دورُ الجنسِ يبلغُ قمتَه في العذريّةِ
ربما تُثيرَ فينا هذه العبارةَ الحيرةَ والقلقَ؛ ولكنَّها صحيحةٌ تماماً. فإنْ اخترق الحبُّ ونفذ خطوةً خطوةً إلى كلِّ لحظاتِ حياةِ الشَّريكين، عندئذٍ سيبدأ كلٌّ منهما في إدراكَ نفسَ الحقيقةِ المُعبَّرِ عنها بالفعلِ الجنسيّ في مواقف أخرى كثيرةٍ في الحياةِ. إنهَّا مسيرةٌ ، "كلاسيكيّةٌ" لحبِّ حقيقيّ. فإنْ كان معنى الفعلِ الجنسيّ يتمثَّل في اتحادِ الشخصين معاً، عندما يوثِّقان ويدعِّمان واقعيّاً حياتهما المُعاشة، فإنَّ الجنسَ، يبدأ في إنجازِ دوره. ولذلك يقول السيدُ المسيح أنَّه في الحياةِ الأخرى لن يُعاش الجنسُ بالشكلِ الذّي يُعاش به في هذا العالمِ؛ لأنَّه عندما يصل الشَّخصان إلى تحقيقِ وحدتهما، لن يُجدي الجنسُ نفعاً بعد: «فعندما يقوم الناسُ مِن بين الأمواتِ، فلا الرِّجالُ يتزوَّجون ولا النساءُ يُزوَّجن، بل يكونون مثلَ الملائكةِ في السَّمواتِ» (مر12/25)
بهذا المعنى، يتكلَّم آباءُ الكنيسةِ عن عذريّةِ الزَّوجيّن، ولكنهم لا يقصدون المعنى المألوفَ والمعتاد أي عدمَ مُمارسةِ الجنسِ؛ إنَّما العذريّةِ تعني بالنسبةِ لهم نقطةَ الوصولِ، أي عندما يصبح الشَّخصان فعلاً مُتحدان تماماً؛ إنَّ المسيرةَ هي إذن العبورُ مِن الحبِّ الحسيّ "الإيروس" إلى الحبِّ المُضحِّيّ "الأغابي".
إنَّ الرُّؤيةَ الإنسانيّةَ الرُّوحانيّةَ المسيحيّةَ ترى الإنسانَ في بُعده العذريّ؛ بحيث تبلغ مسيرةِ العهدِ القديمِ وصولاً إلى العهدِ الجديدِ قمتها في عذرية والدة الإله مريم[30]. ولذلك فإنَّ العذريّةَ تعني أنَّ الإنسانَ يجد كماله في الحبِّ الإلهيّ، هذا الحبِّ الذّي لا يجعله يشعر بالحاجةِ بَعدُ إلى أيِّ رمزٍ حسيّ إيروس مِن أجلِ اختبارِ الحبِّ والإيمانِ به. فالإنسانُ العذريّ يَعبر مِن الحاجةِ إلى أنْ يكون محبوباً إلى اليقينِ بأنَّه محبوبٌ فعلاً ؛ وبالتَّالي يحيا كمالَ هويته الخاصةَ كشخصٍ يُحب. وتتحقَّق العذريّةُ في ذلك الإنسانِ الذّي يغمس انفتاحه الأساسيّ وقدرته العلائقيّةِ الأساسيّةِ في خبرةِ حبِّ الله ذاته. لذلك فإنَّ العذريّةَ هي حالةٌ تتحقَّق واقعياً وبشكلٍ ملموسٍ إمّا بواسطةِ الحبِّ الزَّوجيّ، وإمَّا بواسطةِ الدعوةِ إلى التَّبتلِ.