رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصدق مع الناس وظيفة الكلام تقوم، على ما أشرنا اليه سابقا، على نقل الحقيقة. فاذا كان الكلام يدلّ على غير معناه، أو على عكسه، فيكون هناك خداع وتضليل. وهذا مسيء إلى الحقيقة والى القريب. وهذا يوقع البلبلة في المجتمع، فلا يعود الناس يفهمون ما يقال لهم. وهذه البلبلة غالبا ما نشهدها في وسائل الاعلام، فتطلق الخبر، ويأتي من يكّذبه، ثم من يؤكّده، ويعلّق عليه، ويسرد ظروفه، الى ما هنالك من أقاويل، حتى ليضيع القارئ، ولا يعود يعرف أين تكمن الحقيقة. وهذا هو الأذى بعينه. ومن طبع الحقيقة أن تشرق كالشمس. قال البابا يوحنا بولس الثاني في يوم الاعلام سنة 1988: "تنمو اليوم وسائل اعلام الجماهير نموّا مذهلا. والروابط التي تنسجها بين الشعوب والثقافات تمثّل أثمن ما تأتي به. ولكني أعلم انكم أنتم رجال الاعلام، تعون النتائج الوخيمة التي قد تشوّه هذه العلاقات بين الشعوب والثقافات: إعلاء شأن الذات، وبامكان احتقار المختلفين أو رفضهم، أن يزيد من مخاطر التوترات والانقسامات. ومثل هذه المواقف تولّد العنف، وتنحرف عن الاعلام الصحيح وتحطّمه، وتجعل كل علاقة أخوية مستحيلة. غير أن احترام الآخر، وحسّ االحوار، والعدالة، وأخلاق الحياة الشخصية والاجتماعية السليمة، والحرية، والمساواة، والسلام في الوحدة، والعمل على المحافظة على كرامة الانسان، والقدرة على المشاركة والتقاسم، كل هذه قيم لا بدّ منها في ممارسة دور الاعلام... واذا نظرنا الى فاعلية هذه الوسائل، فان القواعد الأخلاقية تفرض ذاتها على المسؤولين عنها لكي يقدّموا للأشخاص والجماعات صورا تشجّع على تداخل الثقافات، دونما تعصّب، وعنف، فيما هي تخدم الوحدة". ولا يكون الكذب بالكلام وحسب، بل غالبا ما يكون بالمواقف، وطريقة التصرّف، واللباس، والهندام، والقيافة، إلى ما سوى ذلك من أساليب الاخفاء والتنكّر لحقيقة الذات. "وكل خطأ يُقترف ضدّ العدالة والحقيقة، يستدعي واجب التعويض، ولو كان نال فاعله الصفح والمغفرة. وعندما يتعذّر التعويض عن خطأ بصورة علنية، يجب القيام به بطريقة سرّية. واذا كانت قد وقعت عليه خسارة لا يمكن التعويض عليه عنها، مباشرة، يجب ارضاؤه أدبيا، باسم المحبة. وواجب التعويض هذا يتعلقّ بالخطايا المقترفة بالنسبة إلى صيت القريب. وهذا التعويض، الأدبي، وأحيانا المادي، يجب أن يُقدّر على قدر الضرر الذي أصاب الغير. وهو لا بدّ منه ضميريا. ان القديس أغوسطينوس تحدّث عن الخيور الثلاثة: الحقيقة، والمحبة، والحرية. وهذه تسير معا.وهو يدعو الشبان إلى محبّة الجمال، وكان شغوفا به شديد الشغف. وليس فقط جمال الأجساد الذي قد يّنسي جمال الروح، ولا فقط جمال الفنّ، بل جمال الفضيلة الداخلي، وبخاصة جمال الله الأبدي، الذي يتأتّى منه كل جمال الأجساد، والفنّ، والفضيلة، الله الذي هو جمال كل جمال، وأساس خير كل الكائنات التي هي حسنة وجميلة، وهو جمالها، ومبدؤها، ومنظّمها. وبعد أن تذكّر السنوات التي سبقت ارتداده، انتحب بمرارة لأنه تأخر جدّا في محبة هذا الجمال الذي يدعوه "ممعنا في القدم والجدّة". وهو يريد في ذلك ألاّ يتبعه الشبان، بل أن يحبوا دائما وفوق كل شيء، كل جمال، ويحافظوا باستمرار على ما في شبابهم من تألّق داخلي". قول الحقيقة ونشرها أمر ملزم للمؤمن، وبخاصة الحقيقية الدينية، على ما أشارت اليه وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني: الحرية الدينية بقولها: "ان على التلميذ واجبا خطيرا تجاه المسيح المعلّم، ألا وهو أن يتعمّق يوما بعد يوم في فهم الحقيقة التي تلقاها منه، وأن يبّشر بها بأمانة، ويدافع عنها بشدّة، نابذا الوسائل المنافية لروح الانجيل. وان محبة المسيح لتدفعه أيضا الى التصرّف بالمحبة، والفطنة، والصبر، مع الناس الذين هم في الضلال، أو يجهلون الايمان". "ولا يمكن الناس أن يعيشوا معا، ان لم يكن لهم ثقة متبادلة ببعضهم، أي ان لم يظهروا الحقيقة بعضهم لبعض، على ما يقول القديس توما الأكويني. وفضيلة الحقيقة تعطي كل ذي حق حقه. والصدقية تبقى في منتصف الطريق بين ما يجب أن يُفصح عنه، والسرّ الذي تجب المحافظة عليه: وهذه تتضمن الاستقامة والدراية. ومن باب العدالة، يجب على المرء أن يعلن لمرء الحقيقة، يقول أيضا القديس توما الأكويني. ويرضى تلميذ المسيح بأن "يعيش في الحقيقة"، أي في بساطة حياة تتوافق ومثل المسيح، وتبقى في حقيقته. واذا قلنا اننا في شراكة معه، فيما نحن نسير في الظلام، نكون كاذبين، ولا نعمل الحق". وعلى المؤمن أن يشهد للحقيقة الإنجيلية في كل مجالات نشاطه العام والخاص، ولو كان ذلك على حساب تضحيته بحياته، اذا كان ذلك ضروريا. الحقيقة هي التي تحرّر، وتنقذ، وتحيي. قال السيد المسيح: "تعرفون الحق والحق يحرّركم". والمسيح هو الحق والحقيقة. وهو ملك ومملكته الحرية. وهو قد لا يعيب علينا ارتكاب الخطأ، بقدر ما يعيب علينا البقاء فيه، والاستمرار عليه. وهذا معناه العيش في الكذب، والاصرار على نوع من الكبرياء، والتشبث بحكمنا الذاتي، وعلى ما نتوهّمه حقا لنا: وهذه الطريقة تمنعنا من الدخول في مخطط الله، حتى ولو كنّا نعيش ظاهرا بصدق، ونجاهر بالايمان. وليس يسوع المسيح راية لفئة اجتماعية من الناس، سواء أكانت كاثوليكية أم غير كاثوليكية، يمكن استخدامها لمحاربة فئات أخرى. ان الذين يبحثون عن الحقيقة ينتمون اليها، أيا تكن أفكارهم، وربما أكثر من الذين يعيشون فيها. كان اليهود يعتقدون أن العالم قسمان: أبناء ابراهيم، أي هم والباقون. وكانوا يفاخرون بأجدادهم وينسون أن كل انسان هو من هو، بالنسبة الى الله. وقدّم يسوع ذاته لهم كشاهد للحقيقة، ومجرد وجوده يجبرهم على تفحّص ذواتهم. والحقيقة التي تحدّث عنها يسوع لم تكن عقيدة كان واجبا على تلاميذه أن يفرضوها بالقوّة. فهي لم تكن في حاجة الى مروّجين يتسلّحون بحجج واستشهادات كتابية، بل الى شهود يتحدّثون عن خبرتهم. قال يسوع: "الحق يحرّركم"، والحقيقة كذلك تحرّركم. والمؤمن الذي يعرف أن الله يحبّه، وهو يجتهد أن يكون صادقا، قد أصبح في الحقيقة، ولو احتفظ ببعض عادات عن محيطه، ولو انقاد، دون وعي منه، في طريقة حياته، الى أكاذيب أو أوهام. وتحدّث يسوع أيضا عن الحرية. والحقيقة والحرية يسيران معا، على ما سبق لنا أن قلنا. والأفراد كالأمم، لا يدّخرون وسعا لتحطيم قيودهم. وما ان يتحرّروا حتى يقعوا بسرعة في أنواع جديدة من العبودية، لأن أصل العبودية كائن فينا. وعندما نصنع الشرّ نكون شركاء ابليس، ونقع في شراكه، حتى دون ارادة منا. وتصعب بعدئذ مقاومة الأوهام والتأثيرات السيّئة التي يضع أبو الكذب بواسطتها العالم تحت سلطانه. وما دمنا نتحرّك دون أن نفكّر بحقيقة حالتنا، فنحن لسنا سوى عبيد، ولو تميّزنا بما لنا من ثروات، ومعارف، ومقام. اننا نضخّم صفوف العالم من أسفل، دائما بطريقة موقتة. وهناك أجيال من العبيد تتوالى وتعبر كموج البحر: العبيد يظلّون في البيت لوقت محدّد، أمّا المسيح فيُدخلنا منذ الآن في عالم آخر، عالم ما فوق، حيث كل شيء باق. ومنذ اللحظة الي نصير فيها أبناء، فان كل ما نصنعه يأتي بثمر للحياة الأبدية. "قبل أن كان ابراهيم، أنا كائن". وهذه سابع مرّة تظهر فيها "أنا كائن" في هذا الفصل الثامن من يوحنا، وفي هذه المرّة نأخذ هذه العبارة بمعناها الحقيقي الذي لا ينطبق الا على الله وحده. على ما كشف عن نفسه لموسى. يقول القديس توما الأكويني: "الحقيقة هي كمال العقل". الحقيقة التي نبحث عنها، ونحبها، وندافع عنها، والتي يجب أن تكون بمثابة روح كل جامعة، لأنها الحياة العميقة للعقل البشري. قال البابا يوحنا بولس الثاني في معرض حديثه عن الجامعة الكاثوليكية: "يجب أن تكون الجامعة: "وحدة حية" لأجهزة ترمي الى البحث عن الحقيقة، فيما يحيق بها خطر قائم، وهو أن تبقى مجموعة قطاعات معرفة لا رابط بينها، وفي النهاية، مستقلّة. واذا كان الأمر كذلك، وعندما يكون كذلك، فبامكانها أن تقدّم تربية مهنية جدّية: ولكن هذه تبقى قاصرة عن الهدف المطلوب، وهو تربية إنسانية شاملة وغنية... ولا بدّ من تطوير هذا الملخص السامي الذي بامكانه أن يطفئ العطش الى الحقيقة المحفور عميقا في قلب الانسان. يقول القديس اغوسطينوس: "الى ما تشتاق اليه نفس الانسان أكثر من الحقيقة؟ فيما كل المخلوقات موجودة دون أن تعرف سبب وجودها، بينما الانسان وحده يتجه بعقله، الى البحث باستمرار عن هذا السبب. |
21 - 09 - 2014, 07:48 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: الصدق مع الناس
ربنا يبارك حياتك
|
||||
21 - 09 - 2014, 09:58 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الصدق مع الناس
شكرا على المرور |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الصدق |
الصدق |
الصدق |
الصدق : عملة نادرة يصعب تداولها بين الناس |
أقصر طريق للفشل هو محاولة إرضاء كل الناس على حساب الصدق والحقيقة |