إن السيّد المسيح "الذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم" (يوحنا 10/ 36) اشرك جسده السرّي كلّه في مسحة الروح التي مُسحَ بها. فيه يصبح المؤمنون جميعهم كهنوتاً مقدّساً وملوكيّاً، يقدّمون الذبائح الروحيّة لله بيسوع المسيح، ويخبرون بعظائم ذاك الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب. فليس من عضو الاّ وله دور في رسالة الجسد كلّه، إنّما على كلّ واحد أن يقدّس يسوع في قلبه ويشهد للمسيح بروح النبوّة.
ولكي يجمع المؤمنين في جسد واحد "ليست فيه لجميع الأعضاء الوظيفة ذاتها" (رومية 12/ 4) أقام السيّد نفسه فيهم خداماً يتمتّعون في جماعة المؤمنين بسلطات الكهنوت المقدّس، لإقامة الذبيحة ولغفران الخطايا، وليمارسوا علناً باسم المسيح واجبهم الكهنوتي في خدمة البشر. وكما ارسله الآب، أرسل المسيح رسله وأشرك بواسطتهم خلفاءهم الأساقفة في مسحته ورسالته، وسُلّمت أيضاً إلى الكهنة مسؤولية مهمّة الأساقفة بصورة تربطهم دوماً بهم، لكي يصيروا في الدرجة الكهنوتية التي أقيموا فيها معاوني الدرجة الأسقفيّة، لتتميم الرسالة الرسوليّة التي ائتمنهم عليها المسيح.
فوظيفة الكهنة، بما أنّها متّحدة بالدرجة الأسقفيّة، تشترك في السلطة التي بها يبني المسيح نفسُه جسده ويقدّسه ويدبّره. ولهذا وإن كان كهنوت الكهنة يرتكز على اسرار التدريب المسيحي، الاّ انّه يمنح بواسطة ذلك السرّ الذي به يوسم الكهنة وسماً مميّزاً، إذ يمسحهم الروح القدس فيشبّههم بالمسيح الكاهن ليستطيعوا القيام بأعمالهم باسم المسيح رأس الجسد بالذات.