، والقانون هو الذي ساعده في كتابة دفاعه عن الكنيسة، وأمده بالبراهين والحجج ضد الهراطقة، فالشريعة المكتوبة -بحسب ترتليان- تجعل مناقشة الهراطقة أمراً غير ضروري لأن عليهم يقع عبء إثبات أقوالهم لأنهم هم مدعوها الذين ابتكروا أمورا جديدة (56). كما أوحى إليه القانون بالعديد من المفاهيم والتشبيهات والمصطلحات التي أدخلها في علم اللاهوت ولا تزال مستخدمة حتى اليوم، وأيضاً سادت رؤيته القانونية في شرحه للعلاقة بين الله والإنسان، فالله هو معطى الشريعة (57)، وهو الديان الذي يطبقها (58)، والإنجيل هو قانون المسيحيين (59)، والخطية هي كسر هذا القانون والخروج عنه، وهى لذلك إساءة لله (60)، وفعل الصلاح هو مرضاة الله (61)، لأن الله يوصينا به، ومخافة الله معطى القانون والديان هي بداية الخلاص (62)، والله يسر بفضيلة الإنسان (63)، ويستخدم ترتليان الكلمات (دين، رضى، تعويض، تكفير) كثيرا في كتاباته. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
العلامة ترتليان - من آباء افريقيا - القمص أثناسيوس فهمي جورج |
العلامة ترتليان (ترتليانوس) |
كتاباته: الأعمال الدفاعية العلامة ترتليان |
سيرة العلامة ترتليان |
ترتليان العلامة والاستشهاد |