المجد الفارغ _ جيروم

[sama smsma]

المجد الفارغ _ جيروم

المجد الفارغ

القديس جيروم

"لا تكونوا مُعجبين (راغبين في المجد الفارغ)، نغاضب بعضنا بعضاً ونحسد بعضنا بعضاً" (غلا 5: 26)


الكتب الكثيرة التي كتبها الفلاسفة، بالإضافة إلى كتاب شيشرون "على المجد" في مجلدين، تشهد على تشكيلة التعاريف والمعاني التي تخص "المجد". لكن بما أننا نسعى جاهدين لشرح مفهوم الكتاب المقدس لا دراسة أصل الكلمات، لذا سوف نربط هذه الآية بالآيات التي سبقتها: إن كنا نعيش بالروح (غلا 5: 25)، دعونا نطيع الروح ونستعبد أنفسنا بعضنا لبعض بالمحبة، لا بالناموس (غلا 5: 13).


لا يجب أن نتماحك بشأن تفسير الكتاب المقدس ونقول "الختان أفضل"، "لا عدم الختان أفضل"، "المعنى الحرفي يجب أن يدان والمعنى الرمزي يُتبَّع"، "لا بل المعنى الرمزي فارغ وغامض وفي غير موضعه من لب حقيقة. هكذا يتولَّد الحسد بين الناس. يقول بولس الرسول: "يغارون لكم ليس حسناً بل يريدون أن يصدونكم (منّا) لكي تُغاروا لهم" (غلا 4: 17)، وهم لا يتمنون بالأحرى أن يعلمونكم حقيقة الناموس بل أن يسيطروا عليكم.


وحتى لا نعبر عن كلمة "المجد" كلية دون أن نناقشها، لنترك للفلاسفة سخافتهم، ونراجع بعض الفقرات من الكتاب المقدس. كلمة "مجد" تعني إعجاب عامة الناس، والمديح الذي يسعى إليه الإنسان بإستحسان الناس، كما نرى في الآية الآتية: "وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس" (مت 5:23)، وفي موضع آخر: "كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض؟" (يو 5: 44). نفس هذه الآية تتكلم أيضاً عن نوع جيد من المجد: "والمجد الذي من الله فقط لستم تطلبونه". لذلك نفهم أن نفس الكلمة تستعمل أحياناً لتُعبر عن الفضيلة وفي أحيان أخرى تعبر عن الرذيلة. إذا طلبت مجدأً من الناس، تكون رذيلة، إما وإن طلبت مجداً من الله تكون فضيلة، والله يحثنا على المجد الحقيقي، قائلاً: "أكرم الذين يكرمونني" (1 صم 2: 30).


"المجد" له معنى آخر في الكتاب المقدس، وهو عندما يُستعلن لرؤية الإنسان ما هو أكثر جلال أو أكثر قداسة. فمجد الرب ظهر في خيمة الاجتماع (خر 40)، والمجد حلَّ أيضاً في هيكل سليمان (1 مل 8)، وكذلك الأمر أيضاً مع وجه موسى عندما لم يعي أن طلعته قد أكتست بالمجد. أحسب أن الرسول أيضاً كان يتكلم عن هذا المجد الذي للوجه، عندما قال: "ونحن جميعاً عاكسين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآه، نتغير إلى شبهه من مجد إلى مجد" ( 2 كو 18:3). ويدعى المخلص ذاته "بهاء مجد الآب ورسم جوهره" (عب 3:1). وإسطفانوس رأى مجد الله ويسوع واقفاً عن يمينه (أع 7).


لنمارس حريتنا في إبتكار كلمات، إذ يجب أن تُبتكر كلمات جديدة لتوضيح مفاهيم جديدة - كما يقول شيشرون. عندما يقول الرسول: "لا تكونوا راغبين في المجد الفارغ"، الذي ليس له معنى. يمكننا أن نقول أن أولئك الراغبون في "المجد الوفير" هم الذين يشتاقون إلى مجد الله، المدح الذي يأتي على حق من الفضيلة، والمشاهدة للأمور الإلهية.


أود في هذه اللحظة أن أطلق بعض الكلمات، لكنني أتراجع خشية من التحدث. على الرغم من هذا، سأتكلم ولن أسكت بشأن شغفي هذا - وهو شغف لا للغنى أو القوة أو الجمال الجسداني، إذ أن كل هذا يخص أعمال الجسد:


إذا كانت فعل الصدقة يتم عمله بغرض الحصول على المديح، فهذا هو مجد فارغ، ونفس الأمر ينطبق على الصلوات المطوّلة أو الشحوب الناتج من الصوم. هذه الكلمات ليست كلماتي بل كلمات المخلص، الذي يعلنها بشكل مدوي في الإنجيل (مت 6). العفة في الزواج، الترمل، والبتولية أيضاً، كثيراً ما تنشد التصفيق البشري.


ما كنت خائفاً أن أقوله، يجب أن يقال: إذا تقدمنا للاستشهاد بهدف أن يُعجَّب بنا، وأن نُمدح من قبل أخوتنا، يكون دمنا قد أهرق عبثاً. لنجعل الرسول - الأناء المختار - يتكلم: "إن سلمت جسدي حتى أفتخر، ولكن ليس لي محبة فلا أنتفع شيئاً" (1 كو 13). هو ذات الشخص الذي قال: "أعرف إنساناً في المسيح قبل أربع عشرة سنة، أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست أعلم. اختطف هذا إلى السماء الثالثة" (2 كو 12). ويعد قليل قال: "اختطف إلى الفردوس وسمع كلمات لا يُنطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها". هذا الإنسان تعب أكثر من الجميع (1 كو 15)، حتى لا يتكبر من الاعلانات العظيمة الفائقة. وأعطي شوكة في جسده، ملاك الشيطان، ليعذبه ويحفظه من الغرور. تضرع إلى الرب ثلاثة مرات أن يفارقه، وقيل له: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل".


ما هو عمل الله إن لم يكن قراءة الكتاب المقدس، الوعظ في الكنائس، التطلع إلى الكهنوت، الخدمة أمام مذبح الله؟


حتى هذه الأمور قد تنشأ من الاشتياق إلى المديح، وذلك إن لم يكن الشخص حريصاً جداً على حفظ وحراسة قلبه.


يقول شيشرون أن هناك عدد ليس بقليل من الناس يؤلفون الكتب عن إحتقار المجد والمديح، إلا أنهم مع ذلك يلحقون أسماءهم بكتبهم رغبة في المجد والشهرة!


نحن نفسر الكتاب المقدس، وكثيراً ما نمحو ما كتبناه، حتى نكتب ما هو مقبول للقراءة. إن كنا نفعل ذلك ليس من أجل المسيح، بل من أجل سمعتنا وشهرتنا بين عامة الناس، يكون كل الجهد قد أهدر، ونكون مثل نحاس يطنُّ وصنج يرنُ.


يمكننا ملاحظة ذلك من كم الناس الذين يتشاجرون فيما بينهم حول الكتاب المقدس ويعملون من كلمة الله مسابقة رياضية. هم يثيرون بعضهم بعضاً، وإن تم هزيمتهم يصيروا حسودين. مثل هؤلاء توّاقون إلى المجد الفارغ.


أعرف أن الاية السابق ذكرها: "إن سلمت جسدي حتى أفتخر" تأتي في المخطوطات اللاتينية "حتى أحترق" بدلاً من "حتى أفتخر". لكن بسبب تشابه الكلمة في اللغة اليونانية بين "أفتخر" و"أحترق"Καυθησομαι & Καυχησομαι ، باختلاف حرف واحد، استحكم هذا الخطأ عند المترجمين اللاتين. بلا وحتى بين اليونانيين أنفسهم، المخطوطات تعطي قراءات مختلفة.

[اوفا]

ربنا يعوضك

[Mary Naeem]

مشاركة جميلة جدا

ربنا يبارك حياتك