احترام الكبار
الإنسان المتواضع يتكلم عن كل شخص باحترام، ويتصف باللطف في حديثه مع كل أحد، وبخاصة مع كبار السن. كما يقول القديس بولس الرسول لتيموثاوس الأسقف :
لا تنتهر شيخًا، بل عظه كأب، والأحداث كأخوة، والعجائز كأمهات" (1تي5: 1).
مع أن القديس تيموثاوس كان أسقفًا، وكل هؤلاء يعتبرون أبناء له من جهة كهنوتية، ولكنه يجب أن يعاملهم باحترام معين كآباء وأمهات وأخوة. والقديس بولس الرسول نفسه
اتبع نفس هذا الأسلوب، فقال في رسالته إلى روميه "سلموا على روفس المختار في الرب، وعلى أمه أمي" (رو16: 13).
ليس فقط في احترام كبار السن، كآباء وأمهات، بل حتى في التعامل مع الصغار "الأحداث كأخوة، والحدثات كأخوات (1تي5: 1).
واحترام الشيوخ والآباء، نجده واضحًا جدًا في "بستان الرهبان".
وكذلك في جميع سير القديسين: فالقديس بولس البسيط حينما كان يتكلم عن معلمه الأنبا أنطونيوس، كان يقول "أبي القديس الأنبا أنطونيوس". ولما أحضروا إليه شخصًا عليه شيطان ليخرجه منه، قال للشيطان: "أبي القديس الأنبا أنطونيوس يقول لك أخرج منه. بصلاة أبي القديس أخرج منه" تعبير جميل..
يذكرنا هذا بقصة عن القديس يوحنا القصير حينما أرسله أبوه الروحي القديس الأنبا بموا ليحضر له ضبعة من مكان معين. فذهب إلى هناك ولم يخف. ولما رأى الضبعة، جرى وراءها وقال لها : أبي القديس الأنبا بموا يقول لكِ تعالى...
وما أكثر ما كان أحد الرهبان يقع في ضيقة، فيقول للرب "بصلاة أبي، يا رب نجني"..
حقًا إن الاستشفاع بالقديسين فيه لون من الاتضاع..
إن أول وصية في العلاقات البشرية هي: أكرم أباك وأمك (خر20: 12).
سواء الروحيين منهم أو الجسديين. ومن مظاهر هذا الإكرام، الاحترام.
قال القديس الأنبا بيجيمي السائح: في بدء رهبنتي، قضيت سنوات مع آباء شيوخ أبرار، لم أرفع عينيّ لأرى وجه واحد منهم.
كان الرهبان عندهم هذا اللون من الحياء، الذي يدل على أدب في التعامل فما كان أحدهم يملأ عينيه من وجه إنسان، كما ينصح الشيخ الروحاني.
ومن احترام الكبار، ذلك المبدأ الرهباني الذي يقول:
إذا جلست وسط الشيوخ فكن صامتًا. وإن سألوك عن شيء، فقل لا أعرف.
يقصد: لا أعرف المعرفة التي استطيع أن أتكلم بها أمام الكبار. فإن جلسنا مع الكبار، فإنما لكي نتعلم، وليس أن نتكلم.
ونرى أمثولة لهذا الأمر: أليهو في قصة أيوب الصديق:
أصحاب أيوب الصديق تبادلوا الكلام معه في 28 إصحاحًا من سفر أيوب، وكان معهم رابع هو أليهو، ظل صامتًا طول ذلك الوقت كله. ولما حانت الفرصة له أن يتكلم، قال: "أنا صغير في الأيام، وأنتم شيوخ. لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيي. قلت الأيام تتكلم، وكثرة السنين تظهر حكمة" (أي32: 6، 7).
حقًا، كان الصغير لا يتكلم في حضرة الكبار، إنما ينصت ويتعلم. يأخذ من الكبار خبرة الأيام، وحكمة التجارب التي مرت عليهم.. ويحترم سنهم..
وكان هذا الأمر في الرتب الكهنوتية: في وجود أحد الآباء الأساقفة، لا يستطيع كاهن أو شماس أن يلبس التونية لخدمة المذبح، إن لم يقدمها للأب الأسقف ليرشمها له.. وإن احتاج أسقف إلى تحليل، وقال لأحد الآباء القسوس "حاللني"، يرد عليه قالًا "من فمك الحِلّ يا سيدنا"..
من احترام الكهنوت الذي تعلمه لنا الكنيسة، أن نقول للأب الكاهن يا أبانا، ونقول للأب الأسقف يا سيدنا. ونقبّل يد كل منهما. وقديمًا، وفي الريف، كان الشخص يقبّل يد أبيه، ويد أمه، ويد جده، ويطلب بركتهم. إنه لون من احترام الكبار.
في الاتضاع، يوجد احترام الأبوة، واحترام الكبار، واحترام الكهنوت.
يقول الكتاب "الخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام، (رو13: 7). إن داود النبي كان يحترم شاول الملك احترامًا فائقًا، على الرغم من أن شاول قد فارقه روح الرب، وبغته روح رديء من قِبل الرب" (1صم16: 4). وكان داود يقول "حاشا لي أن أمد يدي إلى مسيح الرب. إنه مسيح الرب هو" (1صم24: 6). وكان يخاطبه بعبارة أبي، وسيدي (1صم24: 10، 11).
والقوانين الكنسية تقول: إن كان من يقول لأخيه يا أحمق يستحق نار جهنم (مت5: 22) فكم بالأكثر من يقول كلمة سوء على أسقفه، الذي بوضع يده ينال الروح القدس. ويعطينا الكتاب المقدس مثالًا عن احترام (مسيح الرب):
* وفي احترام الكبار نذكر احترام الممسوحين من الرب كما فعلت أبيجايل.
كان داود قد قرر قتل زوجها نابال الكرملي بسبب بخله وتعييره لداود. فأخذت أبيجايل هدية من الأطعمة التي كان يحتاجها داود ورجاله وحملتها إليه" ولما رأت أبيجايلداود، أسرعت ونزلت عن الحمار، وسقطت أمام داود على وجهها، وسجدت إلى الأرض. وخاطبت داود بعبارة سيدي، وعن نفسها بكلمة أمتك. وقدمت له الهدية قائلة له "والآن هذه البركة التي أتت بها جاريتك إلى سيدي، فلتعطَ للغلمان السائرين وراء سيدي" (1صم 25: 23- 27).
ولما كانت في موقف تشعره فيه بخطأ إتيانه للدماء وانتقام يده لنفسه، مزحت ذلك بالمديح والاحترام اللائقين، وقالت له: "إن سيدي يحارب حروب الرب، ولم يوجد فيك شر كل أيامك.. ويكون عندما يصنع الرب لسيدي حسب كل ما تكلم به من الخير من أجلك، ويقيمك رئيسًا على إسرائيل، أنه لا تكون لك هذه مصدمة ومعثرة قلب لسيدي، أنك قد سفكت دمًا عفوًا، أو أن سيدي قد انتقم لنفسه. وإذا أحسن الرب إلى سيدي، فاذكر أمتك" (1صم25: 28- 31).
وأحدث هذا الحديث المتضع أثره في نفس داود، وأزال غضبه، فقال لها "مبارك عقلك ومباركة أنتِ، ولأنك منعتني اليوم عن إتيان الدماء، وانتقام يدي لنفسي" وصرفها بسلام.
ويظهر احترامنا للكبار أيضًا في حديثنا عن الرسل والقديسين.
فلا نقول: كما يقول بولس أو بطرس أو أثناسيوس. إنما نقول القديس بولس الرسول، والقديس بطرس الرسول، والقديس أثناسيوس الرسولي.
بل قد يتطاول البعض، ويتحدث عن الرب "يسوع" باسمه المجرد!! بينما نحن في قراءة الإنجيل نقول "ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا، ربنا يسوع المسيح الذي له المجد الدائم إلى الأبد آمين.
ونقول القديسين مار جرجس، ومار مينا. وكلمة (مار) معناها سيد. ونقول سيدي الملك جوارجيوس. وسيدتنا وملكتنا كلنا العذراء الطاهرة مريم...
ليتنا نتعود الاحترام في حديثنا عن الآباء القديسين، متذكرين قول الرب "من يكرمكم يكرمني". ولا نتعود نطق أسمائهم مجردة، كما يفعل علماء الغرب في حديثهم عن الآباء، فيقولون جهاد أثناسيوس، وتأملات أوغسطينوس، ورسائل أنطونيوس، وحرومات كيرلس.. كل ذلك بدون ألقاب!!
* ومن جهة احترام الكبار، احترام الأنبياء:
* إن أليشع النبي كان يحترم معلمه إيليا النبي. ولما رآه صاعدًا في مركبة نارية إلى السماء، قال "يا أبي، يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها" (2مل2: 12).
* نذكر حديث قائد الخمسين الثالث مع إيليا النبي، بعد أن أمر إيليا، فنزلت نار من السماء وأكلت قائد الخمسين الأول وقائد الخمسين الثاني، لأنهما تكلما مع النبي العظيم بكبرياء، بعبارة : يا رجل الله، الملك يقول لك انزل (2مل1: 9، 11).
* أما رئيس الخمسين الثالث، فإنه -في تواضع- صعد إلى حيث كان إيليا، "وجثا على ركبتيه أمام إيليا، وتضرع إليه وقال له: يا رجل الله، لتكرم نفسي وأنفس عبيدك هؤلاء الخمسين في عينيك. هوذا قد نزلت نار من السماء وأكلت رئيسي الخمسينيين الأولين وخمسينيهما. والآن لتكرم نفسي في عينيك" (2مل5: 13، 14).
وأمر ملاك الرب إيليا أن ينزل معه. ولم يمت رئيس الخمسين الثالث لاتضاعه.
والشخص المتواضع كما يحترم الله وقديسيه، يحترم كل ما يتعلق بالله.
يحترم بيت الله، وهيكل الله، ومذبح الله. فيدخل بيت الله في مخافة. ويقول للرب كما في المزمور "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك" (مز5). ويحترم الكتاب المقدس ويقبله، ولا يضع شيئًا فوقه في مكتبه. ويحترم اسم الله ولا ينطق به باطلًا (خر20: 7). ويحترم رجال الله وخدامه.
إننا نحترم الرهبان وندعوهم آباء، حتى ولو لم يكونوا كهنة.
ونحترم الراهبات وندعوهن أمهات. ونلتمس بركة هؤلاء وأولئك. ونحترم مواضعهم المقدسة وأديرتهم. ونحترم رفاتهم ونضمخها بالأطياب.
ومن احترامنا لهم، نذكرهم في الذكصولوجيات والألحان، ونطلب صلواتهم وشفاعتهم فينا. ونقيم لهم التذكارات والأعياد.
والمتواضع يتطور من احترام الآباء والقديسين إلى احترام كل الكبار.
فيحترم التلميذ مدرسه وأستاذه، ويحترم الموظف رئيسه، ويحترم الجميع قوانين الدولة وأنظمتها. ويذكرون قول الكتاب "اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب" (1بط2: 13). "أكرموا الجميع.. أكرموا الملك" (1بط2: 17). "أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ" (1بط5: 5).
* ومن جهة احترام السادة:
نذكر قول الملاك لهاجر وهي هاربة من سيدتها "يا هاجر جارية ساراي، ارجعي إلى مولاتك، واخضعي تحت يديها" (تك16: 8، 9).