رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما أحلى مساكنك _ جيروم تفسير المزمور 84 للقديس جيروم "مساكنك (مظالك) محبوبة يارب إله القوات. تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب" (مز 84). بعد وقت قصير من هذه الآية، يصرخ المرتل: "طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك". لاحظ أن هناك ثلاثة أماكن للسكن، خيام أو مظال ثم ديار وأخيراً بيوت. "ما أحلى مظالك يارب القوات!" ما هي هذه المظال؟ دعونا ننتقل إلى الإنجيل لنرى إذا كان يقدم لنا مفتاحاً للتعرف عليها. يتكلم الرب ويقول: "أصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية" (لو 16). عندما يفشل مال الظلم، عندئذ سوف يرحب بكم هؤلاء الأصدقاء في المظال الأبدية. اعلموا جيداً أن مال الظلم يفشل في هذا العالم، ومع ذلك، أعلموا أن مال الظلم هذا هو الذي يوفر للإنسان الصدقات، ويُعد له مسبقاً المكافأة أو العقوبة. "بمال الظلم"، في الواقع هناك الكثبر من الصدق في مقولة الفيلسوف الذي قال: "كل إنسان غني هو إما شرير، أو وريث لشر أسلافه". لهذا السبب، يقول الرب والمخلص "أنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات" (مت 19). قد يعترض أحد ويقول: "كيف إذن دخل زكا الثري إلى ملكوت السموات؟". لقد وهب ماله واستبدله مباشرة بثروات الملكوت السماوي. لم يقل الرب المخلص أن الأغنياء لن يدخلوا ملكوت السموات بل سوف يدخلون ولكن بصعوبة. "ما أحلى مساكنك يارب القوات". الطموح الأساسي لبعض الناس هو إقتناء الممتلكات، البعض الآخر يتوق لإكتناز ثروة العالم، والبعض الآخر يرغب في تحقيق المنازل الرفيعة في المجتمع، وأن يُقدَّر ويبجّل بين الناس. أما بالنسبة لي، فليس لي سوى إشتياق واحد فقط: أن أرى مساكنك الأبدية. بالنسبة لي، هذه هي المساكن الجميلة التي يتجمع فيها الأبرار لا الأشرار. "تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب". هذه هي رغبتي الوحيدة، هذا هو شغفي الوحيد، بأن أرى ديارك يارب. لاحظ الترتيب. أولاً، هو يشتاق للمظال، أي الخيام التي بلا أساس وتُحمل بسهولة. فالخيمة كثيرة التنقل، تطوى وتُحمل هنا وهناك. أما الديار، من ناحية أخرى، بالرغم من أنها ليست منازل إلا أن لديها نوع من الأساس، ومن الديار ندخل إلى البيت. مرتل المزامير إذاً، يشتاق أولاً إلى مظال ثم بعد ذلك يتوق وتذوب نفسه لديار الرب، وعندما يكون في ديار الرب، يصرخ قائلاً: "طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك". "قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي". من الصعب على أي إنسان أن يكون قلبه وروحه في إنسجام وتآلف كامل. إذا كان الأمر صحيحاً كما يقول الرسول، أن "الجسد يشتهي ضد الروح الروح ضد الجسد" (غلا 5)، فما معنى كلمة: "قلبي ولحمي يهتفان"؟ هذه الصلاة تخص فقط الإنسان الثابت بأكمله في محبة الله. "قلبي ولحمي"، نجد نفس المعنى في مزمور آخر قائلاً: "عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي" (مز 63). "لحمي"، هذا هو الجسد الذي يشتاق إلى الرب، والذي كُتب عنه في موضع آخر: "يبصر كل بشر (جسد) خلاص الله" (لو 3). أما ذلك الجسد المكتوب عنه "كل جسد عُشب" (إش 40) لا يريد الرب. "قلبي ولحمي"، تأملوا معي الإنسان العفيف الذي يحسب موت الجسد مكسباً لروحه. فالأصوام والمعاملة القاسية هي بمثابة الإماتات لجسده. ما هو حكم الرسول بولس؟ "أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب" (1 كو 5). ما لم يمت الجسد، لا تستطيع الروح أن تنتعش، لذلك يقول الرسول أيضاً: "حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي" (2 كو 12). ليتأكد كل واحد منّا، على مدى صحة ذلك، وكيف أنه عندما صار ضعيفاً وتعباناً من جراء الصوم صارت روحه قوية وأفكاره مشغولة بالكامل مع الله، مردداً مراراً وتكراراً: "ما أحلى مساكنك يارب القوات". "العصفور أيضاً وجد بيتاً واليمامة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها". لنقنع في الوقت الحاضر بتفسير بسيط. فالآية تشمل الآتي: "أنا أشتاق، أيها الرب، لمساكنك الأبدية، نفسي تشتاق وتتوق إلى ديار الرب، أشتاق لمكان ما لكي أسكن، أشتاق لعش لتسكين نفسي وجسدي. فالطيور التي تحلق ذهاباً وإياباً بلا ضابط، لها بعد طيرانها موضعاً وعشاً لكي ترتاح، فكم بالأكثر جداً يتوق جسدي ونفسي للحصول على مكان الراحة؟". والآن دعونا نصعد لتأمل أعلى من ذلك. يقول الكتاب عن العصفور:"على الرب توكلت، كيف تقولون لنفسي اهربوا إلى جبالكم كعصفور" (مز 11). لاحظوا أن الذي يهاجر إلى الجبال هو العصفور فقط. "واليمامة عشاً"، هذه هي اليمامة التي يقول عنها سفر نشيد الأنشاد: "صوت اليمامة سُمع في أرضنا". "واليمامة عشاً"، الحمام هو طائر عفيف، لا يجعل أقامته أبداً في الأماكن المنخفضة، بل دائماً يبني عشه على قمم الأشجار العالية. وكما تجعل طيور النقاوة - العصافير والحمام - أعشاشها في المواضع المرتفعة، هكذا أيضاً المظال والديار والبيوت ليست على هذه الأرض الحقيرة، بل موضعها مرتفع وسامي في ملكوت السموات. لاحظ ما يقوله المزمور: "طوبى للساكنين في بيتك". نحن لا نبقى في المظال بل نقيم مؤقتاً، ولا في الديار مهما طال الزمن ونحن هناك، لا نبقى كسكان بل كحجاج مرتحلين، لأننا من الديار ننتقل إلى داخل البيت. وعندما نأتي إلى البيت، يقول مرتل المزمور: "طوبى للساكنين في بيتك"، أي البيت الذي له الأساسات، إذ أننا لن نخرج أبداً من هذا البيت. "طوبى للرجل الذي نصرته من عندك يارب". حقاً نحن نشتاق إلى مظالك وديارك وبيتك، لكن تحقيق رغبة قلوبنا ليس في مقدرتنا، فالأمر لا يعتمد على قوتنا بل على مؤازرتك ومساعدتك. "رتَّب مصاعد في قلبه". من هم الذين رتبوا في قلوبهم الصعود والحج إلى بيتك؟ أولئك المباركين الذين وجدوا قوتهم في الرب، الذين عزموا على الصعود خطوة خطوة. يوماً بعد يوم، يتقدم القديس إلى الأمام نحو الدرجات الأفضل، غير ملتفت إلى ما هو وراء. في الواقع، لهذا السبب، نجد في سفر المزامير خمسة عشر نشيداً تدريجياً، يبدأ نشيد الصعود الأول بكلمات: "إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي" (مز 120)، والنشيد الثاني: "أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني" (مز 121)، والثالث: "فرحت بالقائلين لي". يتحرك القديس دائماً إلى الأمام، متقدماً بثبات، صاعداً إلى مرتفعات دائماً أكثر سمواً ومهابة. هذا هو معنى "رتَّب مصاعد في قلبه". سعيد هو الإنسان الذي يتقدم يومياً، الذي لا يتثقل بما فعله بالأمس، بل يجعل عزمه وتصميمه لليوم ويحافظ عليه. الإنسان البار يضع في قلبه الصعود، أما الشرير فيضع النزول. وكما يتقدم الإنسان القديس يوماً بعد يوم، يرتد الخاطئ يوماً بعد يوم. يا لسعادة الإنسان الذي يصعد بإخلاص ومن كل القلب الطرق العالية. لنتأمل الآن التسلسل المنطقي للآيات المقدسة. "عابرين في وادي البكاء، في المكان الذي قرره". عندما يذكر "وادي"، نتصور مباشرة جبلاً. أين إذاً هو الإنسان الذي وضع في قلبه أن يصعد خطوة خطوة إلى المرتفعات؟ هو في وادي البكاء. دعونا نتصور لحظة أننا في هذا الوادي: نحن لسنا في الجبل، نحن لسنا في جنة عدن، نحن لسنا في مرتفعات الفردوس، بل في وضاعة الأرض. علاوة عى ذلك، على الأرض المعلق عليها لعنة، التي تثمر لنا شوكاً وحسكاً، طعام الثعابين، والتي قيل عنها لآدم: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3). طالما نحن في وادي البكاء، يجب أن لا نضحك بل نبكي، لذا يقول الرب: "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون". في الوقت الحاضر، نحن في وادي الدموع، وهذا العالم هو مكان للبكاء لا للإبتهاج. يجب أن لا نضحك لأن هذا هو العالم وهذا هو الوقت المناسب للدموع، أما العالم الآتي فهو عالم الفرح والإبتهاج. "عابرين في وادي البكاء، في المكان الذي قرره". ماذا يعني مرتل المزامير بكلمة "المكان الذي قرره"؟ يعني في وادي البكاء. "في المكان الذي قرره": الله قد أدخلنا كمتسابقين في حلبة سباق، لذا فنصيبنا أن نكون في جهاد على الدوام (عب 12: 1). هذا المكان إذاً هو وادي للبكاء، ليس وضع سلام، ولا حالة طمأنينة، بل حلبة صراع وإحتمال. "لأن البركات يعطيها واضع الناموس". قد يسأل أحد ما: "لماذا في وادي البكاء، في المكان الذي رتبه الله للمنافسة والجهاد، لماذا وضعنا كمصارعين؟ لماذا أراد الرب لنا أن نصارع؟ مرتل المزامير نفسه يعطي الجواب: لقد أراد أن يتم وضع هذا المكان لنا كحلبة، حتى يمكنه أن يجازي إنتصارنا بإكليل. لأن واضع الناموس سوف يعطي البركة. فالمشرع رئيس المسابقة قد أراد لنا أن نتنافس فقط حتى يمكنه مباركتنا. فقط تأملوا في ما معنى الإنتصار! وما هي البركات التي يقدمها رئيس المباريات؟! "يسيرون من قوة إلى قوة"، يحققوا النصر هنا حتى يستلموا الإكليل هناك. إذا قدَّم الإنسان الشجاع دليلاً على القوة هنا، يصبح أكثر قوة هناك. "يسيرون من قوة إلى قوة"، هكذا ما لم نكن أقوياء هنا، لا نستطيع الحصول على قوة أعظم هناك. لم يقل مرتل المزامير أنهم يسيرون من ضعف إلى قوة، بل من قوة إلى قوة. أتريد أن تكون إنساناً ثابتاً قوياً هناك؟ كن هكذا هنا أولاً. أتريد أن تكلل هناك؟ حارب هنا. "يسيرون من قوة إلى قوة"، يمكننا أن نقول هذا بطريقة أخرى. "المسيح هو قوة الله وحكمة الله" (1 كو 1). ذلك الذي يكون لديه القوة هنا، سوف يقتني هناك"القوة" ذاتها. "يسيرون من قوة إلى قوة"، ما هو الربح الذي يقتنوه عندما يسيرون من قوة إلى قوة؟ ماذا تكون مكافأتهم؟ "سوف يروا إله الآلهة في صهيون". "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5). المكافأة المشبعة للمنتصرين هي وجه المسيح، مكافأة وافيه لأولئك الذين صارعوا! فرؤية الله إكليل لا نهائي. "يتجلى لهم إله الآله في صهيون". يا له من فرح، يا لها من سعادة أن تسير من قوة إلى قوة، وتفوز برؤية المسيح كمكافأة مستحقة. "انظر أيها الإله ناصرنا، واطلع إلى وجه مسيحك". انتبهوا لما يقوله: "اطلع إلى وجه مسيحك"، أنه الإنسان الذي يصلي بجدية أن يطلع الآب إلى وجه الابن. لندرك ما يعنيه. سأل بولس الرسول: "إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلم فيَّ؟" (2 كو 13)، والمسيح بنفسه أجاب: "من يقبلكم يقبلني " (مت 40:10). إذاً وبالتالي، ما يقوله مرتل المزامير هو: أنظر إلينا، لأنك سوف ترى فينا ابنك الذاتي الذي يسكن فينا. "لأن يوماً صالحاً في ديارك خير من آلاف". لاحظ أنه يقول "يوماً واحد". يعتقد أحد المفسرين أن هذه الآية تعني: أن الحصول على القليل من ملكوت السموات أفضل من إمتلاك كل شيء هنا في هذا العالم. هذا صحيح وتفسير جيد جداً. لكن دعنا نقول: إذا كان من الممكن لأحد ما أن يكون في ملكوت السموات لمدة يوم واحد ثم بعد ذلك يطرد، لكان قال بحق: يوماً واحداً في ديارك أفضل. لكن في الواقع، هذا هو معنى اليوم الواحد: أن ملكوت السموات هو يوم واحد، ليس هناك ليل ولا ظلام بل نور دائم، ومن يوجد في ملكوت السموات ليوم واحد يحيا هناك إلى الأبد. "اخترت لنفسي أن أطرح على باب بيت الله افضل من أن أسكن في مظال الخطاة". هذه الفكرة قريبة لما قاله المخلص عن يوحنا: "الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت 11)، علاوة على أنه يدعو يوحنا ملاكاً (مت 10:11). ثم يضيف: "ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه". المعنى هو: أن يوحنا أعظم من كل الناس، وإذا كنت تريد أن تعرف، هو حتى ملاكاً، إلا أن ذاك الملاك على الأرض هو الأقل في ملكوت السموات، أي أنه في مرتبة أقل من الملائكة. فالأصغر في ملكوت السموات - أي الملاك - أعظم من ذلك الذي هو أعظم من كل الناس على الأرض. إذاً، ما يعنيه النبي من خلال كلماته: "اخترت لنفسي أن أطرح على باب بيت الله" هو: لقد اخترت أن أكون الأقل والأصغر في ملكوت السموات بدلاً من الأول في هذا العالم،"اخترت لنفسي أن أطرح على باب بيت الله افضل من أن أسكن في مظال الخطاة". لننتبه لما يقوله: "افضل من أن أسكن في مظال الخطاة". الخيام بلا أساس وقابلة للتلف، لهذا كله الخاطي لا يسكن بالقرب من الأرض بل يسكن فيها، ويتشبث بها. "لأن الرب الإله يحب الرحمة والحق"، فمحبة الله تحتضن كل من الرحمة والإخلاص. لو كان رحيماً فقط، لكان بذلك يدعونا جميعاً إلى الخطية. ولو كان يحب الحق فقط لفقدنا أي أمل في التوبة. الله إذاً يلجأ للأثنين، ويُلطّف الواحد بالآخر. إذا كنت خاطئ، التفت إلى رحمة الله ولا تيأس، لكن قدم أعمال التوبة. من ناحية أخرى، إذا كنت باراً لا تصير متهواناً بسبب رأفة الله، لأن الله عادل ويحب الإخلاص. "ويهب النعمة والمجد"، لم يقل النبي أن الرب يعطي نعمة ومجد بل قال "يهب النعمة والمجد". أولاً يمنح العفو للخاطئ ثم بعد ذلك يهب الإكليل. "الرب لا يمنع الخيرات عن السالكين بإخلاص". الصيغة العبرية هي: "بالكمال"، وهي أفضل من كلمة "الإخلاص" لأن الإخلاص ليس كمال الفضيلة. ما لم يقتني البسيط الحكمة، تكون فصيلته غير مكتملة وناقصة. لذا يقول الرب في الإنجيل: "كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت 16). "يارب القوات"، عندما نكون مذنبين بأي ذنب لا يكون الله الذي هو "رب القوات" ربنا، لأنه ليس إله أشرار بل أبرار. "طوبى للإنسان المتكل عليك"، الإنسان المتكل على الله هو الإنسان الذي ضميره حراً من الخطية، الذي يرفع عينيه إلى السماء بثقة. الإنسان المتكل عليه هو الإنسان الذي يعلم أنه لم يرتكب أي تعدي ضد ربه. |
07 - 02 - 2015, 07:44 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: ما أحلى مساكنك _ جيروم
مزمور جميل كله تعزيه وحب فى رب القوات
ميرسى للتفسير سما ربنا يعوض تعب محبتك |
||||
07 - 02 - 2015, 10:06 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | |||
..::| VIP |::..
|
رد: ما أحلى مساكنك _ جيروم
|
|||
07 - 02 - 2015, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: ما أحلى مساكنك _ جيروم
شكرا يا سوسو
ما أحلى مساكنك _ جيروم |
||||
|