18 - 10 - 2017, 10:18 AM | رقم المشاركة : ( 111 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: «يجب قبل كلِّ شيءٍ أن نقوِّم التواضع لأن هذه الوصيةَ هي الأولى، التي قال ربنا عنها: طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات». وقال أيضاً: ليكن كلُّ أحدٍ كبيراً في عينيك ولا تهِن الذين هم أقل منك معرفة، ولا تطلب كرامةً من أحدٍ، لكن اتضع لكلِّ الناسِ ولا تغضب من الذي يتعظَّم عليك لأنه قليل المعرفة، لأن من قلةِ المعرفةِ يتعظَّم الأخُ على أخيه. كن هادئاً ليناً، ولا تردّ الجواب على أمرٍ تُؤمر بأدائه، بل كن مطيعاً في كل شيءٍ لكي ما تُحَب من كثيرين. كن مبغضاً للعالمِ كي ما تكون مختاراً لله. كن صغيراً بين الناسِ لكي ما تكون فاضلاً عند ربك. كن منبسطاً كي تحلُّ عليك نعمةُ الله. كن مثل ابن بين إخوتك كي تكون محبوباً عند كلِّ الناسِ. لا يكن بين عينيك شيءٌ مشتهى لكي ما تبصرَ الله. كن حزيناً على الذين هلكوا. كن رحيماً على الذين طغوا. كن متألماً مع المتألمين، مصلِّياً من أجل المخطئين. لتكن عند نفسِك دونَ الكلِّ. كن ساكناً بين إخوتك كمثل ميتٍ عادمٍ من كلِّ غضب. لأنه من الغضبِ تأتي الخطيةُ. اختَر السهرَ أفضلَ من الأعمالِ وذلك مع الصوم. لأن السهرَ يُضيء العقلَ ويقلل الأحلامَ. والصومُ يُذلُّ الجسدَ وهو معينٌ أكثر من كلِّ الأعمال. اهتم بقراءة الكتب لكي تعلم كيف تكون مع الله. لا تختَر أن تكون مُتعَب الجسدِ فقط وفكرُك في الباطل. لأن هذا ليس وحده المطلوب منك، ولكن امزج تدبيرك بقدرٍ، ساعةَ قراءةٍ وساعةَ صلاةٍ وساعةَ عملٍ. لكي تضيء من القراءة في صلاتك. ليس القيام الظاهري فقط هو الذي يريدُه الربُّ، ولكنه يريد الفكرَ الحكيم الذي يعرف كيف يدنو إلى الكمال. كن عبداً وحراً، عبداً مملوكاً لإرادة سيدِه، وحراً غيرَ متعبدٍ لشيءٍ من المجدِ الباطلِ، حتى ولا لوجعٍ من الأوجاع. حلَّ نفسَك من رباطِ العبودية، ولازم العتق الذي عتقك به المسيح. واقتنِ حريةَ العالمِ الجديد. لا تبتكر لنفسِك نواميسَ لئلا تكون متعبداً لنواميسك. ولكن كن حراً تصنع ما تريد. ولا تستبد بأمرٍ لأنك مخلوقٌ كائنٌ تحت التغيير. إن لم تكن حراً لا تستطيع أن تعمل من أجلِ المسيح. كن عاقلاً في تدبيرِك. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:18 AM | رقم المشاركة : ( 112 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
إذا مشيْتَ لا تدع عقلَك يدور، ولكن ليكن متجمعاً قدامك. كن طاهراً مترتباً في لبسك. ليكن نظرُك مُطرَقاً إلى أسفل، وفكرُك فوق عند ربك. لا تملأ عينيك من وجهِ إنسانٍ، ولكن بتهيبٍ وخوفٍ تبسط نظرَك. كن شبه عذراء ذكية، واحفظ نفسَك للمسيح. كن محباً لكلِّ أحدٍ وابتعد عن كلِّ أحدٍ. اعلم أنك راهبٌ ولا ينبغي لك أن ترتبط بشيءٍ ما. أحب بفكرك حباً فاضلاً ذاك الذي يكلمك بكلامٍ نافع. ولا تحزن من الذي يبكتك بالحساب لئلا تكون عدواً لكلمةِ الله. لتكن نفسُك متيقظةً لخدمةِ الله وليكن عقلُك متجمعاً عند ربك. ليس لك أن تفحصَ عن كلِّ الأمورِ، لأنك لم تصر مدبراً أو رئيساً، ولكنك مأمورٌ وليس لك سلطانٌ حتى ولا على نفسِك. لا تغَر من الذين ينظرون إلى أصحابهم لئلا يضطرب عقلك بالعبودية، وتكون خدمتُك بلا منفعةٍ. لا تطلب حاجتك في كلِّ أمرٍ لأنك لست لهذه التلمذةِ تتلمذتَ، أن تكون حاجتُك مهيأةً في كلِّ أمرٍ. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:19 AM | رقم المشاركة : ( 113 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
داوم على قراءة كتب الأنبياء لأنك فيها تعلَم عظمةَ الله وأفعاله وعدله وقوته. وادرس كتبَ المبشرين بالجديدة لأنك منها تعلَم رحمةَ المسيح وخيريته ونعمته، واذكر في كلِّ لحظةٍ أوجاعَ الشهداء لتقتني شجاعةَ النفسِ. ولا تشته الأصواتَ مثل الأحداث، واحذر من الشهوات التي يحبها هواك. الزم القراءةَ أفضلَ من كلِّ عملٍ لأنه ربما دار العقلُ في الصلاةِ أما القراءة فإنها تجمعه. مثل التاجر الذي يطلبُ الأرباحَ كذلك حاسب نفسَك كلَّ يومٍ وانظر ربحَك وخسارتك في كلِّ عشية، واجمع عقلَك وتأمل ما الذي عملته في نهارك وانظر إلى صنيع الله ربك، وافهم بماذا أنعم عليك في يومك: بإشراق الضوء، بطيب النهار، بتقويم الأزمنة، ببهاء الجبال، بحسن الألوان، بزينة الخليقة، بحركة الشمس، وبزينة قامتك وبهبوب الرياح وبحسن الأثمار، وبحفظه إياك من الأخطار مع بقية إنعاماته. فإذا تفكَّرت في هذه الأمور كلِّها يملأ قلبَك العَجب من عظم حبِّ الله لك، ويأخذك العَجب إلى أن تشكر الله بحرارةٍ على ما أنعم به عليك. لذلك وجب عليك أن تفتش لعلك فعلت شيئاً يَدُلُّ على إنكارك لهذه النعم، وقل فيما بينك وبين نفسك: «لعلي فعلتُ في هذا اليوم أمراً يغضب الله، لعلي فعلتُ شيئاً يخالف مشيئة خالقي»، فإن شعرتَ في نفسِك أنك فعلتَ شيئاً يخالفه، قم في الحال بالصلاة واشكر الله أولاً على النعم التي قبلتها منه في يومِك هذا، ثم تضرَّع من أجلِ غفرانِ ما أخطأتَ به وهكذا تنام بخوفٍ ورعدة. من المعلوم أننا إذا أغضبنا من هو أعظم منا، فإننا نبيتُ في خوفٍ ورعدة، ولكن مع الأسف فهوذا نحن نُغضبُ اللهَ وننامُ بلا مخافةٍ. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:19 AM | رقم المشاركة : ( 114 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
إذا قمتَ للصلاةِ قدام الله احرص أن تجمع عقلَك طارحاً عنك الأفكار المقلقة. ضع نُصبَ عينيك كرامة الله ونقِ حركاتك من الميول الشريرة. فإن شعرتَ بحرارةِ النعمة تقدَّم ولا تضعف، فإذا أبصر الله صبرَك فإنه بسرعة يسكب فيك نعمتَه ويتقوى عقلُك وينشط للعمل بواسطة السخونة (حرارة النعمة) فتضيء أفكار نفسك ويسمو بك الشعور إلى تمجيد عظمة الله كلِّ حين. ولن يكون لك ذلك إلا بطلباتٍ كثيرةٍ وفكرٍ نقي، كما أنه لا يليق أن يوضع البخورُ الطيب في إناء منتن، كذلك الله لا يُظهر عظمته في فكرٍ رديء. إذا قمتَ في صلاتك قدام الله فأولُ شيءٍ قل: «قدوس قدوس قدوس الله القوي، السماء والأرض مملوءة من تسابيحك». وبعد ذلك قل: «اللهم أهلنا بنعمتِك لذلك الشرف الذي أعددتَه في العالم الجديد ولا يديننا عدلُك في مجيئك العظيم. اللهم أهلني لمعرفتك الحقانية والخلطة بحبك التام». وحينئذ اختم صلاتك بالصلاةِ التي علَّمها الله لتلاميذهِ دائماً واتلُها دائماً بتأملٍ. الذي يظن في نفسه أن حياته في هذه الدنيا إنما هي يومه الذي هو فيه فإنه يكاد لا يخطئ. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:19 AM | رقم المشاركة : ( 115 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: «ابتداء التدبير الجيد هو أن يبتعدَ الإنسانُ من أحبائهِ ومعارفهِ وأقاربهِ بالجسد، ثم يتمسكن بالتخلي عن كلِّ شيءٍ يُشغلُ العقلَ، لا عن المقتنيات فقط بل وعن النظر والسمع والكلام كنحو قوتهِ. لأن الحواس هي رباطات الإنسان الباطن وبها حياته، لذلك كان السكوتُ أفضلَ من جميعِ الأعمال، لأن بدوامه تهدأ الأفكارُ وتموت المشيئةُ وينقطع تذكارُ الأمور الباطلة وحركةُ الأوجاع القاتلة الجسمانية منها والنفسانية. فالجسمانية هي: لذة الفم، شره البطن، شهوة الطبع، تنزه الحواس، الاسترخاء، النوم، الزنى. أما النفسانية فهي: الجهل، النسيان، البلادة، قلة الأمانة، الحسد، الشر، السبح الباطل، العجب، الكبرياء، قلة القناعة. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:20 AM | رقم المشاركة : ( 116 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
هدوءُ الجسدِ هو حبسهُ عن الدوران، وهدوءُ النفسِ هو الابتعادُ عن الجهلةِ ومن النظرِ للوجوه. فإن الجهلةَ يُشغلوننا بباطلِهم ويجروننا إلى عوائدِهم ويسخروننا لنواميسِهم، لأنهم يرونها حسنةً ولكنها تقطعنا عن حياتنا. لذلك ليس شيءٌ أفضل من التباعد والسكوت لأن بدونها لا يقدر الإنسانُ أن يعرفَ نفسَه. أما عملُ السكوتِ فهو: الصوم، السهر، الهذيذ الصالح، إتعاب الجسد بقانونٍ حكيم، في المقدار والترتيب، وبدوام ذلك يجتمع العقلُ إلى نفسِه ويرجع عن الدوران فيما هو خارج عنه. وبعد قليلٍ يبتدئُ في أن يصحو لنفسِه ويتصوَّر حُسنه ويشرق عليه ضوءُ الرب، وينظر الإلهَ خالقَه، ويعرف اللهَ رازقَه، ويفرح بولادتهِ ويعود من سبيه، ويحيا من موتِه ويستريح من الأوجاع، ويُعتق من الظلمةِ ويخلص من عدوه الشرير. لا بدَّ للإنسان من الإيمان الخاص الحقيقي، فالإيمانُ العام هو لكلِّ الناس، ومن نعمةِ ربنا علينا وَلَدَنا، فأما الإيمانُ الخاص الذي يقرِّبنا من الله فهو أن نسألَ ونطلبَ منه العظائمَ، التي لا يمكن للآخرين أن يصدِّقوا إمكانية وجودِها، وأن نعتصمَ به ونتقوى ولا نخاف من شيءٍ، ونتيقَّن أن الذي نتقوى به هو أقوى من كلِّ شيءٍ. والثبات في الجهاد والصبر على البلايا هو أيضاً أفضلُ من كلِّ الأمور. وكلما استمر السكوتُ ضعُفت الأوجاعُ، وكلما ضعُفت الأوجاعُ قوي العقلُ قليلاً قليلاً، إلى أن يصحَّ ويستريح، وحينئذ لا يذكر الإنسانُ أوجاعَه وأحزانَه السالفة، وذلك كما قال ربنا عن المرأة التي تلد. وإذا عُتِقَ الإنسانُ من الأوجاعِ الشريرة التي كان يعانيها دائماً فقد عُتِقَ من الأحزان والآلام والأمراض العارضة كلِّها تلك التي يؤدَّب بها الخطاةُ. وبدوامِ السكوت يُعتق من الأوجاع الذميمة. أما الذين يُعيقوننا من معرفةِ الله ويبعدوننا عن عملِ الفضيلةِ فإنهم لا يُلامون، لأنهم لا يعرفون، وأما نحن فإذ قد عرفنا رِبحَنَا وخسارتنا، فينبغي لنا أن نبتعدَ عنهم ونسكت لكي تحيا نفوسُنا. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:20 AM | رقم المشاركة : ( 117 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
الأب الكبير الأنبا سرابيون كان هذا القديس من أهلِ مصرَ من الآباء المشهورين بالفضلِ، وكان يُعرف بالسباني، لأنه في كلِّ زمانهِ لم يكن يلبس سوى سبانيةٍ، وهي عبارة عن ثوبٍ من كتانٍ سميك. وما كان يمتلكُ شيئاً البتة حتى ولا عصا ولا حذاء، سوى إنجيلٍ صغير، وكان في أموره يُفضِّل راحةَ قريبهِ على راحةِ نفسهِ، وكان كاملاً في العبادةِ، جيداً في القراءة، يتلو عن ظهرِ قلبٍ كلَّ كتبِ الله. وكان يجولُ في كلِّ البراري والمدن سعياً وراء اقتناءِ الفضائلِ وعملِ الصالحات، بحيث لا يبالي بشيءٍ من أمورِ الدنيا حتى ولا بجسمِه، ولذلك بلغ كافة الفضائل التي أصبحت لديه كأمورٍ طبيعية. وقيل عنه إنه أراد مرةً الذهاب إلى رومية فأتى إلى البحرِ، وبتدبير الله وجد سفينةً تريد الذهاب إليها، فألقى بنفسِه فيها، ولم يكن معه وقتئذ لا خبز ولا دراهم ولا شيء البتة. فساروا خمسة أيام لم يأكل فيها ولم يشرب، ولا كلَّمه إنسانٌ، ولكنه كان جالساً صامتاً. فظن النواتية أن دوارَ البحرِ منعه عن الأكلِ، أما هو ففي الحقيقةِ لم يمنعه سوى العدم لأنه ما كان لديه شيءٌ البتة. فسألوه: «ما هو أمرك أيها الشيخ فإنك لا تأكل ولا تشرب ولا تتكلم»؟ فقال لهم: «ليس معي طعامٌ ولا دراهم ولذلك فإني صائمٌ، أما صمتي فهذه سُنَّة الرهبان، فإنهم يفضِّلون السكوتَ». فلم يصدقوا أقوالَه وفتشوه، ولما لم يجدوا معه شيئاً تضجروا وانتهروه قائلين: «من أين توافينا بالأجرةِ»؟ فقال لهم الشيخ: «ردُّوني من المكانِ الذي بدأتُ منه الركوب معكم ثم امضوا بعد ذلك بسلامٍ». فقالوا له: «أبعد أن سافرنا خمسةَ أيامٍ تريدنا أن نرجع إلى الوراء فتؤخرنا بذلك عشرة أيام دون أن نتقدم، كما أننا لا نعلم إن كانت الرياحُ توافقنا كما الآن أم لا، لأننا قطعنا مسافةً طويلةً لطيبِ الريحِ الذي لم نرَ مثلَه قط». ولم يعلم القومُ أن الله سهَّل طريقَهم من أجلِه. أما هو فقال لهم: «إن لم تردُّوني إلى مكانٍ فهأنذا بين أيديكم لأنه ليس لي ما أعطيكم». وحدث بعد ذلك أنهم تحننوا عليه ورحموه وأطعموه وأولوه جميلاً. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:21 AM | رقم المشاركة : ( 118 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
ولما وصلوا إلى رومية، أخذ يجولُ في المدينةِ سائلاً عن حبيسيها وصالحيها ليعرف سيرتهم وكيف حالهم في العبادةِ. فدلُّوه على راهبةٍ حبيسةٍ لها ذِكرٌ فاضلٌ وصلاحٌ طاهرٌ، فأحبَّ أن يعرف سيرتها في رهبانيتها، فذهب إليها. وكانت تلك الحبيسةُ كثيراً ما تُمسك نفسَها عن التكلم مع الناسِ، وكانت لها خادمةٌ عجوز. فقال الشيخُ: «كلِّمي الحبيسةَ أن تكلِّمَني واعلميها بأني حباً في المسيح جئتُ إليها». فقالت له العجوز: «إن الحبيسةَ ليس لها عادةٌ أن تكلم إنساناً، وأبت أن تخبرها. فمكث القديسُ ثلاثةَ أيامٍ وهو لا يفارقُ العجوزَ، فلم يأكل ولم يشرب. فلما شعرت به الحبيسةُ وأبصرت صبرَه رَحَمته، فأشرفت عليه وقالت: «ما الذي يبقيك ها هنا يا أبي وماذا تطلبُ»؟ قال لها: «أحيةٌ أنت أم ميتة». قالت: «أنا حيةٌ بالله وميتةٌ عن العالمِ». فقال لها: «أقائمةٌ أنت أم جالسة»؟ قالت له: «لا يا أبي، بل أنا سائرةٌ». قال لها: «إلى أين تسيرين»؟ قالت: «إلى السيد المسيح». فقال لها القديسُ: «أريدُ أن أتأكدَ صحةَ كلامِك. فإن فعلتِ ما أقولُه لك علمتُ أنك صادقةٌ، اخرجي من حبسِك وانزعي ثيابك وأنا أيضاً أنزع ثيابي ونمشي عراةً الواحد منا خلف الآخر وسط سوق المدينة». فقالت له: «يا أبي، إنَّ لي حتى اليوم خمساً وعشرين سنة وأنا في هذا الحبس، فكيف تطلب مني الآن أن أخرجَ منه وأفعلَ هذه الجهالة»؟ قال لها القديسُ: «ألست تزعمين بأنك قد مُتِّ عن العالم، فالميتُ من أي شيءٍ يرتبك؟ وإن الميتَ عن العالم لا يبالي بهزءِ الناس ولا بمديحهم. من مات عن الدنيا لا يبالي بما يصيبُ جسَده من أجلِ الرب، فحياؤك هذا يدلُّ على أنك لم تموتي بعد عن العالم كما قلتِ، وإنما أنت مخدوعةٌ ولم تنتصري بعد». فقالت له: «إني لم أصِلْ بعد إلى هذه المنزلة التي أخبرتني عنها». فقال لها القديس: «إياك بعد هذا اليوم أن تعتقدي بأنك غلبت الجسدَ ومتِّ عن العالمِ». فقالت له: «لو أننا أتينا هذا الفعلَ أما كانوا يتشككون فينا ويقولون: لولا أن هذين فاسدان لما فعلا ذلك»؟ قال لها القديسُ: «كلَّ ما تصنعينه في سبيلِ الله، لا تبالي بقولِ الناس إزاءه. إن الراهبَ إذا كان يغتمُّ من الشتيمةِ والهوان فقد دلَّ على أنه علمانيٌ لم يترهب بعد». فقالت له: «اغفر لي يا أبي فإني لم أصِل بعد إلى هذه الدرجةِ». فقال لها القديس: «اتضعي في فكرك وإياك والعظمة»، ثم انصرف. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:21 AM | رقم المشاركة : ( 119 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وحدث مرةً أن عبر الأب سرابيون على قريةٍ من أعمالِ مصر، فنظر امرأةً زانيةً قائمةً على بابِ الماخور. فقال لها الشيخُ: «انتظريني عشيةً لأني عازمٌ على المجيءِ إليك لأقضي هذه الليلة بقربك». فأجابته: «حسناً يا راهب حسناً». وإنها استعدت وفرشت السرير. فلما كان المساء أتى إليها وقال: «هل أعددتِ المرقد حسناً»؟ فقالت: «نعم يا راهب». فلما أغلقت البابَ قال لها: «تمهلي قليلاً لأن لنا سُنةً لا بدّ أن أعملها أولاً»، وابتدأ من أول الابصالتس مرتلاً، وفي نهايةِ كلِّ مزمورٍ كان يقول: «يا ربُّ ارحم هذه الشقيةَ وردّها للتوبةِ لتخلص». فسمع الربُّ وخشَّع قلبها وكانت قائمةً إلى جانبهِ مرتعدةً، ولفزعِها سقطت على الأرضِ. فلما أكمل الشيخُ الابصالتس أجمع، أقامها. فعلمت أنه جاء ليخلِّص نفسها. فطلبت إليه قائلة: «اصنع محبةً يا أبي وأوجد لي موضعاً تضعني فيه لأرضي إلهي وأرشدني كيف أخلص». فأخذها الشيخُ إلى دير عذارى وسلَّمها للرئيسةِ وقال لها: «اقبلي هذه الأخت وافسحي لها المجالَ لتتدبر كما تشاء»، فقبلتها. ولما مكثت أياماً يسيرةً قالت: «أنا امرأةٌ خاطئةٌ والواجب عليَّ أن آكلَ في كلِّ يومين مرةً واحدةً». وبعد أيامٍ قلائل قالت: «إني فعلتُ خطايا كثيرة والواجب عليَّ أن آكل كلَّ أربعةِ أيامٍ مرةً». وبعد أيامٍ أخرى قالت: «إن خطاياي كثيرةٌ جداً فالواجب عليَّ أن آكل كلَّ أسبوعٍ مرةً». وبعد ذلك طلبت من الرئيسةِ فجعلتها في قلايةٍ صغيرةٍ وسدَّت بابَها عليها. وكانوا يناولونها طعامَها وشغلَ يديها من طاقةٍ. وهكذا أرضت اللهَ هناك بقية حياتها. |
||||
18 - 10 - 2017, 10:21 AM | رقم المشاركة : ( 120 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
ومرةً سأله أخٌ قائلاً: «قل لي كلمةً». فقال الشيخُ: «وماذا تريدُ بسماعِ الكلمة وقد أخذت قوتَ الفقراء وتركته في هذه الكوةِ». وذلك لأنه أبصرها مملوءةً كتباً. وحدث أن زاره أخٌ، فطلب منه الشيخُ أن يصليَ كما هي العادة، فاعتذر قائلاً: «إني خاطئٌ لا أستحق ولا لإسكيم الرهبنةِ». فأراد الشيخُ أن يغسلَ رجليه فأبى ولم يدعه واعتذر بمثلِ هذا الكلام وقال: «إني خاطئٌ ولستُ مستحقاً». ثم إن الشيخَ هيأ طعاماً، فلما جلسا يأكلان أخذ الشيخُ يعظه بمحبةٍ ويقول له: «يا ابني إن كنتَ تريد أن تنتفع فاجلس في قلايتك، واترك عنك الدوران، واجعل اهتمامك في نفسِك وفي عملِ يديك، فإنك لا تنتفع من الجولان مثلما تنتفع من الجلوس في قلايتك». فلما سمع الأخُ ذلك الكلام وهذه العظة، تململ وتغير وجهُه، حتى أن الشيخَ لاحظ ذلك في وجهِه. فقال له الشيخُ: «بينما أنت تقول إني خاطئٌ وتصف نفسَك أنك لستَ أهلاً أن تحيا في هذه الدنيا، فإذا بي لما عاتبتُك بمحبةٍ أراك قد تململتَ وتلون وجهُك حتى صرتَ مثل السبعِ. إن كنتَ بالحقيقةِ تريدُ أن تكونَ متضعاً فاحتمل ما يأتيك من الاغتمامِ من الآخرين، ولا تلُم نفسَك ملامةً باطلةً بالرياءِ وبالكلامِ الباطلِ». فلما سمع الأخُ هذا الكلام انتفع به وصنع مطانية قائلاً: «اغفر لي». ورجع إلى قلايته. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |