رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من أنا؟
من أين جئت؟ إلى أين أنا ذاهب؟ لماذا؟ من الطبيعي جداًّ أن تصدر أوّل مجموعة من الأسئلة عن وعينا لحدَّي الحياة الطبيعيين، أي الولادة والموت. أين كُنتُ قبل أن أُولد _ هذا إذا كُنت في مكانٍ ما؟ أين سأكون بعد أن أموت _هذا إذا كُنت سأكون في مكانٍ ما؟ إنَّ الديانات الشرقية، كالبوذية والهندوسية، تقدَّم عن هذين السؤالين جواباً منفتح الطرفين: فأنت كنت َموجوداً قبلما صرت مولوداً، وستكون موجوداً بعد موتك. إنّك عالقُ في فخ "السامسارا"، أي دوّامة الوجود اللانهائية. وما لم يحدث ما يقطع الدوامة، تظلُّ إلى ما لا نهاية تُولد وتموت، وتُولد مرّةًً أُخرى لتعود فتموت. أما هدف الحياة فينبغي أن يكون الانفلات من الدوامة، أي أن أضع في الواقع نهايةً لذاتي الماكرة والباطلة. وتعرض البوذيّة ما تدعوه "نرفانا" حيث تنسحق جميع المشاعر المكوِّنة للذات، فيما تعرض الهندوسية الذوبان في المطلق. وكلتا الطريقين تُفضي إلى إنهاء ذاتي. وقد علّق الفيلسوف لِوْيس (C. S Lewis) على قياس التمثيل المستعمل عادةً للتعبير عن هذه الفكرة، وهو نزول نقطة الماء إلى قلب المحيط، فقال إنه إذا كان ممكناً اعتبار نقطة الماء ما تزال موجودة بعد اندماجها في المحيط، فمعنى ذلك انتهاء وجود النقطة بحد ذاتها. فإذا كنت سأذوب في المطلق، فمعنى هذا انتهاء وجودي بوصفي ذاتاً. غير أن المسيحية تقدِّم أجوبةً مختلفة عن هذه المجموعة من الأسئلة. أنا فردٌ فريد خلقني الله. كانت لي بداية، ولكن لن تكون لي نهاية. لماذا خُلِقتُ؟ كي أتمتع بالله من طريق المعرفة الشخصية له. إن الجواب عن السؤال "إلى أين أنا ذاهب؟" يعمّقه التفسير المسيحي لانعدام المعنى من الحياة عموماً (الدُكها). ذلك أن المسيحيين يوافقون على كون الحياة غير مُرضية. وهي كذلك لأننا فقدنا تلك العلاقة المميزة بالله، العلاقة التي لأجلها قد خُلقنا. فقد أصبحنا أذكى من اللازم وأكثر ثقةً بالذات وعناداً. وبحماقة ٍوصلنا إلى حيث اعتقدنا أننا قادرون على تدبير شؤون العالم بمعزل عن أي رجوع إلى الله. ونحن نُسيء استخدام قوتّنا ومعرفتنا. إننا نستغلُّ العالم - العالم الذي كونه الله - ونخربّه. ففي أفريقيا تمتدُّ صحراء الساحل أكثر فأكثر؛ وفي أوروبا تتلوَّث البحار بعدما غدت مكبَّ نفايات نطرح فيه النفايات الذرية. وفصائل بكاملها من الحيوانات يتهدّدها الخطر حتى تكاد تنقرض. إن التفسير المسيحي "للدُّكها" بسيط: لقد أبقَيْنا الله خارج المعادلة. فلنُعِده إليها وإذا كلُّ شيء يتغير. لنعد الله إلى المعادلة، يَعُدِ الجواب عن السؤال "إلى أين أنا ذاهب" إلى المكان حيث صنع الله الإنسان أوّلاً: "إلى الله، إلى السماء إلى الفردوس". ولكنْ ماذا يحدث إذا لم نفعل؟ إذا كنتُ لا أسمح لله أن يقوِّم حياتي غافراً لي خطايا الماضي ومحرِّرا إياي من خطايا الحاضر فماذا يكون إذاً؟ عندئذٍ أظلُّ جزءاً من "الدُّكها". سأكون أنا نفسي غير راضٍ، وسأجعل الآخرين أيضاً غير راضين. إنْما لنلاحظ أمراً جوهرياً متعلقاً بالجواب المسيحي: إنْه لا يُمكن البتةَّ أن أكون أنا شخصياً من يقوِّم ذاته بأيْ مجهودٍ مهما عظْم. فلا بدَّ أن يفعل الله هذا. أمْا أنا فلا أستطيع. وهكذا نطرح السؤال "لماذا؟". لماذا كلَّف الله نفسه فخلقني؟ وأكثر من ذلك: لماذا جاء يفتِّش عنِّي بعدما خلقني ورآني أبتعد عنه بعيداً وأمضي في سبيلي الذاتي؟ أما كان في وسعه، بدلاً من هذا، أن يمحو ذِكري من سجلّه؟ إذا كان دُكها العالم ما هو غير الحصيلة النهائية لفجور جميع الناس أمثالي، فلماذا لا يكتفي الله بأن يُنهي وجودنا أجمعين ويبدأ مشروعاً آخر في مكان ما ؟ الجواب هو محبة الله فحاشا له أن يكون وحشاً هائلاً نائياً عديم الرحمة. بل أنه أبٌ مُحِبٌّ، كما تقدِّمه المسيحية. ومع ذلك فهو بارّ (عادل)، وليس أشبه بجدٍّ عاطفي يتغاضى عن حماقات حفدائه. ومن شأن الله العادل أن يسوي الحساب ذات يوم. فالدَّين يفيه هو أو يبقى عليك لتفيه أنت، لكنه لا بُدَّ أن يوفى. منذ عدّة سنين قرأت خبر فلاّح كندي قرّر أن يتحدّى إله المسيحية، وقد أصر على تعمد العمل يوم الأحد، وهو اليوم المسيحي المخصَّص للعبادة. وبعد حصاد أيلول (سبتمبر) كتب على الصحيفة المحلية يقول: "حرثت ذلك الحقل يوم الأحد، وبذرت البذار فيه يوم الأحد، وحصدت الحصيد يوم الأحد، وأخيراً بعتُ الغلة يوم الأحد، وقد كسبت من ذلك الحقل ربحاً أكثر مما كسبت من أي حقل آخر. " إلا أن محرر الصحيفة علَّق على الخبر بهذا التعليق الموجز: "إن الله لا يسوِّي حسابه في أيلول". |