كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، وليس للذين يحبهم الله الرد على بعض الاعتراضات: نبدأ أولا بقول بولس الرسول في الرسالة إلى رومية (ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده. لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم، ليكونوا مشابهين صورة ابنه..) (رو 8: 28 – 30) ونلاحظ في هذا النص ملاحظات هامة وأساسية: نلاحظ أنه قال (كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله) ولم يقل (للذين يحبهم) فالأمر متوقف عليهم لا عليه. وهذا ينطبق أيضًا على قول بولس الرسول (بل كما هو مكتوب ما لم تره عين ولم تسمع به إذن ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه) (1 كو 2: 9) ولم يقل أيضًا (للذين يحبهم) لأن الأمر يتعلق في خلاصهم على إرادتهم هم. ملاحظة ثانية، وهى أن تعيين الله ليس مرجعه إلى اختيار الله وإنما إلى سبق معرفته. كما قال (الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم). فالله بسبق معرفته، وبإدراكه لما سوف يحدث في مستقبل الزمان، عرف من هم الذين سوف يسلكون حسب مرضاته بالبر والاستقامة بكامل اختيارهم. هؤلاء الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم. هذا الكلام ينطبق أيضًا على قصة يعقوب وعيسو. (كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو) (رو 9:13). فالله بسبق معرفته كان يعرف أن عيسو سيكون إنسانًا مستبيحًا، قاتلًا، يستهين بالبكورية ويبيعها بأكلة عدس. وكان يعرف أيضًا وداعة يعقوب وحبه للخير. فأحب الله في يعقوب ما رآه فيه بسبق المعرفة، وأبغض في عيسو ما رأى أنه سيحدث منه بسبق المعرفة أيضًا. ولكننا لا نستطيع مطلقًا أن نقول أن الله عين عيسو للهلاك، وعين يعقوب للخلاص، بمعنى أنه كتب على عيسو الهلاك مهما كان اختياره!! واختار يعقوب للخلاص مهما كانت أعماله!! حاشا لله أن يفعل هذا. يأتي بعد ذلك قول الكتاب (ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا. أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءًا للكرامة وآخر للهوان) (رو 9: 20، 21). نعم أن للفخاري سلطانًا على الطين أن يصنع منه ما يشاء إناءًا للكرامة أو للهوان. وليس للطينة أن تقول له (لماذا صنعتني هكذا) ولكن الفخاري أيضًا حكيم وعادل. ومن التفسيرات الجميلة التي سمعتها عن هذا الموضوع أن الفخاري -مع كامل حريته وسلطانه- ينظر بحكمة إلى قطعة الطين ويفحصها. فان رآها جيدة وناعمة ولينة وتصلح أن تكون إناءًا للكرامة، فانه لابد سيجعلها إناءًا للكرامة. من غير المعقول أن تقع طينة رائعة في يد فخاري، فيصنع منها إناءًا للهوان. لأنه فخاري حكيم. أما إذا كانت الطينة خشنة ورديئة، ولا تصلح أناءًا للكرامة، فان الفخاري مضطر -بما يناسب حالتها- أن يصنع منها إناءًا للهوان. فالأمر إذن وقبل كل شيء يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها مع اعترافنا بسلطان الفخاري وحريته. إن الفخاري، على قدر إمكانه، يحاول أن يصنع من الطين الذي أمامه آنية للكرامة، على قدر ما يساعده الطين على ذلك. ولذلك قال الرب (هوذا كالطين بيد الفخاري، أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع والهدم والإهلاك. فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها، فأندم عن الشر الذي قصدت أن أصنعه بها. وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي، فأندم على الخير الذي قلت إني أحسن إليها به) (أر 18: 6 – 10). يذكرنا هذا بمثل الزارع الذي خرج ليزرع (مت 13: 3 – 8) الزارع هو نفس الزراع، والبذار هي نفس البذار. ولكن حسب طبيعة الأرض التي سقطت عليها البذار، هكذا كانت نتيجتها في التلف أو الأثمار. إن الزارع لم يعد بِذارًا للجفاف أو الاحتراق أو لتختنق بالشوك أو ليأكلها الطير. ولكن طبيعة الأرض هي التي تحكمت في الأمر. الإنسان حر إذن في اختيار مصيره. (لأن من يزرع لجسده، فمن الجسد يحصد فسادًا. ومن يزرع للروح، فمن الروح يحصد حياة أبدية) (غلا 6: 8).