[ المرأة هي على صورة الله كالرجل تماماً. أنهما متساويان في الكرامة، يُمارسان نفس الفضائل، ولكل منهما نفس الجهاد ... بل ربما بالكاد يُمكن للرجل أن يُباري عزم المرأة التي تُراعي حياتها الروحية بقوة وعزم ] (القديس غريغوريوس النيصي )
[ الأسفار الإلهية لا تُبدي أية مضادة بين الرجال والنساء. فالجنس لا يُشكل أي خلاف أمام الله ] ( العلاَّمة أوريجانُس )
يا أحباء الله الذين يلتمسون وجه الرب ويحفظون التعليم حسب الحق المعلن لنا في الابن الوحيد، ينبغي يا إخوتي أن نلبس في أذهاننا الحكمة الإلهية ونتشح بها، وتنفتح بصيرتنا بالروح على التدبير الإلهي النابض بالحياة، والذي خُط حسب مقاصد الله لكمال الإنسان ولأجل دخوله في عمق الشركة مع الثالوث القدوس بقوة النعمة وعمل روح وداعة يسوع…
فالله في البدء خلق الإنسان على صورته ووضع في داخله ملامحه الإلهية الخاصة، أي جعل طبعه إلهي، واكتملت الصورة الإلهيه بالمحبة وخلق آخر لآدم معين نظيره، لتكتمل وحدته في الآخر بشركة حية مركزها الحب المستمد من الله مصدر كل حب أصيل لا غش فيه، والمعجون في طبيعة الإنسان الخاصة، والآخر بالنسبة لآدم ليس مجرد آخر، بل هو الوجه المشرق الذي يحفظ توازنه ويكمله، ويصير معه واحد مميز كآخر مختلف عنه جنساً وشكلاً، إنما في وحده المحبة على مستوى أعمق، ولا عجب إذ أن المرأة عظم من عظام الرجل ولحم من لحمه، وبهذه الحال الرجل والمرأة معاً هما صورة الله المنظورة، أي هما وجهين لعملة واحدة، وأن انطمس أحد الأوجه للعملة الواحدة فقدت قيمتها الحقيقية، وفُقد الوجه المنظور لله الغير منظور…
مشكلة الإنسان على مر العصور هي حالة الانقسام الداخلي بسبب الخطية والسقوط، والذي أدى طبيعياً إلى انقسامه مع الآخرين وعلى الأخص مع المعين الآخر نظيره، وعدم إعطاء الأحقية للآخر أن يندمج معه في سر الحياة بالحب السوي الذي يصنع الوحدة ويدعمها ويقويها ويثبتها، فأصبح الآخر مجرد إناء لإفراغ شهوته وميوله الغير منضبط، وهذا جعل الخطية خاطئة جداً لذلك قال الرب يسوع كاشفاً عورة القلب [ إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه ] (مت 5 : 28) ، أي أن كل من يفرغ المرأة من إنسانيتها وحقيقة خلقتها واحترام صورة الله وملامحه فيها، لتصير إناءً للشهوة، فقد زنا بها في قلبه وظهر رائحة الموت فيه لأنه في الواقع العملي قد احتقر صورة الله المطبوعة في ملامحها الخاصة وخرج عن مقاصد الله وأهان صنعه يده التي صنعها لتصير معين للرجل وتكمل الصورة، وتصير العملة ذات قيمة وتشع منها نور الله وملامحه الخاصة..
فإهانة المرأة بالنظر إليها كإناء شهوة، أهان الرجل نفسه وطمس الوجه الآخر للعملة، وبذلك يحكم عليه أنه زاني مستحق الموت، لا بكونه مجرد عقاب بل حالة طبيعية لانعدام المحبة وتحقيق الصورة بوحدة المحبة، لذلك مات أدبياً وانهار نفسياً لأنه انحرف عن مقاصد الله، ولم يحقق كمال الصورة الإلهية بالطهارة والمحبة السوية التي تآلف الاثنين وتجعلهم واحد فعلاً، وكل واحد فيهما يحترم الآخر لأجل صورة الله وملامحه الخاصة في كل واحد منهما !!!
يا أحبائي، الحب البشري السوي، وعلى الأخص حب الرجل للمرأة، والمرأة للرجل، والذي يقود إلى قرانهم، يُمثل طريقاً روحياً نابض بحياة الله في شركة متبادلة بسر عمل الروح القدس في أعماقهما ليتغيروا لصورة شخص المسيح ويعكسا نور وجهه أمام المجتمع ككل …
وسر الزواج هو خاتم عطاء الحب والحنان عندما يتفانى كل من الزوجين في بذل حياته من أجل الآخر، ثم كليهما من أجل أولادهما، حيث يستحيل لشيء أن يفرقهما …
فمن اتحدا في الجسد يصيران أيضاً روحاً واحداً. لأن حبهم المتبادل يشد إيمانهم الواحد ويرفعم للوحدة مع بعضهما البعض في سر التقوى وبالتالي الاتحاد بمن هو مصدر الحب والعطاء الدائم مع كل الكنيسة، فبالتالي زواجهم في هذه الحالة لا يبعدهم عن الله، بل – وعن جدارة – يقربهم أكثر جداً إليه، طالما أن الله نفسه هو الذي قد وضع هذا السر العظيم، وبالطبع إذا كان الزوجين وضعا الله بينهما كسر رباط قلبهما وقوة إشعال محبتهما نحو بعضهم البعض ونحو أبنائهم، لأن أي غياب لله من وسطهم كفيل أن يحطم وحدتهم لأن في هذه الحالة ستظهر ذات كل واحد وتدب الخلافات التي تقسم الجسد الواحد وتمزق وحدته، وتجعلهم يخرجان عن القصد الإلهي وتصبح خطيئتهم خاطئة جداً بل ومُريعة لأنها طمست ملامح الله وأهانت صورة وحدته فيهما !!!
الحب البشري الأصيل يا أروع إخوة أحباء، مزروع بل ومعجون في طبع الإنسان من الداخل ومستحيل طمسه إلا لو تقسى القلب جداً وصار عنيداً رافضاً كل ملامح الله في داخله بكل قصد النية في أعماق القلب من الداخل، بل الحب الأصيل الصادق الذي يحترم الآخر، هو مصدر إلهام لكل النواحي الإيجابية البناءة في المجتمع ككل، وكل مسيحي أصيل يعيش هذا الحب ويظهره مشرقاً أصيلاً هو يساهم بشكل منظور في انتشار ملكوت الله وإشراق نوره على المجتمع ككل، وهذه أعظم كرازة يقدمها المسيحي المتأصل في شركة الثالوث القدوس بمحبة على مستوى بذل الذات وصلب الأهواء مع الشهوات، ليتجلى شخص المسيح الحي في داخله وفي أسرته ليكونوا شهادة منظورة يُقرأ فيها إنجيل الخلاص !!!
وفي الختام دعوني أقول لكم – برؤية كنسية حية – أن الزواج مستحيل أن يُبعدنا عن الله، بل أنه السرّ الذي من خلاله يكشف لنا الله عن حبه المتسع وارتباطه بنا كبشر ,,, فكمال تقديس ومباركة العلاقة الزوجية يتم في الكنيسة وحدها، والشركة في حياة الثالوث القدوس التي يمنحها رب المجد يسوع المسيح للبشرية، هي التي تُقَوَّم وتُشدد وتُجدد هذا الحب القائم بين الرجل والمرأة.
فاحذروا يا إخوتي جداً من أن تفقدوا رباط الحب، أو تبتعدوا عن الله وتعيشوا في غيابه، وابتعدوا عن الانقسامات التي تهدم الوحدة لأن هذه الخطية ستكون ضد الروح القدس روح الوحدة، ومن يفسد هيكل الله، الله يفسده !!