إبراهيم ... خليل الله
وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ ( تك 18: 1 )
في قصة إبراهيم نجد الله يتجه نحو إبراهيم من قبل أن يتجه إبراهيم إلى الله، ويظهر له وهو ساكن في ما بين النهرين، ليُقيم شركة معه وصداقة حُبية. وهذا كله في وقت كانت الأرض كلها غارقةً في جهل ونجاسة وشراسة الوثنية.
والسؤال الهام والجدير بالاحترام والتفكر في إجابته: لماذا يبحث الله عن الإنسان، على الرغم من شرور وفساد وعناد قلبه؟ الجواب ببساطة في عبارة واحدة صغيرة: لأن الله يحب الإنسان جدًا، ولذته فيه.
إن ما يشد أوتار القلب جدًا، ويُدهش العقل كثيرًا، ليس في اتجاه الله ناحية إبراهيم فقط، ولكن في التقدير العجيب والفائق من الله لصداقته مع عبده، والذي نلمحه ونلمسه من القول المتكرر في المكتوب: «إبراهيم خليلي» ( 2أخ 20: 7 ؛ إش41: 8؛ يع2: 23).
ذهب أحدهم لزيارة مريض في كوخه المتواضع، فسأله الزائر: هل زارك أحدٌ اليوم؟ فأجاب الرجل الفقير المسكين، نعم زارني جلادستون. وكان جلادستون في ذلك الوقت رئيس وزراء بريطانيا، حين كانت بريطانيا الإمبراطورية التى لا تغرب الشمس عنها. وكان إذ سمع الزائر هذا الكلام، انتابته الدهشة ولم يصدق، وخرج من كوخ الرجل يضرب كفًا على كف، وهو يقول: لقد ذهب عقل الرجل ... ذهب عقل الرجل! ولكن هذه كانت الحقيقة، ولم يكن عقل الرجل قد جُن كما ظن الزائر، بل كان ينطق بكلمات الصدق والصحو. فقد تعوَّد رئيس الوزراء أن يرى الرجل المسكين الفقير كل صباح، وكان يُحيه وهو يكنس الشارع، وإذ لاحظ جلادستون غيابه سأل عنه، وإذ علم أنه مريض، ذهب ليزوره في كوخه الصغير والحقير.
إن هذه اللفتة الجميلة من جلادستون لا بد وأن تُقابل بالاحترام والإجلال، وذلك للفارق الكبير والشاسع بين الزائر والمُزَار. ولكن كم يكون الأثر أعمق وأجلّ وأعظم إذا ما حدث هذا بين الله وعبده إبراهيم، أو مع أي واحد منا نحن المساكين البسطاء!
أيها الأحباء: أن نعتز جدًا بصداقة الله لنا هذا شيء طبيعي، مع أنه عجيب وفائق، لكن أن يتنازل الله العظيم والجليل والمهوب، ويقترب منا ويصادقنا، وبعد ذلك يفتخر هو بهذه الصداقة معنا ويُقدّرها، هذا الأمر فوق كل عقل وإدراك وفكر، وأغرب من الخيال، فيا ليت نفوسنا تقدِّر وتَعي.