تفسير لوقا 12 - إنجيل لوقا
11 - سيرتنا نحن في السماويات (ص 12).
إن هذا الإصحاح حديث للخاصة وليس للعامة، حديث لمن احبوا المسيح من كل قلوبهم، وتمنوا ان يتبعوه دائما، ولكن توجد معطلات والتزامات ومخاوف وطموحات تخنق مشاعرهم تجاه من احبوه: لهؤلاء بالذات الموجودين وسط الجموع الكثيرة التي ازدحمت حول المسيح لأغراض مختلفة (شفاء أمراضهم، مشاهدة الغرائب منه، الإستفادة، الأنتقاد والمقاومة..)
وجه لهم حديثه قائلًا:
أ - أني أحذركم من الرياء (1 - 12)، أي التظاهر بعكس ما في داخلكم، فإن التمادي في الرياء من الممكن أن يصل بكم إلي أنكار الإيمان أمام الناس، ومن ينكرني قدام الناس، ينكر قدام ملائكة الله. أنا أعلم أنكم تحبونني ولكن خوفكم علي انفسكم هو الذي يدفعكم أحيانًا للتخلي عن مبادئكم. ولكني أحب أن أطمئنكم أن شعور رؤوسكم جميعها محصاة عندي. وإن كان لكم أن تخافوا بالرغم من عنايتي بكم، فخافوا بالأولي من هلاك النفس والجسد في جهنم. خافوا الله، فإن خوف الله يطرد خوف الناس من القلب.
وأقبلوا صوت روح الله داخلكم، لأن من يرفض هذا الصوت ليست له توبة، لأنه كيف يرجع ويندم وهو يرفض الروح الذي يبكتنا ويردنا لله مرة أخري.
ب - وأدعوكم لتكونوا أغنياء في الله (13 - 31)، فمهما كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله. أنتم مخلوقين للسماء، تقضون فترة علي الأرض ثم ترجعون إلي موطنكم الأصلي، فلا تكونوا أغبياء في أذهانكم وتكنزوا لحساب هذا العالم وكأنكم تعيشون إلي الأبد، وأنتم لستم أغنياء لله. حان الوقت لتوقفوا الصراع بين الارتباك لترتيب الاحتياجات الزمنية والطمع والطموح الزائد، وبين السعي لغذاء أرواحكم. أسعوا أولًا لإشباع الروح بحفظ كلمة الله، وبالصلاة وممارسة وسائط النعمة، وعمل المحبة بين الناس، وكل هذه الزمنيات ستزاد لكم. ولا تقلقوا لأن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلها، ويُسر أن يعطيكم الملكوت.
جـ - وتكونوا مستعدين (33 - 40)، باستمرار عاملين لحساب الروح، لأننا لا نعلم متى يأتي الصوت الذي يطلب نفوسنا منا.
د - وتكونوا أمناء (41 - 48)، وتعلموا أن من يعطونه كثيرًا يطالبونه بأكثر. لأنكم أنتم تلاميذي، عرفتكم بكل ما يجب أن تفعلوه. فمن لا يعلم سوف يدان علي جهله، أما من يعلم الطريق ولم يسلك فيه فدينونته أعظم.
هـ - وتقبلوا الآلام لأجلي (49 - 53)، فقد جئت لألقي بنار الروح القدس الذي يشهد لي ويكرز بتعاليمي في قلوبكم، وأريد هذه النار مضطرمه في داخلكم ولكن كثيرون سيقاومونها، فينقسمون علي ذواتهم حيث يقبلون كلامي في أمر ما، ويرفضونه في أمر آخر، ويعملون به في موقف ما، ويهملونه في آخر. بل وينقسمون علي بعضهم البعض، فمنهم من يؤيد تعليمي، ومنهم من يرفضه. فلا تتوقعوا أن يكون انتشار ملكوتي بغير تحمل الآلام وقبول المقاومة من الذات أو من الآخرين.
أما أنا فلن أتراجع عن أن أشهد لنفسي مهما صبغتني الآلام، بل سأحتمل آلامي حتى يكمل فداؤكم.
و - وتميزون الوقت (54 - 59)، فكثيرون منكم حكماء في تمييز أمور هذا الدهر، أما زمان تجسد المسيح وإتمام النبوات فلا تعرفونها. أنكم لو حكمتم عقولكم وضمائركم غير ملتفتين إلي قضاتكم الخادعين الذين يضللونكم، لعرفتم أني أنا الآتي. فهيا تصالحوا معي بالتوبة والإيمان قبل فوات الوقت وحلول دينونة العالم.