رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المعمودية العرس الإلهي بين المسيح والكنيسة الزواج قاعدة ثابتة في خليقة الله، والخليقة هي الكون والإنسان بشكل خاص ومعه العالم الروحي. وعلى هذا البناء الإلهي يُشرق نور المسيح لكي يعطي الحياة الجديدة ويعطي لنا كل ما يمكن أن تقبله الطبيعة الإنسانية التي أحبها قَبْل خلقها، واتحد بها في ملء الزمان والتاريخ، وعَتَقَها فيه وحرَّرها ثم نقلها إلى مجده السماوي. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم للموعوظين المتأهِّبين لنوال سرِّ المعمودية المقدسة: [1 - هذا زمان الفرح والبهجة الروحية. ها أيام انتظار محبتنا، أيام زواجنا الروحي قريبة. وعندما أدعو هذا اليوم بيوم الزواج الروحي، يبدو للبعض خرقنا لكل ما هو مألوف. ولكن اسم الزواج وحده لا يكفي بل هي أيام عجيبة وما يحدث فيها هو فائق، حتى أنها يمكن أن توصَف أيضاً بأنها تَطوُّع في خدمة الجيش. ولا يوجد تناقض بين الزواج والخدمة العسكرية، وإذا توهَّم أحد بوجود هذا التناقض عليه أن يستمع لمعلِّم المسكونة المبارك بولس في موضع يقول فيه: "خطبتكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). وفي موضع آخر كان يحث فيه المجاهدين الروحيين على حمل السلاح لكي يستعدوا للذهاب للحرب الروحية: "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تَثْبُتُوا ضد مكايد إبليس." (أف 6: 11) 2 - حقًّا في هذا اليوم فرحٌ في السماء وعلى الأرض، لأنه إن كانت السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، فكم بالحري يكون فرح الملائكة ورؤساء الملائكة وكل القوات العلوية، والكائنين على الأرض، عندما يرى كل هؤلاء كتيبة تقتحم الشيطان فجأة وتسخر من فخاخه، وتسير بعزم لكي تنضم إلى قطيع المسيح. 3 - تعالوا وانصتوا، لأنني أريد أن أتكلَّم عن العروس التي تستعد لأن تدخل مخدع الزواج المقدَّس، وسوف أشرح لكم عن غِنَى العريس الفائق ومحبته الفائقة التي أعلنها لعروسه. ولن أمتنع عن أن أُشير إلى ماضيها الدنس الذي هربت منه وجاءت إلى مستقبل مجيد سوف تفرح وتتعزَّى به... ورغم فداحة حالتها الساقطة إلا أن العريس لا زال يطلبها. إنه يعلن لها محبة سيدنا جميعاً التي بلا حدود. إنه لم يدعوها كعروس لأنه اشتهى جمال وجهها أو جمال جسدها الذي يفيض بالحياة. العكس هو صحيح، العروس التي أحضرها إلى مخدع الزواج، هي مشوَّهة، قبيحة نجسة نجاسة تامة وحقًّا تتمرَّغ في حمأة خطاياها. 4 - ولا يجب على مَنْ يسمع كلماتي أن يسقط في التصوُّر المادي الجسداني عن هذا الزواج، لأنني أتكلَّم عن النفس وعن الخلاص، وهذا ما قصده بولس المبارك ذو النفس الزكية التي فاقت نفوساً كثيرة: " خطبْتُكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح"، لأنه يعني أنه خطب للمسيح عذراء عفيفة أي النفوس العفيفة العذراوية التي تتقدَّم دائماً نحو النقاء. 5 - ولأننا حدَّدنا معنى هذا الزواج، علينا أن نشرح الآن كيف كانت العروس مشوَّهة ونجسة، لأننا عند ذلك سوف نتعجَّب من حنان السيِّد. هل يوجد أكثر قبحاً من النفس التي تركت مجدها الحقيقي، ونسيت أصلها النبيل لأنها خُلقت سماوية، ولكنها انحطَّت في عبادة الأوثان المصنوعة من الحجر والخشب والحيوانات التي لا تتكلَّم، وأمور أخرى قبيحة أكثر من هذه عندما كانت تتنسَّم رائحة المحرقات، الشحم، والدم القذر ودخان الذبائح؟](1) وبعد أن يشرح القديس يوحنا ذهبي الفم حالة النفس يقول: [ولما رأى السيد الصالح محنة العروس نَزَلَ إلى ما يمكن أن يوصف بأنه عمق هاوية الشر، عارياً ومتواضعاً، ولم يُبالِ بقبحها وفقرها التام وشرها الفظيع؛ بل أعلن حنانه الفائق، وأخذها عنده، وهذا ما يعلنه كقرار لا رجعة فيه عندما يقول بواسطة النبي: "اسمعي يا ابنتي وانظري، وأميلي أُذنَكِ، وانسي شعبكِِ وبيتَ أبيكِ، فيشتهي الملك حُسنَكِ" (مز 45: 10 و11)]. ((((( كيف كُوِّنتْ الكنيسة العظة الحادية عشرة قبل إتمام المعمودية [6 - لقد جئتُ لكي أقول لكم: إنه بعد يومين سوف يأتي العريس. قوموا أشعلوا مصابيحكم لأنكم بنورها سوف تقبلون مَلِك السماء. قوموا وانتبهوا، ليس فقط في النهار، بل في نصف الليل، لأن العريس سوف يأتي. هذه هي عادة موكب العُرس حيث تسير العروس في موكب لكي تُعطَى للعريس في مساء اليوم. 7 - عندما تسمعون "هوذا العريس يأتي" (مت 25: 6)، كونوا مستعدين لقبول ما تعلنه هذه الكلمات لأنها كلمات عظيمة مملوءة من فيضان محبة البشر. لم يأمر الرب بأن نأتي إليه، بل هو جاء إلينا، لأنها عادة الأعراس أن يأتي العريس إلى العروس حتى ولو كان العريس كثير الغِنَى والعروس فقيرة معدمة. 8 - أما معنا، نحن البشر، فقد كنا نحن الفقراء المعدمين، ومع أن العريس من رتبة أعظم إلا أنه أخذ طبيعتنا وصار مثلنا. وأحياناً يكون العريس غنياً والعروس شحاذة فقيرة إلا أنهما رغم ذلك لهما طبيعة واحدة (الإنسانية). أما في زواج الكنيسة بالمسيح فإن الأعجوبة أنه هو الله وأنه بلا دنس بل ينبوع كل بركة، وأنتم تعلمون الفرق والمسافة التي تفصل الله عن البشر، ولكنه تنازل وجاء إلينا وترك بيت الآب السماوي، وهو لم ينتقل من مكان إلى مكان، بل - حسب التدبير - أخذ جسداً لكي يأتي مسرعاً إلى العروس. لقد أدرك بولس المبارك هذه الأعجوبة الفائقة التي جعلته يندهش من فرط اهتمام المسيح بنا والكرامة التي أعطاها لنا، لذلك صرخ بولس بصوت عظيم: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ... هذا السرُّ عظيمٌ ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة." (أف 5: 31 و32) 9 - لماذا نحسب هذه أعجوبة، لقد جاء إلى العروس رغم أنها لم تتوسل إليه لكي يأتي إليها ويبذل حياته لأجلها. لا يوجد شخص واحد، لا يوجد عاشق واحد حتى لو كان مجنوناً جنوناً مطبقاً، واشتعلت فيه نار المحبة بنفس القوة التي في الله وبنفس رغبة الله في خلاص نفوسنا، وكأن الرب يقول: وحتى لو بصقوا عليَّ، وضربوني، وجلدوني، وصلبوني على الصليب لكي لا آخذ العروس فإنني لن أتراجع. 10 - ولم يحتمل الرب الآلام ويقبلها لأن العروس جميلة واشتهى جمالها، بل لم يكن هناك ما هو أكثر من عارها الذي يُنفِّر. وهنا يضيف بولس قبحها وعارها عندما يقول: "لأننا كنا نحن أيضاً قبلاً أغبياء غير طائعين ضالين مستعبدين لشهواتٍ ولذَّاتٍ مختلفة عائشين في الخبث والحسد ممقوتين مُبْغِضِين بعضُنا بعضاً." (تي 3: 3) 11 - كانت شرورنا فائقة حتى أننا كنا نبغض كل واحد الآخر. ولكن الله لم يبغضنا، ومع أننا نبغض كل واحد الآخر، إلا أنه قَبـِلَنا نحن الذين في عمق عارنا وفي قبح نفوسنا وخلَّصنا. لقد جاء إلى التي سوف تصبح عروسه، ووجدها عارية ونجسة، ولكنه ألقى رداء النقاوة عليها الذي لا يمكن لعقل أو كلمة أن تصف جماله ولمعانه. 12 - وماذا أستطيع أن أقول أنا نفسي؟ لقد ألقى نفسه علينا مثل رداء: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح." (غل 3: 27) وعندما رأى داود بروح النبوَّة هذا الرداء صرخ بصوت عالٍ وقال: "جُعِلَت الملكة عن يمينك بذهب أوفير" (مز 45: 9). فجأة صارت الشحاذة المُعدمة، ملكة تقف عن يمين الله. ويعلن النبي (داود) المسيح كعريس والكنيسة كعروس تقف في خِدْر (مخدع) الزواج المقدَّس بقوله: "منسوجة بذهب ملابسها" (مز 45: 13)، وهكذا تنبأ عن الثوب. 13 - لذلك عندما تسمع عن الذهب، ولكي لا تسقط في تصوُّر حسِّي، يرفع داود فكرنا ورؤيتنا إلى غير المحسوس عندما يقول: "كل مجد ابنة الملك في خدرها (داخلها)." (مز 45: 13) 14 - هل تريدون أن أعلن لكم مشهد العروس المزيَّنة بجمال يشعُّ بهاءً، تحوطها ألوف من الملائكة ورؤساء الملائكة؟ لنمسك بيد بولس لكي يقودنا معاً حيث العروس وهي تُقدَّم إلى العريس، وهو سوف يفسح الطريق لنا في وسط هذا الحَشْد لكي نقف بجانبها. ماذا يقول بولس؟ يقول: "أيها الرجال أحبوا نساءَكم كما أحبَّ المسيح أيضاً الكنيسة وأسلمَ نفسه لأجلها، لكي يقدِّسها مُطهِّراً إيَّاها بغسل الماء بالكلمة." (أف 5: 25و26) 15 - هل تَرَوْن جسد العروس لامعاً بنور؟ هل تَرَوْن كيف يشرق جمالها بأشعة أقوى من أشعة الشمس؟ يقول (بولس): "لكي يُحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دَنَسَ فيها ولا غَضْنَ أو شيءٌ من مثل ذلك، بل تكون مُقدَّسةً وبلا عيب." (أف 5: 27)]. رداء أو ثوب برّ المسيح: يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في شرح المزمور الخامس والأربعين: [16 - رداء لا مثيل له] (مجلَّد 55: 63)، وفي العظة الثالثة على رسالة غلاطية يقول: [17 - لماذا لم يَقُل بولس: أنتم الذين اعتمدتم للمسيح قد وُلِدتم من الله؟ لأن ما قدَّمه من شرح للإيمان يؤدِّي حتماً إلى أننا صرنا أبناء الله، ولكن بولس يريد أن يشرح الإيمان بأسلوب يُلهم وبشكل ينفذ إلى القلب، لأن المسيح هو ابن الله وأنتم قد لبستم المسيح، ولما لبستموه صرتم مثله، ودخلتم ذات الشركة الواحدة التي تُعطى لكم، حتى أنه لم يَعُد بينكم "يهوديٌّ ولا يونانيٌّ، ليس عبدٌ ولا حرٌّ، ليس ذكرٌ وأُنثى، لأنكم جميعاً واحدٌ في المسيح يسوع." (غل 3: 28) وعندما قال بولس: "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان" (غل 3: 26)، لم يقف عند هذه العبارة؛ بل أراد أن يقدِّم ما هو أوفر لكي يُعلن بشكل أفضل اتحادنا بالمسيح، وليس هناك ما هو أقوى من هذه العلاقة الحميمة في قوله: "قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). ولم يجد حتى هذه العبارة نفسها كافية؛ بل عندما شرحها هو نفسه فقد قدَّم ما هو فوق الاتحاد نفسه عندما قال: "أنتم واحد في المسيح يسوع" (انظر غل 3: 28)، أي أنكم جميعاً قد أخذتم شكل وصورة المسيح. وهل يوجد ما يفوق ما تعلنه هذه الكلمات؟] (مجلَّد 61: 656) وثوب أو رداء المسيح ليس شيئاً خارجياً فقط، بل هو كما يقول ذهبي الفم في شرح مزمور 45: (44 حسب السبعينية): [18 - الثوب هو شيء خارجي يراه الكل، وهذا في حالة الثوب المادي (المصنوع من القماش)؛ أما ذاك الثوب الروحي فهو ما تراه عين الذهن من الداخل، لأن الملك نسج هذا الثوب وألبسه للكنيسة في المعمودية: "لأن كلَّكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). وقبل ذلك كانت (الكنيسة) عارية وعارها تراه كل عيون الناس الذين يشاهدونها بلا كرامة. ولكنه (المسيح) وضع ثوبه عليها، ولذلك مُجِّدَت ورُفِعَت إلى مجده، وحُسِبَت مستحقة أن تقف عن يمينه.] (مجلَّد 55: 199) |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الحكمة الجالسة على العرش الإلهي |
مزمور 103 | العرش الإلهي |
يبدأ سفر حزقيال برؤية العرش الإلهي |
شرح وتفسير المزمور الأول الغرس الإلهي |
ما بين الغرس الإلهي الأول والغرس الثاني |