08 - 10 - 2014, 10:30 PM
|
|
|
..::| VIP |::..
|
|
|
|
|
|
الشهيدان ابادير و ايرينى اخته
القس بولس بشاى كاهن بكاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط ٧ أكتوبر ٢٠١٤
هم اولاد باسيليدس الوزير الذى كان غنيأً جداً اذ يذكر المخطوط عنه انه من اغنى اغنياء العالم, و عائلته عائلة راقية بمفهوم العالم كما اثبتت انها راقية بمفهوم السماء ايضاً, ابادير نفسه قائد فى القصر الملكى, ابن خاله هو الشهيد بقطر بن الوزير رومانوس و زوج اخته قسطنطين البار. كل هذا تركه ابادير بكل سهولة لما اثار دقلديانوس الاضطهاد ضد المسيحيين, ليس ذلك فقط بل انه ذهب بنفسه ليعلن مسيحيته و يجاهر بإيمانه بالمسيح له المجد.
ولكم ان تعرفوا انه فى اثناء الاضطهاد كان الشخص الذى يعلن مسيحيته يعتبر خائناً للدولة الوثنية و كان المخرج الوحيد له هو ان يبخر للاوثان و لو مرة واحدة ليأخذ مقابل ذلك صكاً انه قد بخر للاوثان و انه موالى للدولة و دينها و إلا فينتظره الطرد من وظيفته و اهدار حقوقه المدنية ثم العذابات القاسية و اخيراً حكم الاعدام تماماً كما يعامل أى خائن للوطن. لذلك كان إذا اراد شخص ان يغتصب اموال انسان مسيحى فما أسهل ان يبلغ السلطات انه مسيحى و عندئذ كان على المسيحى إما ان يقبل سلب امواله و اهدار حقوقه مثل هؤلاء الذين قال عنهم بولس الرسول “انتم الذين قبلتم سلب اموالكم بفرح عالمين فى انفسكم أن لكم مالاً أفضل فى السموات وباقياً” (عب34:10) أو يبخر للأوثان فيعطى هذا الصك الذى يحفظ له ادميته و حقوقه كمواطن فى الدولة.
فكيف استطاع الشهيد ابادير هذا القائد فى الحرس الملكى ساكن القصور و كيف تمكنت ايرينى هذه الفتاة الغضة الرقيقة التى يخدمها الجوارى و العبيد ان يقبلا ليس فقط سلب اموالهما بل ان يقبلا سلب حياتهما بفرح؟
أولاً الزهد فى العالم و مقتنياته: حياة الزهد التى عاشها الشهداء و القديسون لم تكن كراهية للعالم, لكن ايماناً بأن العالم و ما فيه لا يساوى شيئاً “العالم يمضى و شهوته و أما الذى يصنع مشيئة الله فيثبت الى الأبد” (1يو17:2) لقد كان التقشف هو المقدمة والإعداد لقبول سفك الدم و بذل الحياة برمتها, فقبل ان يقبل ابادير صلب الجسد فى آلات التعذيب صلب نفسه عن كل هوى أرضى و كل متعة زائلة, زهد العالم و اعطاه ظهره فكما قال القديس اغسطينوس: جلست على قمة العالم حينما اصبحت لا اخاف شيئاً و لا اشتهى شيئاً. زهد ابادير فى راحة الجسد و رفاهيته و تدليله عندما كان يخلع ملابسه الغالية و يلبس ملابس العامة حتى لايعرفه احد و يذهب ليسقى الغرباء لأجل اسم المسيح و حدث فى أحد الايام ان تعب جداً فجاءه صوت من السماء: يا ابادير أيها الرجل الذى يستحق المحبة لا تيأس انا معك و انى اعد خطواتك إذ انت تأخذ الماء لتسقينى انا.
لقد تخلى ابادير و ايرينى عن كل الامكانيات و الحياة المرفهة لأنهما كانا واثقين ان الحياة على الارض قصيرة مهما طالت كما يشبهها يعقوب الرسول انها مثل البخار الذى ما ان يظهر حتى يختفى سريعاً “ما هى حياتكم؟ انها بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل ” (يع14:4) و هذا ما قاله الشهيد ابادير لصديقه سقراط : هيا نعطى قلبنا لله لمدة قصيرة (اى حياتنا الارضية) حتى ننال المكافأة فى السموات الحياة التى لا تنتهى. فلما خذله صديقه و أخبر أم الشهيد أبادير برغبته فى الاستشهاد و عاتبه القديس قال سقراط: كنت اريد ألا تموت يا أخى و ان نبقى معاً صديقين دائماً. فقال له ابادير: لو كنت تدرك مقدار مجد الشهداء لما كنت تقول أن تركهم العالم موت, بل قلت أنه حياة ابدية.
لقد ادركا ان الحياة على الارض مؤقتة لأنها ايام غربة فى انتظار الرجوع الى السماء -الوطن الذى خرجنا منه بالخطية و سنعود اليه بغفران الله لنا فى دم المسيح- لذلك يقول الرسول “سيروا زمان غربتكم بخوف” (1بط17:1) و قد ارسل الرب القديس و اخته الى القديس ابا كراجون فى بابليون (مصر القديمة) لكى يعزيهما و يشجعهما فكان من بين ما قاله له: لا تفكر فى اموالك و وظيفتك الكبيرة التى تركتها فإن مملكة هذا العالم لا تبقى إلا لزمان محدود اما مملكة السموات فأبدية. كما يقول بولس الرسول عن ابطال الايمان “يبتغون وطناً أفضل أى سماوياً. لذلك لا يستحى بهم الله ان يدعى الههم لأنه أعد لهم مدينة (أورشليم السماوية)” (عب16:11) وهكذا استهان الشهيدان بسلب حياتهما بفرح لأنهما “حسبوها صح”.
و ثانياً ساندهم فى ذلك صلواتهم الحارة و المستمرة مع الاصوام: سر قوة الشهيد ابادير و الشهيدة ايرينى كانت الصلوات والتمسك بمصدر القوة و المعونة الرب يسوع. لما تمسكت به امه و بكت بين يديه لتمنعه من الاعتراف بالمسيح امام دقلديانوس ضعف امام دموعها فلجأ الى مصدر القوة فصلى كثيراً و صام طويلاً مع مطانيات لا حصر لها لدرجة ان جسده ضعف من كثرة التقشف كما كانت ايرينى تصلى باستمرار: يا ربى يسوع المسيح اذكرنى فى محبتك و لا تتركنى. حتى ارشده الله فى حلم ان يذهبا الى الاسكندرية و ينالا الاستشهاد فى مصر.
وعندما وقفا امام الوالى واعترفا باسم الرب يسوع امر ان يضعوا ابادير على آلات التعذيب اما القديسة ايرينى فتجرأ أحد الجنود و حاول ايذاء عفتها و طلب من الوالى ان يأخذها الى بيت دعارة و لأنه كان يتكلم بالمصرية لم تفهم القديسة كلامه و عندما وصلت الى هناك صرخت بالصلاة يا ربى يسوع اعنى وقت الضيق وفى الحال ضرب الله الجندى بالعمى و استطاعت القديسة الهرب و ذهبت الى اخيها فى السجن وهناك كان القديس يصلى مع كل المسيحيين المسجونين ويبارك الله و يطلب منه المعونة تماماً مثل بولس و سيلا فى سجن فيلبى “كان بولس و سيلا يصليان و يسبحان الله و المسجونون يسمعونهما” (أع25:16).
و فى اثناء العذابات تألمت القديسة ايرينى هذه الفتاة الرقيقة المرفهة كثيراً فشجعها أخوها قائلاً: تشجعى يا اختى, صلى الى الرب و هو يعينك. و كان يصلى لأجل اخته بلجاجة فنزل ملاك الرب اليها و أخذها الى اورشليم السمائية و أراها اكليلها و عرشها وعرش اخيها المعد لهما و قواها الرب لتحتمل الآلام حتى ان الجنود كفوا عن تعذيبها و قالوا للوالى: نحن مثل من يعذب قطعة خشب لا تشعر و لاتحس بشىء.
واستشهدا كلاهما فى يوم 28 توت لينالا الأكاليل الأفضل و الأبقى إلى الأبد, بركة صلواتهم فلتكن معنا امين.
|