رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
جولة في عالم الخوف الخوف كالوباء المُعدي. خوف الفرد ينتقل إلى الجماعة، وخوف الجماعة ينتقل إلى الفرد. لذلك، كلّ شخصٍ هو صانع لخوف الجماعة وضحيّة له. والخوف يتغيّر من عصرٍ إلى عصر. فمَن كان يخاف من الطاعون في الماضي، لم يكن يخاف من حوادث السيّارات. والخوف يتبدّل أيضاً مع تقدّم العمر وتغيّر الظروف. فما يخشاه الطفل يختلف عمّا يخشاه البالغ، وما تخافه الفتاة المخطوبة غير ما تخافه المرأة الحامل. خوف يزول ليفسح مكاناً لخوفٍ آخر يبدو وكأنّه أشدّ قسوة من سابقه، وعلى الإنسان أن يواجهه في غالب الأحيان وحده. إذا كان الخوف يتولّد من التعلّق، فإنّ تربته الخصبة هي التخيّل القلق. ومعاناة الإنسان من تخيّل خسارة ما يتعلّق به هي أشدّ من الخسارة نفسها حين تحدث. لو لم يكن لدينا التخيّل القلق لكانت الأمور أسهل. فبسببه، يصعب علينا إيجاد الحدود الفاصلة بين الخسارة الحقيقيّة والخسارة المتوقّعة والخسارة التخيّليّة. وبسببه أيضاً، تمتلئ أحلامنا بالكوابيس. ومع ذلك، "طوبى للخائفين، فإنّهم يبنون الحياة". لأنّ الإنسان القادر على الخوف يخترع ليحتاط وليستبق الأحداث، فيعطي مغامرة الحياة الّتي يعيشها معنى. فالخوف جزء مؤسِّس لحياة الإنسان طالما أنّه يتحمّل وِزر كرامته البشريّة. منذ أيّام فرويد، بدأنا نميّز بين الخوف والغم أو القلق Anguish. فالغمّ يتميّز بغياب الموضوع. صاحب الغمّ لا يعرف لماذا يستولي عليه هذا الشعور. أمّا الخوف، فهو غمّ وجد موضوعه. إنّه ردّ فعلٍ على خطرٍ حقيقيّ، أو على خسارةٍ لها هويّتها. لا شكّ أنّ الحيوان يخاف. لكنّه يعرف موضوع خوفه. أمّا الغم، فهو للإنسان فقط. الإنسان حيوانٌ صاحب غم. والغمّ الكامن فيه يتحرّر حين يتحوّل إلى سلسلة من المخاوف. فالخوف هو غمّ وجد موضوعه، أصبحت له صورة، وصار له مضمون. أمّا مصدر الغم، فبعضهم يقول إنّه ينبع من التهديد الأساسيّ: "الإنسان كائن فانٍ". من هنا ينبع غمّه. ومنهم مَن يقول إنّ الغمّ ينبع من السؤال: "لماذا أعيش؟ ولماذا عليَّ أن أعيش؟" العيش يعني الدخول في إطار الزمن. والدخول في إطار الزمن يعني أنّ حياة الإنسان أصبحت سلسلة من اللحظات المتتابعة: عشتُ (ماضٍ) وأعيش (حاضر) وسأعيش (مستقبل). هذا هو إطار الوجود. وطالما أنّ الإنسان يعيش في هذا الإطار، لا يستطيع أن يقول: "أنا هو"، وإنّما: "أنا موجود". الله وحده يستطيع أن يقول: "أنا هو"، لأنّه خارج إطار الزمن، لا ماضٍ لديه ولا حاضر ولا مستقبل. أمّا الإنسان، فيقول: "نا موجود!". ووجوده مشدود بين قطبين: لم أعد كذلك، ولستُ بعدُ. فكلّ لحظةٍ من حياة الإنسان تحمل طعم الموت والقيامة. اللحظة الماضية تموت (لم تعد موجودة)، واللحظة القادمة ترى الحياة. على هذا الأساس، يمكننا تعريف الوجود على أنّه مستقبل سيتحقّق. الوجود صيرورة. وجودي هو تحقيق مستمر لذاتي. وهذه الذات تنبع من الله، وتحمل في طيّاتها صورته، وهي مدعوّة إلى أن تعكس هذه الصورة تدريجيّاً، من خلال أفراح الحياة وأحزانها، نجاحاتها وإخفاقاتها، وستبلغ كمالها حين تتّحد بالذات الإلهيّة. حينها تستقرّ وتسعد ويزول كلّ خوفٍ عنها. "خلقتني لك يا رب، وقلبي لن يرتاح إلاّ فيكَ" (القدّيس أوغسطينوس). فالمستقبل علامة على أنّ طبيعتي تدفعني دوماً نحو الأمام. ومعنى حياتي يكمن في هذا الانجذاب نحو الأمام، نحو ما لم يتحقّق بعدُ من كياني. فأنا مشروع تكوين إنسانٍ، وهذا المشروع في صدد التنفيذ. في كلّ يومٍ تُنجَزُ منه أقسام؛ ببطءٍ تارةً وبسرعةٍ في تارةٍ أخرى. كلّ كائنٍ بشريٍّ يرغب في أن يكون إنساناً، أن يكون حرّاً، أن يحب وأن يُحَب. وهذه الرغبة تحثّه على العمل، على الخروج من الذات، على المغامرة. إنّها تدفعه نحو ما لم يتحقّق فيه بعدُ، نحو ما سيأتي، وفي هذا يكمن كلّ جنون البشريّة. جنونٌ لأنّ المستقبل مجهول. فالإنسان يستطيع أن يكدّس الثروات، وأن يتّخذ جميع الاحتياطات، وأن يباشر بتحقيق مشاريع مضمونة النتائج، لكنّه لا يستطيع أن يعرف كيف سيكون في المستقبل، فهناك جزء مجهول في الحياة قد يقلب الأمور رأساً على عقب، ولا يستطيع أحد أن يعرفه. جنونٌ لأنّ الرهان على المستقبل يشبه مَن يضع رجله على أرضٍ لا يراها ليخطو خطوةً نحو الأمام. وماذا لو لم تكن هناك أرضٌ، وقدمه ستدوس في الفراغ؟ لا شكّ أنّ خبرة الماضي وعادة الممارسة تبعثان بعض الطمأنينة في النفس. فالمثل يقول: "ما ضاقت إلاّ وفُرِجَت." والحماس يقول: "هل أخاف الليل والفجر قريب؟" ولكن صوتاً مجهول المصدر يهمس في قلب الإنسان ويقول: مَن يضمن أنّ معجزة الفرج ستحدث لكَ أنتَ بالذات؟ وماذا لو أدّت مساعيكَ إلى التراجع في إنسانيّتكَ بدل التقدّم؟ كيف تنمو في إنسانيّتكَ لو انقطع الخيط الّذي يشدّكَ نحو الأمام، لو انطفأ حماس الرغبة، لسببٍ أو لآخر؟ لوحدثت هذه الأمور ... هناك احتمال أن تحدث ... بل لا بدّ لها أن تحدث ... سينهار كلّ شيء. من هنا ينبع غمّ الإنسان غير المُعلَن. إنّه يخاف أن ينهار كلّ شيء: هو وجسده وعقله ومشاريعه وحياته ... وهو لا يعلم متى يحدث هذا. ربّما غداً، وربّما بعد سنواتٍ كثيرة، لكنّه سيحدث في المستقبل، في هذا المجهول الّذي تدفعه رغبته إلى السير نحوه ... الّذي تجبره رغبته على السير نحوه. لذلك يخاف. فما هو الحل؟ |
10 - 09 - 2014, 12:39 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: جولة في عالم الخوف
شكرا مارى
ربنا يبارك خدمتك |
||||
11 - 09 - 2014, 09:42 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: جولة في عالم الخوف
شكرا على المرور |
||||
|