يوم ٌ جديد ، صخب ٌ وزحام ٌ شديد . نسير وسط تكتل الاجساد . نشق طريقنا باكتافنا . نتقدم في قلب دوامة من الاصوات والضجيج ، ونتصادم ، تتصادم اجسادنا ، اسماعنا ، انظارنا ، تتصادم مع اجساد واسماع وانظار الآخرين حولنا . لا انفرادية ، لا خصوصية ، لا راحة ولا سكون . انفاس لاهثة ، عضلات مشدودة ، اعصاب ٌ مرهقة . هكذا الحياة اليومية العملية ، هكذا تدور الحياة ، طاحونة ٌ مستمرة ، وجهد ٌ وتعب ٌ وارهاق ٌ وعرق ، هذا حكم الله " بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا " لكن الله سبحانه يوصينا بالراحة . راحة لا كسل ، راحة لتجديد النشاط ، راحة لازمة للاستمرار في المسيرة . كان المسيح في عمله وتعاليمه ومعجزاته وسط زحام الجموع دائما ً ، لكنه كان يخرج من وسطهم الى موضع خلاء منفردا ً ، وكان يدعو تلاميذه ان يذهبوا الى الخلاء ليستريحوا . وكان يصعد الى الجبل منفردا ً ليصلي . الصلاة انفراد بالله . والمسيح في ذلك يعلمنا اهمية الراحة . كل شيء متكامل متظافر يحتاج الى توقف للاستراحة . الحياة سمفونية موسيقية متوحدة بها فترات انقطاع للراحة لضمان الاستمرار المتناغم المتناسق بنفس النشاط والحيوية . وقت الراحة ليس توقفا ً بل استعداد وتهيّأ لمرحلة قادمة . حياتنا مصممة من الله ومنظمة من عنده وبها فترات راحة . الاختلاء بالله يعطينا فهما ً وادراكا ً ومعرفة ً لقصده لنا . الانفراد بالله يشحذ قوانا ويملئنا قدرة ً ويشحننا بالشجاعة وينفخ في ارواحنا روح الايمان والراحة والاطمئنان . فنتجدد ونستعيد انفسنا ونستمر في مسيرة حياتنا . ساعات الاختلاء والالتقاء بالله جميلة ٌ رائعة ، هي اجمل واروع اوقات الحياة . يقول المرنم :
يا طيب ساعات بها اخلو مع الحبيب
يجري حديثي معه سراً ولا رقيب
من دون تدخل او مقاطعة من احد ، نتكلم معه ونحن نصلي منفردين به ، ويتكلم معنا ونحن ننصت مؤمنين به . لا تنسى يوم راحتك ولا تهمله . لا تنسى وقت انفرادك بالله ولا تهمله ، بهذا تستقيم الحياة وتستمر المسيرة .