13 - 03 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 161 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
تنبأ من هو الذي ضربك؟ "تنبأ من هو الذي ضربك؟" (لو22: 64) بعد القبض على السيد المسيح "أخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة.. والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه. وغطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين تنبأ. من هو الذي ضربك؟ وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدِّفين" (لو22: 54، 63-65). لقد علم اليهود أن السيد المسيح قد عومل من الشعب كنبي عظيم وذلك حينما سمع الشعب تعاليمه وأبصروا معجزاته وقالوا: "قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" (لو7: 16). وبالتدريج بدأ الذين آمنوا به يدركون أن هذا هو المسيح الذي تنبأ وكتب عنه موسى النبي وسائر الأنبياء. وكذلك بدأ تلاميذه يدركون أنه هو ابن الله الحي. وكان ذلك بإعلان من الآب السماوي في قلوب التلاميذ وعقولهم، حسب الاعتراف المشهور "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت16: 16). ولكن عبارة "قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه" كانت تزعج رؤساء كهنة اليهود والكتبة والفريسيين، الذين لم يؤمنوا بالمسيح بل قاوموا رسالته. وكانوا دائمًا يحاولون أن يثبتوا للشعب أن ما فهموه عن السيد المسيح ليس حقيقيًا، وأنه ليس نبيٌ بل مضل، وليس هو المسيح إذ قالوا:"ألعل المسيح من الجليل يأتي" (يو7: 41)، وليس هو ابن الله "فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه معادلًا نفسه بالله" (يو5: 18). وقد تنبأ السيد المسيح عن قيامته من الأموات في اليوم الثالث وكان اليهود يخشون من إتمام هذه النبوة. ولذلك فبعد موت السيد المسيح على الصليب "اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ليلًا ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (مت27: 62-64). وقد اختار اليهود أن يموت السيد المسيح مصلوبًا، وذلك لكي يثبتوا للشعب أنه ليس نبيٌ وليس هو المسيح ابن الله. وذلك لأنه مكتوب في سفر التثنية أن "المعلق (على خشبة) ملعون من الله" (تث21: 23). وقد تصوروا أنه بتعليق السيد المسيح وقتله على الصليب يكون الدليل والإثبات قد تم بأنه مضل ومرفوض من الله، كقول إشعياء النبي "ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا. وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا" (إش53: 4، 5). وقد شرح معلمنا بولس الرسول هذا الأمر. فقال: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا. لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة" (غل3: 13). إذن السيد المسيح لم يحمل لعنة شخصية، بل حمل لعنة خطايانا ومحاها بالصليب. وبقيامته من الأموات أظهر الله أنه قد محا هذه اللعنة. لأن القيامة قد محت الموت الذي في الصليب. فالمسيح له المجد بموته داس الموت. لقد دفع السيد المسيح الدين الذي على البشرية، وأوفى العدل الإلهي حقه. وبهذا رفع اللعنة التي استوجبناها على أنفسنا بسبب خطايانا. في اتضاعه العجيب قبل أن يصير لعنة لأجلنا، وأن يحسب خطية "جعل الذي لم يعرف خطية -خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كو5: 21)،أي أنه حمل اللعنة التي لنا، وحمل خطايانا في جسده على الصليب. وبهذا جُعل خطية لأجلنا: أي حُسب خطية وهو لم يعرف خطية على الإطلاق. وحينما قُبِضَ على السيد المسيح أراد الرجال الذين كانوا ضابطين له أن يثبتوا أنه ليس نبيٌ كما قيل عنه. ولذلك غطوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه قائلين: تنبأ من هو الذي ضربك واعتبروا أنه إذا لم يجاوبهم ولم يذكر لهم من هو الذي ضربه فبهذا لا يكون قد تنبأ ولا تنطبق عليه صفة النبوة. وقد نسى هؤلاء المساكين ما هو مكتوب عن السيد المسيح: "أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيي بكلمة. يوقظ كل صباح.. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين. وجهي لم أستر عن العار والبصق. والسيد الرب يعينني لذلك لا أخجل. لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت أنى لا أخزى" (إش50: 4، 6، 7). كانوا يتممون النبوات المذكورة عنه، وهم يحاولون أن يثبتوا عكس ذلك. لأن نظرتهم كانت قاصرة ولم يضعوا قلوبهم لفهم الكتب المقدسة. أما السيد المسيح فبعد قيامته من الأموات وظهوره لتلاميذه قال لهم: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم، أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 44، 45) هذه هي طريقة الرب الإعجازية في أن يترك الخصوم يفعلون ما يريدون، وهم في الوقت نفسه يثبتون صدق كلامه ومواعيده. فليس العجيب هو أن يتمم الأصدقاء مقاصده بل أن يتممها الأعداء والمسيئون. وهكذا بالاتضاع أحضر السيد المسيح الحق إلى النصرة. وأظهره بكل وضوح. أرادوا أن يثبتوا أن السيد المسيح لم يكن نبيًا، فأثبت لهم السيد المسيح أن الشهادة لاسمه هي روح النبوة. وأن جميع الأنبياء قد تنبأوا عن مجيئه وعن الخلاص الذي صنعه لأجلنا. تنبأوا عن تجسده العجيب من العذراء مريم، وعن ميلاده في بيت لحم اليهودية، وعن هروبه إلى مصر من وجه هيرودس الملك وعودته منها، وعن نشأته في الناصرة، وعن نزوله في مياه الأردن، وعن تعليمه، وعن معجزاته، وعن تلاميذه، وعن التآمر عليه، وعن خيانة تلميذه الإسخريوطي، وعن محاكمته، وعن آلامه، وعن صلبه، وعن قيامته، وعن صعوده إلى السماوات، وعن مجيئه الثاني وملكوته الأبدي. لا يوجد شيء في حياة السيد المسيح لم يتكلم عنه الأنبياء لأن الرب قد أعد لنا خلاصًا عظيمًا بهذا المقدار. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 162 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الذي بجلدته شفيتم لم يكن جلد السيد المسيح جلدًا عاديًا، بل كان جلدًا على الطريقة الرومانية ويسمى عقوبة نصف الموت. كان الكرباج الروماني مكونًا من يد وثلاثة سيور من عصب البقر مثبتًا في طرف كل سير منها قطعتين من المعدن أو من عظام الحيوانات. وقد أثبت العلماء الذين فحصوا كفن السيد المسيح أن الجلد قد تم بهذا الأسلوب بواسطة اثنين من العسكر الرومان واحد من كل جانب. وترك الجلد ستة ثقوب في جسد السيد المسيح لكل جلدة، وعدد الجلدات التي أمكن إحصاؤها مائة وواحد وعشرين جلدة بخلاف ما لم يتمكنوا من إحصائه لسبب احتراق جزء من قماش الكفن عند الذراعين (من قرب الكتف إلى قرب الكوع). ولكن الجلدات من الواضح أنها شملت الجسد كله من أعلى الظهر والصدر إلى قرب القدمين. كذلك شرح العلماء الذين فحصوا كفن السيد المسيح أن الجلد الذي كان يلف فيه الكرباج حول الجنب واصلًا إلى الصدر قد مزّق الشرايين المحيطة بالقفص الصدري، وأحدث نزيفًا داخليًا. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 163 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مملكتي ليست من هذا العالم "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو18: 36) حينما وقف السيد المسيح ليحاكم أمام بيلاطس الحاكم الروماني، وسأله بيلاطس: "أنت ملك اليهود؟.. أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يو18: 33-36). ليس هناك شك في أن السيد المسيح هو الملك الآتي باسم الرب ولهذا فعند دخوله إلى أورشليم "ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا. قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب. سلام في السماء ومجد في الأعالي" (لو19: 37، 38). "وكانوا يصرخون أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل. ووجد يسوع جحشًا فجلس عليه كما هو مكتوب: لا تخافي يا ابنة صهيون، هوذا ملكك يأتي جالسًا على جحش أتان. وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولًا. ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه وأنهم صنعوا هذه له" (يو12: 13-16). فى بشارة الملاك للعذراء القديسة مريم بميلاد السيد المسيح قال لها: "هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33). وحينما جاء المجوس من المشرق قالوا: "أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له" (مت2: 2). وعلى الصليب "كان عنوان مكتوب فوقه بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية: هذا هو ملك اليهود" (لو23: 38). وفى سفر الرؤيا كتب يوحنا الرسول عن السيد المسيح "وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16). ملكوت الله الله هو الملك الحقيقي. وعرشه كائن في السماء. وكان ينبغي أن يملك الله على شعبه. ولكن شعب إسرائيل أرادوا أن يختاروا لهم ملكًا مثل باقي شعوب الأرض. واستاء صموئيل النبي من ذلك. ولكن الله قال لصموئيل: "لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم" (1صم8: 7). وأمره الرب أن يمسح لهم الملك الذي أرادوه. ومسح شاول ملكًا. ولكنه لم يكن يطيع الوصايا ففارقه روح الرب وبغته روح رديء من قبل الرب (انظر 1صم16). ثم اختار الرب داود ومسحه ملكًا بيد صموئيل النبي. وبالرغم من محبة الرب لداود، إلا أن داود قد أخطأ لسبب الضعف البشرى. كما أنه لم يتمكن من تحرير شعبه من سلطان إبليس الذي سيطر على العالم بواسطة الخطية. كان ينبغي أن يملك الله نفسه لكي يحرر شعبه من خطاياهم ويمنحهم ميراث الحياة الأبدية. لهذا جاء السيد المسيح إلى العالم. وحينما سأله بيلاطس "أفأنت إذًا ملك. أجاب يسوع أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37). ولكن المُلك الذي يليق بالله هو المُلك السمائي وليس المُلك الأرضي،لأن عرش الله هو في السماء. وحينما مَلك السيد المسيح في مجيئه إلى عالمنا، فقد ملك على خشبة الصليب معلقًا بين الأرض والسماء.. مؤكدًا هذه الحقيقة أن مملكته ليست من هذا العالم. لقد رفضت الأمة اليهودية ملكها واقتادته إلى موت الصليب.. تمامًا مثلما رفضت الرب قديماً في أيام صموئيل النبي من أن يملك عليها ولكن الرب المرفوض قد جعل ملكه العجيب فوق خشبة الصليب. لأن المحبة المرفوضة استطاعت أن تملك.. وأن تنتصر.. وأن تتألق.. وأن تجتذب الجميع.. لهذا قال السيد المسيح: "أنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع" (يو12: 32). حقاً صار المَلِك المرفوض أكثر جاذبية من كل ملوك الأرض. لأن محبته قد فاقت كل توقعات بنى البشر. أخيرًا أمكن للبشرية أن تدرك مقدار حب الله لها في المسيح. وأن تسعى نحوه في فرح وشكر ليملك عليها.. ولا يكون مرفوضًا فيما بعد.. لأنه قد صالحها لنفسه، محررًا إياها من الموت والهلاك الأبدي. حقا لقد صارت الكنيسة عروسًا للمسيح تقبل ملكه الروحي وتنتظر ملكوته السماوي وتعلن مجده وخلاصه في كل الأرض.. تحمل سماته.. وتعانق صليبه.. ولا تسعى نحو الملك الأرضي لأن ملكها هو في السماء حيث يجلس عن يمين العظمة في الأعالي. السيد المسيح لم يطلب لنفسه مُلكًا.. بل إنه حينما رفض المُلك إلى المنتهى، فقد ملك هناك.. في نفس الموضع الذي أعلن فيه العالم رفضه له كمَلِك.. لأنه صار هو المَلِك المصلوب. وكان عنوان علته الذي صلب بسببه مكتوبًا فوقه على الصليب "يسوع الناصري ملك اليهود. فقرأ هذا العنوان كثيرون من اليهود لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبًا من المدينة. وكان مكتوبًا بالعبرانية واليونانية واللاتينية. فقال رؤساء كهنة اليهود لبيلاطس: لا تكتب ملك اليهود بل إن ذاك قال أنا ملك اليهود. أجاب بيلاطس ما كتبت قد كتبت" (يو19: 19-22). كانت هذه هي تهمته.. وهى سبب موته.. وموته كان سببًا في تحقيقها؛ لأن الرب بالصليب قد صنع أمجادًا يحتار فيها عقل البشر، وترتفع بسببها قلوبهم نحو أمجاد السماء. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 164 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لأشهد للحق وقف السيد المسيح أمام بيلاطس الحاكم الروماني في أورشليم وقال له: "لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتى. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟" (يو18: 37، 38). كثيرون يتساءلون عن الحق.. وآخرون يدّعون أنهم يملكون معرفة الحق.. والبعض يطالب بالحق.. وهناك من يقولون أنهم يقضون بالحق.. وآخرون يبحثون بجدية عن الحق.. وغيرهم من يزيّفون الحق ويتعمدون ذلك، أو يزيّفون الحق بهدف تأكيد ما تصوروا أنه هو الحق. ما هو الحق؟ هذا السؤال ليس هو ما سأله بيلاطس فقط للسيد المسيح، ولكنه هو سؤال نطرحه في سياق حديثنا عن الحق. من المعروف في تعليم السيد المسيح أن الحق هو الله. فالآب في جوهره هو حق، والابن في جوهره هو حق، والروح القدس في جوهره هو حق. لهذا قال السيد المسيح عن الآب السماوي: "الذي أرسلني هو حق" (يو7: 28). وقال عن نفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو14: 6). وقال عن الروح القدس: "روح الحق الذي من عند الآب ينبثق" (يو15: 26). فالآب باعتباره هو المصدر أو الينبوع في الثالوث هو "مصدر الحق أو الحقاني" والابن هو "الحق"المولود منه، والروح القدس هو "روح الحق" المنبثق من الآب. ويشبه ذلك أن نقول عن ألقاب الأقانيم الثلاثة أن الآب هو "الحكيم" (رو16: 27)، (يه25)، والابن هو "الحكمة" (1كو1: 24)، (انظر كو2: 3)، والروح القدس هو "روح الحكمة" (إش11: 2)، (أف1: 17). ونظرًا لأن الحق هو الله، فمن أراد أن يعرف الحق عليه أن يعرف الله المعرفة الحقيقية. عن معرفة الآب قال السيد المسيح لليهود: "لو عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا" (يو8: 19). وعن معرفة الروح القدس قال: "روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله، لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يو14: 17). وعن معرفة الابن قال هو شخصيًا لتلميذه فيلبس: "أنا معكم زمانًا هذه مدته، ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟" (يو14: 9). وقال لتلميذه توما: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبى أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه" (يو14: 6، 7). لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "الذي هو صورة الله غير المنظور" (كو1: 15)، أي أننا نستطيع أن نرى الله حينما نرى السيد المسيح. أتيت إلى العالم لأشهد للحق بالرغم من أن السيد المسيح هو "الحق" ولكنه قال إنه قد أتى إلى العالم ليشهد للحق. لم يكن هناك من يمكنه أن يعلن الحق ويشهد له بالقوة التي شهد بها الحق نفسه عن نفسه. لقد شهد السيد المسيح للآب السماوي، وشهد الآب السماوي للسيد المسيح. وشهد السيد المسيح للروح القدس، وشهد الروح القدس للسيد المسيح. لأن "الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو5: 7). وقد أشار السيد المسيح إلى شهادة الثالوث السمائي في حديثه مع نيقوديموس بقوله "الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو3: 11-13). وفيما يلى بعض الآيات التي تشير إلى شهادة الأقانيم السماوية: الآب والابن والروح القدس: قال السيد المسيح لليهود: "الآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي" (يو5: 37). وقال: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق" (يو8: 14). وقال لتلاميذه: "متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو15: 26). وقال مناجيًا للآب السماوي: "أنا مجدتك على الأرض.. أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم" (يو17: 4، 6، 26). وقال عن الروح القدس "متى جاء ذاك، روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). وقال معلمنا بطرس الرسول في رسالته الثانية: "لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة، إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنا معاينين عظمته. لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسنى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (2بط1: 16-18). وهذه شهادة من الآب للابن سمعها التلاميذ. وقال القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: "إن كنا نقبل شهادة الناس، فشهادة الله أعظم، لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدّق الله، فقد جعله كاذبًا، لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1يو5: 9-12). سؤال بيلاطس مسكين بيلاطس الذي كان الحق (أي السيد المسيح) واقفًا أمامه، وقال له الحق "أتيت إلى العالم لأشهد للحق!" (يو18: 37)،ولكن بيلاطس لم يفهم ولم يعرف فسأل "ما هو الحق؟!" (يو18: 38). هناك من يؤمن بالحق عبر آلاف السنين، وهناك من كان الحق على بُعد أشبار منه ولكنه لم يعرفه..!! " كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37) قال السيد المسيح لبيلاطس الوالي الروماني: "لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم، لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي. قال له بيلاطس: ما هو الحق؟" (يو 18: 37، 38). قبل ذلك قال السيد المسيح لتلاميذه: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو14: 6). أي أن السيد المسيح هو الحق وبهذا يكون صوته هو صوت الحق. ولكن بيلاطس حينما سأله: ما هو الحق؟ لم يجبه السيد المسيح على ذلك. واكتفى بأن يقول له: "كل من هو من الحق يسمع صوتي". الذي هو من الحق: يحب الحق، ويفرح بالحق، ويسعى نحو الحق، ويسمع صوت الحق، ويدافع عن الحق، ويشهد للحق، ويطيع نداء الحق، ويسلك في الحق، ويتحد بالحق إلى أبد الدهور. ليس للباطل موضع في قلبه ولا في حياته.. بل إن الحق يتأكد في حياته ويتزايد باستمرار. تصديق الحق يتكلّم معلمنا بولس الرسول عن ظهور "ضد المسيح"، وما سوف يعمله من آيات وعجائب كاذبة. وكيف أن الله سيسمح بظهور عمل الضلال للهالكين، لكي يظهر الفرق بين محبي الحق ومحبي الكذب. ويكون ذلك مبررًا لإدانة الذين لم يصدقوا الحق. يقول عن ضد المسيح هذا "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة، وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين. لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا. ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب. لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم" (2تس2: 9-12). هناك نفوس تشتاق إلى معرفة الحق.. وهذه لن يتركها الله. بل بالعكس يعرفها ويعينها للتبني، ويدعوها لميراث الحياة الأبدية. قد تتأخر دعوتهم بعض الشيء ليتمجد الله فيهم أو بواسطتهم، حينما يقبلون الحق. ولكن الله الذي سبق فعرفهم، لابد أن يدعوهم لأن الحق الذي يعلنه لهم له موضع في قلوبهم، بغض النظر عن حالتهم السابقة. ولابد أن يشهدوا للحق حينما يدعوهم وبهذا يتأهلون لنيل القيامة، لأنهم آمنوا برب القيامة، واتحدوا به في المعمودية بشبه موته، ونالوا قوة قيامته. وهذا ما شرحه معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله. الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم، ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين. والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا.والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضًا. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضًا" (رو8: 28-30). لابد أن يدعو الله محبي الحق إلى معرفته والإيمان به أثناء حياتهم على الأرض. لهذا يقول معلمنا بولس الرسول أيضًا: "وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين، لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب. إن الله اختاركم من البدء للخلاص، بتقديس الروح وتصديق الحق" (2تس2: 13). الاختيار مبنى على سبق المعرفة، لمن سوف يقبلون الحق. ولهذا قال السيد المسيح: "كل من هو من الحق يسمع صوتي". والذين هم من الحق يسمعون صوت الحق ويطيعون الحق. ولأن الله قد اختارهم، ولهذا فقد دعاهم وبررهم بالميلاد الجديد، ومجدهم بنعمة الروح القدس. ويقول معلمنا بولس الرسول أيضًا: "الإيمان ليس للجميع" (2تس3: 2). لهذا وقف السيد المسيح صامتًا أمام بيلاطس الحاكم الوثنى. واكتفى بقوله: "كل من هو من الحق يسمع صوتى". وحينما سأله ما هو الحق، لم يجبه بشئ لأن الحق لم يكن له موضع في قلبه. يكفى أن نرى بيلاطس وهو يصدر حكمًا على السيد المسيح بالموت صلبًا، مع أنه شهد على نفسه وقال: "إني برئ من دم هذا البار" (مت27: 24).كيف يتبرأ وهو يصدر حكمًا بالموت على شخص برئ لم يجد فيه علة واحدة للموت؟ ألا ينطبق على بيلاطس تحذير الرب بالويل لمن يقولون للنور ظلمة وللظلمة نورًا.. الذين يقلبون الحقائق، ولا يسلكون بمقتضاها. ألا ينطبق عليه تحذير الرب للقضاة من أن يزيفوا أحكام القضاء، حينما قال: "أيديكم ملآنة دمًا، اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني. كفوا عن فعل الشر، تعلّموا فعل الخير. اطلبوا الحق.انصفوا المظلوم. اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة" (إش1: 15-17). وها هي أورشليم تحكم بالموت ظلمًا على الحق الذي تجسد لأجل خلاصها، والرب يرثيها ويقول عنها: "كيف صارت القرية الأمينة زانية. ملآنة حقًا كان العدل يبيت فيها. وأما الآن فالقاتلون" (إش1: 21). لو كان بيلاطس قد شهد للحق بالقول والفعل، ودافع عن يسوع المظلوم، وترك الظلم لغيره منقذًا نفسه.. لاستحق أن يعرف ما هو الحق، ومن هو الحق. لهذا بقى السيد المسيح صامتًا. لأن الحق يتكلم حتى ولو صمت. ويتكلم حتى ولو بدا كأنه قد ضاع. لأن الحق لا يمكن أن يضيع. أليس هذا ما قيل بفم إشعياء النبي: "من صدق خبرنا، ولمن استعلنت ذراع الرب.. ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 1، 7). |
||||
13 - 03 - 2014, 05:16 PM | رقم المشاركة : ( 165 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الذي أسلمني إليك له خطية أعظم "الذي أسلمني إليك له خطية أعظم" (يو19: 11) قال هذا يسوع لبيلاطس مشيرًا إلى أن خطية اليهود كانت أعظم من خطية بيلاطس. كان المفروض في اليهود أن يدافعوا عن السيد المسيح أمام الحاكم الروماني. لأنهم هم شعبه وخاصته. ولكنه "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله" (يو1: 11). وكتب عنه في سفر زكريا النبي "فيقول له: ما هذه الجروح في يديك؟ فيقول هي التي جُرحت بها في بيت أحبائي" (زك13: 6). من كان يتصور أن نسل إبراهيم -صاحب العهد- هو نفسه الذي يطلب صلب السيد المسيح؟! ومن كان يتصور أن أبناء إسحق الحبيب الذي سيق إلى الذبح مثالًا للمسيح، هم أنفسهم الذين يطلبون له الموت بإلحاح ويصلبونه بأيدي الرومان؟! ومن كان يتصور أن نسل يعقوب القديس الوارث للوعد، هو نفسه الذي يتآمر على السيد المسيح مُسلمًا إياه إلى قضاء الموت بأيدي الأمم الغريبة؟! أمام هذه الحقيقة المُرة قال المرنم: "رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول" (مز37: 21) بحسب الترجمة القبطية. وذهولًا من ذلك الواقع الرهيب قال معلمنا بولس الرسول: "أقول الصدق في المسيح لا أكذب وضميري شاهد لي بالروح القدس. إن لي حزنا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع. فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد. الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد. ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين" (رو9: 1-5). كان بولس الرسول يتألم بشدة كلما تذكر أن اليهود أصحاب المواعيد والعهد والشريعة الإلهية، هم أنفسهم الذين رفضوا السيد المسيح وصلبوه، واستمر الكثيرون منهم في رفضه بعد قيامته من الأموات والكرازة باسمه لغفران الخطايا،بل زادوا على ذلك مقاومتهم لكرازة الآباء الرسل واضطهادهم للكنيسة في اليهودية وفي كل مكان تواجدوا فيه خارجًا عن أورشليم. كانت خطية اليهود أعظم من خطية بيلاطس. لأن بيلاطس كان أمميًا، وليس من شعب الله الذين أعدهم الرب آلافًا من السنين لاستقبال المخلّص الوحيد، وكان عندهم أقوال الأنبياء التي تكلمت بوضوح عن صلب السيد المسيح، ولكنهم تغافلوا عنها، بل وتمموا ما جاء فيها بغلاظة قلوبهم. |
||||
14 - 03 - 2014, 04:15 PM | رقم المشاركة : ( 166 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
خطية بيلاطس لم يكن بيلاطس عادلًا في حكمه، لأنه حكم بالموت على شخص برئ.. وأصدر أعجب حكم في التاريخ: البراءة والإعدام على شخص واحد، وفي نفس الجلسة. فالعجيب أنه قبل أن يصدر الحكم بصلبه -وهو صاحب سلطان- طلب ماء، وغسل يديه أمام الجميع وقال: "إني برئ من دم هذا البار" (مت27: 24). وقال اليهود: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت27: 25). ولكن قول اليهود هذا لا يجعل بيلاطس يتبرر، لأنه كان في سلطانه أن يطلق السيد المسيح حسبما قال: "ألست تعلم أن لي سلطانًا أن أصلبك وسلطانًا أن أطلقك" (يو19: 10). ولكنه لم يطلق السيد المسيح حرًا لأنه خاف من اليهود حينما قالوا له "إن أطلقت هذا فلست محبًا لقيصر" (يو19: 12).. خاف على نفسه، أو خاف على منصبه.. وكان حائرًا مترددًا.. على أنه كان داخليًا يميل إلى إطلاق السيد المسيح. بدأت خطية بيلاطس حينما قال لليهود: "أنا أؤدبه وأطلقه" (لو23: 16). لأنه بهذا قد طبق على السيد المسيح عقوبة الجلد الروماني القاسية، والتي كانوا يسمونها عقوبة [نصف الموت]. وهذه كانت تتخطى بكثير عقوبة الجلد العبراني.. وهى التي تسببت في موت السيد المسيح سريعًا على الصليب لسبب النزيف الداخلى الحاد مع جراحات الصليب الأخرى، والمجهود الرهيب الذي يلزم للمصلوب لكي يستطيع أن يتنفس وهو معلق من ذراعيه. تصوّر بيلاطس أن خطية صلب المسيح يمكن تفاديها بخطية جلده، ولكنه انزلق في طريق الظلم خطوة بعد خطوة، ولم يمكنه أن يتراجع، مع أن زوجته أرسلت إليه محذرة تقول "إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرًا في حلم من أجله" (مت27: 19)،ولكن بيلاطس لم يتجاوب عمليًا مع التحذير الرهيب..!! قد يتصور البعض أن الشروع في الخطية لا يؤدى إلى خطية.. ولكن الشروع في الخطية هو مثل الجلد والعذاب الذي يكمل بعد ذلك بالصلب والموت. لأن "الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتًا" (يع1: 15) والشهوة هي بداية الطريق إلى فعل الخطية. وقد جلد السيد المسيح متألمًا بعنف لكي يشفى حواس الإنسان من الشهوة وتلذذاتها، كما هو مكتوب "الذي بجلدته شفيتم" (1بط2: 24). حينما امتدت يد بيلاطس بجسارة ليسئ إلى السيد المسيح في عملية الجلد القاسية، كان قد وضع قدميه على أول طريق الحكم عليه ظلمًا بالموت، بينما شهد بيلاطس على نفسه: "لست أجد فيه علة واحدة" (يو19: 4). ما أقسى هذه اللحظات يا ربنا وفادينا، حينما امتدت تلك الأيادي بجسارة لتربطك وتمدك للجلد بالسياط التي ألهبت ظهرك الحاني. وقد انحنيت يا سيدنا تحت وطأة الآلام الرهيبة والمحرقة، لتشفى جراحات خطايانا في جسدك الطاهر يا قدوس..!! |
||||
14 - 03 - 2014, 04:16 PM | رقم المشاركة : ( 167 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لم يفتح فاه حاول بيلاطس أن يدفع السيد المسيح للدفاع عن نفسه بأن يهاجم اليهود، ويفضح أخطاءهم وتآمرهم، فيتحول من موقف المتهم إلى موقف المدعى. وقال له محفزًا: "أما تجيب بشيء؟ انظر كم يشهدون عليك!" (مر15: 4) ولكن السيد المسيح لم يقبل "فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جدًا" (مت27: 14).. "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلُص به العالم" (يو3: 17). بقى السيد المسيح صامتًا، ولم يدافع عن نفسه، ولم يتهم المشتكين عليه بشيء، لأنه "إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا، وإذ تألم لم يكن يهدد، بل كان يسلم لمن يقضى بعدل" (1بط2: 23). محبته للجميع فاقت كل عداوتهم، واتضاعه فاق كل تصور. لأنه "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش53: 7). كان السيد المسيح يعلم أنه يدفع ثمن خطايا البشرية، وأنه قد حمل خطايا الكثيرين، وأنه قد وقف في مكان الخاطئ،ولا ينبغي أن يدافع عن نفسه كحامل لخطايا العالم.. فعل ذلك وهو مظلوم.. لأن خطايا البشرية قد ظلمته، كما ظلمته منذ القديم بشكها في محبته وإطاعتها للحية القديمة.. ولكن في قبوله لمظالم الصليب قد جسَّد كل الموقف في أعين البشرية وسمْعها جمعاء. |
||||
14 - 03 - 2014, 04:17 PM | رقم المشاركة : ( 168 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يسوع أم باراباس كان الوالي في اليهودية معتادا أن يطلق للجميع أسيرًا واحدًا. ويقوم الجمع بتحديد هذا الأسير الذي يطلق سراحه. وكان لهم حينئذ أسير مشهور يسمى. "وكان المسمى باراباس موثقًا مع رفقائه في الفتنة. الذين في الفتنة فعلوا قتلًا" (مر15: 7). كان رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب وكل جمهورهم.. مجتمعين أمام دار الولاية "ففيما هم مجتمعون قال لهم بيلاطس: من تريدون أن أطلق لكم. باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح؟" (مت27: 17). "ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرّضوا الجموع على أن يطلبوا باراباس ويهلكوا يسوع. فأجاب الوالي وقال لهم: مَن مِن الاثنين تريدون أن أطلق لكم؟ فقالوا: باراباس. قال لهم بيلاطس: فماذا أفعل بيسوع الذي يدعى المسيح. قال له الجميع: ليصلب" (مت27: 20-22). هكذا اختارت الأمة الجاحدة رجل قاتل ليطلق حرًا وأسلمت عريسها البار إلى قضاء الموت. وهذا ما تفعله كل نفس تختار الخطية وترفض البر الذي في المسيح. هذا هو حال البشرية التي لم تعرف ما هو لسلامها، ولم تدرك محبة الله لها.. اختارت طاعة الشيطان ودخلت في شركة معه بينما رفضت الوصية المقدسة وخسرت شركتها مع الله. ولكن السيد المسيح جاء ليشفى عصياننا وليدفع ثمن خطايانا، موفيًا العدل الإلهي حقه، ومعلنًا محبة الله المخلصة والشافية والمحيية،وقد احتمل هذا كله في اتضاع عجيب مرفوضًا من خاصته. وقد وبّخ القديس بطرس الرسول اليهود على هذا الموقف الرديء في طلبهم صلب السيد المسيح فقال: "هذا أخذتموه مسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه" (أع2: 23). كان ينبغي أن يوفى الابن المتجسد العدل الإلهي حقه. وقد تم ذلك بأيدي البشر الخطاة، لكي تظهر بشاعة خطية الإنسان الموجهة ضد الله وضد الإنسان نفسه، بآنٍ واحد، لأن الذي وجهت إليه سهام الكراهية والشر هو الله الظاهر في الجسد كلمة الله المتأنس. والموقف بكامله أمام الوالي الحاكم الروماني يحمل في طياته رمزًا عجيبًا - بالرغم من عدم التطابق في جميع الوجوه. الحاكم الروماني يرمز إلى القضاء الإلهي. وباراباس يرمز إلى الإنسان الخاطئ. ويسوع هو المخلص. فلو أطلق يسوع حرًا لأسلم باراباس إلى قضاء الموت عقابًا على خطاياه. ولو مات يسوع مصلوبًا، لأمكن لباراباس أن يحيا. ويكون يسوع قد مات عوضًا عنه.. وكان التدبير الإلهي أن يموت يسوع عوضًا عن البشرية لينقذها من الموت والهلاك الأبدي.. وبالفعل أسلم يسوع بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق إلى قضاء الموت ليكشف بشاعة الخطية ويحرر البشر من سلطانها بالتوبة والإيمان باسمه. وأطلق باراباس حرًا لينظر يسوع معلقًا بدلًا منه فوق الإقرانيون. ولسان حاله يناجى السيد المسيح ويقول: أنت لم تنصت إلى الحية بل أخطأت أمي وأصغت لنداها أنت لم تقطف من الشجرة بل قطفت أمي حرامًا من جناها فلماذا أنت مصلوب هنا؟ وأنا الخاطئ حر أتباهي حكمة يا رب لا أدركها وحنان قد تسامى وتناهى (من الشعر الروحي لقداسة البابا شنودة الثالث) |
||||
14 - 03 - 2014, 04:18 PM | رقم المشاركة : ( 169 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مات عوضًا عنا البعض يقولون إن المسيح قد مات لأجلنا ليظهر محبته للبشرية. ولكننا نقول إنه مات لأجلنا ومات عوضًا عنا أو بدلًا منا. وعلى الصليب التقى العدل والرحمة معًا في توافق عجيب. مات على الصليب ليظهر محبته.. ومات على الصليب ليوفى الدين الذي علينا، وليمزّق صك خطايانا كقول معلمنا بولس الرسول: "وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحًا لكم بجميع الخطايا. إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرًا إياه بالصليب" (كو2: 13، 14). وقد ظهر الموقف جليًا في واقعة باراباس إذ كان ينبغي أن يموت الواحد ويطلق الآخر واختار الرب أن يموت عوضًا عن الإنسان الخاطئ. |
||||
14 - 03 - 2014, 04:19 PM | رقم المشاركة : ( 170 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
موقف اليهود من صلب المسيح حينما اختار الشعب الجاحد باراباس فقد نفذوا مشورة الله المحتومة وعلمه السابق ولكن هذا لا يعفيهم من الخطأ الذي ارتكبوه إلا إذا تابوا وندموا على هذه الخطية. لأن معلمنا بطرس الرسول بعد أن ذكر أن ذلك قد تم بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق قال مباشرة: "وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه" (أع2: 23). وقال أيضًا لليهود: "إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب إله آبائنا، مجَّد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 13-15). وحينما نخس بعض اليهود في قلوبهم وندموا على خطيتهم الشنيعة، سألوا الآباء الرسل: "ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟" (أع2: 37). أجابهم بطرس الرسول: "توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس" (أع2: 38). إذن فالتوبة والمعمودية هي شرط المغفرة لليهود عن خطيتهم الشنيعة في صلب السيد المسيح ولا مجال لتبرئتهم من دمه دون تحقيق هذا الشرط. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح |
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس |
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل |
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح |
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص |